ثلاث قضايا تخص المرأة
ناصر محمد الأحمد
1437/07/05 - 2016/04/12 04:29AM
ثلاث قضايا تخصّ المرأة
8/7/1437ه
د. ناصر بن محمد الأحمد
الخطبة الأولى :
إن الحمد لله ..
أما بعد: أيها المسلمون: الإسلام هو الدين الذي أنزله الله تعالى على رسله جميعاً من لدن آدم عليه السلام إلى خاتم الأنبياء والمرسلين محمد صلى الله عليه وسلم، ورضيه للناس ديناً ولم يرضَ ديناً سواه، فليس الإسلام هو مجموعة أفكار لبعض المفكرين، وليس الإسلام هو اختيار لبعض أقوال الفقهاء، لذا كان الاعتراض على ما يقرره الدين هو اعتراض على رب العالمين. وقد جاء الإسلام في تشريعاته المتعلقة بالمرأة بما يصونها ويحفظ عليها كرامتها في كل شأنها، وليس التحقير لها والحجر عليها تغليباً لجنس الرجل كما يزعم ذلك من لا خلاق له من الناس، فما أمرُ الله للنساء بالقرار في البيوت ومنع اختلاطهن بالرجال ومنع الخلوة بهن، إلا من هذه الصيانة المتعلقة بالعلاقات الاجتماعية بين الجنسين، فإن الله تعالى خلق النساء على صفة وطبيعة معينة، وقد شرع الله لهنّ من الأحكام ما يناسب الخِلقة التي خلقهن عليها. وفي ظل الحملة المسعورة التي توظف لها كبرى المؤسسات العالمية كالأمم المتحدة وغيرها لجعل الفساد والشذوذ والتفلُّت من القيود الخلقية عن طريق المؤتمرات والقرارات والاتفاقيات، نتحدث عن صيانة الإسلام للمرأة في ثلاثة قضايا كثر الطرق عليه في الآونة الأخيرة من قبل العلمانيين واللبراليين والشهوانيين:
القضية الأولى: أمر الشريعة للمرأة بالقرار في البيت:
أمر الله سبحانه وتعالى نساء النبي صلى الله عليه وسلم، ونساءُ المسلمين تبع لهنّ في ذلك بالقرار في بيوتهنّ فقال تعالى: (وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلاَ تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الجَاهِلِيَّةِ الأُولَى)، والقرار: هو الاستقرار والإقامة الدائمة من غير تحوُّل أو انتقال، بمعنى: كنَّ أهل سكينة ووقار. وتأمل معي يا عبدالله في قوله: (فِي بُيُوتِكُنَّ) ولم يقل في البيوت، فأضاف البيوت إلى النساء إضافة تمليك مع أن البيوت في غالب الأحوال ملك الرجل أو مستأجرة عن طريقه لأن سكن الزوجة ونفقتُها تَلزَم الزوج، وهذه الإضافة تشعر اختصاص المرأة بالقرار في البيوت، فلما اختصت بذلك أنزلتها الآية منـزلة المالك للبيت، فإضافته إليها للدلالة على الترابط الوثيق بين المرأة والبيت، وقد جاءت إضافة البيت إلى المرأة في أربعة مواضع من كتاب الله تعالى وهي: قوله تعالى: (وَرَاوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَن نَّفْسِه). وقوله تعالى: (وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ). وقوله تعالى: (وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ). وقوله تعالى: (لاَ تُخْرِجُوهُنَّ مِن بُيُوتِهِنَّ). وهناك موضع خامس لم يضف فيه البيت إلى المرأة وهو قوله تعالى: (وَاللَّاتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِنْ نِسَائِكُمْ فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ فَإِنْ شَهِدُوا فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ حَتَّى يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلًا) ولم يقل المولى جل وعلا: بيوتهنّ، وربما كان السبب في ذلك أنها خانت فلم تحافظ على شرف البيت وطهارته، فلذلك لم تستحق أن يضاف إليها.
