ثلاث وصايا نبوية 1441/01/28

ثلاث وصايا نبوية[1]
الحمدلله, أمر عباده بالطاعة ونهاهم عن المعصية وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له, خلق فسوى وقدر فهدى, وأمر ونهى, وله في ذلك الحكمة البالغة, وأشهد أنَّ محمداً عبده ورسوله وصفيه وخليله صلوات ربي وسلامه عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليماً, أما بعد:
فاتقوا الله أيها المسلمون, وأطيعوا الله ورسوله تفلحوا وتفوزوا واعلموا أنَّكم في دار هي ممركم ثم إلى الآخرة مستقركم, فمن عمل صالحاً في دار ممره نال نعيماً في دار قراره {وَإِنَّ الْآخِرَةَ هِيَ دَارُ الْقَرَارِ (39) مَنْ عَمِلَ سَيِّئَةً فَلَا يُجْزَى إِلَّا مِثْلَهَا وَمَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ يُرْزَقُونَ فِيهَا بِغَيْرِ حِسَابٍ} [غافر: 39، 40] جعلني الله وإياكم ووالدينا من أهل الجنة.
أيها المؤمنون: ثلاث وصايا نبوية أوصى بها النبي صلى الله عليه وسلم أبا ذرٍّ رضي الله عنه وهي كذلك لعموم المسلمين, حيث قال له: "اتَّقِ الله حَيْثُمَا كُنْتَ، وَأَتْبِعِ السَّيِّئَةَ الحَسَنَةَ تَمْحُهَا، وَخَالِقِ النَّاسَ بِخُلُقٍ حَسَنٍ" (أخرجه الإمام أحمد والترمذي وحسنه الألباني).
وهذه الوصايا الثلاث وصايا جامعة فالوصية الأولى: أوصاه بتقوى الله عزوجل في السر والعلن والحضر والسفر, قال طلق بن حبيب رحمه الله: "التَّقْوَى عَمَلٌ بِطَاعَةِ اللهِ، رَجَاءَ رَحْمَةِ اللهِ عَلَى نُورٍ مِنَ اللهِ، وَالتَّقْوَى تَرْكُ مَعْصِيَةِ اللهِ مَخَافَةَ عِقَابِ اللهِ عَلَى نُورٍ مِنَ اللهِ" وقال الإمام ابن باز رحمه الله: "تقواه سبحانه هي عبادته بفعل الأوامر وترك النواهي، عن خوف من الله، وعن رغبة فيما عنده، وعن خشية له سبحانه، وعن تعظيم لحرماته، وعن محبة صادقة له سبحانه، ولرسوله محمد صلى الله عليه وسلم، ولجميع المرسلين والمؤمنين" (مجموع فتاوى ابن باز (6/ 13) وقال الإمام ابن القيم رحمه الله: "جمع النبي بَين تقوى الله وَحسن الْخلق لِأَن تقوى الله يصلح مَا بَين العَبْد وَبَين ربه وَحسن الْخلق يصلح مَا بَينه وَبَين خلقه فتقوى الله توجب لَهُ محبَّة الله وَحسن الْخلق يَدْعُو إِلَى محبته" (الفوائد لابن القيم (ص: 54)
عباد الله: إنَّ الله تعالى يحب من عباده الأتقياء الأخفياء قال النبي صلى الله عليه وسلم: "إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْعَبْدَ التَّقِيَّ، الْغَنِيَّ، الْخَفِيَّ" (أخرجه مسلم) والمراد بالغني هو غني النفس والخفي هو المنقطع إلى العبادة والمشتغل بأمور نفسه. والمتقون يا عباد الله حياتهم سعادة ومجالستهم خير وسعيهم إلى خير يُصلحون ولا يُفسدون, إن أمروا أمروا بالمعروف وإن نهوا نهوا عن المنكر, ألسنتهم رطبة من ذكر الله لا هم يغتابون ولا يلعنون ولا تسمع منهم فاحش القول, بل أقوالهم طيبة ونفوسهم زكيَّة يرون أنَّ تجارتهم الحقيقية إنما تكون بتقوى الله التي بها يربحون, ويرون أنَّ أي تجارة تخلو من التقوى إنَّما هي خسارة, فالتاجر المتقي لله هو التاجر وإن قلَّ ربحه المادي, والمتقي لله يخشى إثم مثقال الذرة, قَالَ أَبُو الدَّرْدَاءِ رضي الله عنه: "تَمَامُ التَّقْوَى أَنْ يَتَّقِيَ الله الْعَبْدُ حَتَّى يَتَّقِيَهُ فِي مِثْقَالِ ذَرَّةٍ، حَتَّى يَتْرُكَ بَعْضَ مَا يَرَى أَنَّهُ حَلَالٌ، خَشْيَةَ أَنْ يَكُونَ حَرَامًا, يَكُونُ حِجَابًا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْحَرَامِ، فَإِنَّ الله قَدْ بَيَّنَ لِلْعِبَادِ الَّذِي يُصَيِّرُهُمْ إِلَيْهِ...