تميز المسلم وأعياد الكفار

د. منصور الصقعوب
1446/06/23 - 2024/12/25 15:44PM

 

الخطبة الأولى     

بسم الله الرحمن الرحيم (قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ (1) لَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ (2) وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ (3) وَلَا أَنَا عَابِدٌ مَا عَبَدْتُمْ (4) وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ (5) لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ)

المسلم أيها الكرام يعيش في حياته في مفاصلةٍ مع أعداء دينه، فهو وإن عاش معهم ببدنه، إلا أن دينه وعقيدته تجعلانه متميزاً عن الكفار في أمور كثيرة

الله الذي ميَّز المسلمين بأنهم الأعلون، والذي جعل دينهم يعلو ولا يُعلى، وفضّلهم على سائر الأمم، وجعلهم أتباع خير الرسل، اللهُ الذي جعل لهذه الأمة من الفضائل والميزات ما ليس لغيرها، أمر عباده أتباع هذا الدين بأن يكون لهم تميزٌ عن غيرهم من الناس

إن هذه الأمة هي بين الأمم كالشعرة البيضاء في جلد الثور الأسود، وهذا يُحتِّم عليهم أن يكون لهم تميزٌ على غيرهم، فهم على الحق دون غيرهم، هم أتباعُ الدينِ الذي لا يقبل الله من أحدٍ سواه، فبأي شيء يتميز المسلم ؟

المسلم يتميز عن غيره بعقيدته، فتراه يدين برب واحد، إليه يتوجه وله يقصد وإياه يعبد، في حين أن غيره من الناس ربما اعبد صنماً أو حيواناً، أو اتبع شرعةً منسوخة

والمسلم يتميز بأخلاقه، فهو يتقرب لله بحسن الخلق مع من يعرف ومن لا يعرف، يتودد للمسلمين، ولا يتعدى على الكافر الذي حفظ الإسلام حقه

المسلم أيها الكرام له أعياده الخاصة به، وله عباداته التي يتميز بها، وليس له أن يوافق الكفار في عباداتهم، بل ولا أن يوافقهم في المكان الذي يعبدون غير الله فيه.

المسلم له نهجٌ يعتاده في مشربه ومأكله وملبسه ومسكنه وسائر أموره، وله التوسع في ذلك مالم يقع في محرم، ومع هذا التسمح في الشريعة، إلا أنها نهت عن كل شيء من العادات التي يفعلها الكفار، فلا يجوز للمسلم أن يوافقهم في الأمر الذي يفعلونه، ولأجل هذا: نُهينا عن إسبال الثياب، وحلق اللحى، ولبس الحرير، واستخدام الذهب للرجال، وذمَ العلماءُ من لبس القلائد من الذكور، ومَن رفع القبور، ومن قص شعره كصنيع الكفار، وهكذا في سلسلةٍ من التشبه بالكفار طويلة، فالمسلم يتميز عن هؤلاء ولا يُقلد كافراً، لا في عقيدته ولا في أخلاقه ولا في عاداته.

يا كرام: ونتيجةً للضعف والهوان الذي ران على المسلمين، فلقد بليت مجتمعات المسلمين بصورٍ من التشبه واللحاق بركب الكفار، وصار موضوع التشبه بالكفار حِمى مستباحاً، وأمراً مُساغاً، لدى طائفة من المسلمين، فدعونا نتذاكر موضوع التشبه بالكفار، عبر عدة أمور:

أولاً: متقرر لدى المسلم أنه < نهى عن التشبه بالكفار وموافقتِهم، وقال" من تشبه بقوم فهو منهم" قال ابن تيمية: هذا الحديث أقل أحواله أن يقتضي تحريم التشبه بهم

وإن من لازم التمسك بالإسلامِ المفارقةُ بينك وبين أهل الكفر، فلا تقتدي بهم في أمورك، ومعلوم أن التشبه والموافقة لا تكون إلا من النازل للعالي، فما الذي يجعل المسلم ودينُه الأعلى يوافِقُ كافراً في أموره.

