ثلاثٌ مُهلكاتٌ وثلاثٌ مُنجياتٌ
عنان عنان
1435/12/20 - 2014/10/14 17:47PM
(ثلاثٌ مهلكاتٌ وثلاثٌ مُنجياتٌ)
عبادَ اللهِ: إنَّ حياةَ الانسانِ على وجهِ هذه الارضِ، عُرضةٌ للخيرِ والشرِ، وللفرحِ والترح، وللتفاؤلِ والتشاؤمِ، وللاخفاقِ والنجاحِ، وللفسادِ والصلاحِ، تارةً ترى الانسانَ يعملُ عملاً يُكفرُ عَنْ سيائتهِ، وتارةً تراهُ يعملُ عملاً يرفعُ في درجاتهِ، وتارةً تراهُ يعملُ عملاً يؤديهِ إلى الهلاكِ والبوارِ.
عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ r: «ثَلاَثٌ مُهْلِكَاتٌ، وَثَلاَثٌ مُنْجِيَاتٌ، وَثَلاَثٌ كَفَّارَاتٌ، وَثَلاَثٌ دَرَجَاتٌ. فَأَمَّا الْمُهْلِكَاتُ: فَشُحٌّ مُطَاعٌ، وَهَوًى مُتَّبَعٌ، وَإِعْجَابُ الْمَرْءِ بِنَفْسِهِ. وَأَمَّا الْمُنْجِيَاتُ: فَالْعَدْلُ فِي الْغَضَبِ وَالرِّضَى، وَالْقَصْدُ فِي الْفَقْرِ وَالْغِنَى، وَخَشْيَةُ اللَّهِ فِي السِّرِّ وَالْعَلَانِيَةِ. وَأَمَّا الْكَفَّارَاتُ: فَانْتِظَارُ الصَّلاَةِ بَعْدَ الصَّلاَةِ، وَإِسْبَاغُ الْوُضُوءِ فِي السَّبَرَاتِ [أَيْ:شِدَّةِ الْبَرْدِ]، وَنَقْلُ الأَقْدَامِ إِلَى الْجَمَاعَاتِ. وَأَمَّا الدَّرَجَاتُ: فَإِطْعَامُ الطَّعَامِ، وَإِفْشَاءُ السَّلَامِ، وَصَلَاةٌ بِاللَّيْلِ وَالنَّاسُ نِيَامٌ» [رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي الأَوْسَطِ وَحَسَّنَهُ الأَلْبَانِيُّ].
عبادَ اللهِ: فأمَّا المهلكاتُ الاولى المذكورةُ في الحديثِ، شٌحٌ مُطاعٌ، والشحُ هو أشدُّ مِنَ البُخلِ، وصاحبُهُ يُطيعهُ، تَجدهُ شحيحاً بَخيلاً، لا يؤدي زكاةَ مالِهِ، وإذا ادَّاها اخرجها ناقصةً، ومِنْ غيرِ طيبٍ، تَجدهُ يمنعُ النفقاتِ، ولا يُكفرُ عَنْ نفسهِ الكفاراتِ الايمانيةِ، ولا النذورِ، تجدَهُ لا يتصدقُ على الفقراءِ والمساكينِ، تجدهُ بخيلاً على نفسهِ وأهلهِ وأولادهِ، وهذه الخِصلةُ شرٌ ما في الرجلِ.
عبادَ اللهِ: لقدْ ذمَّ اللهُ سبحانه وتعالى الشُّحَ وأهلهَ، فقالَ أعزَّ مِنْ قائلٍ
: )وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ هُوَ خَيْرًا لَهُمْ بَلْ هُوَ شَرٌّ لَهُمْ سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلِلَّهِ مِيرَاثُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ( [آل عمران:180]
وَقَالَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: )وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ([الحشر:9].
