تكنولوجيا خطبة الجمعة.. متى؟

أبو عبد الرحمن
1431/08/20 - 2010/08/01 20:24PM
تكنولوجيا خطبة الجمعة.. متى؟

أحمد علي سليمان | 26-07-2010 00:03

يشهد العالَم المعاصر طفرات تكنولوجية متسارعة ومتلاحقة، استفاد منها النابهون في معظم مجالات الحياة، غير أن استفادة المؤسسات الدينية من هذا التطور مازالت محدودة.. إن التطور سنة من سنن الله -تعالى- في خلقه، وهو أمر طبيعي تقتضيه عوامل البقاء على هذا الكون.. فطرائق التدريس تتغير وتتطور وتتجدد، وأساليب التربية والتعليم تتطور، ووسائل عرض المعلومات تتطور، ووسائل الشرح تتطور.. وإن كانت الثوابت ثابتة لا تتغير، إلا إن التطور يلحق صور وأساليب تطبيقها على الواقع.
ومن هنا فتجديد شكل وطريقة عرض الخطاب الديني لا تقل أهمية عن تجديد مضامين هذا الخطاب؛ لأن الخطاب الديني الصحيح والمؤثر هو صمام أمان المجتمع.. ونعتقد أن الاجتهاد في هذا المجال يعد اجتهادا ضروريا، ومطلبًا متوازنًا، خصوصا إذا كان يؤكد على احترام هيبة الخطيب والخطبة بشكل عام، لاسيما في هذا العصر الذي يتسم بسرعة التطور والتعقيد، مما يضع على عاتق المؤسسات الدينية ومؤسسات إعداد وتدريب خطيب الجمعة -وهو المكلف ببث الوعي الديني للجماهير- عبئا كبيرًا لتنمية وتطوير أدواته وآلياته التي تمكنه من النجاح في القيام بمهمته، وليكون مسايرًا لمستجدات العصر..
ذلك أن استدعاء المشهد الإسلامي من لدن اعتماد النبي إشارات بعينها يسهم في القضاء على الهوة بين النظرية والتطبيق من خلال ضرب الأمثال وتقريب المشهد التاريخي من خلال الصور والخرائط والرسوم وغيرها، للشعائر والفرائض والأركان، ويرسخ الأبعاد المعرفية لدى المتلقي لتظل وثيقة حاضرة في ذاكرة المسلم..
والسؤال الذي يفرض نفسه هنا: إذا كان التطور سنة كونية، فلماذا لا نطور الخطاب الديني شكلا ومنهاجًا؟ وإذا كنا ندعو إلى تطوير المضمون، فهل تطوير الشكل يصبح عيبا أو حراما؟!
وإذا كان الكثير من العلماء قد تكلم في تطوير محتوى الخطاب الديني ومضمونه، إلا أنهم تجاهلوا تطويره من حيث الشكل والأسلوب والوسائط المساعِدة على بسط آفاقه وتوسيع مجالاته، ولذلك سأركز على معالجة هذه الحلقة المفقودة... فمن المعلوم لدى علماء التربية والإعلام وغيرهم أن الصورة في التعلم، تكون أبقى أثرًا في الذاكرة من الكلام والنصوص، وأشد وقعًا وتأثيرًا على المشاعر والوجدان، وأسعف وأسرع في الاستدعاء.. والصورة في الصحافة تساوي ألف كلمة.. كما أن إعمال العديد من الحواس لدى المتلقي يجعله في حالة ترقب، مما يجعل خطبة الجمعة أكثر تشويقا ومناسبة لمختلف المستويات الثقافية والاجتماعية. وهكذا فمن الحكمة أن نستخدم كل ما يعين على الفهم، وما يزيد في البيان، فلا نكتفي بحاسة واحدة هي حاسة السمع، فليشترك البصر، وإعمال الفكر، وغيرها في الاستعداد الكامل للتلقي والتفاعل، ولكي يتأكد موضوع الوضوح والتأثير في الخطاب، فإن الله –تعالى- لم يرسل رسولاً إلا بلسان