وليس يخفى أن الدين مبناه على التسليم، وديننا نهانا عن التشبه بأعداء ديننا، فكم تجد في الأحاديث " خالفوا اليهود" "خالفوا المشركين" وهكذا، وقد كتب عمر ا إلى عتبة بن فرقد أمير القوم يقول له آمراً بالبعد عن التشبه " إياكم والتنعم وزي أهل الشرك ".

ثم إن المشابهة تورث المودة والموالاة، فإن المسلم إذا قلّد الكافر فلابد أن يجد في نفسه إلفة له، وهذه الإلفةُ لابد أن تورث المحبة والميل، وهذا أمرٌ فطري يدركه كل عاقل.

ومن تأمل في التشبه بالكفار أدرك أن التشبه بهم في الهدي الظاهر يورث تناسبا وتشاكلاً بين المتشابهين، يقود إلى موافقةٍ في الأخلاق والأعمال، قال ابن تيمية: ولذا فإن اللابس ثيابَ أهلِ العلم يجد من نفسه نوعَ انضمام إليهم، واللابسُ لثياب الجند المقاتلة مثلاً يجد من نفسه نوع تخلق بأخلاقهم، ويصير طبعه متقاضياً لذلك إلا أن يمنعه مانع.

ومعلومٌ أن المخالفة للكفار في الظاهر هي أعون على البراءة من الكفار ومباينتهم.

وثانياً: أن التشبه بالكفار يشمل أمرين:

مَن فعل الأمر لأجل أن الكفار فعلوه، فهذا منكر

ومَن تبع الكفار في فعلٍ لغرضٍ في نفسه، كمن يصنع كصنيع الكفار في لبس أو هيئة لا لأنه يتشبه بهم، بل لأنه أعجبه ويرى أنه أوفق له، وهذا الفعل من خصائصهم وأُخِذَ منهم، فإن هذا محرمٌ، وهو داخلٌ في التشبه بهم.

قال ابن تيمية: ما نهى عنه من مشابهتهم يعمّ ما إذا قُصِدَتْ مشابهتهم أو لم تُقْصَد.

 أما من فعل الشيء واتفق أن الكفار فعلوه أيضاً ولم يأخذه أحدهما عن صاحبه فليس هذا بتشبه.

والفعل حين يشيع بين المسلمين، وليس هو خاصاً بالكافرين، فليس لابسه متشبهاً، إلا إن قصد بلبسه التشبه بالكفار، وبهذا أفتت الجنة الدائمة بخصوص لبس البدلة وربطة العنق أنها ليست بتشبه إلا إن قصد بلبسها التشبه.

وثالثاً: إذا كان متقرراً أن المسلم لا يتعبد بعبادات الكفار، لأنه متميزٌ بعبادته، فمن لازم ذلك أن المسلم لا يهنيء الكفار بشيء من عباداتهم، لأن ذلك إقرارٌ لهم على هذه الضلالة، قال ابن القيم: وأما التهنئةُ بشعائِر الكفر المختصة به فحرامٌ بالاتفاق، مثل أن يهنئهم بأعيادهم وصومهم فيقول عيدٌ مبارك عليك أو تَهنأ بهذا العيد ونحوه، فهذا إن سلم قائله من الكفر، فهو من المحرمات، وهو بمنزلة أن يهنئه بسجوده للصليب، بل ذلك أعظم إثماً عند الله وأشد مقتاً من التهنئة بشرب الخمر وقتل النفس وارتكاب الفرج الحرام ونحوه، وكثيرٌ ممن لا قدْرَ للدين عنده يقع في ذلك، ولا يدري قبح ما فعل، فمن هنأ عبداً بمعصية أو بدعة أو كفر فقد تعرض لمقت الله وسخطه.

اللهم اعصمنا من سخطك ومقتك، اللهم صل على محمد

 

الحمد لله وحده والصلاة على من لا نبي بعده أما بعد:

رابعاً: وتأتي قضية الأعياد للكفار لتشغل الأذهان في كل سنة، فللقوم أعيادٌ متعددة منها دينية ومنها دنيوية، والمسلم ينبغي أن يعلم موقف الإسلام من هذه الأعياد

والعيد: كل اجتماع عامٍّ يُحدِثه الناس ويعتادونه، في زمان أو مكان معين، أو هما معًا، قال ابن تيمية: فقد كان للناس قبل الإسلام أعيادٌ زمانية ومكانية كثيرة، وكلها حرّمها الإسلام وأماتها، وشرع للمسلمين عيدين فقط.

