توفيق وخذلان 2

أيها الموفقون:حديثنا مستمر عن التوفيق والسبب كما قال ابن القيم رحمه الله:"وقد أجمع العارفون على أن كل خير فأصله بتوفيق الله للعبد‏ وكل شر فأصله خذلانه لعبده". الناس في هذه الدنيا على صنفين:موفق ومخذول،فأنا وأنت أحد هذين الصنفين،وخذوا أمثلة على ذلك:لماذا تجد في البيت الواحد اثنين من الشباب أحدهما حريص على الصلاة والآخر لا يعرف طريقاً إلى المسجد؟ إنه التوفيق والخذلان. لماذا عندما يدعونا الله للصدقة،تجد اليد تمتد إلى الجيب وتختار أفضل المال،ولماذا شخص آخر يدعا إلى الصدقة من سنين ومع هذا تجده محجم،يده لا تكاد تخرج إلا أقل الهللات والريالات، القضية ليست غنى وفقر،ولا كرمٍ أو بخل،إنما هي قضية توفيق وخذلان. امرأة موظفة من أهل جازان علمت عن طريق إحدى صديقاتها بوجود عائلة فقيرة مكونة من أم أرملة وأربعة بنات يسكنون في غرفتين صغيرتين سقفهما وجدرانهما متهالكة،فما كان من هذه الموظفة المباركة إلا أن أخذت قرضاً بقيمة سبعين ألفاً تسدده من مرتبها،وأصلحت البناء وكملته وأثثت للعائلة أثاثاً جديداً! لا عجب من تصرفها لأن المسألة توفيق وخذلان . أخوان يعيشان في بيت واحد أحدهما بار بوالديه،والثاني تتمنى أمه خمسين ريالاً لشحن جوالها لكنه غير موفق! لماذا بعض الناس لا تفوتهم السنة الراتبة على مدار السنة كاملة، وآخرون لا يفكرون في هذا أبداً فإذا ما انقضت الصلاة خرجوا مباشرة من المسجد.إنه التوفيق والخذلان. لماذا بعض الناس في التراويح يصلون الوتر،ثم إذا انقضى شهر رمضان لا يعرفون للوتر طريقاً!توفيق وخذلان. لماذا هذه الدولة المباركة تخوض حرباً شرسة ضد مهربي ومروجي المخدرات والمسكرات الذين ازدادت أعدادهم بشكل كبير خلال السنوات الثلاث الماضية مع ازدياد في أعداد المدمنين! إنه توفيق الله فحسب،فالله هو الذي وفق ولاة أمر هذه البلاد،ووفق رجال أمنها لمحاربة هذا المرض والداء الذي إن انتشر آذن بخراب البلاد والعباد،ولذا وفق الله الولاة والعلماء إلى إصدار قرار بقتل كل مهرب استناداً لقوله تعالى:" إنَّمَا جَزَاء ٱلَّذِينَ يُحَارِبُونَ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِى ٱلأرْضِ فَسَادًا أَن يُقَتَّلُواْ أَوْ يُصَلَّبُواْ أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم مّنْ خِلَـٰفٍ أَوْ يُنفَوْاْ مِنَ ٱلأرْضِ"فواجب علينا جميعاً أن نكون جنوداً متوحّدين لمكافحة هذا الجرم الخبيث،وذلك بنبذِ المروّجين والتبليغ عنهم،والحذر من التستّر عليهم أو التهاون معهم. عباد الله:الموفق منا من استشعر هذا الحديث العظيم قال صلى الله عليه وسلم: "كلكم راعٍ وكلم مسؤول عن رعيته" فكان والداً جاداً مراعياً لأبنائه متابعاً لهم،ومرشداً لهم في كلِّ خطوةٍ يخطونها. وإني لأعجب من حال بعض الآباء كَيفَ تَنَامُ أَعيُنُهم قَرِيرَةً وَتَرتَاحُ قُلُوبُهُم،وَأَبنَاؤُهُم يَقضُونَ مُعظَمَ أَوقَاتِهِم خَارِجَ البُيُوتِ بَعِيدًا عَن رَقَابَتِهِم. لكنك إذا علمت أن الأمر توفيق وخذلان زال عنك العجب! أيها الناس:التوفيق ليس لأناس دون آخرين ولا لأجناس دون أجناس ولا طبقات دون طبقات ! فقد يحصل التوفيق لجارية وأمة مملوكة وعبد مملوك فالتوفيق لا يحتاج لحسب أو نسب! ولا أدل على ما قلت من ترجمة عطاء بن أبي رباح واستمع لما قاله عنه الإمام الذهبي في السير: الإمام شيخ الإسلام،مفتي الحرم، ولد في أثناء خلافة عثمان رضي الله عنه،أدرك مائتين من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم. عن عبد العزيز بن أبي حازم،عن أبيه قال:"ما أدركت أحداً أعلم بالحج من عطاء بن أبي رباح" . قال الذهبي في وصف عطاء: كان عطاء أسود شديد السواد أعور أفطس أشل أعرج أبخر ثم عمي. ومع هذا كله فإنه يصفه بالثقة الفقيه العالم كثير الحديث.