عبادَ اللهِ: الشُّحُ هلكَ الاممَ السابقةَ، وانتهكَ حرماتِها، واستحلَّ دِماءَها، وعاقبتُهُ في الاخرةِ شديدةٌ ونكيلةٌ،
فَعَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا أَنَّ رَسُولَ اللهِ r قَالَ: «اتَّقُوا الظُّلْمَ؛ فَإِنَّ الظُّلْمَ ظُلُمَاتٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَاتَّقُوا الشُّحَّ؛ فَإِنَّ الشُّحَّ أَهْلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ، حَمَلَهُمْ عَلَى أَنْ سَفَكُوا دِمَاءَهُمْ، وَاسْتَحَلُّوا مَحَارِمَهُمْ» [رَوَاهُ مُسْلِمٌ].
وأذمُ صِفةٍ في الرجلِ هي الشُّحُ والجُبنُ،
قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ رضيَ اللهُ عنهُ
سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللهُ عليهِ وسلمَ يَقُولُ: «شَرُّ مَا فِي الرَّجُلِ: شُحٌّ هَالِعٌ، وَجُبْنٌ خَالِعٌ» [رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ].
والشُّحُ الهالعُ هو الذي يَدفعُ صاحبَهُ إلى الحرصِ على المالِ، والجزعِ عندَ ذَهابهِ، والجبنُ الخالغُ هو الذي يكادُ يخلعُ فؤادَ صاحبِهِ مِنْ شِدةِ خوفهِ،
والشُّحُ لا يَجتمعُ معَ الايمانِ،
فَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ t قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ r: «لاَ يَجْتَمِعُ الشُّحُّ وَالْإِيمَانُ فِي قَلْبِ عَبْدٍ أَبَدًا» [رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالنَّسَائِيُّ].
عبادَ اللهِ: أمَّا المُهلكةُ الثانيةُ، فهيَ إتِّباعُ الهوى، ونعوذُ باللهِ مِنْ إتباعِ الهوى، وهو مَيلُ الطبعِ إلى ما يلائمهُ، وسُميَ الهوى هوى، لانَّهُ يهوي بصاحبهِ إلى العواقبِ الذميمةِ،
قالَ ابنُ عباسٍ رضيَ اللهُ عنهما: (الهوى إلهٌ يُعبد) نعوذُ باللهِ مِنَ الهوى، كمْ حَرَمَ الهوى مِنْ فضيلةِ، وكمْ أوقعَ في رذيلةٍ، كمْ مِنْ شهوةٍ كسرَتْ جاهاً وأعقبتْ ذُلاً، وقبَّحتْ ذِكراً، ونكَّستْ راساً، والبستْ عاراً، لا يُغسلهُ الماءُ، ولا يُطَّهرهُ الترابُ، والنَّاسُ صنفانِ، منهم مَنْ يتبعُ الهوى، ومنهم مَنْ يتبعُ الهُدى،
قَالَ تَعَالَى: )فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنَ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ ( [القصص:50].
وَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ: )وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا ( [الكهف:28
أَتْبَاعَهُ بِأَخَسِّ الْحَيَوَانَاتِ فَقَالَ عَزَّ مِنْ قَائِلٍ: )وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ * وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا ولكنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِن تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَث ذَّلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ( [الأعراف:175-176].
والانسانُ الذي يَتبعُ هواهُ، دليلُ على نَقصِ عَقلهِ، وضِعفِ إيمانهِ وإرادتهِ، وَقِلةِ مُراقبتهِ للهِ عزَّ وجلَّ، ودليلٌ على خُبثِ النفسِ، مِنَ الحسدِ والحقدِ، وحبٍّ لِلشُهرةِ والعلوِ، وحِرصٍ على قَضاءِ الوترِ، وصاحبُهُ شَبيهٌ بالانعامِ، بلْ هوَ أضلُّ مِنَ الانعامِ، إذِ الهوى يَضِلُّ صاحبَهُ، وَيَصمَهُ عَنْ قَبولِ الحقِّ،
قال تعالى : " وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لَا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آَذَانٌ لَا يَسْمَعُونَ بِهَا أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ " [الأعراف، 179] .
عبادَ اللهِ: احذركم مِنْ مجالسةِ ومخالطةِ أهلِّ الاهواء، قالَ ابنُ عباسٍ: (لا تُجالسوا أهلَ الاهواءِ فإنَّهم يُمرضونَ القلوبَ) رواه ابن بطة في الانابة.