وبهذا تعلم أن أي عيد لم يفعله الرسول < بل نهى عنه، ولم يكن الصحابة ولا التابعون خلال القرون الفاضلة يفعلونه، بل كانوا ينهون عنه ويُحذِّرون من الوقوع فيه؛ فهذا يكفي للحكم على هذه الأعياد والاحتفالات المحدثة بأنها دسيسةٌ من دسائس المبطلين، وغفلةٌ وجهل من أكثر المسلمين، مهما برّرها الناس ورضوها، والتمسوا لها التأويلات التي لا تستند إلى كتاب الله وسنة رسوله <.

فأي عيد أو احتفال ليس له في كتاب الله وسنة رسوله < أصل، ولم يعهد في عصر الصحابة، والقرون الفاضلة، فإنما قام على الباطل، ويقال لمن فعله أو أحلّه: {هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} [البقرة: 111] ا.هـ

إنها كلمة تهدى لمن يحضر احتفالات رأس السنة الميلادية أو غيره، أو من يحتفل مع بعض الكفار بعيدٍ من أعيادهم.

قال ابن عثيمين: يحرم على المسلمين التشبه بالكفار بإقامة الحفلات بمناسبة عيد الكفار، أو تبادل الهدايا أو توزيع الحلوى، أو أطباق الطعام، أو تعطيل الأعمال ونحو ذلك، ومن فعل شيئاً من ذلك فهو آثمٌ سواءً فعله مجاملة، أو توددا، أو حياءً أو لغير ذلك من الأسباب؛ لأنه من المداهنة في دين الله، ومن أسباب تقوية نفوس الكفار وفخرهم بدينهم.

عباد الله: وإذا كان الاحتفال بأعياد الكفار محرماً فيبقى القول أنه لا يجوز أن يعينَ المسلمُ على المحرَّمِ

قال ابن تيمية: ولا يبيعُ المسلم ما يستعينُ به المسلمون على مشابهتهم للكفار في أعيادهم، مِن الطعام واللباس ونحو ذلك؛ لأن في ذلك إعانة على المنكر .

وأما قبول الهدية من الكافر في وقت العيد المحرم فقرر ابن تيمية وغيره جواز قبول تلك الهدايا، وأنه لا تأثير للعيد في المنع من قبول هديتهم، بل حكمها في العيد وغيره سواء، لأنه ليس في ذلك إعانةٌ لهم على شعائر كفرهم.

خامساً: وإن من البلايا التي بُلِينا بها في هذه الأزمان أنك راءٍ من بعض الشباب افتتاناً بكافر من الكفار، وفي أروقة الرياضة والملاعب ستسمع عن العجب، فترى الشباب المسلم يهيم بذكره ويفعل كفعله ويلبس كلبسه، وتلك بلية ورزية، فماذا يجعل ابن الإسلام يعجب بامريء كافرٍ يخالف أمر الله، ويقول بأن لله ولد، وأنه ثالث ثلاثة، إن الأمر ليس باليسير، وإن القضية لها مساس بالدين والمعتقد، فما وقر في القلب حبُّ كافرٍ إلا لخللٍ في القلب، وعقيدةُ المسلم توجب عليه أن يتدين لله ببغض الكافر ولو قرب، وحب المسلم ولو بعد

وبعد أيها الكرام: فهذه إلماحةٌ لموضوع غاية في الأهمية، واليقين أن المسلم لابد أن يكون متميزاً عن غيره في أموره، ينأى بنفسه عن الكفار، فلا يشابههم في عقيدة، ولا يوافقهم في عبادة، ولا يتشبه بهم في عادات وأخلاق وسلوك، فتشريعه وتعبده وعاداته وأحواله كلها على نهج المسلمين .

اللهم أصلح قلوبنا واملأها بحبك وحب أولياءك

 

 

المشاهدات 1106 | التعليقات 0