فَلَا تَحْقِرَنَّ شَيْئًا مِنَ الشَّرِّ أَنْ تَتَّقِيَهُ، وَلَا شَيْئًا مِنَ الْخَيْرِ أَنْ تَفْعَلَهُ" وقال النبي صلى الله عليه وسلم: "اجْعَلُوا بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ الْحَرَامِ سُتْرَةً مِنَ الْحَلَالِ، مَنْ فَعَلَ ذَلِكَ اسْتَبْرَأَ لِعِرْضِهِ وَدِينِهِ" (أخرجه ابن حبان وحسنه الألباني). وَقَالَ بَعْضُ الصَّحَابَةِ: "كُنَّا نَدَعُ سَبْعِينَ بَابًا مِنَ الْحَلَالِ مَخَافَةَ أَنْ نَقَعَ فِي بَابٍ مِنَ الْحَرَامِ" وقال الحسن البصري رحمه الله: "مازالت التقوى بالمتقين حتى تركوا كثيرا من الحلال مخافة الحرام" وَقَالَ بَعْضَ السَّلَفِ: "لَا يَبْلُغُ الْعَبْدُ حَقِيقَةَ التَّقْوَى حَتَّى يَدَعَ مَا لَا بَأْسَ بِهِ حَذَرًا مِمَّا بِهِ بَأْسٌ".
والوصية الثانية يا عباد الله: هي أن يُتبع المرء السيئة الحسنة, من منَّا يا أحبَّة يسلم الخطأ والزلل فكلنا خطَّاء, فإذا عمل المرء سيئة فعليه أن يُتبعها حسنة كي تمحها عنه, والسيئة كل عمل يأثم عليه, والحسنة كل عمل يثاب عليه, قال تعالى: {إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ} [هود: 114] وعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيمَا يَرْوِي عَنْ رَبِّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى، قَالَ: "إِنَّ اللَّهَ كَتَبَ الحَسَنَاتِ وَالسَّيِّئَاتِ ثُمَّ بَيَّنَ ذَلِكَ، فَمَنْ هَمَّ بِحَسَنَةٍ فَلَمْ يَعْمَلْهَا كَتَبَهَا الله لَهُ عِنْدَهُ حَسَنَةً كَامِلَةً، فَإِنْ هُوَ هَمَّ بِهَا فَعَمِلَهَا كَتَبَهَا الله لَهُ عِنْدَهُ عَشْرَ حَسَنَاتٍ إِلَى سَبْعِ مِائَةِ ضِعْفٍ إِلَى أَضْعَافٍ كَثِيرَةٍ، وَمَنْ هَمَّ بِسَيِّئَةٍ فَلَمْ يَعْمَلْهَا كَتَبَهَا الله لَهُ عِنْدَهُ حَسَنَةً كَامِلَةً، فَإِنْ هُوَ هَمَّ بِهَا فَعَمِلَهَا كَتَبَهَا الله لَهُ سَيِّئَةً وَاحِدَةً" (أخرجه الشيخان).
معاشر المسلمين: الوصية الثالثة: قوله عليه الصلاة والسلام: "وخالق الناس بخلق حسن" قَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ رحمه الله: حَقِيقَةُ حُسْنِ الْخُلُقِ بَذْلُ الْمَعْرُوفِ، وَكَفُّ الْأَذَى وَطَلَاقَةُ الْوَجْهِ. وخيار الناس أحسنهم خلقاً قال النبي صلى الله عليه وسلم: "إِنَّ مِنْ خِيَارِكُمْ أَحْسَنَكُمْ أَخْلاَقًا" (أخرجه الشيخان). والأخلاق الحسنة أجورها عظيمة يوم القيامة فهي تُثقِّل الميزان, قال النبي صلى الله عليه وسلم: "مَا شَيْءٌ أَثْقَلُ فِي مِيزَانِ المُؤْمِنِ يَوْمَ القِيَامَةِ مِنْ خُلُقٍ حَسَنٍ، وَإِنَّ اللَّهَ لَيُبْغِضُ الفَاحِشَ البَذِيءَ" (أخرجه الترمذي) وكذلك فإنَّ حسن الخلق سبب عظيم من أسباب دخول الجنة, سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن أكثر ما يدخل الناس الجنة فقال: "تَقْوَى اللَّهِ وَحُسْنُ الخُلُقِ" (أخرجه الإمام أحمد وحسنه الألباني).
معاشر المسلمين: إنَّ الذي يخالق الناس بالخلق الحسن ليدرك درجة عالية من درجات الأعمال الصالحة قال النبي صلى الله عليه وسلم: "إِنَّ الْمُؤْمِنَ لَيُدْرِكُ بِحُسْنِ خُلُقِهِ دَرَجَةَ الصَّائِمِ الْقَائِمِ" (أخرجه الإمام أحمد وصححه الألباني).
فيا عباد الله: احفظوا هذه الوصايا النبوية الثلاث: تقوى الله وإتباع السيئة الحسنة, ومخالقة الناس بخلق حسن.
بارك الله لي ولكم في القران العظيم ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب وخطيئة فاستغفروه إنَّه هو الغفور الرحيم.
 
 [1]28/01/1441هـ جامع بلدة الداخلة في سدير, عمر المشاري.
المرفقات

وصايا-نبوية

وصايا-نبوية

المشاهدات 1713 | التعليقات 2

جزاك الله خيرا


وإياك.