ثمرة الصيام
محمد بن إبراهيم النعيم
1438/10/05 - 2017/06/29 04:20AM
أيها الأخوة في الله
كنا بالأمس نتحدث عن آداب استقبال شهر رمضان وعن فضل الصيام، وها نحن اليوم قد ودعنا هذا الركن العظيم، وفرحنا بانقضاء شهر الصوم، ليس لأن رمضان قد حرمنا من الأكل والشرب في النهار، وإنما فرحنا لأننا أكملنا عبادة عظيمة وقربة كبيرة، وركنا من أركان الإسلام، وقد جُبلت النفوس على الفرح عند الظفر، وانتهاء العمل على مراد صاحبه.
فنسأل الله تعالى برحمته القبول والرضا، وأن لا يجعل حظنا من الصيام والقيام الجوع والنصب.
إن الله تعالى لم يشرع لنا عبادة إلا ولها غاية، ومن ورائها حكمة، ولابد أن يقطف المسلم بعد أدائها ثمرة، وهذه الحكم قد ندركها أحيانا وقد لا ندركها، ولو تتبعنا أهم العبادات لوجدنا هذه الحقيقة .
فالصلاة التي هي عماد الدين؛ أمرنا الله عز وجل أن نؤديها خمس مرات في اليوم والليلة، وفي ذلك من الحكم الشيء الكثير، فالمسلم في صلاته يقف خاضعا بجسده وقلبه وجوارحه بين يدي بارئه تبارك وتعالى، وفي هذا الوقوف تعويد لقلب المسلم وأركانه وجوارحه أن تكون خاضعة منقادة لله تبارك وتعالى، ولذلك قال الله عز وجل ﴿وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ ﴾، فالصلاة موزعة على أوقات من النهار والليل ليتجدد التذكير وتتعاقب المواعظ، وبمقدار تكرر ذلك تزداد خواطر التقوى في النفس وتتباعد من العصيان حتى تصير التقوى ملكة لها، تساعد على صرفها عن الفحشاء والمنكر.
وقد جاء عن أبي هريرة –رضي الله عنه- أنه قال: جاء رجل إلى النبي –صلى الله عليه وسلم- فقال: إن فلاناً يصلي بالليل، فإذا أصبح سرق، فقال: (سينهاه ما تقول) أي صلاته بالليل. رواه أحمد وابن حبان.
وكذلك فريضة الحج فإن الله تعالى لما ذكر آيات الحج في سورة البقرة قال سبحانه وتعالى في آخر الآيات : ﴿ وَاتَّقُواْ اللّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ ﴾ وكأن المسلم حين يترك أهله ووطنه للذهاب إلى الحج فإنه يتذكر الرحيل من هذه الدنيا إلى عالم الآخرة، فإن شعائر الحج واجتماع الناس فيها يذكر المسلم بحشر الناس يوم القيامة واجتماعهم عند ربهم للجزاء.
وإذا نظرنا إلى الزكاة فإن الله تعالى قال فيها ﴿ خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم بِهَا ﴾ فالزكاة فيها تطهير للنفس من الشح الذي جبلت عليه ومن دنس البخل والطمع والتكبر على الفقراء والمحتاجين ، والارتقاء بهذه النفس بالتطلع إلى ما عند الله تعالى .
أما الصيام فإنه مدرسة عظيمة فيها من الدروس والحكم الشيء الكثير والتي أهمها غرس التقوى في القلوب، فقد قال الله عز وجل يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ.
فأهم ثمرات الصيام تقوى الله عز وجل، وهي الغاية التي شرع الله تعالى الصيام من أجلها، فمن لم يجني تقوى الله لم يستفد من صيامه.
والتقوى: هي أن يفعل الإنسان ما أمر الله وأن ينتهي عما نهى عنه، وإن كانت نفسه تنازعه وتلح عليه بالتفلت من هذه الأوامر وارتكاب المعاصي، فبالصيام يمتنع المسلم عن الطعام والشراب وغيرها من المفطرات امتثالا لأمر الله تعالى وإن كانت النفس تطلب تلك المفطرات وتشتهيها ولكن العبد يتجاهلها؛ مقدما أمر الله تعالى عليها، وهذا من التقوى، فحقيقة التقوى أن تجعل بينك وبين النار وأسبابها وقاية، فإنك ترى الصائم كلما همّ بمعصية تذكر أنه صائم لله فيمتنع عن تلك المعصية، فهذه ثمرة الصيام.
