ثروة الشباب وسهام الأعداء
راكان المغربي
أما بعد:
لقد رزق الله سبحانه وتعالى أمةَ الإسلام بالعديد من الثروات، ومصادرِ الطاقة، وكنوزِ الأرض، ما جعل تلك الثرواتِ محطَّ نظرِ الأعداء، ومكمنَ مطامِعهم في هذه الأمة.
وإن من الواجب على أمةِ الإسلام أن تحفظَ تلك الثروات، وتسثمرَها حق الاستثمار، وتحفظها من الضياع أو السلب من الأعداء.
وإن الثروة التي سنتكلم عنها اليوم ليست من قبيل الثروة النفطية أو الزراعية أو المعدنية أو غير ذلك. وإنما ثروة هي أعظم من تلك الثروات كلها، أعظمُ في قيمتها، وأعظمُ في أثرها، وأعظمُ في امتدادها وبقائها.
إنها ثروة الشباب!
الشباب الذين هم كنز الأمة، ورأس المال، هم شعاع الأمل، وصناع المستقبل، على أيديهم تقوم الحضارات، وبهم تحيا الأمم.
الشباب هم الوقود الذي إذا وضع في مكانه الصحيح أثمر الطاقة النافعة، وشعَّ بالضياء والنور. وإذا أُهمل وضُيّع وتوجهت له قذائفُ الأعداء انقلب ذلك الوقودُ حريقا ودمارا.
ولقد فقه أعداء الأمة هذا المعنى فكان الشباب في مرمى سهامهم، وصوبِ تركيزهم، لا يفتأون صباح مساء في ضرب معتقداتهم، وإثارة شهواتهم، وإشغالهم بالتوافه.
فانظر إلى خوارج العصر كيف يركزون دعوتهم على الشباب، يوقعونهم في شباكهم، فيغسلون أدمغتهم ليوظفوهم ويسخروهم في أهدافهم الخبيثة.
وانظر إلى أهل الفساد والانحلال كيف يبثون سمومهم إلى الشباب والفتيات، ويغذونهم بأفكارهم، ويستثيرون شهواتهم، ويدفعونهم إلى الفحش والعري والرذيلة.
ويا تُرى ما هو موقفنا حين نرى تلك الهجمات التي كثيرا ما تؤتي ثمارها، فتفتك بشبابنا، وتحرفهم ذات اليمين أو ذات الشمال؟!
لا شك أنه يجب علينا ألا نقفَ موقف المتفرج، وإنما نقفُ موقفَ العامل الذي يعمل العمل الدؤوب للحفاظ على رأس ماله، واسثماره وتنميته، وحمايته من النهب والسرقات.
وأول ما ينبغي عمله في هذا الجانب، أن يعرف الشاب ومن يقوم عليهم، أن مرحلة الشباب هي المرحلة الذهبية في العمر، التي متى استثمرها الإنسان الاستثمارَ الصحيحَ فإنها ستعود على حياته بأعظم النفع وأكثره، ولذا جاء في وصية النبي صلى الله عليه وسلم الجامعة: (اغتنمْ خمسًا قبلَ خمسٍ -وذكر منها:- وشبابَك قبلَ هرمِك)، وذلك أن الشباب تجتمع فيه قوةُ البدن ونشاطُه، وصفاءُ الذهن من كثرةِ هموم الحياة، وروحُ الإقدام والإقبال. ولا يلبث المرء كثيرا حتى ينتهي شبابه فتؤولُ القوة إلى ضعف، وصفاء الذهن إلى انشغاله، والإقدام إلى إحجام.
وإن أعظم اغتنام لهذه المرحلة أن ينشأ الشاب على طاعة الله وعبادته، فيعتادَ ارتياد المساجد، ويذوقَ حلاوة الإيمان، ويرتبطَ بالصحبة الصالحة التي تعينه على الخير وتدله عليه، وبذلك يُحصِّن الشاب إيمانه، فلا يسهل على الأعداء اصطيادُه وإيقاعُه في شراك الرذائل.