وقال عبدُ اللهِ بنِ مسعودٍ: ( أنتم في زمانٍ يَقودُ الحقُّ الهوى وسياتي زمانٌ يقودُ الهوى الحقَّ) فنعوذ باللهِ مِنْ ذلكَ الزمانِ، ونحنُ واللهِ فيه.
عبادَ اللهِ: أمَّا المهلكةُ الثالثةُ التي تُهلكُ العبدَ في الدنيا والاخرة، الا وهيَ إعجابُ المرءِ بنفسهِ،
ترى الانسانَ يُعجِبُ بعلمهِ، أو رأيهِ، أو جمالهِ، أو حسبهِ ونسبه، أو منصبهِ، أو مالهِ، وهذا مما يؤدي إلى الكبرِ وغمطِ الناسِ، وهذه الصفةُ لا يُحبُّها اللهُ سبحانهُ وتعالى، بلْ هذه الصفةُ مبغوضةٌ عندَ اللهِ سبحانهُ وتعالى،
قال سبحانه: (إنَّ اللهَ لا يُحبُّ كُلَّ مُختالٍ فخورٍ) الحديد. أي المتكبرُ المفتخرُ بنفسهِ ومالهِ وفي جميعِ شؤونهِ،وقدْ يَصلُ بهِ الحالُ أن يرى أنَّ له عندَ اللهِ حقَّاً،
وفي الصحيحينِ عَنْ أبي هُريرةَ رضيَ اللهُ عنهُ قالَ: قالَ رسولُ اللهِ صلى اللهُ عليهِ وسلمَ: «لَنْ يُدْخِلَ أَحَدًا مِنْكُمْ عَمَلُهُ الْجَنَّةَ» قَالُوا: وَلاَ أَنْتَ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: «وَلاَ أَنَا، إِلاَّ أَنْ يَتَغَمَّدَنِيَ اللهُ مِنْهُ بِفَضْلٍ وَرَحْمَةٍ».
وعاقبةُ العُجبِ بالنفسِ، الهلاكُ والبوارُ، قال تعالى: حكايةً عَنْ قارونَ )قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِنْدِي ( [القصص:78] فَكَانَتْ عَاقِبَتُهُ بَعْدَ إِعْجَابِهِ هَذَا مَا ذَكَرَهَا اللهُ تَعَالَى بِقَوْلِهِ: ) فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الْأَرْضَ فَمَا كَانَ لَهُ مِنْ فِئَةٍ يَنْصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَمَا كَانَ مِنَ الْمُنْتَصِرِينَ ( [القصص:81].
كفاني اللهُ وإياكم شَّرَ الاهواءِ والادواءِ وجعلني اللهُ وإياكم مِنْ عبادِهِ الاتقياءِ
أقولو قولي هذا واستغفرُ اللهَ لي ولكم فاستغفروهُ وتوبوا إليهِ إنَّهُ هوَ التوابُ الرحيمُ."
عِبادَ اللهِ: وأمَّا المُنجياتُ التي ذُكِرتْ في الحديثِ الشريفِ، فأولُها العدلُ في الغضبِ والرضى، لأنَّ ليس كلُّ إنسانٍ يَستطيعُ أنْ يَملكَ نفسَهُ عندَ الغضبِ، مِنْ أجلِ ذلكَ قال صلى الله عليه وسلم: (ليس الشديدُ بالصُرعةِ إنَّما الشديدُ الذي يَملكُ نفسَهُ عِندَ الغضبِ)
والشيطانُ عبادَّ اللهِ يكونُ مسيطرٌ على الانسانِ في حالةِ الغضبِ، فالمسلمُ الحقُّ لا يَقولُ إلّا الحقَّ، والمُسلمُ الحقُّ يعدل في وقتِ الغضبِ والرضى،
المُسلمُ الحقُّ يقولُ كلمةَ الحقِ ولا تأخُذُهُ في اللهِ لومةُ لائمٍ، وقدْ أمرنا اللهُ أنْ نَعدِل بينَ الناسِ فَقَالَ: )إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا، وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالعَدْلِ، إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ، إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا( [النساء:58]، وَأَلْزَمَ بِهِ وَلَوْ كَانَ عَلَى النَّفْسِ أَوْ أَقْرَبِ الْمُقَرَّبِينَ؛ فَقَالَ سُبْحَانَهُ: )يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ إِنْ يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا فَاللَّهُ أَوْلَى بِهِمَا فَلَا تَتَّبِعُوا الْهَوَى أَنْ تَعْدِلُوا وَإِنْ تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا( [النساء:135].
