ثَلاثَةٌ لا يُكَلِمُهُم اللهُ يَوْمَ الْــقــيَــاْمَةِ خطبة مختصرة 8/ 5 / 1444هـ

نجم الدين
1444/05/07 - 2022/12/01 19:55PM

ثَلَاثَةٌ لَا يُكَلِّمُهُمُ اللهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَلَا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ وَلَايُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ     8/5/1444هـ

الخُطْبَةُ الأُولَى:

إن الْحَمْدَ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا، وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ؛ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آله وَصَحْبِهِ أجمعين وسَلَّمَ تَسْـلِيمًا كَــثِيْــرا، أمَّا بَعْدُ :

فَاتَّقُوا اللَّهَ عِبَادَ اللَّهِ ،حَقَّ التَّقْوَى،﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾  [ آل عمران : 102].

أَيُّهَا الْمُسْلِمُون: كثيرا ما نسمع الوصية في كتاب الله وسنة رسوله بالأمرِ بالتَّقْوَى ، والتَّقْوَى هِيَ: أنْ تَـــفـــعَلَ ما أمركَ اللهُ بِهِ وتَـــتــرُكَ مانـَــهاكَ عنه .

خَلِّ الذُنوبَ صَغيرَها     وَكَبـــيـــــرَها فَـــــــهــــوَ التُــــقى

كُن كماشٍ فَوقَ أَر      ضِ الشَوكِ يَحذُرُ ما يَرى

لا تَحقِرَنَّ صَغيـــــــرَةً         إِنَّ الجــــــِبــــــــالَ مِنَ الحَصى

عبادالله : في حديثٍ أخرجَهُ مسلمٌ في صحيحه ، حَذَّرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، من ذُنُوبٍ ثَلَاثَةٍ

فَلْنَكُنْ منها على حَذَرٍ، وعلى وَجَلٍ وخَوْفٍ، وَنَـجْتَــنِــبَهَا وَكَمَا نَـحذَرُ منها كذلكَ نُحذّرُ غَيْرَنَا ، عَنْ أَبِي ذَرٍّ رضي الله عنه، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: «ثَلَاثَةٌ لَا يُكَلِّمُهُمُ اللهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَلَا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ وَلَا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ» قَالَ: فَقَرَأَهَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثَلَاثَ مِرَار، قَالَ أَبُو ذَرٍّ: خَابُوا وَخَسِرُوا، مَنْ هُمْ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: «الْمُسْبِلُ، وَالْمَنَّانُ، وَالْمُنَفِّقُ سِلْعَتَهُ بِالْحَلِفِ الْكَاذِبِ»  رواه مسلم

فأما الإسبال فهو مما تهاون فيه كثير من الناس، فإنْ أسبلَ الرجلُ ثوبَهُ تحت الكعبينِ بقصد الـخُيلاء والـكِـــبْـــرِ فهذه من كَبَائِرِ الذنوبِ، قالَ الإمامُ الذهبيُّ في كتابِ الكبائر:   الْكَبِيرَة الْخَامِسَةُ وَالْخَمْسُونَ إسبالُ الْإِزَار وَالثَّوْبِ واللباسِ والسراويلِ تَعَزُّزَاً وعُجْبـَاً وَفَخْــرَاً وَخُــيَلاءً .

