تنبيهات عن الإجازة

عبدالله بن رجا الروقي
1437/10/02 - 2016/07/07 14:36PM
تنبيهات عن الإجازة

الخطبة الأولى
الحمدلله الملك الحق المبين وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لاشريك له إله الأولين والآخرين وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين أما بعد فنستقبل في أيامنا هذه إجازة قصيرة يستعد لها كثير من الناس وتكثر فيها الأسفار بغرض الترفيه والنزهة فلأجل هذا أذكر إخواني بأمور تتعلق بالإجازة
فاعلم ياعبدالله أن الإجازة هي أيام تمضي من عمرك فاحذر أن تقضي شيئاً منها فيما حرم الله ، قال تعالى:
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ ﴾
وقال ابن القيم رحمه الله: إذا كان العبد - وهو في الصلاة - ليس له من صلاته إلا ما عقل منها فليس له من عمره إلا ماكان فِيهِ بِالله ولله ا.هـ
وقال أيضاً: السنة شجرة، والشهور فروعها، و الأيام أغصانها، والساعات أوراقها، والأنفاس ثمارها، فمن كانت أنفاسه في طاعة فثمرته طيبة، ومن كانت في معصية فثمرته حنظل. ا.هـ
ومع عظيم شأن الوقت وما ينعم الله به على بعض عباده من الفراغ إلا أن كثيراً من الناس لايوفق لاغتنامه قال ﷺ : {نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس الصحة والفراغ} رواه البخاري
وقوله مغبون أي خاسر فيهما كثير من الناس وإنما يعرف قدر هاتين النعمتين من حُرِمهما.

عباد الله:
مما يجدر التنبيه إليه مايحدث بسبب كثرة السهر في هذه الإجازة من النوم عن الصلاة حتى يخرج وقتها وهذا منكر عظيم فلنحرص على أداء الصلاة في أوقاتها في المساجد قال تعالى ﴿ حَافِظُواْ عَلَى الصَّلَوَاتِ والصَّلاَةِ الْوُسْطَى وَقُومُواْ لِلّهِ قَانِتِينَ ﴾ وقال تعالى: ﴿ إِنَّ الصَّلاَةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَّوْقُوتًا ﴾ واحذر من إضاعتها لئلا تكون ممن توعدهم الله بقوله تعالى
﴿ فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا ﴾ والغالب على متبعي الشهوات إضاعة الصلوات.
وقال ﷺ : الذي تَفوتُهُ صلاَةُ العَصْرِ، كأنَّما وُتِرَ أهْلَهُ ومالَهُ. متفق عليه.
أي كأنما فقد أهله وماله.

أيها المسلمون:
تكثر مناسبات الأعراس في الإجازات وهذا شيء طيب لكن الذي يؤسف له مايشوب هذه المناسبات من المنكرات فمن ذلك استخدام المعازف التي حرمها الله وهي مايعرف اليوم بالموسيقى وهي محرمة بإجماع أهل العلم ، وإنما جاز في الشرع استخدام الدُف دون غيره في العُرس ، والدف هو ماكان مفتوحًا من جانب ، ومغلقاً من الجانب الآخر ، ولهذا فالطبل وهو المغلق من الجانبين لايجوز استخدامه مطلقًا قال صلى الله عليه وسلم: ليكونَنَّ من أمَّتي أقوامٌ ، يستحلُّونَ الحِرَ والحريرَ ، والخمرَ والمعازِفَ. رواه البخاري
فقوله صلى الله عليه وسلم: (يستحلون) دليل على تحريم المعازف.
ومن المنكرات الإسراف في الولائم مماقد ينتج عنه رميها في النفايات ، والإسراف محرم قال تعالى:
﴿وكُلُواْ وَاشْرَبُواْ وَلاَ تُسْرِفُواْ إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ﴾
إن الزواج نعمة والنعمة تقابل بشكرها لابكفرها.

معاشر المسلمين
يقصد بعض الناس ديار المعذبين كمدائن صالح لأجل النزهة فما حكم زيارة هذه الأماكن ؟ والجواب عن هذا أنه لاتجوز زيارتها بقصد الفرجة والاطلاع لأن النبي صلى الله عليه وسلم لما مر بالحجر - وهي: منازل ثمود قوم صالح عليه السلام - قال: «لا تدخلوا مساكن الذين ظلموا أنفسهم أن يصيبكم ما أصابهم إلا أن تكونوا باكين » ثم قنع رأسه وأسرع السير حتى أجاز الوادي. رواه البخاري ومسلم

عباد الله
إن مما يحذر منه في هذه الإجازة ما يفعله بعض الناس من شد الرحال إلى بلاد الكفار بقصد التنزه والسياحة , وعادة ما تكون المنكرات ظاهرة في تلك البلاد, وقد يصحب بعضَ الأسر المسلمة أولادُهم من الأطفال والبالغين في السفر فيرون تلك المنكرات مما قد يؤثر على دينهم وخلقهم ، وقد جاء الشرع بتحريم السفر إلى بلاد الكفر إلا لضرورة قال الشيخ ابن باز رحمه الله: صح عن رسول الله ﷺ أنه قال: «أنا بريء من كل مسلم يقيم بين أظهر المشركين » وقد أخبر الله سبحانه عمن لم يهاجر من بلاد الشرك إلى بلاد الإسلام بأنه قد ظلم نفسه، وتوعده بعذاب جهنم في قوله سبحانه: {إن الذين توفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم قالوا فيم كنتم قالوا كنا مستضعفين في الأرض قالوا ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها فأولئك مأواهم جهنم وساءت مصيرا*إلا المستضعفين من الرجال والنساء والولدان لا يستطيعون حيلة ولا يهتدون سبيلا * فأولئك عسى الله أن يعفو عنهم وكان الله عفوا غفورا} فأخبر سبحانه في هذه الآية أن الملائكة تقول لمن توفي من المسلمين في بلاد الشرك ولم يهاجروا: ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها؟ بعدما أخبر سبحانه أنهم قد ظلموا أنفسهم بإقامتهم بين الكفار وهم قادرون على الهجرة، فدل ذلك على تحريم السفر إلى بلاد المشركين، وعلى تحريم الإقامة بين ظهرانيهم لمن استطاع الهجرة. انتهى كلام الشيخ ابن باز رحمه الله.

