تمامُ المنة- لمن شهد له بالجنة

خالد علي أبا الخيل
1437/04/20 - 2016/01/30 15:30PM
تمامُ المنة- لمن شهد له بالجنة
التاريخ: الجمعة: 19/ ربيع ثاني/1437 هـ
الحمد لله، الحمد لله الذي وفق من شاء فبشره بالجنة، وأشهد أن لا إله إلا الله يدخل من يشاء الجنة، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، قال أبو بكرٍ في الجنة: صلى الله عليه وعلى آله وصحبه خير من اشتاقوا للجنة.
أما بعد-:
فاتقوا الله رب الإنس والجِنّة، فتقواه وقايةٌ وحمايةٌ وجُنه، أيها المسلمون مضى معنا في جمعةٍ قبل الماضية عنوانها: تبشير الأمة بموجبات الجنة. وفيها خمسٌ وستون خصلة.
أما موضوع خطبتنا هذه له علاقة بالخطبة الماضية، وذلك أن الإنسان عرف الأسباب الموجبة لدخول جنة رب الأرباب، فقد يسأل ويسائل هل هناك على هذه الأرض مبشرٌ بالجنة؟ ونقطع أنه من أهل الجنة. فلعلكم تتشوقون من هم؟ وما هي خصالهم؟ وهل هم معروفون بأسمائهم وأعيانهم؟ الجواب: نعم، فقد بشر الرسول فئة بأنهم من أهل الجنة، وقبل الذكر لجملةٍ من هؤلاء شحذًا للهمم، وتأسيًا بالقوم، ورغبةً في الجنة، ورفعة للأمة، من معتقد أهل السنة والجماعة أنهم لا يشهدون لأحدٍ بجنةٍ ولا نار إلا ما جاء النص في القرآن وصح في سنة المختار.
والشهادة بالجنة على نوعين:
شهادة بالوصف.
وشهادة بالشخص.
أما بالوصف: فأننا نشهد لكل مؤمنٍ، تقيٍ، صالحٍ أنه من أهل الجنة، كما قال سبحانه وبحمده: (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلًا)(الكهف:107)
وكما قال سبحانه في الجنة: (أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ) (آل عمران: 133) وأما الشهادة بالعين، وبالشخص نفسه فهذا لا نجزم بها إلا ما خصه الدليل، وإنما نرجو للمحسنين، ونخاف على المسيئين، وقد جاءت النصوص الصريحة، والأدلة الصحيحة بالشهادة لقومٍ بالجنة، فاسمعوا ذكرهم، وتأسَوّا بهم، واقتفوا آثارهم، وارفعوا هممكم واسألوا ربكم.
فمن هؤلاء: العشرة المبشرون بالجنة، وهم: (أبو بكرٍ في الجنة، وعمر في الجنة، وعثمان في الجنة، وعلي في الجنة) وهؤلاء هم الخلفاء الأربعة، وطلحة بن عبيد الله في الجنة، والزبير بن العوام في الجنة، وسعد بن أبي وقاصٍ في الجنة، وعبد الرحمن بن عوفٍ في الجنة، وعامر بن الجراح أبو عبيدة في الجنة، وسعيد بن زيدٍ في الجنة.
جمعوا في بيتٍ واحدٍ هم: طلحة، وابن عوف، والزبير إلى أبي عبيدة والسعدان، والخلفاء.
ومن المشهود لهم بالجنة أخوة الكتاب والسنة: بلال بن رباح مؤذن رسول الله، فقد قال له  ذات يوم: (رأيتني دخلت الجنة، وسمعت خشفةٍ فقلت من هذا؟ فقال: هذا بلال، وقال حدثني بأرجى عملٍ عملته، فإن سمعت الليلة خشف نعليك بين يدي في الجنة، فذكر أنه ما تطهر من ليلٍ، أو نهارٍ إلا صلى ما كتب له) وفي رواية: (إلا صلى ركعتين).