  عبادالله: وقد يقولُ قائل : إني لا أُسبِلُ بِقَصّدِ الخيلاءِ، فيُقَالُ لـِمَنْ يقولُ هذا القولَ: إنْ كانَ إسبالُ الثوبِ تحتَ الكعبينِ بغيرِ قَصدِ الخيلاء والكِـــبْـــرِ فهو مُـحرّمٌ، يَأثـمُ مُرتكبُهُ، ومَن يَفْـعَلُهُ بِقَصدِ الخيلاء والكِـــبْـــرِ فَهُوَ أشدُّ إثـمَاً، فالإسبالُ حرامٌ على كُلِّ حَالٍ إلا بِعُذرٍ شرعي، لأنّ الأحاديث واضحةٌ وصريحةٌ بالتحريمِ، قال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : «مَا أَسْفَلَ مِنَ الكَعْبَيْنِ مِنَ الإِزَارِ فَفِي النَّارِ» رواه البخاري،        وَمَعْصِيَةُ الإسبالِ لا يمكنُ أن تَقَعَ إلا مِنَ الرجالِ، وأما النِّساءُ فمأموراتٌ بإرخاءِ ملابسهِن وتَغْطيةِ أقدامِهِن، ولذا لـمّا قال رسولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : «مَا أَسْفَلَ مِنَ الكَعْبَيْنِ مِنَ الإِزَارِ فَفِي النَّارِ»   " قَالَتْ أُمُّ سَلَمَةَ رضي الله عنها: فَكَيْفَ تَصْنَعُ النِّسَاءُ بِذُيُولِهِنَّ ؟ تَقصدُ بِسؤالِـهـَـا كَيفَ يكونُ مقدارُ ماتغطي به النساءُ أقدامَهُن، تحت الكعب، فَقَالَ عليهِ الصلاةُ والسلامُ: يُرْخِينَ شِبْرًا، فَقَالَتْ: إِذًا تَنْكَشِفُ أَقْدَامُهُنَّ، قَالَ فَيُرْخِينَهُ ذِرَاعًا، لَا يَزِدْنَ عَلَيْهِ  " رواه الترمذي وأخرجه أحمد

وأما الْمَعْصِيَةُ الثانيةُ التي حَذّرَ منها عليهِ الصلاةُ والسلام فهِيَ الــمَنُّ بالعملِ ،وهي أيضا من كَبَائِرِ الذُنُوبِ لا مِنْ صَغَائِرِهَا، وهي صِّفَةٌ ذميمةُ،  تجعلُ الإنسانَ يَصْنَعُ صنيعًا حَسَنًا لكنّهُ يُــــتْبِعُهُ بالـمَنّ، والمسلمُ مأمُورٌ بأنْ لا يَـــمُنَّ بطاعةٍ وعبادةٍ عَمِلَهَا، قال الله تعالى  :﴿ يَـمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُل لَّا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلَامَكُم بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلْإِيمَانِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ ﴾  [ الحجرات : 17].

ولا يـَـمُنُّ على عباداللهِ بما عمِلَهُ لهم من معروفٍ وإحسانٍ، ابتغاءَ ثوابٍ من الله تعالى، قال سبحانه:      ﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذَى ...﴾ [ البقرة : 264]

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : "...وَثَلَاثَةٌ لَا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ؛ الْعَاقُّ لِوَالِدَيْهِ، وَالْمُدْمِنُ الْخَمْرَ، وَالْمَنَّانُ بِمَا أَعْطَى " أخرجه النسائي وأحمد وقال الألباني: حَسَنٌ صحيح

 فلا يجوز للمسلم أن يُــعَدِّدَ أعمالَه على الناسِ على سبيل الـمَنّ، فيقول:،فُلانٍ جاءَ واقترضَ مِنّي، وَفُلانٌ جاءَ وطلبَ مني مُساعدةً، أو طَـــلَبَ شَفَاعةً فَشَفَعْتُ لَهُ، ووقفتُ معهُ، أو يَــمُن بعمله على مَنْ صَنَعَ لَهُ هذا الإحسان ،وهو يَســمَعُ هذا الـــمَنّ .

 قال الْقُرْطُبِيُّ -رحمه الله-  (الـمنُّ غالباً يقعُ من البخيلِ والـمُعـجَبِ) ، وصَدَقَ -رحمه الله- ، لأنّ البخيلَ لم يتعود البذلَ والعطاءَ فلذا يـَمُنُّ بعطائهِ، وأما الـمُعجَبُ بنفسِهِ فهو مِنْ أكثرِ الناسِ مَـــنّاً بأعمالِهِ،  وَمِنْ أكثرِ الناسِ ذكراً لها .