عِبادَ اللهِ: وأمَّا المُنجيةُ الثانية، ألا وهيَ القصدُ في الفقرِ والغنى، بمعنى أنْ يَعدلَ في الانفاقِ في حالتي الغنى والفقرِ، لا يُسرفُ ولا يُيبذرُ ولا يَقتُرُ في الانفاقِ، بلْ بالعدلِ والتوسطِ، فكثرةُ الاسرافِ في الغنى، يؤدي إلى عَدمِ الصبرِ في الفقرِ، فالقصدُ والاعتدالُ هو المطلوبُ،
، قَالَ عَزَّ وَجَلَّ: )وَالَّذِينَ إذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا ([الفرقان:67]
وَعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ r: «كُلُوا، وَاشْرَبُوا، وَتَصَدَّقُوا، وَالْبَسُوا؛ مَا لَمْ يُخَالِطْهُ إِسْرَافٌ، أَوْ مَخِيلَةٌ» [رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالتِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ].
عبادَ الله: وأمَّا المُنَجِّيَةُ الثالثةُ، ألا وهيَ الخشيةُ في السرِ والعلنِ، أي أنْ يخشى اللهَ سبحانه وتعالى في السرِ والعلنِ، يخشاهُ في خلوتهِ وجلوتهٍ، يخشاهُ حيثُ يراهُ الناسُ، وحيثُ لا يَرونهُ، فقدَّمَ الخشيةَ في السرِ على العلنِ، لأنَّ لا تتحققُ الثانية، حتى تتحققّ الاولى، والخشيةُ في السرِ، هيَ دوامُ مراقبةِ اللهِ عزَّ وجلَّ، كما في الحديثِ الصحيحِ قالّ النبيُ صلى الله عليه وسلمَ: (اعبدْ اللهَ كأنَّكَ تراهُ فإنْ لمْ تكنْ تراهُ فهوَ يراكَ).
وَقَدْ كَانَ مِنْ دُعَاءِ النَّبِيِّ r: «وَأَسْأَلُكَ خَشْيَتَكَ فِي الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ، وَأَسْأَلُكَ كَلِمَةَ الْحَقِّ فِي الرِّضَا وَالْغَضَبِ، وَأَسْأَلُكَ الْقَصْدَ فِي الْفَقْرِ وَالْغِنَى» [رَوَاهُ النَّسَائِيُّ مِنْ حَدِيثِ عَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا].
وَأَهْلُ الْخَشْيَةِ هُمْ أَهْلُ الْجَنَّةِ وَالْخُلُودِ؛ قَالَ اللهُ تَعَالَى: )وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ غَيْرَ بَعِيدٍ. هَذَا مَا تُوعَدُونَ لِكُلِّ أَوَّابٍ حَفِيظٍ. مَنْ خَشِيَ الرَّحْمَنَ بِالْغَيْبِ وَجَاءَ بِقَلْبٍ مُنِيبٍ. ادْخُلُوها بِسَلامٍ ذلِكَ يَوْمُ الْخُلُودِ( [ق:31- 34]. وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ r يَقُولُ: «عَيْنَانِ لاَ تَمَسُّهُمَا النَّارُ: عَيْنٌ بَكَتْ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ، وَعَيْنٌ بَاتَتْ تَحْرُسُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ» [رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ].
اللهمَّ وفقنا لِطاعتك وطاعةِ نبيك محمدٍ صلى الله عليه وسلم وطاعةِ مَنْ أمرتنا بِطاعتهِ عملاً بِقولك: (يايها الذينَ امنوا أطيعوا اللهَ وأطيعوا الرسولَ وأولي ألامرِ مِنكم)
وصلَّ اللهمَّ وبارك على سيدنا محمدٍ وعلى آلهِ وأصحابهِ وسَلَّمَ تسليماً كَثيراً."