قومه، (وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلاَّ بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ)، فلابد إذن أن يفهموه، بشتى الوسائل التي من شأنها تحقيق هذا الهدف.. وتأكيدًا على هذه المعاني فقد لفت الله تعالى أنظارنا إلى التأمل والتدبر بشتى حواسنا في كتاب الله المنظور "الكون" بما يحويه من مشاهد، ودلائل القدرة الإلهية، وآيات كونية تدل على قدرته وعظمته لتظل حاضرة في كينونة المسلم.
ومن أجل ذلك استخدم النبي  الوسائل التوضيحية المتاحة في عصره وهو يُعَلِّم أصحابَهُ:
- فتارة يراه الصحابة وهو يمسك عودًا ويخط خطًا مستقيما على الأرض، ثم يخط خطوطًا متعرجةً، ويقول لأصحابه: أتدرون ما هذه الخطوط، فيقولون: الله ورسوله أعلم. فيقول: الخط الأول هو طريق الله تعالى، أما الخطوط المتعرجة فهي طرق الشيطان.
- وتارة ثانية يشير بإصبعيه السبابة والوسطى وهو يقول (أنا وكافل اليتيم في الجنة هكذا، وأشار -بإصبعيه- السبابة والوسطى وفرج بينهما شيئا) في إشارة واضحة منه  أن من يكفل اليتيم سيكون قريبا منه في الجنة.
- وتارة ثالثة يراه الصحابة الكرام، وقد أخذ  ذهباً بيمينه، وحريرًا بشماله، وقال: (هذان حرام على ذكور أمتي، حل لإناثها).
- وتارة رابعة يعلم أصحابه المنهج العلمي في كيفية الرفق بالحيوان -وهذه دعوة محسوسة- عندما كان يأكل تمرًا بيمينه، ويضع النوى في يساره ويعلف به ناضحه -أي الكبش- ويمسح على رأسه رحمة به، ويُعلم أصحابه ذلك.
- وتارة خامسة ينـزل  من على المنبر ليحمل الحسن والحسين رحمة بهما، وليعلم المسلمين فضيلة الرفق.. وهكذا فإن هذا الاقتراح ليس بدعًا في الدين، بدلالة الشواهد السالفة، وغيرها كثير..
ويبقى السؤال المطروح: إلى متى سنظل بعيدين عن الاستفادة من المنجزات والتطورات والوسائل التكنولوجية الحديثة التي هدى الله البشرية إليها، والتي يمكن أن تدعم عرض مفاهيم عقيدتنا، وفقه شريعتنا في المساجد والمراكز الإسلامية.. وبخاصة في خطبة الجمعة التي يشهدها جمع كبير من المسلمين بصورة منتظمة.
بمعنى: لماذا لا تُستخدم الوسائل الحديثة كالصور الثابتة -غير المحرمة- والرسوم والمجسمات والماكيتات والخرائط ومقاطع الفيديو والصوتيات.. وغيرها من الوسائل المتاحة والتي قد تستجد مستقبلا، في خطبة الجمعة، التي تعد الرافد الأول من روافد الثقافة الدينية لجماهير المسلمين؟ على أن تستخدم هذه الوسائل بطريقة راقية بحيث لا تخل بجلال الخطيب والخطبة وهيبتها..
وثمة موضوعات كثيرة جدًا تحتاج وبشدة إلى استخدام الخرائط والرسوم والجداول ومقاطع الفيديو والصوتيات، فعلى سبيل المثال: نجد أن المستمع لخطبة الجمعة عن شعائر الحج مثلا لا يسعفه تخيل المشاهد والأماكن والشعائر عبر الكلام فقط، ومن ثم لا يتمكن من أداء الحج أو العمرة بطريقة صحيحة بمفرده.. كأحد علماء الدين الذي سعى بين الصفا والمروة أربع عشرة مرة في أول عمرة يؤديها..!!. أما لو قام خطيب الجمعة المدَرب باستخدام