تنبيه الأجيال بفتنة الدجال الحلقة الثانية
خالد علي أبا الخيل
1437/01/27 - 2015/11/09 15:29PM
تنبيه الأجيال بفتنة الدجال
الحلقة الثانية
التاريخ: الجمعة: 24/ 1 /1437 هـ
الحمد لله الكبير المتعال, جعل للقيامة علامات وأحوالًا, وأشهد أن لا إله إلا الله, أقدر الدجال على تغير الأحوال, وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله, بيّن للأمة العواصم من الدجال, صلى الله عليه، وعلى آله وأصحابه أمة الرجولة والأبطال.
أما بعد,.
عليك بتقوى الله في كل مرة
ألا إن تقوى الله خير مغبة
ولا خير في طول الحياة وعيشها
***
***
*** تجد غبها يوم الحساب المطول
وأفضل زاد الظاعن المتحمل
إذا أنت منها بالتقى لم ترحل
أيها الإخوة المؤمنون: مضى معنا في الجمعة الماضية, الحلقة الأولى السابقة، في الحديث عن الدجال, وها نحن في هذه الجمعة نكمل الحديث عن بقية الأحوال, نسأل الله ذي الكرم والجلال, التوفيق والإعانة والإكمال, فإن سألتم أيها الأخوة المستمعون: هل الدجال حي موجود؟ وهل كان موجودًا في زمن النبوة؟ فالجواب: نعم, هو موجود، كما دل عليه حديث تميم الداري الآتي ذكره, فهو باق حي حتى يخرج في آخر الزمان, وهو مخصوص بهذا الدليل, كما عليه أهل التحقيق والتدليل.
وقد تسأل: هل الدجال ذكر في القرآن؟ أم لا؟ مع شدة فتنته وعظم مصيبته وتحذير الأنبياء منه, والأمر بالاستعاذة من فتنته؟ فالجواب: هو داخل في عموم قوله: (يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آَيَاتِ رَبِّكَ لَا يَنْفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آَمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا) (سورة الأنعام: 158), وهذه الآيات هي الدجال, وطلوع الشمس من مغربها, فعند مسلم: (ثلاث إذا خرجن لا ينفع نفسًا إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيرًا: طلوع الشمس من مغربها, والدجال، ودابة الأرض).
والدجال خارج حقيقة, وإنما علينا العبادة والمبادرة, ولهذا جاء عن أبي هريرة مرفوعًا: (بادروا بالأعمال ستًا)، وذكر الدجال، رواه مسلم, فنبادر بالطاعات، قبل حلول المصائب والفتن والنكبات, والدجال كافر يهودي الديانة, كما في مسلم: أنه كافر يهودي، ولا خلاف أن لكل شيء علامات, تدل على وقوعه, وحدوثه, وقربه وخروجه.
فمن هذه العلامات الدالة على قرب خروجه, منها: فتنة الدهيماء, وظهور المهدي المنتظر, وفتح بيت المقدس, وزوال دولة اسرائيل, ووقوع الملحمة الكبرى في سوريا بين العرب والروم, وفتح مدينة القسطنطينية إسطنبول التركية, وفتح مدينة: جانب منها في البر, والآخر منها في البحر, وقلة العرب, وطلوع الشمس من مغربها, وخروج دابة الأرض.
والدجال -أيها الكرام- شخصية حقيقة، وليس كما يدعيه بعض المعاصرين, بأنه شخصية خرافية غير موجودة, فهذه مصادمة لنصوص الكتاب والسنة, وما يقوم به من خوارق وأحوال حقيقة، وليست ضربًا من الخيال, فهو فتنة، ابتلي الله به عباده, وأقدره على أشياء من إحياء الميت الذي يقتله, ومن ظهور زهرة الدنيا, والخصب معه , وجنته وناره, ونهريه, واتباع كنوز الأرض له, وأمره السماء أن تمطر فتمطر, والأرض أن تنبت فتنبت, فيقع كل ذلك بقدرة الله ومشيئته, ثم يعجزه الله بعد ذلك, فلا يقدر على قتل ذلك الرجل ولا غيره, ويبطل أمره, ويقتله عيسى عليه السلام.