عبادَ اللهِ: إنَّ حياةَ الانسانِ على وجهِ هذه الارضِ، عُرضةٌ للخيرِ والشرِ، وللفرحِ والترح، وللتفاؤلِ والتشاؤمِ، وللاخفاقِ والنجاحِ، وللفسادِ والصلاحِ، تارةً ترى الانسانَ يعملُ عملاً يُكفرُ عَنْ سيائتهِ، وتارةً تراهُ يعملُ عملاً يرفعُ في درجاتهِ، وتارةً تراهُ يعملُ عملاً يؤديهِ إلى الهلاكِ والبوارِ.
عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ r: «ثَلاَثٌ مُهْلِكَاتٌ، وَثَلاَثٌ مُنْجِيَاتٌ، وَثَلاَثٌ كَفَّارَاتٌ، وَثَلاَثٌ دَرَجَاتٌ. فَأَمَّا الْمُهْلِكَاتُ: فَشُحٌّ مُطَاعٌ، وَهَوًى مُتَّبَعٌ، وَإِعْجَابُ الْمَرْءِ بِنَفْسِهِ. وَأَمَّا الْمُنْجِيَاتُ: فَالْعَدْلُ فِي الْغَضَبِ وَالرِّضَى، وَالْقَصْدُ فِي الْفَقْرِ وَالْغِنَى، وَخَشْيَةُ اللَّهِ فِي السِّرِّ وَالْعَلَانِيَةِ. وَأَمَّا الْكَفَّارَاتُ: فَانْتِظَارُ الصَّلاَةِ بَعْدَ الصَّلاَةِ، وَإِسْبَاغُ الْوُضُوءِ فِي السَّبَرَاتِ [أَيْ:شِدَّةِ الْبَرْدِ]، وَنَقْلُ الأَقْدَامِ إِلَى الْجَمَاعَاتِ. وَأَمَّا الدَّرَجَاتُ: فَإِطْعَامُ الطَّعَامِ، وَإِفْشَاءُ السَّلَامِ، وَصَلَاةٌ بِاللَّيْلِ وَالنَّاسُ نِيَامٌ» [رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي الأَوْسَطِ وَحَسَّنَهُ الأَلْبَانِيُّ].
عبادَ اللهِ: فأمَّا المهلكاتُ الاولى المذكورةُ في الحديثِ، شٌحٌ مُطاعٌ، والشحُ هو أشدُّ مِنَ البُخلِ، وصاحبُهُ يُطيعهُ، تَجدهُ شحيحاً بَخيلاً، لا يؤدي زكاةَ مالِهِ، وإذا ادَّاها اخرجها ناقصةً، ومِنْ غيرِ طيبٍ، تَجدهُ يمنعُ النفقاتِ، ولا يُكفرُ عَنْ نفسهِ الكفاراتِ الايمانيةِ، ولا النذورِ، تجدَهُ لا يتصدقُ على الفقراءِ والمساكينِ، تجدهُ بخيلاً على نفسهِ وأهلهِ وأولادهِ، وهذه الخِصلةُ شرٌ ما في الرجلِ.
عبادَ اللهِ: لقدْ ذمَّ اللهُ سبحانه وتعالى الشُّحَ وأهلهَ، فقالَ أعزَّ مِنْ قائلٍ
: )وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ هُوَ خَيْرًا لَهُمْ بَلْ هُوَ شَرٌّ لَهُمْ سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلِلَّهِ مِيرَاثُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ( [آل عمران:180]
وَقَالَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: )وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ([الحشر:9].
عبادَ اللهِ: الشُّحُ هلكَ الاممَ السابقةَ، وانتهكَ حرماتِها، واستحلَّ دِماءَها، وعاقبتُهُ في الاخرةِ شديدةٌ ونكيلةٌ،
فَعَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا أَنَّ رَسُولَ اللهِ r قَالَ: «اتَّقُوا الظُّلْمَ؛ فَإِنَّ الظُّلْمَ ظُلُمَاتٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَاتَّقُوا الشُّحَّ؛ فَإِنَّ الشُّحَّ أَهْلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ، حَمَلَهُمْ عَلَى أَنْ سَفَكُوا دِمَاءَهُمْ، وَاسْتَحَلُّوا مَحَارِمَهُمْ» [رَوَاهُ مُسْلِمٌ].
