تنظيم للحج وليس بتعطيل ٥ / ١١ / ١٤٤١
د. عبدالله بن حسن الحبجر
((تنظيم للحج وليس بتعطيل )) ٥ / ١١ / ١٤٤١ للهجرة .
____________________________
الحمد لله ذي المن والفضل والجود والعطاء، المتفرد بالألوهية والربوبية والبقاء، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له يسمع النداء ويجيب الدعاء، فله الصفات الحسنى والأسماء، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله خير من صلى وزكى وصام ولبى النداء، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه السادة النجباء، وسلم تسليماً كثيراً.
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ ۖ وَاتَّقُوا اللَّهَ ۚ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ)
عباد الله : في أعماق التاريخ بدأت رحلة الحج بعد أن رجع إبراهيم -عليه الصلاة والسلام- من فلسطين إلى مكة بعد أن سُكِنت وشب إسماعيل، فرفع إبراهيم القواعد من البيت وأعانه إسماعيل عليهما السلام .
وبعد أن فرغ إبراهيم من البناء أمره الله بقوله: (وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ) .
فنادى خليل الرحمن في الناس بالحج وأبلغ الله -تعالى- صوته كل مكان، ، وفُرِضَ الحج من ذلك اليوم وسار على سننه الأنبياء والمرسلون، يحجون البيت العتيق.
وتمر السنون، وتتوالى القرون، ووفود الله يتزايدون ويقدمون من أماكن بعيدة، من كل فج عميق، وهم يلبون آمنين .
حتى جاء أوائل القرن الرابع الهجري حين تفاقم خطر الباطنيين، وسيطروا على كثير من الأقاليم، وسار القرامطة منهم إلى مكة وقت الحج، فبلغوا الحرم يوم التروية عام سبعة عشر وثلاث مئة للهجرة، فأعملوا السيوف في الحجاج، في فجاج مكة وبطاحها، وانتهبوا أموالهم، وسبَوا حريمهم وصبيانهم، فقتلوا وروعوا الآمنين في حرم الله تعالى، وصعد قائدهم أبو طاهر القرمطي على باب الكعبة، وخطب، فادعى الربوبية ، وردم بئر زمزم بجثث الحجاج، وأمر بقلع باب الكعبة، ونزع كسوتها، وشقَّها بين أصحابه، وكان الخبيث يسخر بالقرآن الكريم، ثم قلع الحجر الأسود، وأخذه إلى هجر، نقله كما قيل على أربعين بعيرا، كلما حمله بعير أصابه ما أصابه من أمر الله ثم هلك، فمكث عندهم ثنتين وعشرين سنة حتى أعيد على بعير واحد لم يصبه شيء .
وفي هذه الحادثة الشنيعة تعطل الحج ذاك العام، فلم يقف الناس بعرفة، ولا يعلم أنه تعطل الحج قبلها منذ حج النبي -صلى الله عليه وسلم- إلا في ذلك العام، كما حدث بذلك علماء التاريخ كالذهبي وابن كثير.
وجاءت بعدها أوبئة وأحداث، حيث يقول ابن كثير رحمه الله إنه في سنة 357 هجرية انتشر داء في مكة، فمات به خلق كثير، وفيها ماتت جمال الحجيج في الطريق من العطش ولم يصل منهم إلى مكة إلا القليل، بل مات أكثر من وصل منهم بعد الحج.
وفى سنة 390 هجرية انقطع الحاج المصري في عهد العزيز بالله الفاطمي لشدة الغلاء، وفى سنة 419 هجرية لم يحج أحد من أهل المشرق ولا من أهل مصر .
وفى سنة 421 هجرية تعطل الحج أيضا سوى فئة من أهل العراق ركبوا من جمال البادية من الأعراب ففازوا بالحج، وفى سنة 430 لم يحج أحد من العراق وخراسان، ولا من أهل الشام ولا مصر .
وفى أحداث سنة 492 هجرية حل بالمسلمين ارتباك وفقدان للأمن فى أنحاء دولتهم الكبيرة بسبب النزاع المستشري بين ملوكهم، وقبل سقوط القدس فى يد الصليبيين بخمس سنوات فقط لم يحج أحد لاختلاف السلاطين.
أما في أحداث سنة 563 هجرية، فلم يحج المصريون لما فيه ملكهم من الويل والاشتغال بحرب أسد الدين، وبعد ذلك لم يحج أحد من سائر الأقطار ما عدا الحجاز من سنة 654 إلى سنة 658 هجرية.
وفي عام 1213 هـ، توقفت رحلات الحج أثناء الحملة الفرنسية لعدم أمان الطريق.
عبــــــــاد اللـــــــــه: يؤكد بعض من كتبوا في التاريخ الإسلامي، أنه منذ العام التاسع للهجرة (وهو العام الذي فرض فيه الحج على الناس)، تم تعطيل الفريضة لنحو 40 مرة .