وخلاصة الصفات: ستة عشر صفة لهذه الفتنة فهو: شاب, كافر, يهودي, عظيم الجسم, عظيم الرأس, أجلى الجبهة، أي منحسر شعر مقدم رأسه، عريض النحر, فيه دمامة، أي قصر وقبح، وفيه دَفَء، أي انحناء, وأنه أعور العين عمومًا، لكن اليمنى هي العوراء الطافئة المطموسة الممسوحة, وأن عين الدجال التي يرى بها خضراء اللون, وأنه مكتوب بين عينه كافر, وأنه جعد الشعر, وأن لونه آدم اللون، أي أسمر, وأنه لا يولد له ولد, فهذه ستة عشر صفة, دجال الفتنة والمحنة.
والدجال -أيها الإخوة والجمال- من خوارقه، وعلاماته من الخصال، سرعته في الأرض كغيث استدبرته الريح, ويدخل جميع البلدان والقرى والهجر, عدا مكة والمدينة, وله بإذن الله تصرف في مطر السماء ونبات الأرض, ومعه نهرين من ماء، أحدهما نار, وجبل من خبز، وآخر من لحم, ويخرج كنوز الأرض من ذهب وفضة, ومعه جنة ونار, فالجنة رحمته لمن أطاعه , والنار عقابه لمن عصاه, فمن دخل جنته بتصديقه إياه فقد وجب أجره، وحُط وزره, ومن دخل ناره بتكذيبه إياه فقد وجب وزره، وحُط أجره, هذا في الدنيا, وأما في الآخرة: فجنة الدجال نار، من دخل جنة الدجال بتصديقه إياه, كانت تلك الجنة سببًا في دخول النار, ومن دخل ناره بتكذيبه إياه كانت تلك النار سببًا في دخول الجنة.
ومن خوارقه: أنه يحيي من قتله بيده.
أيها المسلمون: هذا ومن طرق النجاة وشكر الوقاية، والحفظ من الفتنة والحماية: ما أرشد إليه الرسول من التحصن والعناية, فمن ذلك التعوذ بالله من فتنة المسيح الدجال، دبر كل صلاة بعد التشهد قبل السلام, كما في الصحيحين عنه عليه السلام, بل من شدة العناية والصيانة كان يعلمهم هذا الدعاء, كما يعلمهم السورة من القرآن، يقول: (قولوا: اللهم: إنا نعوذ بك من عذاب جهنم, وأعوذ بك من عذاب القبر, وأعوذ بك من فتنة المسيح الدجال, وأعوذ بك من فتنة المحيا والممات)، وكما أن هذا مقيد في كل صلاة, فالاستعاذة من فتنته مطلقة في كل حال.
الأمر الثاني من العلاج: الفرار من الدجال قدر المستطاع, والابتعاد عنه, فلا يرى ولا يسمع به في بقعة من البقاع, ففي الحديث: (من سمع بالدجال فلينأ عنه, فوالله إن الرجل ليأتيه وهو يحسب أنه مؤمن، فيتبعه مما يبعث به من الشبهات)، رواه أبو داوود وأحمد في مسنده.
ومن العصمة والعلاج -ثبتني الله واياكم على أحسن منهاج-: سُكنى المدينة ومكة المكرمة, حيث أنه لا يدخلهما الدجال.
والرابع -بارك الله في كل منصت وسامع-: قراءة أول سورة الكهف عند ملاقاته وجهًا لوجه, وتحديدًا العشر الآيات من أول السورة, من الآية الأولى حتى العاشرة, ففي مسلم: (من حفظ عشر آيات من أول سورة الكهف, عُصم من فتنة الدجال)، والله أعلم أن السبب بالتخصيص لما في أول السورة من العجائب والآيات والعبر والتوجيهات, والله أعلم بحكمة ذلك, وللشرع أسرار وأحكام, والحفظ ليس قصاراه الحفظ عن ظهر قلب فقط, بل التفكر والتدبر والتأمل, وأما رواية الثلاث الآيات, أو العشر الأخيرة من سورة الكهف, فهما روايتان ضعيفتان شاذتان.
ومن أسباب العصمة: مدافعته وقتاله لمن ابُتلي بمحاصرته, وجنوده, أو ملاحقته له, فمن لم يجد إلا أن يقاتله فليقاتله.
ومنها: بث أخباره وخوارقه، وفتنته وأحواله, حتى يكون المؤمن منه على بصيرة وعلم ودراية, فقد جاء في الخبر أن من علامات خروجه نسيان ذكره على المنابر, فقال: (لا يخرج الدجال حتى يجهل الناس عن ذكره, وحتى تترك الأئمة ذكره على المنابر)، رواه البيهقي, قال السفاريني: مما ينبغي لكل عالم أن يبث أحاديث الدجال, بين الأولاد والنساء والرجال, ولاسيما في زمننا هذا الذي أشرأبت فيه الفتن, وكثرت فيه المحن, واندرست فيه معالم السنن, وصارت فيه السنن كالبدع, والبدع شرع متبع. انتهى، هذا في زمانه, فكيف لو رأى زماننا هذا؟.