وأذمُ صِفةٍ في الرجلِ هي الشُّحُ والجُبنُ،
قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ رضيَ اللهُ عنهُ
سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللهُ عليهِ وسلمَ يَقُولُ: «شَرُّ مَا فِي الرَّجُلِ: شُحٌّ هَالِعٌ، وَجُبْنٌ خَالِعٌ» [رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ].
والشُّحُ الهالعُ هو الذي يَدفعُ صاحبَهُ إلى الحرصِ على المالِ، والجزعِ عندَ ذَهابهِ، والجبنُ الخالغُ هو الذي يكادُ يخلعُ فؤادَ صاحبِهِ مِنْ شِدةِ خوفهِ،
والشُّحُ لا يَجتمعُ معَ الايمانِ،
فَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ t قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ r: «لاَ يَجْتَمِعُ الشُّحُّ وَالْإِيمَانُ فِي قَلْبِ عَبْدٍ أَبَدًا» [رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالنَّسَائِيُّ].
عبادَ اللهِ: أمَّا المُهلكةُ الثانيةُ، فهيَ إتِّباعُ الهوى، ونعوذُ باللهِ مِنْ إتباعِ الهوى، وهو مَيلُ الطبعِ إلى ما يلائمهُ، وسُميَ الهوى هوى، لانَّهُ يهوي بصاحبهِ إلى العواقبِ الذميمةِ،
قالَ ابنُ عباسٍ رضيَ اللهُ عنهما: (الهوى إلهٌ يُعبد) نعوذُ باللهِ مِنَ الهوى، كمْ حَرَمَ الهوى مِنْ فضيلةِ، وكمْ أوقعَ في رذيلةٍ، كمْ مِنْ شهوةٍ كسرَتْ جاهاً وأعقبتْ ذُلاً، وقبَّحتْ ذِكراً، ونكَّستْ راساً، والبستْ عاراً، لا يُغسلهُ الماءُ، ولا يُطَّهرهُ الترابُ، والنَّاسُ صنفانِ، منهم مَنْ يتبعُ الهوى، ومنهم مَنْ يتبعُ الهُدى،
قَالَ تَعَالَى: )فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنَ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ ( [القصص:50].
وَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ: )وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا ( [الكهف:28
أَتْبَاعَهُ بِأَخَسِّ الْحَيَوَانَاتِ فَقَالَ عَزَّ مِنْ قَائِلٍ: )وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ * وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا ولكنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِن تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَث ذَّلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ( [الأعراف:175-176].
والانسانُ الذي يَتبعُ هواهُ، دليلُ على نَقصِ عَقلهِ، وضِعفِ إيمانهِ وإرادتهِ، وَقِلةِ مُراقبتهِ للهِ عزَّ وجلَّ، ودليلٌ على خُبثِ النفسِ، مِنَ الحسدِ والحقدِ، وحبٍّ لِلشُهرةِ والعلوِ، وحِرصٍ على قَضاءِ الوترِ، وصاحبُهُ شَبيهٌ بالانعامِ، بلْ هوَ أضلُّ مِنَ الانعامِ، إذِ الهوى يَضِلُّ صاحبَهُ، وَيَصمَهُ عَنْ قَبولِ الحقِّ،
قال تعالى : " وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لَا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آَذَانٌ لَا يَسْمَعُونَ بِهَا أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ " [الأعراف، 179] .
عبادَ اللهِ: احذركم مِنْ مجالسةِ ومخالطةِ أهلِّ الاهواء، قالَ ابنُ عباسٍ: (لا تُجالسوا أهلَ الاهواءِ فإنَّهم يُمرضونَ القلوبَ) رواه ابن بطة في الانابة.
وقال عبدُ اللهِ بنِ مسعودٍ: ( أنتم في زمانٍ يَقودُ الحقُّ الهوى وسياتي زمانٌ يقودُ الهوى الحقَّ) فنعوذ باللهِ مِنْ ذلكَ الزمانِ، ونحنُ واللهِ فيه.
