🌟توقير الكبير🌟

تركي بن عبدالله الميمان
1446/04/07 - 2024/10/10 05:57AM

🌟توقير الكبير🌟

الخُطْبَةُ الأُوْلَى

إِنَّ الحَمْدَ للهِ، نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ، وَنَسْتَغْفِرُهُ ونَتُوبُ إِلَيه، مَنْ يَهْدِ اللهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ.

أَمَّا بَعْد: فَاتَّقُوا اللهَ حَقَّ التَّقْوَى، واسْتَمْسِكُوا مِنَ الإِسْلامِ بِالعُرْوَةِ الوُثْقَى، ﴿وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى﴾.

أَيُّهَا المُسْلِمُون: مِنَ الأَدْبِ والإِكْرَام، إِجْلالُ ذَوِي القَدْرِ والاِحْتِرَام؛ قال ﷺ: (أَنْزِلُوا النَّاسَ مَنَازِلَهمْ).

والكَبِيْرُ في السِنِّ؛ لَهُ عِنْدَ اللهِ حُرْمَة، وَفِي الإِسْلامِ شَرَفٌ ومَنْزِلَة؛ لِكَوْنِهِ تَقَلَّبَ في عُبُوْدِيَّةِ اللهِ عَدَدَ سِنِين؛ وسَبَقَ غَيْرَهُ في طَاعَةِ رَبِّ العَالمين!قال ﷺ: (لَيْسَ مِنَّا مَنْ لَمْ يَرْحَمْ صَغِيرَنَا، وَيَعْرِفْ شَرَفَ كَبِيرِنَا). قَالَ بَكْرُ المُزَنِيُّ: (إِذَا رَأَيْتَ أَكْبَرَ مِنْكَ؛ فَقُلْ: سَبَقَنِي بِالإِسْلامِ والعَمَلِ الصَّالِحِ؛ فَهُوَ خَيْرٌ مِنِّي).

والصَّالِحُونَ مِنْ كِبَارِ السِنِّ: هُمْ مِنْ خَيْرِ البَشَر! قال ﷺ: (خَيْرُ النَّاسِ: مَنْ طَالَ عُمْرُهُ، وَحَسُنَ عَمَلُهُ)، و(لَا يَزِيدُ المُؤْمِنَ عُمْرُهُ إِلَّا خَيْرًا).

وكَبِيرُ السِنِّ أَحْوَجُ إلى الرَّحْمَة؛ لأنَّه في حَالِ الضَّعْفِ وتَلَاشِي القُوَّة؛ وَهَذْهِ سُنَّةُ اللهِ في خَلْقِه، وعِبْرَةٌ لِكُلِّ مَنِ اغْتَرَّ بِقُوَّتِه!

قال U: ﴿اللهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفًا وَشَيْبَةً﴾.

ومِنْ إِجْلالِ الكَبِير: أَنْ يُبْدَأَ بِالسَّلَامِ؛ قال ﷺ: (يُسَلِّمُ الصَّغِيرُ على الكَبِيرِ).

ومِنْ تَوْقِيرِ الكَبير: تَقْدِيمُهُ في الكَلَامِ؛ فقد كانَ ﷺ إذا تَحَدَّثَعِنْدَهُ اثْنَان، بَدَأَ بِأَكْبَرِهِمَا سِنًّا؛ لِقَوْلِهِ ﷺ: (كَبِّرْ، كَبِّرْ).  

قال ابنُ حَجَر: (قَوْلُهُ: كَبِّرْ، كَبِّرْ: أَيْ قَدِّمِ كَبِيرَ السِنِّ). وقال بعضُهُمْ: (أَي لِيَلِي الكَلَامَ: الأَكْبَر). قال سَمُرَةُ بْنُ جُنْدُبٍ t: (لَقَدْ كُنْتُ على عَهْدِ رَسُولِ اللهِ ﷺ غُلَامًا، فَكُنْتُ أَحْفَظُ عَنْهُ، فَمَا يَمْنَعُنِي مِنَ القَوْلِ: إِلَّا أَنَّ هَا هُنَا رِجَالًا هُمْ أَسَنُّ مِنِّي).

