تمييع العقيدة ..

عبدالله محمد الطوالة
1443/10/18 - 2022/05/19 11:07AM

الْحَمْدُ لِلَّهِ؛ العليِّ الكبير، العليمِ الخبير، تفرَّدَ بالخلق والحُكمِ والتَّدبِيرِ، يَهدي مَنْ يَشَاءُ بِفَضْلِهِ، وَيُضَلُ مَنْ يَشَاءُ بِعَدْلِهِ، {لا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ} ..

وأشهدُ أن لا إله إلا الله وحدهُ لا شريك له، ذلَّ كلُّ شيءٍ لعظمته، وخضعَ كلُّ شيءٍ لـمشيئَتِه، ووسعَ كلُّ شيءٍ علمُهُ وفضلُهُ ورحمتُهُ، {إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} ..

وأشهدُ أن محمداً عبدُ اللهِ ورسولهُ، ومصطفاهُ وخليلهُ، أصدَقُ النَّاسِ قولاً، وأحسنُهُم خُلُقًا، وأكْرمُهُم طبْعًا، وأصحُهم عملاً، وأعدلُهم حُكماً، وأقومُهم منهجاً، وأشفقهم نصحاً ﷺ، وعلى أله وصحبهِ وكلُّ من على الحقِّ اتبعوهُ، وسلَّمَ تسليماً كثيراً ..

أمَّا بعْدُ: فاتَّقُوا اللهَ تعالَى وأطِيعُوهُ، وخُذُوا منْ صِحَّتِكُمْ لِمرضِكُمْ، ومنْ فراغِكُمْ لِشُغْلِكُمْ، ومنْ حياتِكُمْ لِموْتِكُمْ، ومنْ دُنياكُمْ لآخرَتِكُم؛ وتفكَّروا في مُنصرَف الفريقين: فريق في الجنَّة وفريقٌ في السعير: {فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَهُمْ فِي رَوْضَةٍ يُحْبَرُونَ * وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَلِقَاءِ الْآخِرَةِ فَأُولَئِكَ فِي الْعَذَابِ مُحْضَرُونَ}  ..

معاشر المؤمنين الكرام: الولاء والبراء: أصلٌ عظيم من أصول الإسلام، وركن ركين من أركان الدين، لا تُغَيِّرُهُ الآرَاءُ, وَلا تُبطِلُهُ الأَهوَاءُ .. الولاء والبراء: عَقِيدَةٌ شرعيةٌ راسخة، ومَبدَأٌ دينيٌ ثابت, دَلَّ عَلَيه الكِتَابُ وَالسُّنَّةُ، وَتَلَقَّته الأُمَّةُ بالقبول خَلَفًا عَن سَلَفٍ، وتمسك بها المُوَحَّدُونَ قديماً وحديثاً ..

فكل مسلمٍ موحِّدٍ يحبُّ الله ورسولهُ فهو أخونا ولو كان أبعدَ بعيد، وكلُّ كافرٍ مُعاندٍ لله ورسوله، فهو عدونا ولو كان أقربَ قريب .. فنوحٌ تبرأَ من كفَّار قومهِ ومن بينهم ابنه، وإبراهيم عليه السلام تبرأَ من كفَّار قومهِ ومن بينهم أباه، والرسول ﷺ تبرأ من كفَّار قومه، ومن بينهم عمُّه .. قَالَ تعالى: {لا تَجِدُ قَومًا يُؤمِنُونَ بِاللهِ وَاليَومِ الآخِرِ يُوَادُّونَ مَن حَادَّ اللهَ وَرَسُولَهُ وَلَو كَانُوا آبَاءَهُم أَو أَبنَاءَهُم أَو إِخوَانَهُم أَو عَشِيرَتَهُم} ..