الوسائل التكنولوجية في عرض بعض الصور أو لقطات الفيديو للأماكن التي تتم فيها مناسك الحج، فيكون بذلك قد استطاع أن ينقل المصلين نقلة نوعية، حيث إن هذه اللقطات التي لا تتجاوز الدقائق المعدودة أجدى وأنفع وأثبت من عشرات الخطب المجردة؛ لأنه ليس من رأى كمن سمع، ومن ثم يستطيع أن يغرس أركان الحج ومناسكه في عقولهم ووجدانهم، على عكس الكلام النظري الذي "يتبخر" من الذاكرة سريعا.. والرسول  قد أحال أصحابه في مواقف كثيرة إلى التدريب العملي لرسوخ أثره وثباته في ذاكرة البشر طويلا، فكان يقول لأصحابه: "صلوا كما رأيتموني أصلي"، وقال: "خذوا عني مناسككم".
كما أن الأحاديث في سلسلة طويلة من الموضوعات كالإعجاز العلمي والأضحية والجهاد والغزوات التي غزاها الرسول  تقتضي أن تكون مصحوبة ببعض الخرائط والصور والمشاهد التوضيحية التي توضح طبيعة المكان وجغرافيته، والتحديات الجسام التي كانت تواجه المسلمين الأوائل في سبيل نشر الإسلام والذود عن حياضه، والامتداد الجغرافي لأرض الإسلام واطراد توسعها..
وقد رأيت بعيني رأسي من نافذة الطائرة التي كانت تسير بنا بين المدينة المنورة ومكة المكرمة –ذات يوم-، رأيت جبالا سوداء كبرى وشديدة الوعورة، تغطي معظم المسافات بين مكة والمدينة، فقلت في نفسي: يا لعظمة محمد وأصحابه الكرام الذي قطعوا هذه المسافات في هذه المناطق الوعرة، وذاقوا الأمَرين من أجل الإسلام في الهجرة المباركة وغيرها.. وأعتقد أنه لو نُقلت هذه المشاهد على ما هي عليه للمصلين بطريقة تؤكد على جلال الخطيب وجلال الخطبة، لأحدثت نوعًا من القرب مع الله، وعدم التفريط أو التساهل في شرع الله..
وإذا كان الهدف من خطبة الجمعة هو القضاء على ظاهرة اللاوعي المظلم إلى بث الوعي الديني المنير، وإثراء الثقافة الإسلامية، وتبصير الناس بأمور دينهم، وتنظيم العلاقات بين الناس وفق ما قرره الله –تعالى-، فإن الكل يُجمع على أن خطب الجمع وما أكثرها، قد فقدت قدرتها على التأثير، وأمسى الكثير منها غير مؤثر وغير محقق للهدف، كما تتسم بالتكرار الممل.. والرتابة التي تصرف المصلين عن الاهتمام بها. ومن هنا فإن تعظيم الاستفادة منها بشتى الطرق والوسائل التي تحفظ هيبتها وتؤكد عليها من الأهمية بمكان، لاسيما وأن من حق ديننا علينا أن نبلغه على أفضل وجه، ومن الحكمة والبصيرة أن يكون خطابنا مناسبًا للمدعوين ومؤثرًا فيهم..
وأرى أن هذه الفكرة في حالة تطبيقها ستقضي على ظاهرة التخبط والعشوائية وعدم التحضير لدى الكثير من الخطباء، وتؤسس فيهم منهجية جديدة يستطيعون من خلالها مسايرة العصر، كما أتوقع أن تؤدي الفكرة أيضا إلى تقليل زمن الخطبة بصورة كبيرة..
وإن ما نقترحه من استخدام آليات تكنولوجية جديدة في خطبة الجمعة لهو أمل طموح في تحديث أدوات الخطيب والداعية بشكل عصري غير ممتهن، خروجًا عن النمطية والجمود؛ ليكون التواصل الفاعل مع الجماهير هو سمة المرحلة، ودعما لمرونة الفقه وقابليته للجديد النافع بمنطلقات ومرتكزات العصر، لنضمن لهذا الخطاب مقومات بلوغ الهدف من خلال الوضوح والبساطة والإقناع ومن ثم النجاح، كل ذلك باستخدام العلم في خدمة قضايا الفكر الديني، ولن يتأتى ذلك إلا بإزالة الحواجز التي صنعها البعض بين الدعاة وبين الابتكار والتجديد..