وهذا ما كان يفعله النبي صلى الله عليه وسلم مع أصحابه، حين كان يغرس فيهم حب الله، ويحرك فيهم روح الإيمان، لينشئوا على طاعة الله. اسمع إليه صلى الله عليه وسلم وهو يخاطب الفتى ابن عباس بوصية حُفرت في قلبه، فحفظها وعمل بها وبلغها (يا غُلامُ إنِّي أعلِّمُكَ كلِماتٍ ، احفَظِ اللَّهَ يحفَظكَ ، احفَظِ اللَّهَ تَجِدْهُ تجاهَكَ، إذا سألتَ فاسألِ اللهَ، وإذا استعنتَ فاستعِنْ باللهِ). ويشوّقُ الشابَّ معاذ بن جبل إلى الجنة فيقول له: (ألا أدلك على أبواب الجنة؟!). ويزهد الشابَّ عبدالله بن عمر في الدنيا فيقول له: (كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل).
وهكذا كان يحرص النبي صلى الله عليه وسلم على التربية الإيمانية للشباب، حتى ينشئوا على ما يحبه الله ويرضاه.
وهنيئا ثم هنيئا لذلك الشاب الذي نشأ في عبادة الله حين ينادى على رؤوس الأشهاد، ليستظل في ظل الله يوم لا ظل إلا ظله، كما قال صلى الله عليه وسلم: (سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمُ اللَّهُ في ظِلِّهِ، يَومَ لا ظِلَّ إلَّا ظِلُّهُ -وذكر منهم:- وشَابٌّ نَشَأَ في عِبَادَةِ رَبِّهِ).
وإن من أعظم الاغتنام لهذه المرحلة، أن يتوجه الشاب إلى تعلم العلم، فالعلم خير ما تنال به المعالي، وتُحصن به العقول. وإن أعظم العلم هو العلم بالله وبدينه، فحين يقبل الشاب على القرآن والسنة حفظا وفهما، فإنه ينال بذلك رأسَ العلم ومنبعَه، الذي به يبني المسلمُ آخرته، ويتحصن من الأفكار الضالة، والعقائد المنحرفة، والمذاهب الهدامة.
وقد كان جل حفظة القرآن من الصحابة في عهد النبي صلى الله عليه وسلم من الشباب، وما دلالة ذلك إلا على اعتناء النبي صلى الله عليه وسلم بتعليم هؤلاء الشباب، وفي الحديث قال صلى الله عليه وسلم: (خُذُوا القُرْآنَ مِن أَرْبَعَةٍ: مِنِ ابْنِ أُمِّ عَبْدٍ -وهو عبدالله بن مسعود وكان شابا-، وَمُعَاذِ بنِ جَبَلٍ- وهو شاب- ، وَأُبَيِّ بنِ كَعْبٍ، وَسَالِمٍ مَوْلَى أَبِي حُذَيْفَة -وهو شاب-)َ.
والذي جمع القرآن في عهد أبي بكر كان زيد بن ثابت وكان من شباب الصحابة أيضا، وقال له أبو بكر: "إنَّكَ رَجُلٌ شَابٌّ عَاقِلٌ لا نَتَّهِمُكَ، وقدْ كُنْتَ تَكْتُبُ الوَحْيَ لِرَسولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فَتَتَبَّعِ القُرْآنَ فَاجْمَعْهُ".
فما أجمل أن نسلك طريق ذلك الجيل، فنربط شبابنا بحلقات القرآن، ودروس العلم، ومحاضن التربية، فإن ذلك من أهم ما ينبغي التركيز عليه لتحصين شبابنا من سهام الأعداء.
وإن من أشد هجمات الأعداء التي نجحت في تصيد كثير من شبابنا، هو إشغالهم بالتفاهات، وإغراق أوقاتهم في سفاسف الأمور. والذي أدى إلى غياب الهدف السامي، واختفاء الاهتمامات العالية، وغياب روح المسؤولية.
والذي يجب علينا أن نربي شبابنا على معالي الأمور، وننمي فيهم روح المسؤولية.
فهذا الشاب زيد بن ثابت يكلفه رسول الله صلى الله عليه وسلم بترجمة رسائل اليهود العبرية وهو دون العشرين من عمره، وهذا الشاب أسامة بن زيد يكلفه رسول الله صلى الله عليه وسلم بقيادة جيش وعمره يوازي عمر شاب في المرحلة الثانوية في زماننا، وهذا معاذ بن جبل يرسله النبي صلى الله عليه وسلم داعيا إلى اليمن وهو في منتصف العشرينات من عمره.