وقد فتح ذلك التوقف المتكرر بابا للتساؤل، وجعل الكثير يتساءلون :
هل بالإمكان شرعيا جواز تعطيل موسم الحج لأسباب تحول دون إتمامه ؟ ..
وقد جاءت إجابة علماء المسلمين وفقا للكتاب والسنة، مشيرين إلى أن حكم الحجّ الوجوب على كلّ مسلم بالغ عاقل مع شرط الاستطاعة بدنيّة كانت أم ماليّة، مشددين على أن كل من تعذّر عليه بدنيّا أو ماليّا وأصبح لا تتوفّر لديه تكلفة الحجّ
يكون غير مطالب بهذه الفريضة إلى حين توفّرها، فلا يجوز تعطيل الفريضة إلا لأسباب كبرى تحول دون إتمامها، كفقدان الأمن أو انتشار وباء في مكة المكرمة، أو في غيرها، مؤكدين على أهمية فقه ترتيب المقاصد، في أن حفظ النفس مقدم عند وقوع المخاطر في المضي في الحج.
حفظ الله المسلمين من الأوبئة والفتن ، وعصمهم من مضلات الفتن، وأراهم الحق حقا ورزقهم اتباعه ، والباطل باطلا ورزقهم اجتنابه . أقول قولي هذا…
الخــطبــــــة الثــــــــانيــــة
الْحَمْدُ للهِ وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده ثم أما بعد :
فياعِباد اللهِ، لعلكم سمعتم أَو قَرَأتُم عن تَوصية الجهات المختَصة باقتصار حجِ هذا العام على أَعدَاد محدودةٍ جدا، حفاظا على الأَرواحِ وحماية للمسلمين من هَذَا الوباء ، وأَخذا بِالأَسباب الشرعيةِ
وَالمَصَالِحِ الكلِّيةِ ، الَّتي جاءتْ بِهَا الشرِيعة الإِسلامية، وهي تَوصيةٌ يحَتّمها الواقِع وتَفرضها الحَال الراهنة ، وتمليها مَسؤُولِيَّةُ بِلادِ الحَرَمَين الشريفَينِ.
ففريضة الحج هذا العام تم تنظيمها بما يتوافق مع قواعد وأصول الشريعة الإسلامية في حفظ الضروريات الخمس .
ولم يُعَطَّل الحج ،بل نُظِّمَ بما تقام معه هذه الشعيرة والركن الأعظم، بما ليس فيه إضرار بأحد من الحجاج.
فَنَسأل الله أَن يحفظ بِلادنا وبِلاد المسلمين من كل سوءٍ ومكرُوهٍ ، وأَن يُسبِغَ علَينَا جَمِيعًا نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً ، وَأَن يَكشِفَ الغُمَّةَ عَن هَذه الأُمَّةِ ، وَأَن يَحفَظَ عَلَينَا أَمنَنَا وَإِيمَانَنَا وَاستِقرَارَنَا ، وَصِحَّتَنَا وَعَافِيَتَنَا ، وَأَن يَكفِيَنَا شَرَّ الأَشرَارِ وَكَيدَ الفُجَّارِ وَطَوَارِقَ اللَّيلِ وَالنَّهَارِ ، إلا طارقا يطرق بخير يا رحمن .
اللهمَّ يَسِّرْ لمنْ أرادَ الحجَّ والعُمرةَ، اللهم اجعل حجَهم مبرورًا، وسعيَهم مشكورًا، وذنبَهم مغفورًا، اللهم
رُدَّهم إلى أهليهم سَالمينَ، وبلباسِ التَّقوى مُتجملينَ، ولكل خيرٍ وفضلٍ غَانمينَ، وبالمغفرةِ فائزينَ، ومن النَّارِ مَعتوقينَ، ولرضوانِكَ حَائزينَ، اللهمَّ واجعلنا معهم من المرحومينَ المقبولينَ الفائزينَ، اللهمَّ لا تحرمنافضلَك وجودَكَ وعطاءَك وكرمَك بسوءِ ما عندنا، اللهم اغفر ذنوبَنا، واستر عيوبَنا،
وارحم ضعفَنا، واسلل سخيمةَ صدورِنا، اللهمَّ وفقْ ولاةَ أمرِ المسلمينَ للحكمِ بكتابِك والعملِ بسنةِ نبيِّك، ووفقْ ولاةَ أمرِنا خاصةً للخيرِ، اللهم خذْ بأيديهم لما فيه خيرُ البلادِ والعبادِ، واجزهم خيرَ الجزاءِ لِما يُقدمونَهللحجاجِ والمعتمرينَ والزائرينَ، ولما يبذلونَه في خِدمةِ الحرمينِ الشَّريفينِ ياربَّ العالمينَ .
اللهم صل وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه صلاة وسلاما دائمين متلازمين الى يوم الدين.
سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين .