تيك توك.. ونعم التربية!
عبدالكريم الخنيفر
الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضلَّ له، ومن يُضللْ فلا هاديا له.
وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريكَ له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسولُه، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا.
عبادَ الله، أيها الآباءُ والإخوةُ والأبناءُ، أوصيكم ونفسي بتقوى الله، الذي أوجدكم في هذهِِ الحياةِ وأنعم عليكم بنعمةِ الذُّرية وعظَّم من شأن أرحامكم، قال تعالى: ﴾يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ ۚ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا﴿.
أيها المسلمونَ آباءً وأبناءً، حَصَلَ قبلَ أسابيع أنْ خَرَجَ بعضُ الرجالِ إلى الشارعِ فصُعقوا حيَن رأوا سياراتِهم محكَّكة بمنظرٍ بشع، ولما عادوا لأجهزةِ المراقبةِ التصويريةِ عَجبُوا أنَّ المفسدينَ الذين عاثُوا في سياراتِهم تخريبًا هم محضُ أطفالٍ عابثينَ، يُؤدُّون تحدَّيا تصويريًّا تلقَّوه من أحدِ البرامجِ التواصليةِ في الجوال!
وحينها اتُّخذت الإجراءاتُ النظاميَّةُ التي كلَّفتْ ذوي الأطفالِ الهمَّ والتعبَ والمالَ الكثير.
وهنا أسئلةٌ في البالِ تلجُّ: كيفَ غُفِلَ عن هؤلاءِ الأطفال؟ بل ما الذي جَعَلَهم يَصِلُونَ لهذا الدَّرَكِ من الفساد؟ والذي جَعَلَهم يفعلون ذلكَ كيفَ اخترقَ حصنَ التربيةِ الأسرية؟! ودرعَ التوعيةِ المدرسية؟!
أم أنها حصونٌ من خشبٍ ودروعٌ من ورق!!
نعم يا عبادَ الله آنَ الأوانُ ليرتفعَ الصوتُ عاليًا أنَّ تطبيقاتِ الجوالِ الترفيهيةَ ذاتَ الواقعِ الافتراضيِّ والبثِّ المباشرِ فيها شرٌّ وبالٌ على الفردِ والأسرةِ والمجتمع، وليستْ القصةُ السابقةُ نموذجًا لذلكَ الشر، بل هي مثالٌ صغيرٌ لفسادٍ سلوكيٍّ واحد، وما تؤدِّيه تلكَ التطبيقاتُ أعظمَ وأشنعَ .. .. وأطمَّ وأفضع.. إذ تُفسدُ الدينَ والأخلاقَ والحياءَ بنشرِ الشبهةِ والمجاهرةِ بالمعصيةِ والتعريِّ والرقصِ والكلامِ الباطل.
وتُتلفُ الوقتَ والمالَ في بذلِه عبثًا على تحدِّيات واهيةٍ وتسوِّلاتٍ حقيرة، يذهبُ القليلُ منها للمشهورِ الفاسد، وأكثرُها لتلكِ الشركةِ التي لا ترقبُ في أبنائِنا إلًّا ولا ذمَّة.
تصوَّر أيها العاقل ثم تحيَّر.. وإن شئت فتحسَّر.. أنه قبل أيامِ قليلةٍ أُقيم بثٌّ لأربعةِ من مشاهيرِ الغفلةِ والسَّفهِ، دَفَعَ المتابعون من أبنائنا أثناءَ البثِّ وحدَه ثلاثةَ ملاييِن ريال! تقاسمها التطبيقُ المفسدُ والمشاهيرُ السَّامُّون بينهم، وذهب أبناؤنا بإتلاف المال وفساد العقل.
وماذا كان يدور أثناء البث؟! دعوةٌ إلى خير أو نصيحةٌ صالحة أو اكتشافٌ علمي أو على الأقل لعله عرضٌ إبداعيٌّ تريفيهيٌّ.
بل السفهُ والتفاهةُ واللغوُ والمنكر، مع تضييعٍ للأوقاتِ والأموالِ، وهما من أعظم ما يُسأل عنه العبد يوم القيامة: عن عمرِهِ فيما أفناهُ وعن مالِهِ من أينَ اكتسبَهُ وفيمَ أنفقَهُ.