ومن ثمرات الصيام أيضا مراقبة الله تعالى في أي مكان وفي كل حين فالمراقبة: أن تعلم أن الله تعالى ناظر إليك مطلع على سريرتك، فالصائم تراه يمتنع عن تناول وفعل ما يفسد صيامه في أي مكان، حتى لو اختلى بنفسه، لأنه يعلم أن الله تعالى يراه ومطلع عليه ولا يخفى عليه شيء.
إذا ما خلوت الدهر يوما فلا تقل خلوت ولكن قل علي رقيب.
ولا تحسبن الله يغفـل ســاعة ولا أن ما تُخفي عليه يغيب.
ومن ثمرات الصيام أيضا التدرب على الصبر على الطاعة والصبر عن المعصية رجاء الثواب الذي أعده الله لعباده في الآخرة والشعور بأن الأيام معدودة في الدنيا ثم نغادرها لنفضي إلى ما قدمنا، وأن الصبر عاقبته حميدة؛ ولذلك يقول الله تعالى لعباده المؤمنين يوم القيامة : ﴿ كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئاً بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الْأَيَّامِ الْخَالِيَةِ ﴾
وللصيام ثمار عديدة قد يطول بنا المقام لو استعرضناها.
اسأل الله تعالى أن يتقبل منا صيامنا وقيامنا، وأن يكون ذلك شاهدا لنا لا علينا، وأن يعيد علينا رمضان أعواما عديدة وأزمنة مديدة ونحن في صحة وعافية.
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه وتوبوا إليه، إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
الحمد لله الذي من علينا وبلغنا إتمام شهر رمضان، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، الكريم المنان، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله خير من صلى وصام، صلى الله عليه وعلى الآل والصحب الكرام، ومن سار على نهجهم إلى يوم الدين وسلم تسليما كثيرا، أما بعد فاتقوا الله تعالى واعلموا أن النبي –صلى الله عليه وسلم- قد أخبرنا بأن الشياطين ومردة الجن تسلسل في أول ليلة من رمضان، وأنها لا تطلق إلا في ليلة العيد، فالشياطين اليوم قد أطلق سراحها لتعود إلى إضلالها وغيبها وإغوائها، فهل سيجدك شيطانك رجلا آخر بعد رمضان، أم سيجدك كما كنت قبل رمضان؟
فهل جنيت التقوى في قلبك بعد انقضاء شهرٍ كاملٍ وأنت منغمس في صيام وصلاة وقراءة قرآن؟ فإن الصائم كلما همّ بمعصية تذكر أنه صائم فيمتنع عنها، وهكذا يتعود المسلم على اجتناب المعاصي طوال شهره، فاعلموا أننا مأمورون بالصوم عن المعاصي طوال حياتنا وأنها ستباح لنا في الآخرة، فاستقم يا عبد الله كما أمرت، واصبر وصابر على طاعة الله؛ حتى تلقى الله تعالى على طاعة، واحذر أن تستعجل ما حرمه الله عليك في الدنيا لئلا يحرم عليك في الآخرة.
قال تعالى موبخا الكافرين وَيَوْمَ يُعْرَضُ الَّذِينَ كَفَرُوا عَلَى النَّارِ أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ الدُّنْيَا وَاسْتَمْتَعْتُم بِهَا فَالْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَبِمَا كُنتُمْ تَفْسُقُونَ.
اللهم اجعلنا ممن صام وقام إيمانا واحتسابا، اللهم اكتبنا ممن قام ليلة القدر، اللهم تقبل منا صيامنا وقيامنا وصالح أعمالنا، وأعد علينا رمضان أعواما عديدة وأزمنة مديدة ونحن في صحة في أبداننا وأمن في أوطاننا.
اللهم اهدنا لأحسن الأخلاق لا يهدي لأحسنها إلا أنت، واصرف عنا سيئها لا يصرف عنا سيئها إلا أنت، اللهم أحينا على أحسن الأحوال التي ترضيك عنا، وأمتنا على أحسن الأحوال التي ترضيك عنا، اللهم ارزقنا الثبات حتى الممات، اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا، وأصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا، وأصلح لنا آخرتنا التي إليها معادنا، واجعل الحياة زيادة لنا في كل خير، واجعل الموت راحة لنا من كل شر،اللهم احفظ علينا أمننا واستقرارنا، وأصلح ولاة أمرنا، وارزقهم بطانة صالحة ناصحة يا رب العالمين...