ومن هؤلاء أيها الأخوة الأوفياء: زيد بن حارثة، والد أسامة بن زيد، الحبُ ابن الحِب لرسول الله، قال له رسول الله: (دخلت الجنة فاستقبلتني جاريةٌ شابة، فقلت: لمن أنتِ؟ قالت: أنا لزيدٍ بن حارثة) وكذا حاطب بن أبي بلتعة، وذلك أن عبدًا لحاطب، جاء نبي الله صلى الله عليه وسلم يشكوا حاطبا، فقال: (يا نبي الله لا يدخلن حاطبٌ النار، فقال رسول الله : كذبت، لا يدخلها إنه قد شهد بدرًا والحديبية) كما رواه مسلمٌ رحمه الله.
والرابع عشر أيها المشعر: عكاشة بن محصن، فهو من السبعين الألف الذين يدخلون الجنة بغير حسابٍ، ولا عذاب، كما في البخاري ومسلم عليهما رحمة الله.
الخامس عشر: سعد بن معاذ فاسمعوا إلى منقبته، وشهادة رسول الله له، قال كما روى الشيخان: (لما أوتي رسول الله  بثوبٍ من حريرٍ فجعلوا يعجبون من حسنه ولينه، فقال: لمناديل سعدٍ بن معاذٍ في الجنة خيرٌ منها وألين).
ومنهم: ثابتٌ بن قيس بن شماس، خطيب الأنصار والناس، بل هو خطيب رسول الله ، فذات يوم افقده رسول الله، فقال رجلٌ يا رسول الله: (أنا أعلم لك علمه، فأتاه فوجده جالسًا في بيته، منكسًا رأسه فقال: ما شأنك؟ فقال: شرٌ) كان يرفع صوته فوق صوت النبي ، فقد حبط عمله وهو من أهل النار، فأتى الرجل فأخبره أنه قال كذا وكذا، فقال: (اذهب إليه وقل له: إنك لست من أهل النار؛ ولكنك من أهل الجنة) فكان سعد بن معاذ يقول: (كنا نراه يمشي بين أظهرنا رجلٌ من أهل الجنة).
والسابع عشر ممن في مقعد صدقٍ عند مليك مقتدر: حارثة ابن سراقة، أول قتيلٍ قتل ببدرٍ من الأنصار، ففي البخاري لما أصيب يوم بدرٍ، وهو غلام جاءته أمه إلى النبي  ، وقالت: (عرفت منزلة حارثة مني، فإن يكن في الجنة اصبر واحتسب، فإن يكن في الجنة اصبر واحتسب، وإن تكن الأخرى ترى ما أصنع، فقال: ويحك يا أم حارثة أو هَبلتِ أجنةُ واحدة هي؟! إن هي إنما جناتٌ كثيرة، وإنه في الفردوس الأعلى) وفي رواية: (إنها جنان، وإن ابنك أصاب الفردوس الأعلى).
ومن هؤلاء المشهود لهم بالجنة، وتلك نعمة ومنة: حارثة بن النعمان -رضي الله عنه-، فعند أحمد -رحمه الله- عن رسول الله قال: (نمت فرأيتني في الجنة فسمعت صوت قارئ يقرأ، فقلت: من هذا؟ فقالوا: حارثة بن النعمان، فقال رسول الله : كذاك البرُ، كذاك البرُ) وكان أبر الناس بأمه.
والتاسع عشر:سهل الله علي وعليكم الموقف يوم المحشر-: عبد الله بن سلام، عبد الله بن سلام رضي الله عنه، فروى الشيخان عليهما الرحمة والرضوان عن سعد بن أبي وقاص قال: (ما سمعت النبي  يقول لأحدٍ يمشي على الأرض إنه من أهل الجنة إلا لعبد الله بن سلام).
والعشرون أيها المؤمنون: حمزة بن عبد المطلب، فقد أخبر عليه الصلاة والسلام (أنه دخل الجنة، وإذا حمزة مُتكئٌ على سرير) وهو المسمى أسد الله، وأسد رسوله، يقول فيه عبد الله بن رواحه:

