تفسير سورة الفاتحة

faisal faisal
1438/11/04 - 2017/07/27 22:44PM

تفسير سورة الفاتحة

 5 / 11 / 1438 هـ

المشاهدات 1190 | التعليقات 1

الخطبة الأولى:

﴿ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ * مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ ﴾ وأشهد أنْ لا إله إلا الله وحْدَه لا شريك له، هو الإله المعبود الحق الذي لا يستحقُّ غيره شيئًا من عبادته، والمستعان الذي لا تتحقَّق عبادته إلا بإعانته. وأشهد أنَّ محمدًا عبده ورسوله، الهادي من اتَّبعه إلى الصراط المستقيم، والمنذِر لِمَن بلَّغه من عذاب الجحيم، صلى الله وسلم عليه وعلى آله وأصحابه الذين آمنوا به وعزَّروه ونصروه، واتبعوا النور الذي أُنزل معه، أولئك هم المفلحون.

 عباد الله، إنَّ القرآن هو حَبْلُ الله المتين، ونوره المبين، وصراطه المستقيم، فيه نبأُ ما قبلكم، وخَبر ما بعدكم، وحُكْم ما بينكم، هو الفصْل ليس بالْهَزْل، مَن قال به صَدَق، ومَن حَكَم به عَدَل، ومَن عَمِل به أُجِر، ومَن دعا إليه هُدِي إلى صراطٍ مستقيم، ومَن تَرَكه مِن جَبَّار قَصَمَه الله، ومَن ابتغى الهدى من غيره أضلَّه الله، فالسعيد في الدارين من اتَّبع هداه، وأخْلَص دينه لله، والشَّقِي مَن أعْرَض عن ذِكْره فكَفَر بمولاه، واتَّخذ إلهه هواه.

وحري بنا معاشر المؤمنين أن نقف واياكم مع أعظم سورة من سورالقرآن الكريم نتفيأ تحت ظلالها، ونتدارس آياتها، ونتدبر معانيها، ونهتدي بأسرارها. عن أبي سعيد بن المعلى، قال: كنت أصلي في المسجد، فدعاني رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم أجبه، فقلت: يا رسول الله، إني كنت أصلي، فقال: " ألم يقل الله: {استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم} [الأنفال: 24]. ثم قال لي: «لأعلمنك سورة هي أعظم السور في القرآن، قبل أن تخرج من المسجد». ثم أخذ بيدي، فلما أراد أن يخرج، قلت له: «ألم تقل لأعلمنك سورة هي أعظم سورة في القرآن»، قال: {الحمد لله رب العالمين} [الفاتحة: 2] «هي السبع المثاني، والقرآن العظيم الذي أوتيته»

 

ولنا مع سورة الفاتحة الوقفات الآتية:

الوقفة الأولى: مكان نزولها وعدد آياتها واسماؤها:

قال ابن رجب رحمه الله: والصحيح أنَّها أُنزلت بمكَّة، وهي سبعُ آياتٍ كما دلَّ عليه قولُه تعالى: {وَلَقَدْ آَتَيْنَاكَ سَبْعًا مِنَ الْمَثَانِي} [الحجر: 87]، وفسَّرها النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - بالفاتحة, ونقل غيرُ واحدٍ الاتفاق على أنَّها سبعٌ، منهم ابنُ جرير  وغيرُه، لكن مَنْ عَدَّ البسملة آيةً منها جعلَ الآية السابعة: {غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ}، ومَنْ لم يَجْعلْ البسملةَ آيةً منها جَعَلَ الآية السابعة: {غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ}.

ولها أسماءٌ متعددةٌ: فاتحةُ الكتابِ، أم الكتاب، أمُّ القرآن، السبع المثاني، الصَّلاة، رقية الحقِّ، الشفاء، وتُسمَّى «الشافية» أيضًا.الوافية، الأساس، ولها أسماء أخر كـ «سورة الشكر»، و «سورة الدعاء» , و «سورة تعلم المسألة»، و «سورة الكنز» - لأنها من كنز تحت العرش -، و «أمُّ المحامد»،

الوقفة الثانية: فضائلها

من فضائلها:  أنَّه لم ينزل في القرآن، ولا في التَّوراةِ ولا في الإنجيلِ، عن أبي هريرةَ عن أُبيِّ بنِ كعبٍ قال: قال رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: «ما أنزل اللهُ تبارك وتعالى في التَّوراةِ ولا في الإنجيلِ مثل أمّ القرآن، وهي السَّبعُ المثاني».

من فضائلها:  أنَّها من كنزٍ من تحتِ العَرش، عن أنسٍ عن النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - قال: «إنَّ الله عزَّ وجلَّ أعطاني فيما مَنَّ بهِ عليَّ: إنِّي أَعطيتُك فاتحةَ الكتابِ، هي مِنْ كنوزِ عَرشِي، قسمْتُها بَيني وبَينكَ نصْفين».

 

من فضائلها:  أنَّ هذه السُّورة مختصَّةٌ بمُناجاةِ الرَّبِّ تعالى، ولهذا اختصَّت الصَّلاةُ بها، فإنَّ المصلِّي يُناجي رَبَّه، وإنَّما يُناجي العبدُ رَبَّه بأفضلِ الكلامِ وأشرفِه، وهي مقسومةٌ بينَ العبدِ والرَّبِ نصفين، فنصفُها الأوَّل ثناءٌ للرَّبِّ عزَّ وجلَّ، والرَّبُّ تعالى يَسمَعُ مُنَاجَاة العَبدِ له، ويردُّ على المناجِي جوابَه ويسمع

عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من صلى صلاة لم يقرأ فيها بأم القرآن فهي خداج» ثلاثا غير تمام. فقيل لأبي هريرة: إنا نكون وراء الإمام؟ فقال: «اقرأ بها في نفسك»؛ فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " قال الله تعالى: قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين، ولعبدي ما سأل، فإذا قال العبد: {الحمد لله رب العالمين} [الفاتحة: 2]، قال الله تعالى: حمدني عبدي، وإذا قال: {الرحمن الرحيم} [الفاتحة: 1]، قال الله تعالى: أثنى علي عبدي، وإذا قال: {مالك يوم الدين}، قال: مجدني عبدي - وقال مرة فوض إلي عبدي - فإذا قال: {إياك نعبد وإياك نستعين} [الفاتحة: 5] قال: هذا بيني وبين عبدي، ولعبدي ما سأل، فإذا قال: {اهدنا الصراط المستقيم صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين} [الفاتحة: 7] قال: هذا لعبدي ولعبدي ما سأل "

 

من فضائلها:  أنَّها متضمِّنة لمقاصِدِ الكتبِ المنزَّلةِ مِن السَّماءِ كلِّها، فذكرَ ابنُ أبي حاتمٍ بإسناده عن الحَسنِ قال: أنزل الله سُبحانه أربعمائة كتاب وأربعة كتب، جَمَعَهَا في أربعةِ كتبٍ: التَّوراة والإنجيل والزَّبور والقرآن، وجمع الأربعة في القرآن، وجَمع القرآن في المفصَّل، وجَمع المفصَّل في الفاتحةِ وجمع عِلم الفاتحةِ في: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ}.

من فضائلها:  أنَّ سُورةَ الفاتحةِ شفاءٌ من كلِّ داءٍ، فهي شفاءٌ مِن الأمراضِ القلبيَّةِ، وشِفاءٌ من الأسقامِ البدَنيَّة؛ عن أبي سعيدٍ عن النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - أنَّه قال: «فاتحةُ الكتابِ شفاءٌ من كلِّ داءٍ إلا السَّام»"

الوقفة الثالثة: تفسير السورة:

1-   بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ  باسم الله أبدأ قراءة القرآن، مستعينًا به تعالى متبركًا بذكر اسمه. وقد تضمنت البسملة ثلاثة من أسماء الله الحسنى، وهي: 1 - "الله"؛ أي: المعبود بحق، وهو أخص أسماء الله تعالى، ولا يسمى به غيره سبحانه. 2 - "الرَّحْمَن"؛ أي: ذو الرحمة الواسعة. فهو الرحمن بذاته. 3 - "الرَّحِيم"؛ أي: ذو الرحمة الواصلة. فهو يرحم برحمته من شاء من خلقه ومنهم المؤمنون من عباده.

2 -     الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ  جميع أنواع المحامد من صفات الجلال والكمال هي له وحده دون من سواه؛ إذ هو رب كل شيء وخالقه ومدبره المربي لجميع خلقه بنعمه، ولأوليائه بالإيمان والعمل الصالح. و "العالمون" جمعُ "عالَم" وهم كل ما سوى الله تعالى. كعالم الملائكة، وعالم الجن، وعالم الإنس، وعالم الحيوان، وعالم النبات.

 

3 -   الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ثناء على الله تعالى لاستحقاقه الحمد كله.

4 -      مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ  تمجيد لله تعالى بأنه وحده المالك لكل ما في يوم القيامة، حيث لا تملك نفس لنفس شيئًا. فـ "يوم الدين": يوم الجزاء والحساب.

وفي قراءة المسلم لهذه الآية في كل ركعة من صلواته تذكير له باليوم الآخر، وحثٌّ له على الاستعداد بالعمل الصالح، والكف عن المعاصي والسيئات.

5 -     إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ    نخصك وحدك بالعبادة والاستعانة، فكأنه يقول: نعبدك، ولا نعبد غيرك، ونستعين بك، ولا نستعين بغيرك. وقدم (2) العبادة على الاستعانة، من باب تقديم العام على الخاص، واهتماما بتقديم حقه تعالى على حق عبده. و {العبادة} اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه من الأعمال، والأقوال الظاهرة والباطنة. و {الاستعانة} هي الاعتماد على الله تعالى في جلب المنافع، ودفع المضار، مع الثقة به في تحصيل ذلك.

وفي هذه الآية دليل على أن العبد لا يجوز له أن يصرف شيئًا من أنواع العبادة كالدعاء والاستغاثة والذبح والطواف إلا لله وحده، وفيها شفاء القلوب من داء التعلق بغير الله، ومن أمراض الرياء والعجب، والكبرياء.

6 -    اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ  دُلَّنا إلَى الصراط المستقيم، واسلكْ بنا فيه، وثبِّتنا عليه، وزدنا هدى. و"الصراط المستقيم" هو الطريق الواضح الَّذي لا اعوجاج فيه، وهو الإسلام الَّذي أرسل الله به محمدًا - صلى الله عليه وسلم -.

7 -    صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ   طريق الذين أنعمت عليهم من عبادك بهدايتهم؛ كالنبيين والصدِّيقين والشهداء والصالحين وحَسُنَ أولئك رفيقًا، غير طريق المغضوب عليهم الذين عرفوا الحق ولم يتبعوه كاليهود، وغير طريق الضالين عن الحق الذين لم يهتدوا إليه لتفريطهم في طلب الحق والاهتداء إليه كالنصارى.

 

أقول ما سمعتم واستغفر الله لي ولكم...

الخطبة الثانية:

الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لانبي بعده:

اما بعد:

الوقفة الرابعة: من هدايات السورة:

أولا: افتتح الله تعالى كتابه بالبسملة؛ ليرشد عباده أن يبدؤوا أعمالهم وأقوالهم بها طلبًا لعونه وتوفيقه.

ثانيا: ادع الله، وابدأ الدعاء بالحمد والثناء عليه سبحانه كما ابتدأت سورة الفاتحة، ثم اسأله ماتريد كما ختمت السورة.

ثالثا: هذه السورة مقسمة بين الله وعبده ، (إياك نعبد) مع ماقبلها لله، (وإياك نستعين) مع مابعدها للعبد.

رابعا:  انقسام الناس إلى ثلاثة أقسام: قسم أنعم الله عليهم؛ وقسم مغضوب عليهم؛ وقسم ضالون؛ وفيها تحذير المسلمين من التقصير في طلب الحق كالنصارى الضالين، أو عدم العمل بالحق الَّذي عرفوه كاليهود والمغضوب عليهم.

خامسا: دلَّت السورة على أن كمال الإيمان يكون بإخلاص العبادة لله تعالى وطلب العون منه وحده دون سواه.