والسابع من الأسباب، في دفع فتنة الشك والارتياب: التمسك بالإسلام, والتسلح بسلاح الإيمان والسلام, فيعلم ويصدق، ويوقن ويحقق، أن الله منزه عن النقائص, وأن الله ليس بأعور, وأنه لا أحد يرى ربه حتى يموت, فالدجال يُرى، ويأكل ويشرب كالورى, بخلاف المولى جلا وتقدس وعلا.
الخطبة الثانية:
الحمد لله رب العالمين, ولا عدوان إلا على الظالمين.
وبعد،.
أيها الإخوة المؤمنون: وقع لتميم الداري رؤية الدجال, والحديث معه, ووافق ما عنده ما ذكره رسول الأمة, فلهذا أشار رسول الله صلى الله عليه وسلم بحديثه وخبره, حتى قال: (حدثنا)، وفي هذا منقبة لتميم الداري؛ لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم حدّث عنه, وهذا من خصائصه, فاسمعوا خبره, واستقرئوا أمره, وأنصتوا لحديثه وعجائب محاورته, فعن عامر بن شراحيل الشعبي: أنه سأل فاطمة بنت قيس أخت الضحاك بن قيس, وكانت من المهاجرات الأول, فقال: حدثيني حديثًا سمعتيه من رسول الله صلى الله عليه وسلم, لا تسنديه إلى أحد غيره, فقالت: لئن شئت لأفعلن. فقال لها: أجل، حدثيني. فقالت: نكحت ابن المغيرة... الحديث... قالت: فلما انقضت عدتي, سمعت نداء المنادي, منادي رسول الله صلى الله عليه وسلم ينادي: الصلاة جامعة, فخرجت إلى المسجد فصليت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم, فكنت في صف النساء الذي يلي ظهور القوم, فلما قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاته, جلس على المنبر وهو يضحك, فقال: (ليلزم كل إنسان مصلاه)، ثم قال: (أتدرون لم جمعتكم؟)، قالوا: الله ورسوله أعلم. قال: (إني والله ما جمعتكم لرغبة ولا لرهبة، ولكن جمعتكم لأن تميمًا الداري كان رجلًا نصرانيًا, فجاء فبايع وأسلم, وحدثني حديثًا وافق الذي كنت أحدثكم عن المسيح الدجال, حدثني أنه ركب في سفينة بحرية, مع ثلاثين رجلًا من لخم وجذام.
وفيه رواية: إن بني عم لتميم الداري ركبوا في البحر.
وفي رواية أخرى: إن أناس من قومي كانوا في البحر في سفينة لهم, فلعب بهم الموج شهرًا في البحر, ثم أرفؤا إلى جزيرة في البحر, حين مغرب الشمس, فجلسوا في أقرب, والقارب سفينة صغيرة, فدخلوا الجزيرة, فلقيتهم دابة أهلب كثير الشعر، لا يدرون ما قبله من دبره, من كثرة الشعر, قالوا: ويلك ما أنت؟. قالت: أنا الجساسة. قالوا: وما الجساسة؟. قالت: يا أيها القوم: انطلقوا إلى هذا الرجل في الدير ، فإنه إلى خبركم بالأشواق. قال: لما سمت لنا رجلًا فَرِقنا منها أن تكون شيطانة, قال: فانطلقنا سراعًا، حتى دخلنا الدير, فإذا فيه أعظم إنسان رأيناه قط خلقًا, أشده وثاقًا, مجموعة يداه إلى عنقه, ما بين ركبتيه إلى كعبيه بالحديد, قلنا: ويلك ما أنت؟. قال: قد قدرتم على خبري، فأخبروني ما أنتم؟. قالوا: نحن أناس من العرب، ركبنا في سفينة بحرية, فصادفنا البحر حين اغتلم ، فلعب بنا البحر شهرًا, ثم أرفأنا إلى جزيرتك هذه, فجلسنا في أقرُبها, فدخلنا الجزيرة, فلقيتنا دابة أهلب كثير الشعر, فقلنا: ويلك من أنت؟. فقالت: أنا الجساسة . قلنا: وما الجساسة؟. قالت: اعمدوا إلى هذا الرجل في الدير فإنه إلى خبركم بالأشواق. فأقبلنا إليك سراعًا, وفزعنا منها, ولم نأمن أن تكون شيطانة. فقال: أخبروني عن نخل بيسان. قلنا: عن أي شأنها تستخبر؟. قال: أسألكم عن نخلها, هل يثمر؟. قلنا له: نعم. قال: أما إنها يوشك ألا تثمر. قال: أخبروني عن بحيرة طبرية. قلنا: عن أي شأنها تستخبر؟. قال: هل فيها ماء؟. قالوا: هي كثيرة الماء. قال: أما إن ماءها يوشك أن يذهب. قال: أخبروني عن عين زُغر. قالوا: عن أي شأنها تستخبر؟. قال: هل في العين ماء؟ وهل يزرع أهلها بماء العين؟. قلنا له: نعم، هي كثيرة الماء, وأهلها يزرعون من مائها. قال: أخبروني عن نبي الأميين ما فعل؟. قالوا: قد خرج من مكة ونزل يثرب. قال: أقاتله العرب؟. قلنا: نعم. قال: كيف صنع بهم؟. فأخبرناه أنه قد ظهر على من يليه على العرب وأطاعوه, قال لهم: قد كان ذاك؟. قلنا: نعم. قال: أما إن ذلك خير لهم أن يطيعوه، وإني مخبركم عني, إني أنا المسيح الدجال، وإني أوشك أن يؤذن لي في الخروج, فأخرج فأسير في الأرض, فلا أدع قرية إلا هبطتها في أربعين ليلة, غير مكة وطيبة, فهما محرمتان عليّ كلتاهما, كلما أردت أن أدخل واحدة -أو واحدًا- منهما استقبلني ملك بيده السيف صلتًا, يصدني عنها, وإن على كل نقب منها ملائكة يحرسونها, قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وطعن بمخصرته في المنبر.
وفي الرواية الأولى التي له: وأهوى بمخصرته إلى الأرض: (هذه طيبة, هذه طيبة, هذه طيبة)، يعني المدينة, (ألا هل كنت حدثتكم ذلك؟)، فقال الناس: نعم. قال: (فإنه أعجبني حديث تميم أنه وافق الذي كنت أحدثكم عنه, وعن المدينة ومكة, ألا إنه في بحر الشام, أو بحر اليمن, لا بل من قبل المشرق, ما هو من قبل المشرق, ما هو من قبل المشرق, ما هو)، وأومأ بيده إلى المشرق، قالت: فحفظت هذا من رسول الله صلى الله عليه وسلم. رواه مسلم.
فسوف يخرج دجال الضلالة في
ويدعي أنه رب العالمين وهل
فناره جنة طوبى لداخلها
وشهر وعشر ليال طول مدته
فيبعث الله عيسى ناصرًا حكمًا
فيتبع الكاذب الباغي ويقتله
***
***
***
***
***
*** هرج وقحط كما جاء في الخبر
تخفى صفات كذوب ظاهر العور
وزور جنته نار من السُعُر
لكنه عجب في الطول والقصر
عدلًا ويعضده بالنصر والظفر
ويمحق الله أهل البغي والضرر
هذا: وخاتمة الدجال, وهلاك هذا المموه الضال, يكون على يدي المسيح عيسى ابن مريم, فإذا كثر أتباعه وعمت فتنته, وانتشر صيته, وهلك من هلك, وسلم من سلم, نزل عيسى على المنارة الشرقية بدمشق, ويلتف حوله المؤمنون السالمون, فيسير بهم قاصدًا إلى الدجال, ويكون الدجال عند نزول عيسى متوجهًا بيت المقدس, فيلحق به عيسى عند باب لُد، بلدة في فلسطين قرب بيت المقدس, فإذا رآه الدجال, ذاب كما يذوب الملح, فيقول له عيسى عليه السلام: (إن لي فيك ضربة لن تفوتني)، فيتداركه فيقتله بحربته وينهزم أتباعه, فيتبعهم المؤمنون فيقتلونهم, حتي يقول الشجر والحجر: يا مسلم، يا عبدالله: هذا يهودي خلفي تعالى فاقتله، إلا الغرقد فإنه من شجر اليهود, وبقتله تنتهي الفتنة, وينجي الله المؤمنين من شره.
هذا ما تيسر ذكره، وتم نقله، للعلم والتذكرة، والبصيرة والمعرفة، في هاتين الجمعتين، والخطبتين المتتاليتين، جعلكم الله سعداء الدارين، ورفقاء سيد الثقلين، وجلساء الصحابة الأطهار، والنجباء الأخيار.
والله أعلم.
الحلقة الثانية
التاريخ: الجمعة: 24/ 1 /1437 هـ
الحمد لله الكبير المتعال, جعل للقيامة علامات وأحوالًا, وأشهد أن لا إله إلا الله, أقدر الدجال على تغير الأحوال, وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله, بيّن للأمة العواصم من الدجال, صلى الله عليه، وعلى آله وأصحابه أمة الرجولة والأبطال.
أما بعد,.
عليك بتقوى الله في كل مرة
ألا إن تقوى الله خير مغبة
ولا خير في طول الحياة وعيشها
***
***
*** تجد غبها يوم الحساب المطول
وأفضل زاد الظاعن المتحمل
إذا أنت منها بالتقى لم ترحل
أيها الإخوة المؤمنون: مضى معنا في الجمعة الماضية, الحلقة الأولى السابقة، في الحديث عن الدجال, وها نحن في هذه الجمعة نكمل الحديث عن بقية الأحوال, نسأل الله ذي الكرم والجلال, التوفيق والإعانة والإكمال, فإن سألتم أيها الأخوة المستمعون: هل الدجال حي موجود؟ وهل كان موجودًا في زمن النبوة؟ فالجواب: نعم, هو موجود، كما دل عليه حديث تميم الداري الآتي ذكره, فهو باق حي حتى يخرج في آخر الزمان, وهو مخصوص بهذا الدليل, كما عليه أهل التحقيق والتدليل.
وقد تسأل: هل الدجال ذكر في القرآن؟ أم لا؟ مع شدة فتنته وعظم مصيبته وتحذير الأنبياء منه, والأمر بالاستعاذة من فتنته؟ فالجواب: هو داخل في عموم قوله: (يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آَيَاتِ رَبِّكَ لَا يَنْفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آَمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا) (سورة الأنعام: 158), وهذه الآيات هي الدجال, وطلوع الشمس من مغربها, فعند مسلم: (ثلاث إذا خرجن لا ينفع نفسًا إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيرًا: طلوع الشمس من مغربها, والدجال، ودابة الأرض).
والدجال خارج حقيقة, وإنما علينا العبادة والمبادرة, ولهذا جاء عن أبي هريرة مرفوعًا: (بادروا بالأعمال ستًا)، وذكر الدجال، رواه مسلم, فنبادر بالطاعات، قبل حلول المصائب والفتن والنكبات, والدجال كافر يهودي الديانة, كما في مسلم: أنه كافر يهودي، ولا خلاف أن لكل شيء علامات, تدل على وقوعه, وحدوثه, وقربه وخروجه.
فمن هذه العلامات الدالة على قرب خروجه, منها: فتنة الدهيماء, وظهور المهدي المنتظر, وفتح بيت المقدس, وزوال دولة اسرائيل, ووقوع الملحمة الكبرى في سوريا بين العرب والروم, وفتح مدينة القسطنطينية إسطنبول التركية, وفتح مدينة: جانب منها في البر, والآخر منها في البحر, وقلة العرب, وطلوع الشمس من مغربها, وخروج دابة الأرض.
والدجال -أيها الكرام- شخصية حقيقة، وليس كما يدعيه بعض المعاصرين, بأنه شخصية خرافية غير موجودة, فهذه مصادمة لنصوص الكتاب والسنة, وما يقوم به من خوارق وأحوال حقيقة، وليست ضربًا من الخيال, فهو فتنة، ابتلي الله به عباده, وأقدره على أشياء من إحياء الميت الذي يقتله, ومن ظهور زهرة الدنيا, والخصب معه , وجنته وناره, ونهريه, واتباع كنوز الأرض له, وأمره السماء أن تمطر فتمطر, والأرض أن تنبت فتنبت, فيقع كل ذلك بقدرة الله ومشيئته, ثم يعجزه الله بعد ذلك, فلا يقدر على قتل ذلك الرجل ولا غيره, ويبطل أمره, ويقتله عيسى عليه السلام.
وخلاصة الصفات: ستة عشر صفة لهذه الفتنة فهو: شاب, كافر, يهودي, عظيم الجسم, عظيم الرأس, أجلى الجبهة، أي منحسر شعر مقدم رأسه، عريض النحر, فيه دمامة، أي قصر وقبح، وفيه دَفَء، أي انحناء, وأنه أعور العين عمومًا، لكن اليمنى هي العوراء الطافئة المطموسة الممسوحة, وأن عين الدجال التي يرى بها خضراء اللون, وأنه مكتوب بين عينه كافر, وأنه جعد الشعر, وأن لونه آدم اللون، أي أسمر, وأنه لا يولد له ولد, فهذه ستة عشر صفة, دجال الفتنة والمحنة.
والدجال -أيها الإخوة والجمال- من خوارقه، وعلاماته من الخصال، سرعته في الأرض كغيث استدبرته الريح, ويدخل جميع البلدان والقرى والهجر, عدا مكة والمدينة, وله بإذن الله تصرف في مطر السماء ونبات الأرض, ومعه نهرين من ماء، أحدهما نار, وجبل من خبز، وآخر من لحم, ويخرج كنوز الأرض من ذهب وفضة, ومعه جنة ونار, فالجنة رحمته لمن أطاعه , والنار عقابه لمن عصاه, فمن دخل جنته بتصديقه إياه فقد وجب أجره، وحُط وزره, ومن دخل ناره بتكذيبه إياه فقد وجب وزره، وحُط أجره, هذا في الدنيا, وأما في الآخرة: فجنة الدجال نار، من دخل جنة الدجال بتصديقه إياه, كانت تلك الجنة سببًا في دخول النار, ومن دخل ناره بتكذيبه إياه كانت تلك النار سببًا في دخول الجنة.
ومن خوارقه: أنه يحيي من قتله بيده.
أيها المسلمون: هذا ومن طرق النجاة وشكر الوقاية، والحفظ من الفتنة والحماية: ما أرشد إليه الرسول من التحصن والعناية, فمن ذلك التعوذ بالله من فتنة المسيح الدجال، دبر كل صلاة بعد التشهد قبل السلام, كما في الصحيحين عنه عليه السلام, بل من شدة العناية والصيانة كان يعلمهم هذا الدعاء, كما يعلمهم السورة من القرآن، يقول: (قولوا: اللهم: إنا نعوذ بك من عذاب جهنم, وأعوذ بك من عذاب القبر, وأعوذ بك من فتنة المسيح الدجال, وأعوذ بك من فتنة المحيا والممات)، وكما أن هذا مقيد في كل صلاة, فالاستعاذة من فتنته مطلقة في كل حال.
الأمر الثاني من العلاج: الفرار من الدجال قدر المستطاع, والابتعاد عنه, فلا يرى ولا يسمع به في بقعة من البقاع, ففي الحديث: (من سمع بالدجال فلينأ عنه, فوالله إن الرجل ليأتيه وهو يحسب أنه مؤمن، فيتبعه مما يبعث به من الشبهات)، رواه أبو داوود وأحمد في مسنده.
ومن العصمة والعلاج -ثبتني الله واياكم على أحسن منهاج-: سُكنى المدينة ومكة المكرمة, حيث أنه لا يدخلهما الدجال.
والرابع -بارك الله في كل منصت وسامع-: قراءة أول سورة الكهف عند ملاقاته وجهًا لوجه, وتحديدًا العشر الآيات من أول السورة, من الآية الأولى حتى العاشرة, ففي مسلم: (من حفظ عشر آيات من أول سورة الكهف, عُصم من فتنة الدجال)، والله أعلم أن السبب بالتخصيص لما في أول السورة من العجائب والآيات والعبر والتوجيهات, والله أعلم بحكمة ذلك, وللشرع أسرار وأحكام, والحفظ ليس قصاراه الحفظ عن ظهر قلب فقط, بل التفكر والتدبر والتأمل, وأما رواية الثلاث الآيات, أو العشر الأخيرة من سورة الكهف, فهما روايتان ضعيفتان شاذتان.
ومن أسباب العصمة: مدافعته وقتاله لمن ابُتلي بمحاصرته, وجنوده, أو ملاحقته له, فمن لم يجد إلا أن يقاتله فليقاتله.
ومنها: بث أخباره وخوارقه، وفتنته وأحواله, حتى يكون المؤمن منه على بصيرة وعلم ودراية, فقد جاء في الخبر أن من علامات خروجه نسيان ذكره على المنابر, فقال: (لا يخرج الدجال حتى يجهل الناس عن ذكره, وحتى تترك الأئمة ذكره على المنابر)، رواه البيهقي, قال السفاريني: مما ينبغي لكل عالم أن يبث أحاديث الدجال, بين الأولاد والنساء والرجال, ولاسيما في زمننا هذا الذي أشرأبت فيه الفتن, وكثرت فيه المحن, واندرست فيه معالم السنن, وصارت فيه السنن كالبدع, والبدع شرع متبع. انتهى، هذا في زمانه, فكيف لو رأى زماننا هذا؟.