ومِنِ احْتِرَامِ الكَبِير: تَقْدِيْمُهُ في كُلِّ مَوْطِنٍ؛ قال ﷺ: (أَرَانِي أَتَسَوَّكُ بِسِوَاكٍ -أيْ رَأَيْتُ نَفْسِي في المَنَامِ أَنِّي أَسْتَاكُ-، فَجَاءَنِي رَجُلاَنِ: أَحَدُهُمَا أَكْبَرُ مِنَ الآخَرِ، فَنَاوَلْتُ السِّوَاكَ الأَصْغَرَ مِنْهُمَا، فَقِيلَ لِي: كَبِّرْ، فَدَفَعْتُهُ إلى الأَكْبَرِ مِنْهُمَا).قال ابنُ بَطَّال: (فِيهِ تَقْدِيمُ ذِي السِنِّ في السِوَاك، وكَذَلِكَفي الطَّعَامِ والشَّرَابِ والكَلَامِ والرُّكُوبِ، وفي كُلِّ مَنْزِلَةٍ؛قِيَاسًا على السِوَاك).

وقَضَاءُ حَوَائِجِ الكَبِير؛ مِنْ سُنَنِ الأَنْبِيَاءِ، وصِفَاتِ الأَوْفِيَاء!فَعِنْدَمَا جَاءَتْ (بَنَاتُ الشَّيْخِ الكَبِيرِ) إلى مُوسَى u: ﴿قَالَتَا لا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعَاءُ وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ فَسَقَى لَهُمَا﴾.

وخَرَجَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ t في سَوَادِ اللَّيْلِ، فَدَخَلَ بَيْتًا، فَرَآهُ طَلْحَةُ t، فَلَمَّا أَصْبَحَ ذَهَبَ إلى ذَلِكَ البَيْتِ؛ فَإِذَا بِـ(عَجُوزٍ عَمْيَاءَ مُقْعَدَةٍ)، فقال لها طَلْحَةُ: (مَا بَالُ هَذَا الرَّجُلِ يَأْتِيكِ؟)، فقالت: (إِنَّهُ يَتَعَاهَدُنِي مُنْذُ كَذَا وَكَذَا، يَأْتِينِي بِمَا يُصْلِحُنِي، وَيُخْرِجُ عَنِّي الأَذَى!).

وَمِنْ إِجْلالِ الكَبِير: تَقْدِيْمُهُ في إِمَامَةِ الصَّلَاة، إِذَا لَمْ يَكُنْ لِغَيْرِهِمَزِيَّة؛ لِقَوْلِهِ ﷺ: (إِذَا حَضَرَتِ الصَّلاةُ: فَلْيُؤَذِّنْ لَكُمْ أَحَدُكُمْ، وَلْيَؤُمَّكُمْ أَكْبَرُكُمْ). قال القِسْطِلَّاني: (أَيْ أَكْبَرُكُمْ سِنًّا في الإِسْلام: وذَلِكَ عِنْدَ تَسَاوِيْهِمْ في شُرُوطِ الإِمَامَة).

ومِنْ تَوْقِيرِ الكَبِير: الاِسْتِفَادَةُ مِنْ خِبْرَتِه، وطَلَبُ اسْتِشَارَتِه؛ فِإِنَّالكَبِيرَ: قَدْ حَنَّكَتْهُ التجارِبُ، وهو أَبْصَرُ بالعَوَاقِب؛ قال ﷺ: (البَرَكَةُ مَعَ أَكَابِرِكُمْ).

قال العلماء: (البَرَكَةُ مَعَ أَكَابِرِكُمُ؛ فَجَالِسُوْهُمْ لِتَقْتَدُوا بِرَأْيِهِمْ، وتَهْتَدُوا بِهَدْيِهِمْ؛ فَيَجِبْ إِجْلَالُـهُم حِفْظًا لِحُرْمَتِهِمْ؛ فَهَذا الحديث: حَثٌّ على طَلَبِ البَرَكَةِ في الأُمُور: بِمُرَاجَعَةِ الأَكَابرِ؛ لِـمَا خُصُّوا بِهِ مِنْ سَبْقِالوُجُودِ، وتَجْرِبَةِ الأُمُور).

وقال الحُكَماء: (عَلَيْكُمْ بِآرَاءِ الشُّيُوخِ، فَإِنَّهُمْ أَشْجَارُ الوَقَارِ، لا يَطِيشُ لَهُمْ سَهْمٌ: إنْ رَأَوْك فِي قَبِيحٍ صَدُّوك، وَإِنْ أَبْصَرُوك على جَمِيلٍ أَمَدُّوك!).

ومِنْ عِنَايَةِ الإِسْلام بِالكِبَار: الأَمْرُ بِـ(التَّخْفِيفِ عَنْهُم)؛ قال ﷺ: (مَنْ أَمَّ النَّاسَ فَلْيَتَجَوَّزْ؛ فَإِنَّ خَلْفَهُ الضَّعِيفَ، والكَبِيرَ،وذَا الحَاجَةِ).

والتواضُعُ لِلْكَبِير: مِنْ أَخْلَاقِ البَشِيرِ النَّذِير: فَحِيْنَ دَخَلَالنَبِيُّ ﷺ المَسْجِدَ، أَتَاهُ أَبُو بَكْرٍ t بِـ(أَبِيهِ)، فَلَمَّا رَآهُ ﷺ قال: (هَلَّا تَرَكْتَ الشَّيْخَ فِي بَيْتِهِ حَتَّى أَكُونَ أَنَا آتِيهِ فِيهِ!).  

وأَحَقُّ النَّاسِ بِالإِجْلالِ مِنَ الكِبَارِ: هُمَا الوَالِدَان؛ فَحَقُّهُم أَوْجَب، والتَّفْرِيْطُ في جَنْبِهِمْ أَقْبَح! قال تعالى: ﴿وَقَضَى رَبُّكَ أَلا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاهُمَا فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا﴾.قال المُفَسِّرُون: (وَإِنِّمَا نُهِيَ عَنْ أَذَاهُمَا في الكِبَرِ -وإِنْ كانَ مَنْهِيًّا عَنْهُ على كُلِّ حَال-؛ لأنَّ حَالَةَ الكِبَر؛ يَظْهَرُ مِنْهُما ما يُضْجِرُ ويُؤْذِي، وتَكْثُرُ خِدْمَتُهُمَا).

قال ﷺ: (رَغِمَ أَنْفُ، ثُمَّ رَغِمَ أَنْفُ، ثُمَّ رَغِمَ أَنْفُ) قيل: (مَنْ يَا رَسُولَ اللهِ؟) قال: (مَنْ أَدْرَكَ أَبَوَيْهِ عِنْدَ الكِبَرِ، أَحَدَهُمَا أو كِلَيْهِمَا؛ فَلَمْ يَدْخُلِ الجَنَّة).

أَقُوْلُ قَوْلِي هَذَا، وَأسْتَغْفِرُ اللهَ لِيْ وَلَكُمْ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ؛ فَاسْتَغْفِرُوْهُ إِنَّهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيم

 

الخُطْبَةُ الثَّانِيَة

الحَمْدُ للهِ عَلَى إِحْسَانِه، والشُّكْرُ لَهُ عَلَى تَوْفِيْقِهِ وَامْتِنَانِه، وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلَّا الله، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبدُهُ وَرَسُولُه.