عبادَ اللهِ: أمَّا المهلكةُ الثالثةُ التي تُهلكُ العبدَ في الدنيا والاخرة، الا وهيَ إعجابُ المرءِ بنفسهِ،
ترى الانسانَ يُعجِبُ بعلمهِ، أو رأيهِ، أو جمالهِ، أو حسبهِ ونسبه، أو منصبهِ، أو مالهِ، وهذا مما يؤدي إلى الكبرِ وغمطِ الناسِ، وهذه الصفةُ لا يُحبُّها اللهُ سبحانهُ وتعالى، بلْ هذه الصفةُ مبغوضةٌ عندَ اللهِ سبحانهُ وتعالى،
قال سبحانه: (إنَّ اللهَ لا يُحبُّ كُلَّ مُختالٍ فخورٍ) الحديد. أي المتكبرُ المفتخرُ بنفسهِ ومالهِ وفي جميعِ شؤونهِ،وقدْ يَصلُ بهِ الحالُ أن يرى أنَّ له عندَ اللهِ حقَّاً،
وفي الصحيحينِ عَنْ أبي هُريرةَ رضيَ اللهُ عنهُ قالَ: قالَ رسولُ اللهِ صلى اللهُ عليهِ وسلمَ: «لَنْ يُدْخِلَ أَحَدًا مِنْكُمْ عَمَلُهُ الْجَنَّةَ» قَالُوا: وَلاَ أَنْتَ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: «وَلاَ أَنَا، إِلاَّ أَنْ يَتَغَمَّدَنِيَ اللهُ مِنْهُ بِفَضْلٍ وَرَحْمَةٍ».
وعاقبةُ العُجبِ بالنفسِ، الهلاكُ والبوارُ، قال تعالى: حكايةً عَنْ قارونَ )قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِنْدِي ( [القصص:78] فَكَانَتْ عَاقِبَتُهُ بَعْدَ إِعْجَابِهِ هَذَا مَا ذَكَرَهَا اللهُ تَعَالَى بِقَوْلِهِ: ) فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الْأَرْضَ فَمَا كَانَ لَهُ مِنْ فِئَةٍ يَنْصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَمَا كَانَ مِنَ الْمُنْتَصِرِينَ ( [القصص:81].
كفاني اللهُ وإياكم شَّرَ الاهواءِ والادواءِ وجعلني اللهُ وإياكم مِنْ عبادِهِ الاتقياءِ
أقولو قولي هذا واستغفرُ اللهَ لي ولكم فاستغفروهُ وتوبوا إليهِ إنَّهُ هوَ التوابُ الرحيمُ."
عِبادَ اللهِ: وأمَّا المُنجياتُ التي ذُكِرتْ في الحديثِ الشريفِ، فأولُها العدلُ في الغضبِ والرضى، لأنَّ ليس كلُّ إنسانٍ يَستطيعُ أنْ يَملكَ نفسَهُ عندَ الغضبِ، مِنْ أجلِ ذلكَ قال صلى الله عليه وسلم: (ليس الشديدُ بالصُرعةِ إنَّما الشديدُ الذي يَملكُ نفسَهُ عِندَ الغضبِ)
والشيطانُ عبادَّ اللهِ يكونُ مسيطرٌ على الانسانِ في حالةِ الغضبِ، فالمسلمُ الحقُّ لا يَقولُ إلّا الحقَّ، والمُسلمُ الحقُّ يعدل في وقتِ الغضبِ والرضى،
المُسلمُ الحقُّ يقولُ كلمةَ الحقِ ولا تأخُذُهُ في اللهِ لومةُ لائمٍ، وقدْ أمرنا اللهُ أنْ نَعدِل بينَ الناسِ فَقَالَ: )إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا، وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالعَدْلِ، إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ، إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا( [النساء:58]، وَأَلْزَمَ بِهِ وَلَوْ كَانَ عَلَى النَّفْسِ أَوْ أَقْرَبِ الْمُقَرَّبِينَ؛ فَقَالَ سُبْحَانَهُ: )يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ إِنْ يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا فَاللَّهُ أَوْلَى بِهِمَا فَلَا تَتَّبِعُوا الْهَوَى أَنْ تَعْدِلُوا وَإِنْ تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا( [النساء:135].
