ثلاث لثلاث

عبدالله اليابس
1440/07/21 - 2019/03/28 21:54PM

ثلاث في ثلاث                             الجمعة 22/7/1440هـ

الحَمْدُ للهِ خَلَقَ الخَلْقَ وَبِالعَدْلِ حَكَمَ, مُرْتَجَى العَفْوِ وَمَأْلُوهِ الأُمَمِ, كُلُّ شَيءٍ شَاءَهُ رَبُّ الوَرَى, نَافِذُ الأَمْرِ بِهِ جَفَّ القَلَمُ, لَكَ الحَمْدُ رَبِي,

 مَن ذَا الذِيْ يَسْتَحِقُ الحَمْدَ إِنْ طَرَقَتْ

                       طَوَارِقُ الخَيرِ تُبْدِي صُنْعَ خَافِيهِ

 إِلَيْكَ يَا رَبَّ كُلِّ الكَونِ خَاشِعَةً

تَرْجُوْ نَوَالَكَ فَيْضًا مَنْ يُدَانِيهِ

 وَأَشْهَدُ أَلَّا إِلَهَ إِلَا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ, أَسْلَمَ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ طَوعًا وَكَرْهًا وَإِلَيهِ يُرْجَعُونَ , وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحمَدًا عَبدُ اللهِ وَرَسُولُهُ,

إِنَّ الصَّلَاةَ عَلَى النَّبِيِّ غَنِيمَةٌ *** مَنْ حَازَهَا حَازَ الكَرَامَةَ وَامْتَلَكَ

فُزْ بِالصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ مُرَدِدًا *** صَلَّى عَلَيهِ اللهُ مَا دَارَ الفَلَكُ

فَاللَّهُمَّ صَلِّ وَسَلِّم عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آَلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعيِنَ, وَالتَّابِعِينَ لَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَومِ الدِّينِ, وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا.

أَمَّا بَعْدُ.. فَاتَّقُوا اللهَ عِبَادَ اللهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ.

يَا أُمَّةَ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ .. رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ.. لَا يَنْطِقُ عَنِ الهَوَى.. كُلُّ مَا جَاءَ بِهِ وَحيٌ مِنْ رَبِّ العَالَمِينَ.. مَا مِنْ خَيْرٍ إِلَّا دَلَّ أُمَّتَهُ عَلَيهِ.. وَمَا مِنْ شَرٍّ إِلَّا حَذَّرَ اُمَّتَهُ مِنْهُ.. جَاءَ بِالتَّرْغِيبِ وَالتَّرْهِيبِ.. وَالبِشَارَةِ وَالنِّذَارَةِ..

حَدِيْثٌ عَظِيمٌ.. أَخْبَرَ فِيهِ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ عَنْ ثَلَاثِ عُقُوْبَاتٍ تَحِلُّ بِهَذِهِ الأُمَّةِ.. إِذَا اَرْتَكَبَتْ ثَلَاثَ مَعاصٍ.. فَهِيَ ثَلَاثٌ لِثَلاثٍ..

أَخْرَجَ التِّرْمِذِيُّ وَغَيْرُهُ وَصَحَّحَهُ الأَلْبَانِيُّ مِنْ حَدِيثِ عِمْرَانَ بنِ حُصَينٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (لَيَكُونَنَّ فِيْ هَذِهِ الأُمَّةِ خَسْفٌ وَقَذْفٌ وَمَسْخٌ، وَذَلِكَ إِذَا شَرِبُوا الخُمُورَ، وَاتّخَذُوا القَيْنَاتِ، وَضَرَبُوا بِالـمَعَازِفِ).

ثَلَاثُ عُقُوباتٍ: خَسْفٌ وَقَذْفٌ وَمَسْخٌ.

وَثَلاثُ مَعْصِيَاتٍ: شُرْبُ الخَمْرِ, وَاتِّخَاذُ القَيْناتٍ, وَضَربُ المَـعَازِفِ.

أَيُّهَا الإِخْوَةُ.. أَمَّا العُقُوْبَاتُ الثَلَاثُ فَهِيَ: الخَسْفُ: وَهُوَ الهُبُوطُ الَّذِيْ يَقَعُ بِجُزْءٍ مِنَ الأَرْضِ، وَالـمَسْخُ: هُوَ تَحْوَيْلُ الصُّورَةِ وَتَبْدِيلُهَا إِلَى أَقْبَحَ مِنْهَا، كَمَا مُسِخَتْ بَنُو إِسْرَائِيلَ قِرَدَةً وَخَنَازِيرَ. وَقِيلَ: المـُرادُ بِالـمَسْخِ هُنَا عَلَى ظَاهِرِهِ لِمَن أَرَادَ اللهُ أَنْ يُعَجِّلَ لَهُ العُقَوبَةَ فِي الدُّنْيَا، أَمَّا القَذْفُ: فَهْوَ الرَّمْيُ بِالحِجَارَةِ كَمَا حَدَثَ لِقَومِ لُوْطٍ عَلَيهِ السَّلامُ.

هَذْهِ العُقُوْباتُ المُهْلِكَاتُ تُصِيْبُ الأُمَّةَ إِذَا اقْتَرَفَتِ الـمَـعَاصِي الثَلَاثَ, فَأَوَّلُ هَذِهِ المَعَاصيِ: شُرْبُ الخُمُورِ.

وَالخَمْرُ مُذْهِبَةٌ لِعْقْلِ الإِنْسَانِ، يَسْتَوِي الإِنْسَانُ عِنْدَ شُرْبِهَا بِالبَهَائِمِ، وَيَفْعَلُ مَا لَا يُمْكِنُ أَنْ يَفْعَلَهُ حَالَ صَحْوِهِ قَبْلَ شُرْبِهَا، لِهَذَا حَرَّمَهَا اللهُ وَرَفَضَتْهَا الفِطْرَةُ السَّوِيَةُ، رَوَى ابنُ كَثِيرٍ أَنَّ قَيسَ بْنَ عَاصِمٍ الـمِنْقَرِيَّ كَانَ شَرَّابَاً لِلْخَمْرِ مُولَعَاً بِهَا، وَكَانَ مِنْ أَشْرَافِ قَوْمِهِ, فَسَكَرَ ذَاتَ يَومٍ فِي الَجاهِلِيَةِ، فَغَمَزَ عُكْنَةَ ابنَتِهِ وَهُوَ سَكْرَانٌ، وَشَتَمَ وَالِدَيهِ, وَأَعْطَى الخَمَّارَ مَالاً كَثِيْرَاً، فَلَمَّا أَفَاقَ وَأَخْبَرُوهُ بِمَا فَعَلَ حَرَّمَهَا عَلَى نَفْسِهِ وَقَالَ:

رَأَيْتُ الخَمْرَ صَالِحَةً وَفِيهَا *** خِصَالٌ تُفْسِدُ الرَّجُلَ الحَلِيمَاْ

فَلَا وَاللهِ أَشْرَبُهَا صَحِيحَـاً *** وَلَا أَشْـفِـي بِـهَـا أَبَدًا سَقِيمَاً

وَلَا أُعْطِي بِهَا ثَمَنَاً حَيَاتِيْ *** وَلَا أَدْعُـوْ لَهَا أَبَـدَاً نَدِيمَاً

فَإِنَّ الخَمْرَ تَفْضَحُ شَارِبِيهَا ***       وَتَجْنِيهُم بِهَا الأَمْرَ العَظِيمَاً

مَنْ أَدْمَنَ الخَمْرَ فِي الدُّنْيَا وَلَمْ يَتُبْ فَهُوَ مَحْرُومٌ مِنْ دُخُولِ الجَنَّةِ, رَوَى مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ اِبْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنهُمَا أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (كُلُّ مُسْكِرٍ خَمْرٌ، وكُلُّ مُسْكِرٍ حَرَامٌ، وَمَنْ شَرِبَ الخَمْرَ فِي الدُّنْيا فَمَاتَ وَهُوَ يُدْمِنُها لَمْ يَتُبْ، لَمْ يَشْرَبْها في الآخِرَةِ).

شَارِبُ الخَمْرِ يَلْقَى اللهَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى كَعُبَّادِ الأَوْثَانِ وَالعِياذُ بِاللهِ، فَكَمَا كَانَ فِي الدُّنْيَا عَبْدًا لِهَذَا الشَّرَابِ الخَبِيثِ عَاكِفًا عَلَيهِ؛ فَإِنَّهُ يُحْشَرُ يَومَ القِيَامَةِ كَغَيْرِهِ مِنْ عُبَّادِ الأَوْثَانِ، يَقُولُ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: (مَنْ مَاتَ وَهُوَ مُدْمِنُ خَمْرٍ لَقِيَ اللهَ وَهُوَ كَعَابِدِ وَثَنٍ)) أَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ عَنِ ابنِ عَبَّاسٍ.