وبعد: فالمطلعُ على بعض ما يُكتبُ ويقالُ هذه الأيام, في حقِّ بعض أمواتِ النَّصارى وقتلاهم، الذين لهم مواقفُ جيدة من قضايا المسلمين وحُقوقِهم, أو ممن لهم مُنجزاتٌ انسانيةٌ نافعةٌ .. هو نوعٌ من التلبيس والظلالِ البيِّن .. وفيه انحرافٌ خطيرٌ عن ثوابتِ الدينِ وأصلِ العقيدة، فلا شكَّ أنَّ من يترحمُ على أموات الكفَّار ويترضى عنهم ويستغفرُ لهم، أو يحكُمُ لهم بالجنة، أو يصِفُهم بالشُّهداء، أو يُجيزُ صلاةَ الميتِ عليهم، فإنَّ كُلَّ هذا انحرافٌ خطيرٌ في العقيدة يودي بصاحبه للكفر الأكبر, والخروجِ من الملة عياذاً بالله ... وهو من الوضوح بحيثُ لا يُرَدَّ عليهِ إلا بنصوصِ الكتابِ والسنةِ، ليهلك من هلك عن بينةٍ، ويحيى من حييِّ عن بينةٍ، قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِن أَهلِ الكِتَابِ وَالمُشرِكِينَ في نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أُولَئِكَ هُم شَرُّ البَرِيَّةِ} .. وقال ابن كثير في تفسير قوله تعالى: {وَمَنْ يَكْفُر بِهِ مِنَ الأَحْزَاب فَالنَّار مَوْعِدُهُ}، أَيْ أنَّ النار مصيرُ كلُّ مَنْ كَفَرَ بِالْقُرْآنِ مِنْ سَائِر أَهْل الأَرْض .. وفي صحيح مُسلم قَالَ ﷺ: "وَالَّذِي نَفْسُ ‏‏مُحَمَّدٍ ‏‏بِيَدِهِ‏، ‏لاَ يَسْمَعُ بِي أَحَدٌ مِنْ هَذِهِ الأُمَّةِ يَهُودِيٌّ وَلاَ نَصْرَانِيٌّ ثُمَّ يَمُوتُ وَلَمْ يُؤْمِنْ بِالَّذِي أُرْسِلْتُ بِهِ إِلاَ كَانَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ" .. فاعْلَمُ الناسِ بربه ﷺ يُقسمُ بانهم من أصحاب النِّار، فَكَيفَ يَجرُؤُ مُسلمٌ عَلَى الاستِغفَارِ لَهُم, وَاللهُ تَعَالى يَقُولُ: {مَا كَانَ لِلنَّبيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَن يَستَغفِرُوا لِلمُشرِكِينَ وَلَو كَانُوا أُولي قُربى مِن بَعدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُم أَنَّهُم أَصحَابُ الجَحِيمِ * وَمَا كَانَ استِغفَارُ إِبرَاهِيمَ لأَبِيهِ إِلاَّ عَن مَوعِدَةٍ وَعَدَهَا إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ للهِ تَبَرَّأَ مِنهُ إِنَّ إِبرَاهِيمَ لأَوَّاهٌ حَلِيمٌ} .. ولا شكَّ أنَّ الدعاءَ لهم بِالرَّحمَةِ أَوِ الجَنَّةِ، أَو وصفَهُم بالشهداء أشنعُ وأفظع من الاستغفار لهم ..

وإذا كانت بعضُ أعمالِ الكفَّارِ الخيريَّةِ ستُبرِرُ للبعض أن يترحموا عليهم، فتأمَّلوا قَولَ الحقِّ جلَّ وعلا: {وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاء حَتَّى إِذَا جَاءهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا وَوَجَدَ اللَّهَ عِندَهُ فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ}، وقَالَ تعالى: {وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَل فَجَعَلْنَاهُ هَبَاء مَنْثُورًا} ..

‏ولن يكونَ هؤلاء الكفَّار أفضلُ عملاً من أبي طالبٍ عمُّ النبي ﷺ، والذي قدّمَ للنبيّ ﷺ الكثيرَ, وعرَّضَ نفسهُ وعشيرتهُ للمخاطر من أجله .. ففي صَحِيحِ مُسلِمٍ عَنِ العَبَّاسِ t أَنَّهُ قَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، هَل نَفَعتَ أَبَا طَالِبٍ بِشَيءٍ؛ فَإِنَّهُ كَانَ يَحُوطُكَ وَيَغضَبُ لَكَ؟ قَالَ: "نَعَم، هُوَ في ضَحضَاحٍ مِن نَارٍ، وَلَولا أَنَا لَكَانَ في الدَّركِ الأَسفَلِ مِنَ النَّارِ".. هكذا يا عباد الله, فلا مجاملة ولا مداهنة، في العقيدة، فعمُّ المصطفى ﷺ وكذلك أبوه وَأُمُّهُ وجده, لم يَنتَفِعُوا بِقُرابتِهِم, ولا وبما قدموا من أعمالٍ نفعت الرسول ﷺ .. لأنهم مَاتُوا عَلَى الشِّركِ، فغيرهم من باب أولى ... لقد تساءلت أمُّنا عائشةُ t عن حال ابن جُدعان، فقَالَت: يَا رَسُولَ اللهِ، إن ابنُ جُدعَانَ كَانَ في الجَاهِلِيَّةِ يَصِلُ الرَّحِمَ وَيُطعِمُ المِسكِينَ، فَهَل ذَاكَ نَافِعُهُ؟ قَالَ لا يَنفَعُهُ، إِنَّهُ لم يَقُلْ يَومًا رَبِّ اغفِرْ لي خَطِيئَتي يَومَ الدِّينِ"، والحديث في مُسلِمٌ ... ولا شكَّ يا عباد الله: أنَّ اللهَ لا يُضيعُ أجرَ من أحسنَ عملا، ففي صحيح مُسلم، قَالَ ﷺ: "إِنَّ اللهَ لا يَظلِمُ مُؤمِنًا حَسَنَةً، يُعطَى بها في الدُّنيَا, وَيُجزَى بها في الآخِرَةِ، وَأَمَّا الكَافِرُ فَيُطعَمُ بِحَسَنَاتِ مَا عَمِلَ بها للهِ في الدُّنيَا، حَتى إِذَا أَفضَى إِلى الآخِرَةِ لم تَكُنْ لَهُ حَسَنَةٌ يُجزَى بها" ..

