تقرير: العرب والمسلمون في أيسلندا

تقرير: العرب والمسلمون في أيسلندا


كانت الشمس ساطعة في أيسلندا وضوءها كأنه وقت العصر حين اتصلت "العربية.نت" الأحد 18/4/2010 برئيس الجمعية الإسلامية الوحيدة هناك، وهو الحاج سلمان التميمي. لكن الساعة كانت التاسعة ليلاً في البلاد التي ملأت الدنيا وشغلت البال منذ ثار أحد براكينها وتقيأ من فوهته حمماً وغيوماً من الغبار سببت ذراتها الناعمة بنوع من الذعر جديد، وبخسائر بمئات الملايين من الدولارات من شلل حل في معظم مطارات أوروبا.
ومنذ بداية الحديث مع الحاج سلمان يشعرك بأنه يستغرب الاتصال الهاتفي، لأنه يعيش في بلاد لا تغري أحداً بما يسيل له اللعاب، فهي جليد بجليد صيفاً وشتاءً، وشمسها أبخل من بخلاء الجاحظ في كتابه الشهير، وهي معزولة عن العالم من إرهاب مناخها الزمهريري منذ استوطنها أول إنسان يقولون إن اسمه كان إنغولفور أرنرسون قبل ألف و130 سنة.

ومع أن أيسلندا، البالغ عدد سكانها 325 ألف نسمة، تعيش القرن الواحد والعشرين بكل ما فيه من وسائل الاتصال والتقدم، إلا أنها لا تعير اهتماماً لما يجري حولها من قلق سببه غبار تطاير من بركانها ووصل إلى أوروبا مهدداً طائراتها بالأسوأ فيما لو حلقت وأقلعت من المطارات، لأنها لا تعيش هذه المشكلة على الإطلاق، مع أن البركان ذو الفوهات الثلاث يقع في أراضيها بالذات، والسبب أن التيارات الهوائية حملت ذرات الغبار البركاني واتجهت بها بعيداً عن أيسلندا، وبشكل خاص عن العاصمة ريكيافيك حيث يقيم أكثر من 150 ألف نسمة، لذلك تهبط طائرات الركاب وتقلع من 4 مطارات في البلاد بلا قلق ومن دون أي مشكلة.

شمس الإسلام في بلاد الصقيع والنار

هذا الاطمئنان حمل الحاج سلمان التميمي، وهو فلسطيني مولود بالقدس قبل 55 سنة، أن يتحدث إلى "العربية.نت" بهدوء المطمئن، لأن أيسلندا تعيش بعيداً عن خطر بركانها نفسه، ثم راح يقوم بتفصيل عدد العرب في أيسلندا طبقاً لجنسياتهم. فذكر أنهم 200 عربي تقريباً، "منهم واحد ليبي وآخر سوداني و4 أردنيين و5 لبنانيين و6 جزائريين و9 سوريين و10 مصريين و10 عراقيين و10 فلسطينيين و100 مغربي، إضافة إلى 8 فلسطينيات ومعهن 26 من أبنائهن الصغار، جاءت بهم مفوضية الأمم المتحدة للاجئين العام الماضي من مخيم في العراق للعيش كلاجئين في أيسلندا". وقال إنهن أرامل وهن بسن الزواج، لكن أحداً لم يتزوج بأي منهن حتى الآن.
وعلى ذكر الزواج، فإن الحاج سلمان الذي كان عمره 16 سنة حين سافر في 1971 إلى أيسلندا، والتي سبقه إليها شقيق له غادرها فيما بعد ويعيش الآن في السويد؛ هو أول من عقد زواجاً إسلامياً في تاريخ أيسلندا بين اثنين من مواطنيها يعتنقان الدين الحنيف.
كان ذلك في مايو (أيار) العام الماضي حين قام بدور المأذون وعقد قران هيغالتي بيورن فالنثورسون وخطيبها جون هيلدورأيفرسدوتير، معلناً بذلك أول شروق شرعي لشمس الإسلام في بلاد الصقيع والنار. لكن الحاج سلمان تزوج إسلامياً أيضاً من أيسلندية اعتنقت الإسلام ورزق منها 4 بنات وابن واحد، لديه منهم 8 أحفاد.
يقول أيضاً إن عدد المسلمين بأيسلندا، التي تبلغ مساحتها 103 آلاف كيلومتر مربع، هو ألف مسلم تقريباً، بينهم 120 أيسلندياً اعتنقلوا الإسلام على مراحل. أما الآخرون فمن ألبانيا وكوسوفو والبلاد العربية. ثم قال: "ليس لدينا مسجد بل مصلى صغير يتسع لحوالي 50 شخصاً وهو تابع للجمعية، حيث أؤم الصلاة". وقال إن للمصلى والجمعية التي تضم 400 عضو مسجل تكاليف يتم تأمينها من تبرعات المسلمين، ومن مساعدات تقدمها الحكومة، وهي 500 كروناً، أي 5 دولارات شهرياً، عن كل عضو مسجل في الجمعية التي أسسها الحاج سلمان في 1997. ومن بعدها بسنتين حصل على أرض حكومية وفيها أقام أول مقبرة إسلامية، تضم الآن رفات 13 مسلماً: إيراني وسوداني وفلسطيني و10 مغاربة.