واعلموا رحمكم الله أنه لايجوز للمرأة السفر إلا مع ذي محرم قالَ النبيُّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ : لا تسافرُ المرأةُ إلَّا معَ ذي محرمٍ. متفق عليه.
وبعض الناس يتساهل في الإذن لبعض محارمه في السفر مع أختها وزوج أختها أو مع جماعة من النساء وكل هذا محرم لدلالة الحديث السابق عليه.


بارك الله لنا في القرآن والسنة ونفعنا بما فيهما من الإيمان والحكمة


الخطبة الثانية:
الحمدلله رب العالمين وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لاشريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين ،
أما بعد فإن في النزهة في بلادنا مايغني عن السفر خارجها فالسفر لأداء العمرة عبادة جليلة قال ﷺ : العمرة إلى العمرة كفارة لمابينهما. متفق عليه والصلاة في المسجد الحرام بمائة ألف صلاة.

ومن قصد المدينة فليحرص على الصلاة في المسجد النبوي فإن الصلاة فيه بألف صلاة. وليصل كذلك في مسجد قباء فإن الصلاة في مسجد قباء لها فضل عظيم قال ﷺ : الصَّلَاةُ فِي مَسْجِدِ قُبَاءٍ كَعُمْرَةٍ . رواه الترمذي

وليس هناك مساجد في المدينة يشرع تَقصُّدُ الصلاةِ فيها لخصوص فضلها إلا مسجدان المسجد النبوي ومسجد قباء.
وليُعلم أن في المدينة مساجد محدثة نسبت إلى عصر النبي صلى الله عليه وسلم وعصر الخلفاء الراشدين، واتخذت مزارا مثل المساجد السبعة، ومسجد في جبل أحد وغيرها، فهذه مساجد لا أصل لها في الشرع، ولا يجوز تقصدها لعبادة.

عباد الله:
في بلادنا أماكنُ غيرُ ماتقدم للسياحة الآمنة لمن أراد السفر وإذا احتسب المسافر إليها إدخال السرور على أهله أثيب على ذلك.

ومما يحسُن التذكير به استغلال الإجازة بصلة الأرحام وتفقد أحوالهم فإن صلة الرحم واجبة وقاطعها متوعد بالنار
قال صلى الله عليه وسلم : لايدخل الجنة قاطع. متفق عليه. أي : قاطع رحم.
واعلموا أن السفر لصلة الرحم سفر عبادة يثاب عليها، والنفقة فيه مخلوفة وهي في ميزان حسنات العبد.
فياعبدالله تأمل في أرحامك من قطعت منهم ومن قصّرت في صلته ، فبادر بصلتهم والإحسان إليهم ، فإن من وصل رحمه وصله الله ومن قطعها قطعه الله ، قال صلى الله عليه وسلم : الرحمُ معلَّقةٌ بالعرشِ تقولُ : من وصلني وصله اللهُ . ومن قطعني قطعه اللهُ. رواه البخاري ومسلم.

وأختم بضرورة حفظ الأولاد من رفقاء السوء خاصة في الإجازة التي يكثرفيها الفراغ وربما انشغل الوالد عنهم فتلقفهم شياطين الإنس وأوقعوهم في الدخان والمخدرات وغيرها من الشرور بل إن الشرور والفتن لتتخطفهم عبر شاشات الفضائيات والجوالات وهم في عُقر دارهم ، ولانجاة من كل ذلك إلا بالاستعانة بالله
في تربيتهم وبذل الجهد في ذلك فإن تربية الأولاد في هذا الزمن أضحت نوعاً من الجهاد.
قال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ ﴾
ومن وقاية الأولاد من النار حفظهم من أسباب الفساد.
وليعلم الوالدان أن الله تعالى قد استرعاهم رعية ، وأوجب عليهم القيام بدين الله فيما استرعاهم فيه
وسيُسألون عن ذلك
قال صلى الله عليه وسلم : كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته.
كما جاء الوعيد فيمن لم ينصح لرعيته التي ائتمنه الله عليها .
قال رسولَ الله صلى الله عليه وسلم : ( مَا مِنْ عَبْدٍ يَسْتَرعِيهِ اللهُ رَعِيَّة يَموتُ يَوْمَ يَمُوتُ وهو غَاشٌّ لِرَعِيَّتِهِ إِلا حَرَّمَ اللهُ عليه الجَنَّةَ ) .
وفي رواية : ( فَلَمْ يَحُطْها بِنَصِيحَةٍ إِلا لَمْ يَجِدْ رَائِحَةَ الجَنَّةِ ) رواه البخاري، ومسلم.
ألا فليحفظ الوالد أولاده وليسع في أسباب ذلك من إشغالهم بأمور تنفعهم في دينهم ودنياهم.
اللهم احفظ الإسلام والمسلمين ووفقنا للخيرات وجنبنا الشرور والمنكرات...
المشاهدات 1342 | التعليقات 0