ثلاثة أهلة في شهرين ) والحج في الوباء..!

HAMZAH HAMZAH
1441/11/05 - 2020/06/26 16:56PM

خطبة : ( ثلاثة أهلة في شهرين ) والحج في الوباء..!
جامع الفهد ... د . حمزة آل فتحي
.....

‏الحمدُ لله تفرد بالعبادة والبقاء، وأفاضَ علينا الخير والنعماء ، تعاظمت موانحُه، وتكاثرت أفضالهُ، له النعمةُ وله الفضل، وله الثناء الحسن...
أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين ....
أما بعد : فاتقوا الله يا مسلمون، وكونوا على طراطه المستقيم ، فتقواه منجاة، وصراطه عصمة، { ومن يتق الله يجعل له مخرجا، ويرزقه من حيث لا يحتسب }.

أيها الناس :

هل رأيتم الموائدَ المتسعة، والسُفر الممدودة ، والأطعمة الملقاة ، وصورَ التفاخر الكاذبة ، والمقاطع السمجة ...؟!
وكأننا لا نرى المجاعات ، ولا نحسُّ بإخواننا الجياع في العالم ..قال تعالى:{ وفي أموالهم حق معلوم للسائل والمحروم } .

فهل تفكرنا في عاقبة تلك النعم، وقد لهونا بها ، وهل تأملنا الجياع ، وكيف عاشَ الناسُ قبلنا .. ؟!
بل كيف كان حالُ رسول الله صلى الله عليه وسلم ، والسلف الكرام، الذين حملوا لنا الدين بقوة ، وتجرعوا العنت ، واستطعموا مرارةَ الفقر، حتى وصل هذا الدين إلينا نقيا صافيا ....!
جاعَ الرسولُ وصحبه والأُوّلُ...لكنهم عن دينهِم ما زُلزلوا
جاعوا وجاعت أمةُ ما كُدرت... وسطوعُها عالٍ ولَم يتبدلوا..!

جاء في الصحيحين عن عروةَ عن عائشة رضي الله تعالى عنها أنها قالت :" والله يا ابنَ أختي، إن كنا لننظرُ الهلالَ ثم الهلال ، ثم الهلال ، ثلاثةَ أهلهٍ في شهرين، وما أوقدَ في أبيات رسول الله صلى الله عليه وسلم نار ، فيسألها ابن أختها عروة بن الزبير رحمه الله : يا خالة فما الذي كان يُعِيشكُم ..؟!
قالت: الأسودانِ التمر والماء ، إلا أنه قد كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم جيرانٌ من الأنصار ، وكانت لهم منائح ، فكانوا يرسلون إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من ألبانها ، فيَسقِيناه" .
تأملوا يا مسلمون في عبر ودروس هذا الحديث:
ولعل أولها : جوعُ سيد الخلق وخفاء النار ، والطعام المطبوخ من بيوته كلها . ومع ذلك حمِدَ الله وشكر، وبلّغ دينه وذكر، ونصح لأمته وما تراجع..!
فبأبي هو وأمي عليه الصلاة والسلام...!
‏وقد كان واحدًا من الناس يشبع ويجوع، ويفرح ويحزن ، ويسعد ويبتلى، ولم يجعل طيبَ العيش قضيتَه الجوهرية ، بل كانت قضيتُه هدايةَ الناس ، والحرصَ على استنقاذهم من عذاب الجحيم ، كما قال الله تعالى :{ فلعلك باخعٌ نفسك على آثارهم إن لم يؤمنوا بهذا الحديث أسفا } .
ثانيا : برغم قلة الطعام ، وهوان الزاد، واختفاء النار عن البيوت، لم يكدره ذلك ، أو يحمله على ترك الدعوة والنصيحة للخلق ، وفي هذا درسٌ للذين يعزفون عن الدعوة و البلاغ، وقد متعهم الله متاعا حسنا ، ورزقهم من صنىوف النعم ..! {,وإن تعدو نعمة الله لا تحصوها}.
ثالثا : أنّ الظروف الصعبة تصنع الرجال ، والأحوال الشديدة تنتجُ القيادات والمربين الصابرين، المؤمنين بالله وبوعده وتوفيقه .
خلافًا لحياة الترف المترفين.. فإنه تفتح آفاق للمعاصي ، وتشيعُ الانحراف ، ولا تخرج إلا أجيالَ الهزيمة والهوان ...!
رابعا : هكذا كانت كانت حياةُ سيد المرسلين ، وأفضل بني آدم، عليه الصلاة والسلام ، فقرٌ مع اعتزاز ، وضيقُ عيشٍ مع توكل ، وبساطة بلا إنهزام ...! قال تعالى :{ ولا تَهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين } .
خامسا : رضا رسول الله صلى الله
‏عليه وسلم ، واكتفاؤه بالشيء اليسير ، الذي يسره الله ، أو تُهدى له منائح من جيرانه وأصحابه ، وقد صح قوله:{ اللهم اجعل رز قَ آلِ محمد قوتًا }. أي ما يُقيتهم ويكفيهم ، ويكُفُّهم عن مذلة المسألة ...! قال الحافظ ابن بطال رحمه الله :" فيه دليلٌ على فضل الكفاف ، وأخذ البُلغة من الدنيا والزهد فيما فوق ذلك ، إيثارًا لما يبقى على ما يفنى فينبغي أن تقتدي بع أمته في ذلك والله أعلم " .
اللهم آت نفوسنا تقواها ، وزكها أنت خير من زكاها ، أنت وليها ومولاها .. أقول قولي هذا ، وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين ، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم..

——-
الحمد لله حمدا كثيرا طيبا مباركًا فيه، وصلّى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آلهِ وصحبه أجمعين:

أما بعد :
أيها الإخوة الفضلاء :
دخلت أشهرُ الحج ، ونفوسُ المومنين تهوي وتحنّ إلى تلك الشعيرة ، ولكنكم تبصرون وتعاينون خطورة هذا الوباء العالمي ، من جراء الزحام والمخالطة، ولذلك كان موقف الحكومة وفقها الله سديدا في تقليل الأعداد ، وجعلها مقصورة على حجاج الداخل وبشروط صحية وتنظيمية محددة ..!
وكل ذلك لأجل السلامة العامة، وحفاظا على صحة الحجيج والزوار، قال تعالى:( وما جعل عليكم في الدين من حرج ) وقال صلى الله عليه وسلم :( لا ضرر ولا ضرار ) .
والمبلغ المدخر - أخي الحاج- تستطيع أن تعين به حاجا، وتطعم فقيرا، أو تواسي به مسكينا، إذ طرق الخيرات كثيرة ، ولا يكلف الله نفسا إلا وسعها .
فجُد بمالك، وامدد خيرك للآخرين، وتطلب الحسنات في مواضعها ، وإياكَ والزللَ وقلة الفهم، فما وضعت تلكم الإجراءت إلا للصحة العامة، ودرء العدوى، وقد ورد حديث ( لا يُورد ممرضٌ على مُصح ) .
فالتزموا الآداب ، وكونوا مع النظام في وقار وتهذيب ، وحافظوا على مجتمعكم ، وتعاونوا مع المسؤولين وفقهم الله ...
نسأل الله أن يرفع هذا الوباء والشقاء والجفاء ، وأن يرزقنا العظة والاعتبار....
اللهم احفظ بلادنا من كل وباء وسخط، وساير بلاد المسلمين ..
اللهم احفظنا في ديننا وفِي أهلينا، وفِي أبداننا ...
وصلوا وسلموا......

المشاهدات 526 | التعليقات 0