شُرْبُ الخَمْرِ يَطْرُدُ الإِيمَانَ مِنْ قَلْبِ الـمُؤْمِنِ, يَقُولُ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ فِيمَا أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيرَةَ رَضيَ اللهُ عَنْهُ: (وَلَا يَشْرَبُ الخَمْرَ حِينَ يَشْرَبُهَا وَهْوَ مُؤْمِنٌ)، وَرَوَى البَيْهَقِي بِإِسْنَادٍ صَحيحٍ عَنْ عُثْمَانِ بنِ عَفَّانٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: (اِجْتَنِبُوا الخَمْرَ؛ فَإِنَّهَا أُمُّ الخَبَائِثِ، كَانَ رَجُلٌ فِيمَنْ خَلَا قَبْلَكُمْ يَتَعَبَدُ وَيَعْتَزِلُ النَّاسَ فَأَحَبَّتْهُ اِمْرَأَةٌ غَوَيَّةٌ, فَأَرْسَلَتْ إِلَيهِ جَارِيَتَهَا أَنْ تَدْعُوهُ لِشَهَادَةٍ, فَجَاءَ البَيْتَ وَدَخَلَ مَعَهَا, فَكَانَتْ كُلَّمَا دَخَلَ بَابًا أَغْلَقَتْهُ دُونَهُ, حَتَّى وَصَلَ إِلَى اِمْرَأَةٍ وَضِيئَةٍ (أَيْ: حَسْنَاءَ جَمِيْلَةٍ), جَالِسَةً عِنْدَهَا غُلَامٌ وَإِنَاءُ خَمْرٍ, فَقَالَتْ لَهُ: إِنَّهَا مَا دَعَتْهُ لِشَهَادَةٍ؛ وَإِنَّمَا دَعَتْهُ لِيَقَعَ عَلَيْهَا أَوْ يَقْتُلَ الغُلَامَ أَوْ يَشْرَبَ الخَمْرَ, فَلَمَّا رَأَى أَنَّهُ لَابُدَّ لَهُ مِنْ أَحَدِ هَذِهِ الأُمُورِ تَهَاوَنَ باِلخَمْرِ فَشَرِبَهُ فَسَكَرَ, ثُمَّ زَنَى بِالـمَـرْأَةِ وَقَتَلَ الغُلَامَ) قَالَ أَمِيرُ المُؤْمِنينَ عُثْمَانُ: (فَاجْتَنِبُوا الخَمْرَ؛ فَإِنَّهَا لَا تَجْتَمِعُ هِيَ وَالإِيمَانَ أَبَدًا إِلَّا أَوْشَكَ أَحَدُهُمَا أَنْ يُخْرِجَ صَاحِبَهُ).

 لَقَدْ لَعَنَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ فِي الخَمْرِ عَشْرَةً: عَاصِرَهَا وَمُعْتَصِرَهَا وَشَارِبَهَا وَحَامِلَهَا وَالمَحْمُولَةَ إِلَيْهِ وَسَاقِيهَا وَبِائَعَهَا وَآَكِلَ ثَمَنَهَا وَالـمُشْتَرِي لَهَا وَالـمُشْتَرَاةَ لَهُ.

{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}, لَقَدْ أَمَرَ اللهُ تَعَالَى بِاجْتِنَابِ الخَمْرِ،  وَاجْتِنَابُهَا أَعْظَمُ مِنَ النَّهِيِّ عَنْ شُرْبِهَا؛ لِأَنَّ الاِجْتِنَابَ يَشْمَلُ النَّهْيَ عَنِ الشُّربِ وَيَشْمَلُ أَيْضَاً مُخَالَطَةَ مَنْ يَشْرَبُ، جَاءَ فِي سُنَنِ التِرْمِذِيِّ عَنْ جَابِرِ رَضيَ اللهُ عَنهُ أَنَّ النَّبِيَ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَاليَومِ الآَخِرِ فَلَا يَجْلِسْ عَلَى مَائِدَةٍ يُدَارُ عَلَيهَا الخَمْرُ).

فَلْنَحْذَرْ عَلَى أَنْفُسِنَا وَعَلَى مَنْ حَولِنَا مِنْ هَذِهِ الآَفَةِ الخَطِيرَةِ, التِي إِذَا هَجَمَتْ فَتَكَتْ، فَكَمْ هَدَمَتْ مِنْ بُيُوتٍ، وَكَمْ خَرَّبَتْ مِنْ دِيَارٍ، وَكَمْ شَرَّدَتْ مِنْ أُنَاسٍ.