وقد يقول قائل: إن الزمن تغير، ونضج الشاب صار متأخرا.
فنقول: نحن من تسببنا في ذلك بإهمال طاقات الشباب، وضعف استثمارها، وتأثرنا بالفكر الغربي الذي يتعامل مع الشاب على أنه مراهق، لا يعرف إلا إشباعَ شهواته، والانغماسَ في لهوه ولعبه.
ولو أننا أحسنا الاستثمار، وقدرنا الشاب حقَّ قدره، لخرجت من الشباب القدراتُ الهائلة، والطاقاتُ الحقيقية. والنماذج في ذلك موجودة ومنتشرة -وإن كانت قليلة-، فكم سمعنا من شباب حفظوا القرآن وهم دون الخامسة عشر، وكم سمعنا عن شباب سجلوا براءات اختراع وهم حول العشرين من العمر، وكم سمعنا من شباب قامت على أيديهم مشاريع تجارية كبيرة وناجحة وهم في مقتبل العمر، وغير ذلك الكثير والكثير، الذي يثبت أن في الشباب طاقة كبيرة، ولكنها قد تكون كامنة، فتحتاج إلى استخراج واستثمار.
وحين يتحمل الشاب المسؤوليات، وينشغلُ بالنافع المفيد في الدنيا والآخرة، ويذوق لذة الرفعة والإنجاز، فإنه بذلك سيرتفعُ عن التفاهات وسفاسف الأمور، ولن تفلح سهام الأعداء في اغتيال همته العالية، وضرب أهدافه السامية -بإذن الله-.
بالإيمان والعلم والعمل نحصن شبابنا من سهام الأعداء، ونرتقي بهم إلى أعالي الدرجات في الدنيا والآخرة.
بارك الله لي ولكم...
الخطبة الثانية:
أما بعد:
فيا عباد الله:
الشباب هم مصدر قوتنا، ومنبع عزتنا. فلا بد أن نفتحَ لهم قلوبنا، ونصرفَ لهم أوقاتنا، بأن نكثرَ الجلوس والحوارَ معهم، ونسمعَ منهم مشاكلهم، ويبثوا لنا شكواهم، ثم نسعى في حلها بما نستطيع.
فإن لم نفعل، فإن شياطين الجن والإنس فتحوا لهم كل باب، وأقاموا من أجل إضلالهم كل منبر، فالله الله في شبابنا.
وحري بكل أب وأم ومرب ومربية، أن يتعلموا ويتفقهوا في تربية الشباب، فالتربية هي صناعة الإنسان، وكل صناعة تحتاج إلى تعلم ودراسة وفقه لأصولها ومبادئها، فحري بنا أن نتعلم أصول صناعة الإنسان، وأن نبحث ونسأل عن أفضل الطرق لهذا التعلم، الذي صار سهلا يسيرا مع توفر كثير من الكتب والمواد الصوتية والمرئية على الشبكة العنكبوتية.
وبذلك نكون بذلنا جهدنا وأدينا واجبنا في تحصين الجيل، ثم الانطلاق إلى البناء والتنمية -بإذن الله-.
هذا وإن من أعظم ما نعصم به شبابنا من الفتن، هو الدعاء لهم. وقد كان الأنبياء والصالحون يكثرون من الدعاء لذرياتهم، فمن صفات عباد الرحمن أنهم يقولون (رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا)
فاللهم احفظ شباب وفتيات المسلمين، اللهم احفظهم بحفظك، وارعهم برعايتك.
اللهم احفظهم من شر الأشرار، وكيد الفجار، ومكر الليل والنهار.
اللهم جنبهم الفتن ما ظهر منها وما بطن.
اللهم خذ بأيديهم إلى مراضيك، واهدهم إلى سبيل البر والتقوى.
(رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا)
المرفقات
1641385553_ثروة الشباب وسهام الأعداء.docx
1641385553_ثروة الشباب وسهام الأعداء.pdf