أيها المسلمون: يتبين مما تقدم أن قرار المرأة في بيتها هو الأصل وهو العزيمة التي ينبغي على كل امرأة أن تحرص عليها، والتي ينبغي على كل ولي أمر أن يحضّها عليها ويلزمها بها، إذا لم تلزم نفسها بذلك، ومما يدل على ذلك الأصل أيضاً ما أخرجه البخاري عن عائشة رضي الله عنها قالت: "خرجت سودة بعدما ضُرِبَ الحجاب لحاجتها، وكانت امرأة جسيمة لا تخفى على من يعرفها، فرآها عمر بن الخطاب فقال: يا سودة! أما والله ما تخفين علينا، فانظري كيف تخرجين! قالت: فانكفأتْ راجعة ورسول الله صلى الله عليه وسلم في بيتي، وإنه ليتعشى وفي يده عَرْق، فدخلت فقالت: يا رسول الله! إني خرجت لبعض حاجتي فقال لي عمر: كذا وكذا، قالت: فأوحى الله إليه ثم رُفِعَ عنه، وإن العَرْق في يده ما وضعه، فقال: "إنه قد أُذِنَ لَكُنَّ أن تخرجن لحاجتِكُنّ". فقوله صلى الله عليه وسلم: "إنه قد أُذِنَ لَكُنَّ أن تخرجن لحاجتِكُنّ" يدلّ على أن الإذن بالخروج مقيَّد بالحاجة، فما لم تكن هناك حاجة فالخروج غير مأذون فيه، وهو يبين أن مستقر المرأة إنما هو بيتُها، وأن الخروج منه إنما هو أمر عارض في نطاق الحاجة التي أَذِنَ الشرع بها.
يردد أصحاب الفكر النسوي المتغربون أن الحديث عن قرار المرأة في بيتها إنما يعبر عن رغبة بعض الرجال في التسلط على النساء، وإرجاعهنّ إلى ما يسمونه بعصر الحريم، أو عن عدم الثقة في المرأة، أو أن هذا مما يضعف من شخصية المرأة ويحط من قدرها ويزري بمكانتها ويمنعها من حقوقها، وأن هذا من التمييز ضد المرأة، أو ما يسمونه بدونية المرأة في المجتمع الإسلامي. ولا شك أن هذا رأي خاطئ وظن فاسد، وهو من الشُبَه التي يطرحها العلمانيون والشهوانيون لزعزعة مجتمعات المسلمين. فنقول لهؤلاء: إن الكلام عن قرار المرأة في البيت ليس مجرد تصور شخصي أو رؤية فردية إنما هو حديث عن حكم شرعي ثبت بالنصوص الشرعية من الكتاب والسنة الثابتة، وما كان كذلك فلا يقال عنه: إن فيه ازدراءً للمرأة وإضعافاً لشخصيتها إلى غير ذلك من الكلمات الشاردة الخاطئة التي لا يرددها إلا من لم يجعل النصوص الشرعية حَكَماً على تصرفات الناس.
إن قرار المرأة في بيتها فيه فوائد عظيمة تعود على المرأة نفسِها كما تعود على أسرتها وعلى المجتمع الذي تعيش فيه:
فأُولى تلك الفوائد وأعلاها وأزكاها وأجلُّها: طاعة الله مولاها ورسوله صلى الله عليه وسلم الجالبة لرضوان الله وتوفيقه وتسديده، ومنها: التفرُّغ لرعاية الزوج، والتفقد لمواضع رضاه وغضبه واحتياجاته والقيام بواجبها نحوه، ومنها: التفرغ لرعاية أولادها من البنين والبنات وتربيتهم والإحسان إليهم والقيام على شؤونهم ومتابعة أمورهم وعدم ترك ذلك للخادمات أو الخدم، ومنها: التفقد لبيتها واحتياجاته ولوازمه والإشراف على نظافته وطهارته وترتيبه، ومنها: حفظ الوقت الذي هو من أثمن الأشياء، فالوقت هو العمر، فمن حافظ عليه حفظ عمره ومن ضيَّعه ضيَّع عمره، ومنها: إراحة الجسد من تعب الخروج والانتقال، ومنها: القدوة الحسنة لغيرها من النساء القريبات أو الجارات مما قد يحملهنّ على الاقتداء بها فيعود عليها من وراء ذلك النفع الكثير والأجر العظيم.
كما أن قرار المرأة في بيتها يحفظ عليها دينها ويصونها، ويكف شرها عن الناس وشر الناس عنها، وتأمن بذلك أذيَّة الناس لها وشرهم، سواء بالنظر إليها، أو التحدث معها، أو التضييق عليها في الطرقات.