بَارَكَ اللهُ لِي وَلَكُمْ بِالقُرآَنِ العَظِيمِ, وَنَفَعَنَا بِمَا فِيهِ مِنَ الآَيَاتِ وَالذِّكْرِ الحَكِيمِ, قَدْ قُلْتُ مَا سَمِعْتُمْ وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ لِي وَلَكُمْ إِنَّهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ.

الخطبة الثانية

الحمد لله على إحسانه والشكر له على توفيقه وامتنانه وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لاشريك له تعظيما لشأنه وأشهد أن محمداً عبدُه ورسوله الداعي إلى رضوانه صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وإخوانه وخِلَّانه ومن سار على نهجه واقتفى أثره واستن بسنته إلى يوم الدين.

أما بعد: فاتقوا الله عباد الله ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون.

يا أمة محمد صلى الله عليه وسلم.. أَمَّا المَعْصِيَتَانِ الأُخْرَيَتَانِ الَّتِي وَرَدَتِ العُقُوبَةُ عَلَيْهِمَا فِي الحَدِيثِ الوَارِدِ فِي أَوَّلِ الخُطْبَةِ فَهُمَا: اتِّخَاذُ القَيْناتٍ, وَضَربُ المَـعَازِفِ.

وَالقَيْنَاتُ: هُنَّ الْإِمَاءُ الْمُغَنِّيَاتُ, جَمْعُ قَيْنَةِ, وَضَرْبُ المَعَازِفِ مَعْرُوفٌ.

وَسَمَاعُ الـمُوسِيقَى وَالـمَعَازِفِ مُحَرَّمٌ بِالقُرْآَنِ الكَرِيمِ, سُئِلَ ابنُ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَمِنْ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ).. قِيلَ لَهُ: مَا هُوَ لَهْوُ الحَدِيثِ؟ فَقَالَ: وَاللهِ الذِّي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ إِنَّهُ الغِنَاءُ.

وَسُئِلَ مُحَمَّدُ بنُ الحَنَفِيةِ رَحِمَهُ اللهُ عَنْ قَولِهِ تَعَالَى: {وَالَّذِينَ لَا يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا} قِيلَ: مَا الزُّورُ؟ قَالَ: هُوَ الغِنَاءُ.. لِأَنَّه ُيَمِيلُ بِكَ عَنْ ذِكْرِ اللهِ.

 وَإِذَا كَانَتْ الآَيَاتُ قَدْ دَلَّتْ عَلَى ذَلِكَ فَأَحَادِيثُ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ صَرِيحَةٌ فِي الدَّلَالَةِ عَلَى تَحرِيمِ الغِنَاءِ, اِسْتَمِعْ إِلَى المُصْطَفَى صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّم فِيمَا أَخْرَجَهُ البُخَاريُّ فِي صَحِيحِهِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي مَالِك] الأَشْعَرِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: (لَيَكُونَنَّ فِي أُمَّتِي أَقْوَامٌ يَسْتَحِلُّونَ الحِرَ وَالحَرِيرَ وَالخَمْرَ وَالـمَعَازِفَ)

فَانْظُرْ كَيفَ قَالَ النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ (يَسْتَحِلُّونَ).. وَالاِسْتِحْلَالُ لَا يَكُونُ إِلَّا بَعْدَ تَحْرِيمٍ.. وَكَيْفَ جَمَعَ الـمَعَازِفَ مَعَ الزِّنَا وَالخَمْرَ وَلِبْسِ الَحرِيرِ.. أَفَبَعْدَ هَذَا البَيَانِ بَيَانٌ؟

وَاسْمَعْ إِلَى حَالِ السَّلَفِ الصَّالِحِ مَعَ الغِنَاءِ, كَيْفَ تَعَامَلُوا مَعَهُ, وَكَيْفَ حَذِرُوا وَحَذَّرُوا مِنْهُ.

 رَوَى الإِمَامُ أَحْمَدُ فِي الـمُسْنَدِ: أَنَّ ابنَ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا خَرَجَ يَومَاً فِي حَاجَةٍ, فَمَرَّ بِطَرِيقٍ, فَسَمِعَ زُمَّارَةَ رَاع فَوَضَعَ إِصْبَعَيْهِ فِي أُذُنَيهِ حَتَّى جَاوَزَهُ.

وَقَالَ عُمَرُ بنُ عَبْدِ العَزيزِ لِأَبْنَائِهِ: "أُحَذِّرُكُمُ الغِنَاءَ.. أُحَذِّرُكُمُ الغِنَاءَ.. أُحَذِّرُكُمُ الغِنَاءَ.. فَمَا استَمَعَهُ عَبدٌ إِلَّا أَنْسَاهُ اللهٌ القُرْآَنَ".