عِبَادَ اللَّهِ :إنَّ الْمَرْءَ إذا وفّقَهُ الله لعملِ الخير، فَلْيَعْلَمْ أنّهُ إنّـمَا يُـحْسِنُ لِنَفْسِهِ، قبلَ أن يـُحْسِنَ لغيرِهِ،      قال تعالى ﴿ إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا ﴾ [ سورة الإسراء:7]

اللهم فوفقنا لهداك واجعل عملنا في رضاك.وارزقنا الإخلاص في القول والعمل وتقبل منا يا رب العالمين

باركَ اللّهُ لِي ولَكُم في الْقُرْآنِ الْعَظِيمِ، وَنَفَعَنِي وَإِيَّاكُمْ بـما فِــيهِ مِنَ الآيَاتِ والذِّكْرِ الْحَكِيمِ، أَقُوُلُ قَوْلِي هَذَا، وأَسْتَغْفِرُ اللهَ الْعَظِيمَ ا الْجَلِيلَ لي وَلَكم ولِسَائرِ الْمُسْلِمِينَ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ فَاسْتَغْفِرُوهُ، إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ. 

الخُطْبَةُ الثَانِيَةُ :  الْحَمْدُ للهِ عَلَى إِحْسَانِهِ، وَالشُّكْرُ لَهُ عَلَى تَوْفِيقِهِ وَامْتِنَانِهِ، وَأَشْهَدُ أَلَّا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وحدهُ لاشريك لهُ، تَعْظِيمًا لِشَأنِهِ، وَأَشْهَدُ أَنَّ نَبِيَّنَا مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ الدَّاعِي إِلَى رِضْوَانِهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ، وَأَصْحَابِهِ، وَأَتْبَاعِهِ، إِلَى يَوْمِ الدِّينِ، وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كثيرا ، أمَّا بَعْدُ:

فثالث مَنْ ذَكَرَهُم رسولُ الله صلى الله عليه وسلم مِـمَنْ (... لا يُكَلِّمُهُمُ اللهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَلَا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ وَلَا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ»

الذي يَحلِفُ على بِضاعَتِه كاذِبًا؛ ليُرَوِّجَها ويُحلِّيَها في أعينِ المشتَرينَ بالكذبِ والخِداعِ، وهو بحَلِفِه الكاذِبِ وفيه يَقُولُ تَعالَى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلًا أُولَئِكَ لَا خَلَاقَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ وَلَا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ وَلَا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾ [آل عمران: 77].

فنسألُ اللهَ أن يُجَنِّبَنَا كل إثم وخطيئة، وبوفقنا لطاعته ومرضاته.

أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ:: صَلُّوا وَسَلِّمُوا -رحمكم الله- على مَنْ أمركم الله بالصلاة عليه، فقال عَـــزّ مِنْ قائل:

 ﴿ إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ  يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ﴾ [ الأحزاب:56]

 اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ، وَعَلَى آلِهِ الطَّيِّبِينَ، وَأَصْحَاْبِهِ الطَّاهِرِينَ، وَمَنْ سَارَ عَلَى نَهْجِهِ وَ اقْتَفَى أَثَرَهُ إلى يَوْمِ الدِّينِ، وَعَنَّا مَعَهُم بكرمكَ وَمَنّكَ، يَاْ أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ، رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا.اَللَّهُمَّ آمِنَّا فِي أَوْطَانِنَا، وَأَصْلِحْ أَئِمَّتَنَا وَوُلَاةَ أُمُوْرِنَا، وَاجْعَلْ وِلَايَتَنَا فِيْمَنْ خَافَكَ، وَاتَّقَاكَ، وَاتَّبَعَ رِضَاكَ.

رَبِّ أَعِنّا وَلَا تُعِنْ عَلَينا، وَانْصُرْنا وَلَا تَنْصُرْ عَلَينا، وَامْكُرْ لِنا وَلَا تَمْكُرْ عَلَينا، وَاهْدِنا وَيَسِّرِ الهُدَى لِنا، وَانْصُرْنا عَلَى مَنْ بَغَى عَلَيّنا.

عبادالله :﴿ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ﴾ [ النحل:90] فَاذْكُرُوا اللَّهَ الْعَظِيمَ الْجَلِيلَ يَذْكُرَكُمْ ، وَاشْكُرُوهُ على نِعَمهِ يَزِدْكُمْ، وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ.  

المرفقات

1669913720_ثلاثة لا يكلمهم الله.docx

1669913742_ثلاثة لا يكلمهم الله.pdf

المشاهدات 1462 | التعليقات 0