ويمكن أن تنفذ هذه الفكرة مرحليا في عدة مساجد كبرى، بعد تدريب الخطباء والدعاة، ثم تأتي مرحلة التقييم والتنقيح، تمهيدًا لتعميمها، خصوصًا وأن الفكرة لا تتطلب إلا بعض الأجهزة الميسرة مثل: (الكمبيوتر، والبروجوكتور، وشاشة عرض بسيطة).. ويمكن لوزارة الأوقاف عمل مشروع يضم نخبة من كبار العلماء وخبراء الاتصالات ووسائل الإعلام، لإنتاج المواد التي يتطلبها المقترح، ثم نسخها وتوزيعها على إدارات الأوقاف في شتى أنحاء الجمهورية، وبذلك يكون لمصر الأزهر قصب السبق في تنفيذ هذه الفكرة وتعميمها، التي يتوقع لها أن ترفع الوعي الديني والوعي بقضايا المجتمع.. وأعتقد كما يعتقد غيري من الباحثين وأساتذة الأزهر الشريف وغيرهم أن نهوض الأوقاف بتنفيذ هذه الفكرة لهو أولى وأنفع وأجدى من تنفيذ فكرة الآذان الموحد، تلك الفكرة "الخائبة" التي ندعو الله لها ألا تنجح، لأنها في نظري مخيلة ومضيعة لأموال الواقفين ولأموال المسلمين، ومخالفة لشروط الواقفين.. وأقول للسادة أصحاب فكرة الآذان الموحد في الأوقاف ليس من العيب الخطأ، ولكن العيب في التمادي فيه، وحشد الأفكار الخاوية لتأييدها..
مع الأخذ في الاعتبار أن فكرة تطوير خطبة الجمعة لا تتعارض إطلاقا مع الشريعة -بدلالة الشواهد السابقة وبشهادة عدد كبير من كبار العلماء والدعاة الذين كتبوا لي بخط أيديهم تأيدهم الكامل لها- بل تنسجم وتتواءم مع عالميته الرسالة الإسلامية وحيويتها ومرونتها واستيعابها للمستجدات..
وفي النهاية: أؤكد أننا لا ندعو إلى الابتداع في الدين.. ولكن ندعو إلى إعمال العقل والاجتهاد ومسايرة العصر بأدواته وآلياته، من أجل إبراز مقاصد الإسلام بصورة واضحة.. إن التجارب الدعوية الحية التي شرفني الله بها –على مدى أكثر من عقدين- والتي قمت بها في مصر وأستراليا والدانمرك والسويد وهولندا وبلجيكا وفرنسا وغيرها من دول العالم، وما قمت به من استخدام وسائل إيضاح مبسطة وبطريقة مهذبة، أسهمت في تحقيق الفهم العميق لدى المصلين تجعلني أقف وبشدة وراء هذه الفكرة التي تؤكد حاجتنا الملحة إلى مسايرة العصر بأدواته وأساليبه بما يحقق أهدافنا وغايتنا في فهم الإسلام فهمًا جيدًا، وبآليات العصر التي لا تتعارض مع الإسلام.. وإنني لعلى ثقة كبيرة أن الله -عز وجل- لو قدر للنبي  أن يعيش هذا العصر الذي نعيشه الآن؛ لاستخدم الرسول  الإنترنت والباوربونت وغيرها من مستحدثات العصر، لتحقيق فهم أرقى وأوضح وأشمل للرسالة الإسلامية، ولتوضيح وتحقيق مقاصدها السامية.. كل ما أرجوه من القارئ الكريم التأني والتفكير العميق في الفكرة، وتغليب مصلحة الإسلام.. والبعد عن العواطف والأهواء..
* * * روجع/أحمد/ 24-7-2010/ن/