أيها المسلمون: وقرار المرأة في بيتها لا يعني عدم خروجها منه أبداً بل تخرج للحاجة كما دل على ذلك حديث عائشة رضي الله عنها السابق. والحاجة هذه قد تكون حاجة دينية وقد تكون حاجة دنيوية، كما أنها قد تكون حاجة المرأة إلى الخروج أو حاجة المجتمع إلى خروجها، ولذلك أمثلة متعددة:
فمن ذلك: الخروج للصلاة في المسجد بعد استئذان الزوج أو الولي، وإن كانت صلاتها في بيتها خير لها وأفضل.
ومن ذلك: الخروج لطلب العلم الشرعي المطلوب منها علمه والعمل به إذا لم تتمكن المرأة من تحصيله عن طريق الأب أو الأخ أو الزوج أو الَمحْرَم، أو عن طريق الكتاب والشريط، ولم يمكنها تحصيل العلم الواجب عليها تعلُّمه إلا بالخروج إلى مجلس العلم، فإن الخروج حينئذ يكون لطلب علمِ ما أُمرت به أو نُهيت عنه وهذا من الحوائج الشرعية.
ومن ذلك: الخروج لصلاة العيدين، وقد ورد التأكيد على ذلك في السنة الصحيحة، حتى إن بعض أهل العلم يذهب إلى وجوبه.
ومن ذلك: الخروج لحضور العرس والمناسبات الاجتماعية، وقد بوَّب البخاري باباً في صحيحه فقال: باب: ذهاب النساء والصبيان إلى العرس، قال ابن حجر رحمه الله: "كأنه ترجم بهذا لئلا يتخيل أحد كراهة ذلك، فأراد أنه مشروع بغير كراهة"، لكن ذلك مقيد بعدم وجود المنكر في الأعراس، فإن كان فيها منكر فعليها أن تعمل على إزالته، فإذا لم تكن قادرة على ذلك فلا ينبغي لها الذهاب.
ومن ذلك: الخروج لحاجتها الدنيوية أو الدينية من عمل مشروع ونحوه قد تحتاج المرأة إليه أو يحتاجه منها المجتمع، كما خرجت ابنتا الرجل الصالح لسقي الأنعام، إذ كان أبوهما شيخاً كبيراً كما ورد في قصة موسى عليه السلام، وكما كانت تخرج بعض النساء مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في الجهاد يسقين الماء ويداوين الجرحى.
وينبغي للمرأة عند الخروج إذا احتاجت إليه ألا تخرج متبرجة كاشفة عن زينتها أو بعضها، ولا أن تقوم بعمل مما يدل على الزينة المخفية، أو تخرج متعطرة، بل عليها أن تخرج بغير ذلك، فالعطر من المرأة فتنة قد يدفع إلى ما لا تحمد عقباه، ولذا جاء في الحديث: "إذا استعطرت المرأة فمرت على القوم ليجدوا ريحها فهي كذا وكذا، قال قولاً شديداً، وفي رواية: "فهي زانية". رواه أبو داود والترمذي والحاكم وابن حبان.
أسأل الله لي ولكم الستر في الدنيا والآخرة.
بارك الله ..
الخطبة الثانية :
الحمد لله ..
أما بعد: أيها المسلمون: القضية الثانية: منع الاختلاط عند الخروج: قد تحتاج المرأة إلى الخروج على ما سبق ذكره وبيانه، وحينئذ عليها أن تجتنب مخالطة الرجال، وقد دل على ذلك عدة أدلة، منها حديث ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لو تركنا هذا الباب للنساء" قال نافع: فلم يدخل منه ابن عمر حتى مات. رواه أبو داود. وقد بيَّن أهل العلم العلة في تخصيص النساء بباب من أبواب المسجد، وذلك لئلا تختلط النساء بالرجال في الدخول والخروج من المسجد، فكيف بغير المسجد.
