توجيهات ونصائح.. لاغتنام شهر المرابح

عبدالرحمن اللهيبي
1445/09/05 - 2024/03/15 08:50AM
من المنقول بتصرف
 

الْحَمْدُ لِلَّـهِ الْكَرِيمِ الْجَوَادِ، الْعَزِيزِ الْوَهَّابِ؛ يُفِيضُ عَلَى عِبَادِهِ مِنْ نِعَمِهِ وَآلَائِهِ، وَيَشْمَلُهُمْ بِعَفْوِهِ وَغُفْرَانِهِ، وَيَسَعُهُمْ بِبِرِّهِ وَرَحَمَاتِهِ، لَا تَنْفَدُ خَزَائِنُهُ، وَلَا يَنْقَطِعُ عَطَاؤُهُ. بِيَدِهِ الْخَيْرُ كُلُّهُ، وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَأَتْبَاعِهِ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.

أما بعد: فيا أيها المسلمون، اتقوا الله فإن تقواه أفضلُ زاد، وأحسنُ عاقبةً في أخرى ومعاد، يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ

أيها الصائمون، أنتم في شهرِ المرابحِ برحماته وبركاته       أنتم في شهرِ البركات بعطائه وهباته, شهرٌ عظيم لا تُعدَّ نفحاتُه، ولا تحصى خيراته، ولا تستقصى مكرماته، أحيا في قلوب الصالحين الإيمان والتقى ، فلا تَرى في المساجد إلا عابداً يركع، وقارئا يرتّل ويخشع، وقلبا يرقُّ وعينا تدمع،      فاحمدوا الله يا مسلمون أن بلَّغكم، واشكروه على أن أخَّركم إلى رمضان ومكَّنكم، فكم من طامع بلوغَ هذا الشهرِ العظيمِ فما بلَغَه، وكم مؤمِّل إدراكَه فما أدركه، فاجأه الموت قبل ذلك فما أفلته.

أيها المسلمون، ها نحن في رمضان قد بلغناه .. وكم من حبيب لنا فقدناه، أدركناه.. وكم قريب لنا في القبر أضجعناه، يا صائمون، رحيلُ من رحل عنا .. نذيرٌ لنا ، وهذا الموت منا قد دنا، والرحيل قرُب منا ولا زاد عندنا، فالعملَ العمل قبل أن لا توبةً تُنال، ولا عثرةً تُقال، ولا يُفدى أحد في الآخرة بمال ، فأقبلوا على ربكم، وأروا الله في هذا الشهرِ خيراً من أنفسكم، تقول عائشةُ رضي الله عنها: كان رسول الله ﷺ يجتهد في رمضان ما لا يجتهد في غيره. أخرجه مسلم

أيّها الصائمون، أنتم في شهر الغفران المرتجَى ، والعطاءِ والرّضا ، أنتم في شهر الصّفحِ الجميلِ ، والعفوِ الجليل، شهرِ الرحمات ، وإقالةِ العثرات ، وتكفيرِ السيّئات

فيا إخواني إن ربكم غفور رحيم قد فتح لكم أبواب جنانه وغلق دونكم أبواب نيرانه ، وصفد عنكم الشيطان وأعوانه وهيأ لكم أسباب القرب منه سبحانه ، وهو يفرح بتوبتكم وهو الغني عنكم، فبالله عليكم يا مسلمون من لم يفتح صفحة جدية مع الله في زمَن الرحمات فمتى يكون؟ ، ومن لم يتُب في زمنِ الخيرات والهبات فمتى يتوب؟! فكم من مذنبٍ مسرف طال أرقُه ، واشتدَّ قلقُه ، وضاق صدره، تقيدُه أغلال المعصية، وتعتصِره كآبَة الخطيئة ، يرجو من ربه نسيمَ رجاءٍ، يشرِق عليه بنورِ التوبةِ والإنابة؛ عن أنس بن مالكٍ رضي الله عنه قال: سمعتُ رسولَ الله  يقول: ((قال الله تعالى: يا ابنَ آدم، إنّك ما دعوتني ورجَوتني غفرتُ لك على ما كان منك ولا أُبالي.