• المدير التنفيذي لرابطة الجامعات الإسلامية

http://www.almesryoon.com/news.aspx?id=35583
المشاهدات 5142 | التعليقات 5

ترف علمي قد لا تحتاج خطبة الجمعة إليه إذا أديت كما ينبغي ، بلغة فصيحة ولهجة صادقة ، واتقى الخطيب ربه فيما يقول ، وأرعى المأموم سمعه لما يتلى ، وتأدب الجميع بآداب الشرع التي هي مبثوثة في دواوين السنة عن ذلك اليوم المبارك يوم الجمعة .


أما أن لا يؤدي الخطيب خطبته كما ينبغي ، ثم يأتي المأموم وقد ذهب من الخطبة نصفها أو أكثر ، ويدخل كثيرون غير متأدبين بآداب الشرع من نظافة وتطيب وتبكير ... إلخ ، ثم نلقي باللوم على طريقة الخطبة وأنها قديمة وأنه لم يستغل فيها التقدم ولم تستخدم وسائل التقنية و... و ... إلخ ، فما أظن هذا الكلام بمتجه لمن تأمله بإنصاف !!


وخطبة الجمعة عبادة ، يجب أن تؤدى كما أداها القدوة والأسوة محمد بن عبدالله ـ صلى الله عليه وسلم ـ بعيدًا عن الاجتهادات الشخصية التي قد تخرجها عما شرعت له .


وعلى كل من أراد اقتراح شيء مما يراه تقدمًا بالخطبة نحو الأمثل أن يراعي أن " من مس الحصى فقد لغا " وقول عمارة بن رويبة ـ رضي الله عنه ـ وقد رأى بشر بن مروان على المنبر رافعًا يديه ، فقال : قبح الله هاتين اليدين ، لقد رأيت رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ما يزيد على أن يقول بيده هكذا ، وأشار بأصبعه المسبحة . رواه مسلم .

أعني أن كل حركة في تلك العبادة سواء من الإمام أو المأموم فهي محسوبة . وهل يجد أحدنا أقل من مس الحصى لغوًا ، أو أكثر من تحريك اليدين للإشارة وتمثيل المعنى ؟! فكيف بحركات تستدعيها بعض الاقتراحات التي ما فتئنا نقرؤها بين حين وحين ؟؟!!



وأخشى أن يأتي من يقول في يوم ما : يجب أن تكون خطبة الجمعة تفاعلية على طريق السؤال والجواب ، ويعطى كل مستمع لوحة مفاتيح ليكتب سؤاله ، ويكون لدى الخطيب شاشة تعرض عليه فيها الأسئلة والاقتراحات وهو يخطب ، ليتولى إشباع رغبات كل الجالسين والقضاء على كل ما لديهم من تساؤلات ... إلخ .


إن خطبة الجمعة تذكرة وموعظة ، وليست شرحًا وافيًا لكل شيء ، أو استطرادًا مع المسائل والتفاصيل ، وعرضًا للخلافات وطرحًا للترجيحات ، وهب أن ثمة من لم يدرك ما قاله الخطيب ، أو فاته فهم حكم ما ، أو لم يورد الخطيب ما في نفسه أن يعرفه أصلاً ، فليس الحل بأن نقول للخطيب :
أشبع جميع الرغبات ، وهات جميع التفصيلات ، وإنما ثمة حلول أمام كل من أراد أن يتوسع ويتفقه ممن أثارت الخطبة لديه تساؤلاً أو إشكالاً ، إذ من الممكن أن يتوجه بعد الصلاة إلى الخطيب ، ويستفسر عما أشكل عليه ، ويناقش فيما أراد استيضاحه ، وليس من الضرورة أن يجيبه الخطيب عن كل تساؤلاته ، بل قد يحيله إلى من هو أعلم منه ، أو يرجئ سؤاله لحين يستوفيه بحثًا ، وقد يجعله مادة لخطبته في جمعة قادمة وهكذا .


إن من الناس من هو شغوف بالتغيير للتغيير فقط ، لا لأنه يتوقع من هذا التغيير الظاهري تغييرًا داخليًّا ، ولكن لأنه عاش في عصر تتسارع فيه التغييرات تسارع البرق ، فتولدت لديه ملكة متابعة المتغيرات ، وصار ديدنه الملل من أي شيء ثابت ، في حين أن من المتقرر أنه ليس كل تغيير هو صحيح ولا محمود ولا منزوع إليه ، بل ثمة أمور جاء بها الشرع تامة وأكملها الشارع الحكيم وأمر بالثبات عليها وذم التغيير فيها ، بل عده افتياتًا على الشارع الحكيم ، وأدخله في حيز البدعة ، فلا مجال للتغيير حينئذ ، بل لا يتوقع منه إلا الإفساد .