وَجَاءَ رَجُلٌ إِلَى ابنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا فَقَالَ: "أَرَأَيْتَ الغِنَاءَ أَحَلَالٌ هُوَ أَمْ حَرَامٌ؟ فَقَالَ ابنُ عَبَّاسٍ: أَرَأَيتَ الحَقَّ وَالبَاطِلَ إِذَا جَاءَا يَومَ القِيَامَةِ فَأَينَ يَكُونُ الغِنَاءُ؟ قَاَلَ الرَّجُلُ: يَكُونُ مَعَ البَاطِلِ, قَالَ ابنُ عَبَّاسٍ: فَمَاذَا بَعْدَ الحَقِّ إِلَّا الضَّلَالِ, اِذْهَبْ فَقَدْ أَفْتَيتَ نَفْسَكَ.

قَالَ شَيْخُ الإِسْلَامِ ابنُ تَيمِيَةَ: "فَإِنَّهُم مُتَفِقُونَ ــ أَيْ الأَئِمَةُ الأَرْبَعَةُ ــ عَلَى تَحْرِيمِ الـمَعَازِفِ التِي هِيَ آَلَاتُ اللَّهُوِ كَالعُودِ وَنَحْوِهِ".

 وَقَدْ حَكَى الإِجْمَاعَ عَلَى تَحْريِم ِالمَعَازِفِ الإِمَامُ القُرْطُبِيُّ.. وَأَبُو الطَّيبِ الطَّبَرِيِّ.. وَابنُ الصَّلَاحِ.. وَابنُ رَجَبٍ الحَنْبَلَيِّ.. وَابْنُ القَّيمِ.. وَابْنُ حَجَرٍ الهَيْتَمِيِّ.. وَغَيْرُهُمْ.

إِنَّ مِمَّا يُؤْسَفُ لَهُ حَقَاً تَسَاهُلُ كَثِيرٍ مِنَ النَّاسِ فِي شَأنِ المُوسِيْقَى وَالمَعَازِفِ, فَأَصْبَحَ البَعْضُ يَتَسَاهَلُ فِي إِرْسَالِ المَقَاطِعِ التِي تَحْتَوِي خَلْفِياتٍ مُوسِيْقِيَّةٍ, وَمَا عَلِمَ أَنَّهُ شَريكٌ فِي إِثْمِ كُلِّ مَنِ اسْتَمَعَ لِما فِي هَذَا المَقْطَعِ.

وَأَدْهَى مِنْهُ مَنْ يُرْسِلُ الأَغَانِي أَوِ الشَيْلاتِ المُوسِيقيِّةِ, أَوْ يَضَعُهَا فِي حَالاتِ الواتْسابِ أَو فِي حِساباتِهِ فِي وَسَائِلِ التَواصُلِ الاجْتِماعِيِّ, أَوْ يَحضُرَ الحَفَلاتِ المُوسِيقيِّة أَو يُشَارِكَ فِي تَنْظِيمِهَا, أَوْ أَنْ يَكُونَ صَاحِبَ مَطْعَمٍ وَنَحوِهِ ويَجْعَلَ صَوتَ المُوسيقَى خَلْفِيَّةً لِحَديثِ النَّاسِ أَثْناءَ بَقَائِهِم فِي مَطْعَمِهِ, وَيُضِيفُ إِلَى رَصِيدِ مَطْعَمِهِ قِيمَةَ الطَّعَام.. وَإِلَى رَصِيدِ آثَامِهِ إِثْمَ المُوسِيْقَى {وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقَالَهُمْ وَأَثْقَالًا مَعَ أَثْقَالِهِمْ وَلَيُسْأَلُنَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَمَّا كَانُوا يَفْتَرُونَ}.

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا}.

يا أمة محمد صلى الله عليه وسلم.. اعلموا أن الله تعالى قد أمرنا بالصلاة على نبيه محمد صلى الله عليه وسلم وجعل للصلاة عليه في هذا اليوم والإكثار منها مزية على غيره من الأيام, فللهم صل وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

عباد الله .. إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى, وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي, يعظكم لعلكم تذكرون, فاذكروا الله العظيم الجليل يذكركم, واشكروه على نعمه يزدكم, ولذكر الله أكبر, والله يعلم ما تصنعون.

المرفقات

لثلاث-22-7-1440

لثلاث-22-7-1440

المشاهدات 1669 | التعليقات 0