يا ابنَ آدم، لو بلغَت ذنوبُك عَنانَ السماءِ ثم استغفرتني غفرتُ لك..  يا ابنَ آدم، إنك لو أتيتني بقرابِ الأرض خطايا ثم لقيتَني لا تشرِك بي شيئًا لأتيتُك بقرابها مغفرةً) فليكُن شهرُكم هذا بداية مولدِكم ، وأوان توبتكم ، وتباشير فجركم , فاعقد العزم يا عبد الله أن تتوب في شهر العتق والرضوان من كل إثم أو حرام ، تب من العقوق وقطيعة الأرحام ، تب من ترك الصلاة والتقصير في الفرائض إن كنت مفرطا ، وتب من الربا إن كنت مرابيا ، تب من الغيبة إن كنت في الأعراض فاريا ، تب من سماع المعازف ومزمار الشيطان ، تب من مشاهدة الأفلام الهابطة والصور العارية ، تب من النظر للسافرات والمتبرجات ، تب من الشيشة والدخان ، وغيرها من الآثام والخطايا ، تب فربك طيب كريم يفرح بقربك ، ويحب توبتك، هو الغفور الودود يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار ، ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل

ها هو مناديه يناديك في هذا الشهر المبارك وهو الغني عنك يقول: يا باغي الخير أقبل ، ويا باغي الشر أقصر، فيا له من ربٍّ كريم ، وخالقٍ رحيم، أكرمنا بعفوِه، وغشَّانا بحِلمِه ، وجلَّلنا بسِتره، وعمنا بمغفرتِه, وفتح لنا بابَ توبته.

أليس هو الذي قال عن نفسه: (غَافِرِ الذَّنْبِ وَقَابِلِ التَّوْبِ(  ، وقال سبحانه: (وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ لِلنَّاسِ عَلَى ظُلْمِهِمْ) ، وقال سبحانه: (وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرْ اللَّهَ يَجِدْ اللَّهَ غَفُورًا رَحِيمًا )

أيّها المسلمون، إلى من يلجَأ المذنِبون؟! وإلى أين يفر المقصرون .. ((يَوْمَ هُمْ بَارِزُونَ لا يَخْفَى عَلَى اللَّهِ مِنْهُمْ شَيْءٌ)) ((يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لا تَخْفَى مِنْكُمْ خَافِيَةٌ ))      

فيا أسير المعاصي، وكلنا وربي كذلك، هذا شهر جليل يُفَكّ فيه العاني، ويعتق فيه الجاني، ويُتجاوَز فيه عن العاصي، فبادر الفرصة، ولا تكن ممن أعرض أبى، وصم أذنه وانجفى , وخرج من رمضان ولم ينل فيه العتق والهدى ، والغفران والمنى، فقد صَعَدَ رسول الله ﷺ المنبر فقال: ((آمين، آمين، آمين)) فقيل: يا رسول الله، إنك صعدت المنبر فقلت: آمين آمين آمين!! فقال ﷺ: ((إن جبريل عليه السلام أتاني فقال: من أدرك شهرَ رمضان فلم يُغفر له فدخل النار فأبعده الله قل: آمين، قلت: آمين)) . فأقبِلوا يا صائمون على ربكم بتوبةٍ ناصحة ، وإنابة صادقة ، وقلوبٍ منكسرة ، وجِباه خاضِعة ودموعٍ منسكِبة ، فلعل الله يقبلنا ويرحمنا  

أقول قولي هذا ...