وقد أكون مبالغًا أو جانحًا عن الصواب فيما كتبت ، ولكن ، هل من المعقول أن يأتينا يومًا ما من يقول : لماذا لا نغير من ركعات الصلوات حتى يشعر المصلي بالتجديد ومن ثم يخشع ، أويقول قائل : لماذا لا نجعل أمام المصلي شاشة يقرأ منها الآيات والأذكار ويرى عرضًا بالباوربوينت لصفة الصلاة وهو يصلي ليطبق مباشرة ... و...و... إلخ ؟!



إن موضوع التغيير والتجديد في خطبة الجمعة ووسائل إلقائها ينبغي أن يمر بالعلماء الراسخين قبل أن تبسط له موائد المناقشة في الصحف أو المنتديات ، أو تتبع فيه الرغبات الشخصية والميول الذاتية .


والدين كامل ، ولا حاجة بنا إلى أن نضيف عليه من تلقاء أنفسنا ما نتوقع أن يكون مصلحة وهو عين المفسدة بالنظر إلى مآله وما ينتهي إليه .


" اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينًا "


اللهم إنا نسألك الثبات في الأمر ، والعزيمة على الرشد ، والغنيمة من كل بر ، والسلامة من كل إثم .


مساك الله بالخير يا شيخ عبدالله

أشكرك يا شيخ عبد الله على هذا الطرح الجميل والحجة القوية والإقناع الرائع.


ترف علمي قد لا تحتاج خطبة الجمعة إليه إذا أديت كما ينبغي

هذه هي الزبدة ...


[align=justify]أرى أن الكاتب وفقه الله تعالى قد استشهد بشواهد على مطلوبه ومقترحة، ومحل المناقشة معه في نظري في موضعين :
أحدهما: هل هذه الشواهد كانت في خطبة الجمعة أم أن بعضها في المقابر، وبعضها في جلسات النبي صلى الله عليه وسلم مع أصحابه وليست على المنبر.
الثاني: إذا ثبت كونها في خطبة الجمعة فهل يقاس عليها ما ذكره الكاتب من وسائل التكنولوجيا بحكم أنها وسيلة والنبي صلى الله عليه وسلم استخدم الوسيلة في خطبة الجمعة أم يقال نقتصر على الوارد فقط من الوسائل، وهنا تأتي مسألة وسائل الدعوة وهل هي اجتهادية أم توقيفية.

في نظري أن بعض التعليقات الواردة تحمِّل المقال ما لا يحتمل، ومسألة مس الحصى متعلقة بالمأمومين وليست متعلقة بالإمام، والكلام في الخطبة نص الفقهاء على جوازه للإمام ومن يكلمه الإمام بدليل: أصليت ركعتين قال لا قال قم فصل ركعتين، وحديث الأعرابي الذي خاطب النبي صلى الله عليه وسلم في الخطبة وقال: يا رسول الله هلك الأموال وأنقطعت السبل إلى آخره، وكلاهما في الصحيحين.


وأرى أن التوسط في هذه القضية مطلوب فليس من المناسب أن يطالب الخطباء بالإحداث البعيد عن الشرع في هذه الوسائل، كما أنه ليس من المناسب أن نرمي بالثقل واللائمة على المستمعين ونُخلي الخطيب من المسئولية، فالخطيب مطالب بتطوير لغته وأساليبه وتحضيره، وهناك علم يدرَّس للإقناع والتأثير وإثارة الأهواء والميول فينبغي على الخطيب أن يدرس هذه الأمور، ويعطي خطبته الوقت اللائق بها، ويأخذ الكتاب بقوة ويحمل الأمانة بحقها؛ لنحصل بهذا المزيج على خطبة مؤثرة ومستمعين متأثرين ومستفيدين.

[/align]