"كولومبوس العرب"

ويذكر الحاج سلمان، الذي درس علوم الكومبيوتر بجامعة ريكيافيك، أن أول عربي وطأت قدماه أرض أيسلندا هو مصري اسمه عمر، "أعرف أنه جاء إلى هذه البلاد عام 1958 بعد أن قام الزعيم المصري الراحل، جمال عبد الناصر، بتأميم الممتلكات الخاصة في مصر، ومنها أملاك كانت لعائلته، فغضب ورحل عن مصر واستقر به الحال كأول عربي يعيش في أيسلندا" كما قال.
وروى الحاج سلمان أنه نسي اسم عائلة "كولومبوس العرب" في أيسلندا، وقال: "والله لقد ذكرتني بالرجل.. إنه حي يرزق إلى الآن ويقيم في ريكيافيك وسأزوره، فقد أخبروني بأنه مريض، لكني لا أعرف مرضه، وهو كبير بالسن على أي حال، فعمره أكثر من 80 سنة، ولا أعتقد أنك ستستطيع التحدث إليه" وفق تعبيره.
كما ذكر أنه لا توجد في أيسلندا التي يصفها بأرض الأمان والراحة النفسية أي سفارة عربية، ولا حتى قنصلية، بل هناك قنصلية فخرية واحدة يتولاها صديقه الأردني سمير الحسن، الذي اتصلت به "العربية.نت" أيضاً، فقال عبر هاتف منزله في ريكيافيك إنه القنصل الفخري للأردن ويقوم بتأمين تأشيرات الدخول للراغبين بزيارة المملكة.
وذكر القنصل الحسن، وهو متزوج من أيسلندية له منها ابن وبنتين ويقيم في ريكيافيك منذ 13 سنة، أنه ليس أول قنصل فخري لبلد عربي في أيسلندا، فقد سبقه مواطن أيسلندي اسمه فالور فالنسون، وكان قنصلاً فخرياً للبنان في السابق "لكنه تقاعد في 2004 وعمره الآن أكثر من 80 سنة" كما قال.
وروى الحسن الشيء الكثير عن أيسلندا وغرائب طبيعتها الجغراقية ومناخها الأغرب، فذكر أن الشمس لا تغيب هناك على الإطلاق خلال شهر يونيو (حزيران) من كل عام. "بل يحدث الغروب ثم بعد دقائق قليلة يبدأ الشروق. أما في الشتاء فالأمر أصعب، ففي يوم 21 ديسمبر من كل عام مثلاً لا تبقى الشمس سوى 4 ساعات في كبد السماء، ثم تختفي". وشرح أنه يصعب على المقيم هناك النوم في أيام الصيف، فالنهار طويل وضوء الشمس يبقى ساطعاً طوال النهار وطوال قسم من الليل كبير.
كما ذكر أن الكثيرين يعانون من الاكتئاب بسبب العتمة خلال النهار والصقيع الفارض للعزلة على السكان خلال الشتاء، "أما في مثل هذه الأيام فالطقس عادي وجميل لأنه ربيعي". وقال إنه طالما كانت الرياح متجهة نحو أوروبا وهي تحمل الغبار فلا خوف على أيسلندا من البركان البعيد 280 كيلومتراً عن العاصمة.
ومع أن عدد البراكين في أيسلندا يزيد عن 140 بركاناً، منها 30 بركاناً فاعلاً، إلا أنها تضم أيضا حوالي 55 بؤرة بركانية متفرعة من البراكين الرئيسية، أي أن قممها وبراكينها البركانية هي تقريباً بعدد العرب المقيمين فيها. وأشهر براكينها على الإطلاق هو "لاكي" الذي بدأ في 1783 بما لم يسبقه إليه أي بركان. ففي ذلك العام نشط فجأة وثار وقذف من الحمم ما سبب هلاك الزراعة في البلاد، فقتل ربع سكانها، ثم امتد نشاطه الذي استمر تدميرياً طوال 8 أشهر إلى أوروبا نفسها، حتى أنه سبب المجاعة في فرنسا عبر إتلاف محاصيلها الزراعية، والمجاعة شحنت الفرنسيين ببذور الثورة على الملكية، فقاموا بثورتهم الشهيرة.
كما قالوا وكتبوا عن "لاكي" الذي يعني اسمه "المحظوظ" بالإنجليزية، أن الغبار والحمم الحرارية التي قذفها سببت أيضاً تغييرات في المناخ أدت إلى هلاك المزروعات في مصر، فمات فيها الآلاف جوعاً ومن الأمراض. وما زال علماء الجيولوجيا في قلق دائم من أن يفعلها "لاكي" ثانية فيأتي على الأخضر واليابس بحمم لا تبقي ولا تذر.

المصدر: العربية نت
المشاهدات 3019 | التعليقات 1

جزيت خيرا على هذا التقرير