فالتوفيق ليس مرتبطاً بلون أو عرق أو صحة أو مرض أوقلة أو كثرة. إنه التوفيق والخذلان. ومن توفيق الله لعباده:أن يبارك في أعمارهم فيدركوا مواسم الخيرات والتي من أعظمها قرب حلول شهر رمضان،فالعبد الموفق هو ذاك الذي يظهر فرحه بمقدمه لكونه أعظم الشهور عند الله من حيث مضاعفة الحسنات وتكفير السيئات والعتق من النار واختصاصه بليلة هي خير من ألف شهر،والموفق من حدث نفسه بصيام نهاره إيماناً واحتساباً وبقيام ليله إيماناً واحتساباً،وحدث نفسه بالاستكثار من قراءة القرآن وتلاوته آناء الليل وأطراف النهار، وحدث نفسه بأن يكون من المحسنين المطعِمين،بتفطير الصائمين وإعانة المساكين وإغاثة الملهوفين،وحدثوا أنفسهم بأن يصلحوا ذات بينهم ويضعوا حداً للقطيعة لمن قاطعوهم الشهور أو السنين.وحدثوا أنفسهم بأن يتوبوا وينيبوا ويصلحوا ما بينهم وبين ربهم فمن لم يتب في رمضان فمتى يتوب؟! يقول الفقيه الجليل ابن رجب رحمه الله:(لا يقوى العبد على نفسه إلا بتوفيق الله إياه وتوليه له فمن عصمه الله وحفظه تولاه ووقاه شح نفسه وشرها وقواه على مجاهدتها فلهذا كان من أهم الأمور سؤال العبد ربه أن لا يكله إلى نفسه طرفة عين)وهذا هو الخذلان بعينه أن يخلا بينك وبين نفسك. فالموفق إذا أعطي شكر، والمخذول إذا أُعْطِيَ طَغَى وَكَفَرَ.بارك الله لي ولكم،،
الخطبة الثانية: أيها الناس: الِاهْتِدَاءُ بِالسُّنَّةِ النَّبَوِيَّةِ سَبِيلُ الموفقين أَهْلِ الْإِيمَانِ وَالْيَقِينِ،وَالْإِعْرَاضُ عَنْهَا أَوْ رَدُّهَا طَرِيقُ المخذولين أَهْلِ النِّفَاقِ وَالزَّيْغِ إخوانِ الشياطين. ومن توفيق الله للعبد أن يفهم أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم لأن فهمها والعمل بما فيها يشفي من كل داء،عن أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:«إِنَّ الْمُؤْمِنَ لِلْمُؤْمِنِ كَالْبُنْيَانِ يَشُدُّ بَعْضُهُ بَعْضًا، وَشَبَّكَ أَصَابِعَهُ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. فالموفق من المؤمنين هو ذاك الذي يستشعر هذا التشبيه البليغ للمؤمنين بالبنيان الواحد والجسد الواحد فَيَفْرَحَ لِفَرَحِ الْمُؤْمِنِينَ،وَيَحْزَنَ لِحُزْنِهِمْ،وَيَأْلَمَ لِآلَامِهِمْ،وَيَهْتَمَّ لِهُمُومِهِمْ،وَلَا يَكُونُ هَمُّهُ أَنْ يَعِيشَ لِنَفْسِهِ؛فَإِنَّ أُخُوَّةَ الْإِيمَانِ لَا تَنْقَطِعُ فِي الدُّنْيَا وَلَا فِي الْآخِرَةِ﴿وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ﴾. وَيَشْهَدُ التَّارِيخُ لِأَهْلِ الإِسْلَامِ بِتَكَاتُفِ بَعْضِهِمْ مَعَ بَعْضٍ؛ طالَمَا تَمَسَّكُوا بِكِتابِ اللهِ،وَسِنَّةِ نَبِيِّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،وَلَقَدْ وَقَفَتْ هَذِهِ البِلَادُ،بِفَضْلِ اللهِ وَرَحْمَتِهِ،وُلَاتُـهَا،وَمُؤَسَّسَاتُـهَا الرَّسْمِيَّةُ وَالخَيْرِيَّةُ،وَرِجَالُ أَعْمَالِـهَا،وَعَامَّةُ أَهْلِهَا؛مَعَ إِخْوَانِهِمْ المُسْلِمِينَ عَلَى مَرِّ تَارِيخِهَا الطَّوِيلِ فِي جَمِيعِ كُرُبَاتِهِمْ، وَالفَضْلُ وَالمِنَّةُ لِلهِ وَحْدَهُ، فَهُوَ الَّذِي وَفَّقَ،وَأَغْنَى،وَأَكْرَمَ بِلَادَنَا بِفَضلِهِ وُجُودِهِ.فاللهم أدم التوفيق لبلادنا بتوفيق ولاة أمرنا لما فيه الخير والفلاح للعباد والبلاد ولأمة الإسلام يارب العالمين ثم صلوا وسلموا،،،،
[/size]
المشاهدات 1457 | التعليقات 0