إِنَّهَا يا عباد الله: عَقِيدَةٌ راسخة لا شَكَّ فِيهَا، فلا يَدخُلُ الجَنَّةَ إِلاَّ مؤمن، وَلا يَتَقَبَّلُ اللهُ إِلاَّ مِنَ المُتَّقِينَ، وَأَمَّا المُشرِكينَ وَالكُفَّار فَمأواهم جهنَّمُ خالدين فيها وبئسَ المصير، وهذا ما تظافرت به نصوصُ القرآن الكريم: قَالَ تَعَالى: {وَلَقَد أُوحِيَ إِلَيكَ وَإِلى الَّذِينَ مِن قَبلِكَ لَئِن أَشرَكتَ لَيَحبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الخَاسِرِينَ}، وَقَالَ تَعَالى: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَمَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلاَئِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ * خَالِدِينَ فِيهَا لا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ الْعَذَاب وَلاَ هُمْ يُنْظَرُونَ}، وقال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوَالُهُمْ وَلَا أَوْلَادُهُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ}، وقال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ مَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ}، وقَالَ تَعَالى لِنَبِيِّهِ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ: {وَلا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنهُم مَاتَ أَبَدًا وَلا تَقُمْ عَلَى قَبرِهِ إِنَّهُم كَفَرُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ وَمَاتُوا وَهُم فَاسِقُونَ} .. وغيرها من الآيات الكثيرة .. وَفي صحيح مُسلم، قال ﷺ: "يَا بنَ الخَطَّابِ، اِذهَبْ فَنَادِ في النَّاسِ إِنَّهُ لا يَدخُلُ الجَنَّةَ إِلاَّ المُؤمِنُونَ".. فحكم الله جلَّ وعلا في كلِّ من مات كافراً حكمٌ قطعيٌ واضح .. {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا بَعِيدًا} ... وليس للمسلم بعد ذلك إلا الانقيادُ والتسليم ... أعوذ بالله ...: {قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآَءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ} .. أقول ما تسمعون ...

الحمد لله وكفى, وصلاة وسلاماً على عباده اللذين اصطفى ..

أَمَّا بَعدُ: فَاتَّقُوا اللهَ عباد الله وكونوا مع الصادقين، وكونوا من {الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُولَئِكَ هُمْ أُولُو الْأَلْبَابِ} ..

معاشر المؤمنين الكرام: وبعد تلكَ النصوصِ الواضحةِ الصريحة، نأتي على مسألةٍ عقديةٍ مُهمة .. ألا وهي تشكيكُ البعضِ في كُفر الكافرِ .. وهذا مزلقٌ خطيرٌ جدًا، قال عنهُ شيخُ الإسلامِ ابنُ تيميةَ في الفتاوى: "من شكَّ في كفرِ الكافر بعد معرفةِ دينِ الإسلامِ فهو كافرٌ، كمن يشكُّ في كُفرِ اليهودِ والنَّصارى والمشركين" .. كما أنَّ شيخَ الإسلامِ محمدُ بنُ عبد الوهابِ عدَّهُ من نواقضِ التوحيدِ العشرة، فقال: "الناقضُ الثالث: من لم يكفرِ المشركين أو شكَّ في كفرهم أو صحَّح مذهبهم" ..