تأملْ أيها الأب، يا وليَّ الأمر، يا من استرعاك اللهُ مَن تعولُ حيَن يذهبُ أكثرُ وقتِ اليومِ لدى الابنِ والبنتِ في متابعةِ هذا الإسفافِ والفساد، ما حصيلةُ ذلك؟ ماذا ننتظرُ من أبنائِنا وبناتِنا إذا كانوا وعاءً مُفتَّحًا لهذا السمِّ الفاتِك؟ أن يُصبحوا أناسًا صالحيَن واعيَن منتجين؟ أم جهلةً سطحيينَ ضارِّين؟
واللهِ إنَّ النتيجة واضحةٌ وضوحَ الشمس، ويا لهفَ نفسي على آباءِ هذا الجيلِ وأمَّهاتِه كم سيعانونَ في تربيةِ أبنائِهم وكم سينالون من أجرٍ عظيمٍ إن أحسنوا التربية.
كان آباؤُنا وأمهاتُنا قبلَ هذه التطبيقاتِ يحذُّروننا من رفيقِ السوءِ شرَّ تحذير، وأين أنت اليومَ يا رفيقَ السوء؟! أباحكَ اللهُ وحلَّلكَ أمامَ تطبيقاتِ السوء التي صارتْ ألصقَ شيءٍ بنا، يستقي منها الناسُ السمَّ الزعاف والشرَّ والإسفاف.
أيها الأبُ المربِّي إنَّ هذه التطبيقاتِ سيوفٌ من حديد، ولا يصدُّ الحديدَ إلا الحديد.
﴾يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا
اصْبِرُوا..
وَصَابِرُوا..
وَرَابِطُوا..
وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴿
أقول قولي هذا وأستغفرُ اللهَ لي ولكم من كل ذنب، فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، أما بعد،
عبادَ الله، إنَّ التربية فعلٌ مستمرٌّ دائمٌ لا يتوقف ولا يتعطَّل، وإنَّ أبناءَنا وبناتِنا ينشؤون على ما يتلقُّونه أمامَهم ويتكررُ في حياتهم، فإن كان ذلك التلقي أبوين صالحين واعيين وبيئةً تربويةً راشدةً كانت النتيجةُ بإذن الله أبناءَ صالحين، وإن كان التلقي من تلك البرامجِ التواصليةِ والوسائطِ الأجنبيةِ فيا خسارةَ النتيجةِ ويا ضيعةَ الأبناء.
أيها الأب، إن تربيةَ أبنائِكَ أرضُك الخَصِبَة، إن أنت أحسنتَ الزرع وداومتَ الريَّ فأبشرْ بحصادٍ طيبٍ مباركٍ نافعٍ لك ونافعٍ للمجتمع.
وإن أنت أهملْتَ الريَّ فأولُ المتضررينَ هوَ أنت.
ولو لم يكن من الأوزارِ في هذه الدنيا إلا تضييعُ أبنائِكَ لكفى بذلك إثمًا كما أخبرَ النبيُّ ﷺ بقوله:
كفى بالمرء إثمًا.. أن يُضيِّعَ من يعول.
﴾يَأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ قُوٓاْ أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا ٱلنَّاسُ وَٱلْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَٰٓئِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَّا يَعْصُونَ ٱللَّهَ مَآ أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ﴿.
اللهم اهد أبناءنا وبناتِنا واحفظهم عن مضلات الشبهات والشهوات،
واجعلهم صالحين مصلحين، قُرَّةَ عين لوالديهم.
اللهم إنا نسألك فعل الخيرات وترك المنكرات وحب المساكين وأن تغفر لنا وترحمنا وتتوب علينا وإذا أردت بعبادك فتنة فاقبضنا إليك غير مفتونين يا أرحم الراحمين
اللهم أعز الإسلام والمسلمين وانصر عبادك الموحدين وفرج عن إخواننا المستضعفين في كل مكان.
اللهم وفق ولي أمرنا لما تحب وترضى، وخذ بناصيته للبر والتقوى، اللهم وفقه ونائبه لما فيه خير البلاد والعباد،
سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين
المرفقات
1662518606_تيك توك ونعم التربية!.pdf