والسابع من الأسباب، في دفع فتنة الشك والارتياب: التمسك بالإسلام, والتسلح بسلاح الإيمان والسلام, فيعلم ويصدق، ويوقن ويحقق، أن الله منزه عن النقائص, وأن الله ليس بأعور, وأنه لا أحد يرى ربه حتى يموت, فالدجال يُرى، ويأكل ويشرب كالورى, بخلاف المولى جلا وتقدس وعلا.
الخطبة الثانية:
الحمد لله رب العالمين, ولا عدوان إلا على الظالمين.
وبعد،.
أيها الإخوة المؤمنون: وقع لتميم الداري رؤية الدجال, والحديث معه, ووافق ما عنده ما ذكره رسول الأمة, فلهذا أشار رسول الله صلى الله عليه وسلم بحديثه وخبره, حتى قال: (حدثنا)، وفي هذا منقبة لتميم الداري؛ لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم حدّث عنه, وهذا من خصائصه, فاسمعوا خبره, واستقرئوا أمره, وأنصتوا لحديثه وعجائب محاورته, فعن عامر بن شراحيل الشعبي: أنه سأل فاطمة بنت قيس أخت الضحاك بن قيس, وكانت من المهاجرات الأول, فقال: حدثيني حديثًا سمعتيه من رسول الله صلى الله عليه وسلم, لا تسنديه إلى أحد غيره, فقالت: لئن شئت لأفعلن. فقال لها: أجل، حدثيني. فقالت: نكحت ابن المغيرة... الحديث... قالت: فلما انقضت عدتي, سمعت نداء المنادي, منادي رسول الله صلى الله عليه وسلم ينادي: الصلاة جامعة, فخرجت إلى المسجد فصليت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم, فكنت في صف النساء الذي يلي ظهور القوم, فلما قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاته, جلس على المنبر وهو يضحك, فقال: (ليلزم كل إنسان مصلاه)، ثم قال: (أتدرون لم جمعتكم؟)، قالوا: الله ورسوله أعلم. قال: (إني والله ما جمعتكم لرغبة ولا لرهبة، ولكن جمعتكم لأن تميمًا الداري كان رجلًا نصرانيًا, فجاء فبايع وأسلم, وحدثني حديثًا وافق الذي كنت أحدثكم عن المسيح الدجال, حدثني أنه ركب في سفينة بحرية, مع ثلاثين رجلًا من لخم وجذام.
وفيه رواية: إن بني عم لتميم الداري ركبوا في البحر.
وفي رواية أخرى: إن أناس من قومي كانوا في البحر في سفينة لهم, فلعب بهم الموج شهرًا في البحر, ثم أرفؤا إلى جزيرة في البحر, حين مغرب الشمس, فجلسوا في أقرب, والقارب سفينة صغيرة, فدخلوا الجزيرة, فلقيتهم دابة أهلب كثير الشعر، لا يدرون ما قبله من دبره, من كثرة الشعر, قالوا: ويلك ما أنت؟. قالت: أنا الجساسة. قالوا: وما الجساسة؟. قالت: يا أيها القوم: انطلقوا إلى هذا الرجل في الدير ، فإنه إلى خبركم بالأشواق. قال: لما سمت لنا رجلًا فَرِقنا منها أن تكون شيطانة, قال: فانطلقنا سراعًا، حتى دخلنا الدير, فإذا فيه أعظم إنسان رأيناه قط خلقًا, أشده وثاقًا, مجموعة يداه إلى عنقه, ما بين ركبتيه إلى كعبيه بالحديد, قلنا: ويلك ما أنت؟. قال: قد قدرتم على خبري، فأخبروني ما أنتم؟. قالوا: نحن أناس من العرب، ركبنا في سفينة بحرية, فصادفنا البحر حين اغتلم ، فلعب بنا البحر شهرًا, ثم أرفأنا إلى جزيرتك هذه, فجلسنا في أقرُبها, فدخلنا الجزيرة, فلقيتنا دابة أهلب كثير الشعر, فقلنا: ويلك من أنت؟. فقالت: أنا الجساسة . قلنا: وما الجساسة؟. قالت: اعمدوا إلى هذا الرجل في الدير فإنه إلى خبركم بالأشواق. فأقبلنا إليك سراعًا, وفزعنا منها, ولم نأمن أن تكون شيطانة. فقال: أخبروني عن نخل بيسان. قلنا: عن أي شأنها تستخبر؟. قال: أسألكم عن نخلها, هل يثمر؟. قلنا له: نعم. قال: أما إنها يوشك ألا تثمر. قال: أخبروني عن بحيرة طبرية. قلنا: عن أي شأنها تستخبر؟. قال: هل فيها ماء؟. قالوا: هي كثيرة الماء. قال: أما إن ماءها يوشك أن يذهب. قال: أخبروني عن عين زُغر. قالوا: عن أي شأنها تستخبر؟. قال: هل في العين ماء؟ وهل يزرع أهلها بماء العين؟. قلنا له: نعم، هي كثيرة الماء, وأهلها يزرعون من مائها. قال: أخبروني عن نبي الأميين ما فعل؟. قالوا: قد خرج من مكة ونزل يثرب. قال: أقاتله العرب؟. قلنا: نعم. قال: كيف صنع بهم؟. فأخبرناه أنه قد ظهر على من يليه على العرب وأطاعوه, قال لهم: قد كان ذاك؟. قلنا: نعم. قال: أما إن ذلك خير لهم أن يطيعوه، وإني مخبركم عني, إني أنا المسيح الدجال، وإني أوشك أن يؤذن لي في الخروج, فأخرج فأسير في الأرض, فلا أدع قرية إلا هبطتها في أربعين ليلة, غير مكة وطيبة, فهما محرمتان عليّ كلتاهما, كلما أردت أن أدخل واحدة -أو واحدًا- منهما استقبلني ملك بيده السيف صلتًا, يصدني عنها, وإن على كل نقب منها ملائكة يحرسونها, قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وطعن بمخصرته في المنبر.
وفي الرواية الأولى التي له: وأهوى بمخصرته إلى الأرض: (هذه طيبة, هذه طيبة, هذه طيبة)، يعني المدينة, (ألا هل كنت حدثتكم ذلك؟)، فقال الناس: نعم. قال: (فإنه أعجبني حديث تميم أنه وافق الذي كنت أحدثكم عنه, وعن المدينة ومكة, ألا إنه في بحر الشام, أو بحر اليمن, لا بل من قبل المشرق, ما هو من قبل المشرق, ما هو من قبل المشرق, ما هو)، وأومأ بيده إلى المشرق، قالت: فحفظت هذا من رسول الله صلى الله عليه وسلم. رواه مسلم.
فسوف يخرج دجال الضلالة في
ويدعي أنه رب العالمين وهل
فناره جنة طوبى لداخلها
وشهر وعشر ليال طول مدته
فيبعث الله عيسى ناصرًا حكمًا
فيتبع الكاذب الباغي ويقتله
***
***
***
***
***
*** هرج وقحط كما جاء في الخبر
تخفى صفات كذوب ظاهر العور
وزور جنته نار من السُعُر
لكنه عجب في الطول والقصر
عدلًا ويعضده بالنصر والظفر
ويمحق الله أهل البغي والضرر
هذا: وخاتمة الدجال, وهلاك هذا المموه الضال, يكون على يدي المسيح عيسى ابن مريم, فإذا كثر أتباعه وعمت فتنته, وانتشر صيته, وهلك من هلك, وسلم من سلم, نزل عيسى على المنارة الشرقية بدمشق, ويلتف حوله المؤمنون السالمون, فيسير بهم قاصدًا إلى الدجال, ويكون الدجال عند نزول عيسى متوجهًا بيت المقدس, فيلحق به عيسى عند باب لُد، بلدة في فلسطين قرب بيت المقدس, فإذا رآه الدجال, ذاب كما يذوب الملح, فيقول له عيسى عليه السلام: (إن لي فيك ضربة لن تفوتني)، فيتداركه فيقتله بحربته وينهزم أتباعه, فيتبعهم المؤمنون فيقتلونهم, حتي يقول الشجر والحجر: يا مسلم، يا عبدالله: هذا يهودي خلفي تعالى فاقتله، إلا الغرقد فإنه من شجر اليهود, وبقتله تنتهي الفتنة, وينجي الله المؤمنين من شره.
هذا ما تيسر ذكره، وتم نقله، للعلم والتذكرة، والبصيرة والمعرفة، في هاتين الجمعتين، والخطبتين المتتاليتين، جعلكم الله سعداء الدارين، ورفقاء سيد الثقلين، وجلساء الصحابة الأطهار، والنجباء الأخيار.
والله أعلم.