ثم لنتأمل جيداً قولَ الحقِّ جلَّ وعلا: {لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ وَقَالَ الْمَسِيحُ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ} .. ونربِطهُ مع قول اللهِ تبارك وتعالى:  {فَإِنَّ اللهَ عَدُوٌّ لِلكَافِرِينَ} .. وقولهِ جلَّ وعلا: {فَإِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ الكَافِرِينَ} .. وقولهِ تعالى: {وَلا يَزِيدُ الكَافِرِينَ كُفرُهُم عِندَ رَبِّهِم إِلا مَقتًا وَلَا يَزِيدُ الْكَافِرِينَ كُفْرُهُمْ إِلَّا خَسَارًا}، لنتأكدَ تماماً من ضلالِ وسفهِ كلَّ من يُحِبُّ أَعدَاءَ اللهِ أَو يَمدَحُهُم أو يترحَّمَ عليهم أو يستغفرَ لهم أو يشهدَ لهم بالشهادة أو الجنةِ ونحو ذلك مما حرَّمهُ اللهُ على الكافرين, وخصَّ به المؤمنين فقط .. بل إِنَّ من أوجبِ الواجباتِ على كُلَّ مُؤمِنٍ يرجو الله واليوم الآخر أَن يبغضَ ويُعاَدَي كُلَّ من عاداهم اللهُ ورسوله .. ومن لم يَجِدْ في قَلبِهِ عَدَاوَةً لهم فَلْيَبكِ عَلَى إِيمَانِهِ، فَقَد قَالَ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ: "مَن أَحَبَّ للهِ وَأَبغَضَ للهِ، وَأَعطَى للهِ وَمَنَعَ للهِ فَقَدِ استَكمَلَ الإِيمَانَ" .. والحديث صَحَّحَهُ الأمام الأَلبَانيُّ .. ومن كان رحيمًا بالكفَّار مُشفقًا عليهم من سوء المصير فليدعُهم قبل موتهم إلى الإسلام، وليدعو لهم وهم أحياءٌ كيفَ يشاء بنية الهداية، ففي صحيح البخاري: في نهاية معركة أحدٍ وقد شُجَّ راس النبي ﷺ وسال دمه، فقال: "اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِقَوْمِي؛ فإنَّهُمْ لا يَعْلَمُونَ" .. وقال في حقِّ قبيلةِ دوسٍ قبلَ اسلامهم: "اللهم اهدِ دوسًا وأت بهم"، والحديث متفق عليه .. أمَّا إذا ماتوا على الكفر فَلْنَكُنْ يا عباد الله: عَلَى يَقِينٍ تامٍّ، أَنَّهُ لن يَدخُلُ الجَنَّةَ إِلاَّ من كان مُؤمِناً، وَأَنَّ الله تبارك وتعالى لا يَتَقَبَّلُ العَمَلَ الصَالِح إِلاَّ ممن كان مُسلِماً، قال جلَّ وعلا: {وَمَن يَبتَغِ غَيرَ الإِسلامِ دِينًا فَلَن يُقبَلَ مِنهُ وَهُوَ في الآخِرَةِ مِنَ الخَاسِرِينَ}، بل لقد جاء في الموسوعةِ الفقهيةِ ما نصه: "اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ الاسْتِغْفَارَ لِلْكَافِرِ مَحْظُورٌ، بَلْ بَالَغَ بَعْضُهُمْ فَقَالَ: إنَّ الاسْتِغْفَارَ لِلْكَافِرِ يَقْتَضِي كُفْرَ مَنْ فَعَلَهُ؛ لأَنَّ فِيهِ تَكْذِيبًا لِلنُّصُوصِ الْوَارِدَةِ الَّتِي تَدُلُّ عَلَى أَنَّ اللَّهَ تعالى لاَ يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ، وَأَنَّ مَنْ مَاتَ عَلَى كُفْرِهِ فَهُوَ مِنْ أَهْلِ النَّارِ" اهـ. .. فالأمر كما تلاحظون يا عباد الله، في غاية الأهمية والخطورة .. فاتقوا الله وحافظوا على عقيدتكم، {وَاسْمَعُوا وَأَطِيعُوا وَأَنْفِقُوا خَيْرًا لِأَنْفُسِكُمْ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} ..

ويا ابن آدم عش ما شئت فإنك ميت، وأحبب من شئت فإنك مفارقه، واعمل ما شئت فإنك مجزي به، البر لا يبلى والذنب لا ينسى، والديان لا يموت، وكما تدين تدان ..

اللهم صل ..  

المشاهدات 932 | التعليقات 0