وهذا الحديث فيه بيان لفساد توهم قد يتوهمه بعض الناس وهو أن الاختلاط إنما يُنهى عنه إذا كان بالجلوس وطول المكث في مكان واحد مع ما يصاحب ذلك من كلام وأحاديث، فهذا وإن كان محرماً ومنهياً عنه بلا شك، فإن مجرد الاختلاط العارض الذي يقع في الطريق فإنه منهي عنه أيضاً، وهذا الحديث موافق لحديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ليس للنساء وسط الطريق" أخرجه ابن حبان في صحيحه. ولعل ذلك ما دعا علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه أن ينكر ما رآه مخالفاً لتلك النصوص من اختلاط النساء بالرجال، فقال: "أما تغارون أن يخرج نساؤكم، فإنه بلغني أن نساءكم يخرجن في الأسواق يزاحمن العلوج" رواه الإمام أحمد في مسنده. وفيه إشارة إلى أن ترك النساء يزاحمن الرجال في الأسواق دليل على ضعف الغيرة أو الحياء. قال ابن القيم رحمه الله: "وليُّ الأمر يجب عليه أن يمنع اختلاط الرجال بالنساء في الأسواق، والفُرَج، ومجامع الرجال". وقال: "وقد منع أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه النساء من المشي في طريق الرجال، والاختلاط بهم في الطريق. فعلى ولي الأمر أن يقتدي به في ذلك". إلى أن قال: "ولا ريب أن تمكين النساء من اختلاطهنّ بالرجال أصل كل بلية وشر، وهو من أعظم أسباب نزول العقوبات العامة، كما أنه من أسباب فساد أمور العامة والخاصة".
القضية الثالثة: منع الدخول على النساء والخلوة بهنّ: عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "إِيَّاكُمْ وَالدُّخُولَ عَلَى النِّسَاءِ، فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ الأنْصَارِ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! أَفَرَأَيْتَ الْحَمْوَ؟ قَال: الْحَمْوُ الْمَوْتُ". رواه البخاري.
أمرت الشريعة المرأة بالقرار في بيتها، ومنعتها من الخروج إلا لحاجة، فإذا احتاجت المرأة إلى الخروج جاز لها ذلك وفق الضوابط الشرعية التي تقدم ذكر بعض منها، صيانة للمجتمع وحفظاً لدينه، فلما سدَّت الشريعة منافذ اجتماع الرجال والنساء واختلاطهم مع بعضهم بما تقدم من التدابير السابقة، بقي منفذ واحد: ألا وهو دخول الرجال الأجانب على النساء في بيوتهنّ، ولا يكتمل الحفظ والصيانة المطلوبة إلا بإغلاق هذا المنفذ، ومنع الدخول عليها في بيتها والخلوة بها، فإن الدخول عليها في بيتها والخلوة بها فيه من الشر أكثر مما في خروجها، لذا كانت العلة التي دعت إلى منع خروجها إلاّ لحاجة قاضية بمنع الدخول عليها والخلوة بها، وهو ما جاء في هذا الحديث وما شابهه.
وقد حذَّر الرسول صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث أشد التحذير من الدخول على النساء الأجنبيات، وقد فهم الصحابة رضوان الله عليهم من ذلك العموم، وأن هذا دال على المنع من دخول الرجال جميعُهم على النساء، فاحتاجوا إلى الاستفسار عن حكم دخول أقارب الزوج على المرأة، وكأن عادة الناس قبل هذا التشريع التساهل في هذا الأمر، اعتماداً على الثقة الناتجة من القرابة، التي تجعل الحفاظ على أعراض الأقارب همّاً مشتركاً، فكان جواب الرسول صلى الله عليه وسلم في ذلك جواباً حاسماً قاطعاً، لم يدع لسامع مجالاً أن يفهم غير تحريم دخول الرجال الأجانب على النساء، وقد كان التعبير النبوي عن ذلك في أعلى درجات البلاغة والبيان، بل كان أبلغ من أن يقول: حرام، حيث قال: "الحمو الموت"، فكأن أشد الداخلين على المرأة خطراً وأعظمهم مصيبة: الحمو.
لكن الحاجة قد تدعو وتلجئ إلى دخول الأجنبي على المرأة، فما العمل حينئذ؟ لقد راعت الشريعة ذلك لكن في ظل الحفظ والصيانة والديانة، فاشترطت لذلك وجود الَمحْرَم الذي يمثل وجوده صِمَام أمان، حيث يكون وجوده في هذه الحالة طارداً لكل وساوس الشيطان. وقد ورد اشتراط المحرم في أكثر من حديث، فمن ذلك: قوله صلى الله عليه وسلم: "لا يخلُوَنّ رجل بامرأة إلا مع ذي محرم". رواه البخاري ومسلم.
اللهم احفظ نسائنا ونساء المسلمين، واستر عوراتنا وعورات المسلمين ..
اللهم ..