عِبَادَ الله: الَّذِي شَابَ شَعْرُهُ في الإِسلام، وَامْتَلأَ قَلْبُهُ بِنُوْرِ الإِيْمَان؛أَحَقُّ أَنْ يُكْرَمَ ولا يُهَان، وأَنْ يُحْتَمَلَ ما يَصْدُرُ مِنْهُ وَيُعَان؛ قال ﷺ: (مَنْ لَمْ يَرْحَمْ صَغِيرَنَا، وَيَعْرِفْ حَقَّ كَبِيْرِنَا؛ فَلَيْسَ مِنَّا).

وتَعْظِيمُ الكِبَار؛ مِنْ تَعْظِيمِ الوَاحِدِ القَهَّار! قال ﷺ: (إِنَّ مِنَ إِجْلالِ اللهِ: إِكْرَامَ ذِي الشَّيْبَةِ المُسْلِمِ): أي مِنْ تَعْظِيْمِ الله؛ تَعْظِيمُ الكَبِيرِ المسلم: بِتَوْقِيْرِهِ في المَجَالِس، والرِّفْقِ بِه، والشَّفَقَةِ عَلَيْه.

والجَزَاءُ مِنْ جِنْسِ العَمَل: وكما تَدِيْنُ تُدَان؛ فَـ(مَا أَكْرَمَ شَابٌّ شَيْخًا لِسِنِّهِ؛ إِلَّا قَيَّضَ اللهُ لَهُ مَنْ يُكْرِمُهُ عِنْدَ سِنِّهِ). قال I: ﴿هَلْ جَزَاءُ الإحْسَانِ إِلَّا الإِحْسَانُ﴾.

******

* اللَّهُمَّ أَعِزَّ الإِسْلامَ والمُسْلِمِينَ، وأَذِلَّ الشِّرْكَ والمُشْرِكِيْن، وارْضَ اللَّهُمَّ عَنِ الخُلَفَاءِ الرَّاشِدِيْن، الأَئِمَّةِ المَهْدِيِّين: (أَبِي بَكْرٍ، وعُمَرَ، وعُثمانَ، وعَلِيّ)؛ وعَنْ بَقِيَّةِ الصَّحَابَةِ والتابعِين، ومَنْ تَبِعَهُمْبِإِحْسَانٍ إلى يومِ الدِّين.

* اللَّهُمَّ فَرِّجْ هَمَّ المَهْمُوْمِيْنَ، وَنَفِّسْ كَرْبَ المَكْرُوْبِين، واقْضِ الدَّينَ عن المَدِيْنِين.

* اللَّهُمَّ آمِنَّا في أَوْطَانِنَا، وأَصْلِحْ أَئِمَّتَنَا وَوُلَاةَ أُمُوْرِنَا، وَوَفِّقْ (وَلِيَّ أَمْرِنَا وَوَلِيَّ عَهْدِهِ) لِمَا تُحِبُّ وَتَرْضَى، وَخُذْ بِنَاصِيَتِهِمَا لِلْبِرِّ والتَّقْوَى.

* عِبَادَ الله: ﴿إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالعَدْلِ وَالإحْسَانِ وَإِيتَآءِ ذِي القُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الفَحْشَاءِ وَالمُنْكَرِ وَالبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ﴾.

* فَاذْكُرُوا اللهَ يَذْكُرْكُمْ، وَاشْكُرُوْهُ على نِعَمِهِ يَزِدْكُمْ ﴿وَلَذِكْرُ اللهِ أَكْبَرُ وَاللهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ﴾.

 

قناة الخُطَب الوَجِيْزَة

https://t.me/alkhutab
 

المرفقات

1728528937_‏‏‏‏توقير الكبير (نسخة مختصرة).pdf

1728528937_توقير الكبير.pdf

1728528937_‏‏توقير الكبير (نسخة للطباعة).pdf

1728528940_‏‏توقير الكبير (نسخة للطباعة).docx

1728528941_توقير الكبير.docx

1728528941_‏‏‏‏توقير الكبير (نسخة مختصرة).docx

المشاهدات 1394 | التعليقات 1

جزاك الله خيرا