بكت عيني وحُق له بُكاها
*** وما يغني البكاء والعويلُ

على أسد الإله غداة قالوا
*** أحمزة ذاكم الرجل القتيلُ

أصيب المسلمون به جميعًا
*** هناك وقد أصيب به الرسولُ

أبا يعلى لك الأركان هدت
*** وأنت الماجد البر الوصولُ

عليك سلام ربك في
*** جنانٍ يُخالطها نعيمٌ لا يزولُ


ومنهم –جعلني الله وإياكم منهم-: جعفر بن أبي طالب، ولهذا رآه رسول الله يطير مع الملائكة، ويطير في الجنة بجناحين، وكذا الحسن والحسين، فهما سيدا شباب الجنة، كما رواه أحمد والترمذي، وابن ماجه والنسائي.
ومن هؤلاء الأنام: عمرو بن الحُمام، ففي غزو بدرٍ قال رسول الله : (قوموا إلى جنة، قوموا إلى جنة، قوموا إلى جنةٍ عرضها السماوات والأرض، فقال: بخٍ بخٍ، فقال رسول الله: ما يحملك على قولك بخٍ بخٍ؟ قال: لا والله يا رسول الله إلا رجاء أن أكون من أهلها، قال: فإنك من أهلها، قال: فأخرج تمرات من قرابه، فجعل يأكل منهن، ثم قال: لئن أنا حييت حتى أكل تمراتي هذه إنها لحياةٌ طويلة، قال: فرمى بها ثم قاتلهم حتى قتل) -رضي الله عنه- وأرضاه.
ومنهم: زيد بن عمرو بن نُفيل، يقول رسول الله: (دخلت الجنة فرأيت لزيدٍ بن عمرِ بن نفيل درجتين) وزيدٌ كان يدعو إلى التوحيد في الجاهلية، وكان على ملة إبراهيم الحنيفية.
وأبو الدحداح –جعلني الله وإياكم من أهل الصلاح- هو الذي تصدق ببستانه من أجمل، وأفضل أمواله، فقال فيه رسول الله: (كم من عذقٍ معلقٍ لأبي الدحداح في الجنة) كما رواه مسلم رحمه الله في صحيحه.
ومنهم: ورقة بن نوفل، قال فيه الرسول وأعلن: (لا تسبوا ورقة بن نوفل فأني رأيت له جنة أو جنتين) رواه الحاكم رحمه الله. وورقة ممن آمن بالرسول وصدقه، وتمنى أن يدرك ظهور أمر رسوله، لينصره، ويشد أزره.
قلت ما سمعتم واستغفر الله لي ولكم فاستغفروه إنه هو التواب الرحيم.
الخطبة الثانية-:
الحمد لله حمدًا حمدا، والشكر لله شكرًا شكرا، أخوة الإسلام: وللنساء حظٌ بدخول دار السلام، فقد شهد رسول لأعدادٍ كثيرة منهن -رضي الله عنهن-.
فمنهن: خديجة رضي الله عنها، فذات مرة أتى جبريل النبي  فقال: (يا رسول الله هذه خديجة، هذه خديجة قد أتت معها إناء فيه إدام أو طعام، فإذا هي أتتك فأقرئ عليها السلام من ربها، ومني وبشرها بالجنة، وبشرها ببيتٍ في الجنة من قصب لا صخب فيه ولا نصب) متفق عليه.
ومنهن رضي الله عنهن: فاطمة ابنته  ، فقد قال لها رسول الله  ،لما سارها فبكت (أما ترضين أن تكوني سيدة نساء أهل الجنة أو نساء المؤمنين فضحكت لذلك) متفق عليه.
ومن النساء المشهود لهن بالحسنى: أم سليم بنت ملحان، فقد روى البخاري مرفوعًا (رأيتني دخلت الجنة، فإذا أنا بالرُميصاء امرأة أبي طلحة) بنت ملحان أم انس بن مالك) رضي الله عن الجميع.
ومنهن الفاضلة الكاملة الصديقة أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها- وعن أبيها، ففي المستدرك عند الحاكم، وابن حبان من حديث عائشة -رضي الله عنها- قالت: (يا رسول الله من أزواجك في الجنة؟ قال: أما إنك منهن، قالت: فخيل لي أن ذلك لم يتزوج بكرًا غيري) ويقول عمار بن ياسر -رضي الله عنه-: (إني لأعلم أنها زوجته في الدنيا والآخرة) وليس هناك خلاف، إلا لأهل البدع والطوائف الضالة كالمبتدعة والرافضة.
ومنهن: الصحابية الجليلة صاحبة العفة والستر والسمات الجميلة، وهي مجهولة الاسم؛ لكنها معروفة الخلق والقيم، فعن عطاء بن أبي رباح قال: قال لي ابن عباسٍ رضي الله عنهما: (ألا أريك امرأة من أهل الجنة، فقلت: بلى، فقال: هذه المرأة السوداء أتت النبي  فقالت: أني أصرع، وإني اتكشف فادعو الله لي، قال: إن شئت صبرت ولكِ الجنة، وإن شئت دعوت الله أن يعافيك فقالت: اصبر، فقالت: إني اتكشف فادعو الله لي أن لا اتكشف، فدعى لها) متفقٌ على صحته.
والخلاصة: اثنان وثلاثون ممن شُهد لهم بالجنة جعلني الله وإياكم من أهل الجنة، جعلني الله وإياكم من أهل الجنة، ووالدينا ووالديهم وأزواجنا وأولادنا، وجميع المسلمين والمسلمات، والمؤمنين والمؤمنات، الأحياء منهم والأموات، فهذا ما تيسر ذكره وإيراده، وما وقفت عليه وتبيانه، ولا يعني هذا العدد أنه على سبيل التنصيص أو الذكر والتخصيص، وإنما ما ذكر جاء به النص الصريح، والدليل الصحيح، وقد شهد النبي لخلائق بالجنة على سبيل العموم كأهل بدرٍ وأهل بيعة الرضوان، وكان عدد أهل بدرٍ بضعة عشر وثلاثمائة وهم من أهل الجنة كما قال: (لعل الله أطلع إلى أهل بدرٍ فقال: اعملوا ما شئتم فقد وجبت لكم الجنة، أو فقد غفرت لكم)، وأما أهل بيعة الرضوان، فكان عددهم ألف وأربعمائة (فلا يدخل النار أحدٌ بايع تحت الشجرة).
فأهل السنة والجماعة يشهدون إلى من شهد له بالجنة، بل ذهب بعض أهل العلم إلى أن جميع الصحابة من المهاجرين والأنصار في الجنة، حيث أن الله وعدهم (لا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُوْلَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقَاتَلُوا وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى)(الحديد:10) والحسنى: الجنة (لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ )(يونس:26)

وليس في الأمة كالصحابة في الفضل والمعروف والإصابة، فإنهم قد شاهدوا المختار وعاينوا الأسرار والأنوار، وجاهدوا في الله حتى بان سبل الهدى، وقد سمى الأديان.
صلوا على المختار فهو شفيعكم
*** في يومٍ يبعث كل طفلٍ أثيب

صلى وسلم ذو الجلال عليه ما أزكاه
*** في الرسل الكرام وأطيب


والله أعلم
المشاهدات 1234 | التعليقات 0