عِبادَ اللهِ: وأمَّا المُنجيةُ الثانية، ألا وهيَ القصدُ في الفقرِ والغنى، بمعنى أنْ يَعدلَ في الانفاقِ في حالتي الغنى والفقرِ، لا يُسرفُ ولا يُيبذرُ ولا يَقتُرُ في الانفاقِ، بلْ بالعدلِ والتوسطِ، فكثرةُ الاسرافِ في الغنى، يؤدي إلى عَدمِ الصبرِ في الفقرِ، فالقصدُ والاعتدالُ هو المطلوبُ،
، قَالَ عَزَّ وَجَلَّ: )وَالَّذِينَ إذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا ([الفرقان:67]
وَعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ r: «كُلُوا، وَاشْرَبُوا، وَتَصَدَّقُوا، وَالْبَسُوا؛ مَا لَمْ يُخَالِطْهُ إِسْرَافٌ، أَوْ مَخِيلَةٌ» [رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالتِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ].
عبادَ الله: وأمَّا المُنَجِّيَةُ الثالثةُ، ألا وهيَ الخشيةُ في السرِ والعلنِ، أي أنْ يخشى اللهَ سبحانه وتعالى في السرِ والعلنِ، يخشاهُ في خلوتهِ وجلوتهٍ، يخشاهُ حيثُ يراهُ الناسُ، وحيثُ لا يَرونهُ، فقدَّمَ الخشيةَ في السرِ على العلنِ، لأنَّ لا تتحققُ الثانية، حتى تتحققّ الاولى، والخشيةُ في السرِ، هيَ دوامُ مراقبةِ اللهِ عزَّ وجلَّ، كما في الحديثِ الصحيحِ قالّ النبيُ صلى الله عليه وسلمَ: (اعبدْ اللهَ كأنَّكَ تراهُ فإنْ لمْ تكنْ تراهُ فهوَ يراكَ).
وَقَدْ كَانَ مِنْ دُعَاءِ النَّبِيِّ r: «وَأَسْأَلُكَ خَشْيَتَكَ فِي الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ، وَأَسْأَلُكَ كَلِمَةَ الْحَقِّ فِي الرِّضَا وَالْغَضَبِ، وَأَسْأَلُكَ الْقَصْدَ فِي الْفَقْرِ وَالْغِنَى» [رَوَاهُ النَّسَائِيُّ مِنْ حَدِيثِ عَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا].
وَأَهْلُ الْخَشْيَةِ هُمْ أَهْلُ الْجَنَّةِ وَالْخُلُودِ؛ قَالَ اللهُ تَعَالَى: )وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ غَيْرَ بَعِيدٍ. هَذَا مَا تُوعَدُونَ لِكُلِّ أَوَّابٍ حَفِيظٍ. مَنْ خَشِيَ الرَّحْمَنَ بِالْغَيْبِ وَجَاءَ بِقَلْبٍ مُنِيبٍ. ادْخُلُوها بِسَلامٍ ذلِكَ يَوْمُ الْخُلُودِ( [ق:31- 34]. وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ r يَقُولُ: «عَيْنَانِ لاَ تَمَسُّهُمَا النَّارُ: عَيْنٌ بَكَتْ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ، وَعَيْنٌ بَاتَتْ تَحْرُسُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ» [رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ].
اللهمَّ وفقنا لِطاعتك وطاعةِ نبيك محمدٍ صلى الله عليه وسلم وطاعةِ مَنْ أمرتنا بِطاعتهِ عملاً بِقولك: (يايها الذينَ امنوا أطيعوا اللهَ وأطيعوا الرسولَ وأولي ألامرِ مِنكم)
وصلَّ اللهمَّ وبارك على سيدنا محمدٍ وعلى آلهِ وأصحابهِ وسَلَّمَ تسليماً كَثيراً."
عبد ابومحمود
جزاك الله خيرا
تعديل التعليق