 

 

أيها الصائمون، إن أولى ما قُضِيت فيه الأوقات في هذه الأيام المعدودات والليالي المباركات هو تلاوة الآيات البينات وتدبر ما فيها من العبر والعظات، وقد كان جبريل عليه السلام يَلقى رسول الله ﷺ في كل ليلة من رمضان فيدارسه القرآن. متفق عليه. فأكثروا من تلاوة القرآن ، وأطيلوا المكث في المساجد ، ففيها السكينة والطمأنينة ، وفيها الطيبون والأخيار، فأحسنوا صحبتهم ، وطيبوا نفسا بمجالستهم ، واحذروا الشيطان أن يوقع الفتنة بينكم ..

أيها المسلمون، هذا شهر الإنفاق، هذا شهر البذل والإشفاق، فيا أهل اليسار والغنى، تذكروا الأكبادَ الجائعة، أعينوهم واكسوهم وَأَطْعِمُواْ ٱلْقَـٰنِعَ وَٱلْمُعْتَرَّ وأغيثوا الجائع والمضطر، وأنفقوا وأوسعوا، أَسدُوا المَعرُوفَ ، وَأَغِيثُوا المَلهُوفَ ، وَيَسِّرُوا عَلَى المُعسِرِ ، وأنظروا المدين ، وَاعطِفُوا عَلَى الأَرَامِلِ والمَسَاكِينِ ، وَامسَحُوا رؤوس اليَتَامَى ، وَوَاسُوا المُطَلَّقَاتِ وَالثُّكَالى ، أَدخِلُوا السُّرُورَ عَلَى إِخوَانِكُم ، وتَحَرَّوُا المُتَعَفِّفِينَ مِن جِيرانِكم وَأَقَارِبِكُم ، مِمَّن  يَحسَبُهُم الجَاهِلُ أَغنِيَاءَ مِنَ التَّعَفُّفِ ..

فأسعد الناس والله هم الذين يقضون حوائج الناس

وقد كان رسول الله ﷺ أجودَ الناس، وكان أجودَ ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل عليه السلام. قَالَ سُبحَانَهُ : "وَأَنفِقُوا مِمَّا رَزَقنَاكُم مِن قَبلِ أَن يَأتيَ أَحَدَكُمُ المَوتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَولا أَخَّرتَني إِلى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ"

واعلموا أن الصدقة تعود بالخير على صاحبها في الدنيا قبل الآخرة ، قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ : " إنَّ صَدَقَةَ المُسلِمِ تَزِيدُ في العُمُرِ ، وتمنَعُ مِيتَةَ السُّوءِ ، ويُذهِبُ اللهُ بها الفَقرَ "

وَقَالَ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ : " صَنَائِعُ المَعروفِ تقِي مَصَارِعَ السُّوءِ والآفاتِ والهَلَكَاتِ "

ألا فاتقوا اللهَ وَأَدُّوا الزَّكَاةَ المفروضة وَتَصَدَّقُوا ، وَلا تَلتَفِتُوا إِلى مَن يُخَذِّلُونَ عَن بَذلِ الخَيرِ ، وَيُشَكِّكُونَ في أَعمَالِ البِرِّ ، فَإِنَّ المنصات الرسمية وَالجَمعِيَّاتِ الخيرية جِهَاتٌ مَوثُوقٌ ، وَقَد فَتَحَت أَبوَابَهَا لأَعمَالٍ مُتَنَوِّعَةٍ كَتَفطِيرِ الصَّائِمِينَ، وَالتَّفرِيجِ عَنِ المَسَاجِينِ ، وَإِيوَاءِ المُحتَاجِينَ ، وَكَفَالَةِ اليَتَامَى ، وَبِنَاءِ المَسَاجِدِ وَصِيَانَتِهَا ، وَطَبَاعَةِ المُصحَفِ الشَّرِيفِ وَنَشرِهِ ، وَغَيرِ ذَلِكَ من سبل الخير الكثيرة ..

وما كان من يدك مباشرة إلى يد المحتاج فهو أفضل ، والأقربون أولى بالصدقة والمعروف..      

" وَأَنفِقُوا خَيرًا لأَنفُسِكُم وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ المُفلِحُونَ "

المشاهدات 744 | التعليقات 0