تفسير آية الكرسي وفضلها بأوجز عبارة وأرق أسلوب.. عيد العنزي
عيد العنزي
1436/02/27 - 2014/12/19 08:37AM
معاشر المؤمنين: إن الله جل وعلا امتنَّ على عباده بمنةٍ عظيمة, ونعمةٍ كبرى جسيمة, ألا وهي أنه سبحانه أنزل عليهم القرآن الكريم وذكره الحكيم شفاءً لما في الصدور, وصلاحاً للعباد وعزاً لهم في الدنيا والآخرة (وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ ) ( قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاءٌ)
عبادَ الله : ويعظم الشأنُ ويعلو المقام, عندما تكون الآيةُ من القرآن آيةً عظمى فُضّلتْ على آي القرآن, ومُيِّزَت عليه لفخامة شأنها, وعِظَمِ مكانتها وعِظَمِ ما دلَّت عليه. تلكم الآية -عبادَ الله- هي آيةُ الكرسي, تلك الآية العظيمة الجليلة التي فخم النبي عليه الصلاة والسلام شأنها, وأعلى مقامها ورفع قدرها, وبيَّن أنّها أعظمُ آي القرآن شأناً وأعلاها مكانة, ففي صحيح مسلم عن أبي بن كعب رضي الله عنه وهو من قرّاء الصحابة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " يَا أَبَا الْمُنْذِرِ ، أيُّ آيَةٍ مِنْ كِتَابِ الله مَعَكَ أعْظَمُ ؟ قال: قُلْتُ: اللهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قال: يَا أَبَا الْمُنْذِرِ ، أيُّ آيَةٍ مِنْ كِتَابِ الله مَعَكَ أعْظَمُ ؟ قال: قلت: (اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ) [البقرة : 255], قال فضرب النبي صلى الله عليه وسلم بيده على صدري وقال: لِيَهْنِكَ الْعِلْمُ أَبَا الْمُنْذِرِ ".
عبادَ الله: إنَّ هذه الآية العظيمةَ المباركة, دلّت على أعظم المعاني وأجلِّها, ودلَّت على أشرف المقاصد وأعظمها, دلَّت على توحيد الله ووجوب إخلاص الدين له, وإفراده وحده جل وعلا بالعبادة, وقد ذُكر فيها عشرة جمل كلها تدل على توحيد الرب وإفراده بالألوهية والربوبية والأسماء والصفات, فلنبحر وإياكم في عمق محيط آية الكرسي لنخرج لؤلؤ معانيها والمرجان.
أيها المؤمنون: لقد صُدِّرت هذه الآيةُ الكريمةُ بأول جملة منها بكلمة التوحيد الخالدة لا إله إلا الله, (الله لا إله إلا هو) كلمةٌ تدلُّ على وجوب إفراد الله وحده بالعبادة, والبراءة من الشرك كلِّه دقيقِه وجليلِه, وفي هذه الكلمة أن التوحيد لا يقوم إلا على ركنين لا بد منهما, وأصلين لا بد من تحقيقهما وهما: النفيُ والإثبات, نفيُ العبادة عن كل ما سوى الله وإثبات العبادة بكل معانيها لله وحده, خضوعاً وتذللاً رغباً وطمعاً, سجوداً وركوعاً توكلاً واعتماداً, دعاءً ورجاءً, إلى غير ذلك من أنواع العبادة وصنوف الطاعة, فكلُّ ذلك حقٌ لله, ليس له سبحانه فيه شريك.
أما الجملة الثانية فقولُه جل وعلا: (الْحَيُّ الْقَيُّومُ) فالله تبارك وتعالى هو الحي الحياة الكاملة التي لم تسبق بعدم, ولا يلحقُها فناءٌ ولا يعتريها نقصٌ, ومن كان هذا شأنُه فهو المستحِّقُ لأن يُفردَ بالعبادة, أما الحيُ الذي يموت أو الحي الذي قد مات أو الجمادُ الذي لا حياةَ له أصلا, فكلُّ هؤلاء ليس لهم في العبادة أيُّ حق. ووصف نفسه جل وعلا في الآية بأنه قيوم, أي قائمٌ بنفسه مقيمٌ لشؤون خلقه, وهذا دالٌّ على كمال غِناه, وعلى شدة افتقار العباد إليه من كل وجه, ومن كان هذا شأنُه فهو الذي يستحِقُّ العبادةَ دون سواه.
الجملة الثالثة: (لا تأخذه سنةٌ ولا نوم), وهذا لِكَمال حياته وكَمَال قيُّوميَّته, وكَماَل قدرته وقوته سبحانه, ولهذا جاء في الحديث الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ لَا يَنَامُ وَلَا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَنَامَ يَخْفِضُ الْقِسْطَ وَيَرْفَعُهُ يُرْفَعُ إِلَيْهِ عَمَلُ اللَّيْلِ بِالنَّهَارِ وَعَمَلُ النَّهَارِ بِاللَّيْلِ" سبحانه وتعالى.
أما الجملة الرابعة: فقوله: (له ما في السموات وما في الأرض) ملكاً وخلقاً, لا شريك له في شيءٍ من ذلك, ومن كان كذلك فهو الذي يستحِقُّ أن يُعبدَ دون سواه, تصديقا لقوله ( قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَا يَمْلِكُونَ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ وَمَا لَهُمْ فِيهِمَا مِنْ شِرْكٍ).
الجملة الخامسة عباد الله: قوله جل وعلا: (مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ ) فالشفاعة ملك لله فلا تطلب إلا من الله جل وعلا (قُلْ لِلَّهِ الشَّفَاعَةُ جَمِيعًا) وللشفاعة شروط ثلاثة: رضا الله عن الشافع ورضاه عن المشفوع له وإذن الله للشافع أن يشفع. قال تعالى: وكم من ملك في السموات لا تغني شفاعتهم شيئاً إلا من بعد أن يأذن الله لمن يشاء ويرضى.
الجملة السادسة: قوله سبحانه: (يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ) وفي هذا -عباد الله- إحاطةُ علم الله جل وعلا بالأمور الماضيات وبالأمور المستقبلات, فهو يعلم ما كان وما سيكون وما لم يكن لو كان كيف يكون, أحاط بكل شيء علما, وأحصى كل شيءٍ عددا, وكيف لا يحيط علماً بالمخلوقات وهو خالقها؟! (أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ).
الجملة السابعة: قوله سبحانه: (وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إلا بما شاء) ذكر جل وعلا قصورَ علم العباد وضعفه وأنه لا علم عندهم إلا ما علمهم الله (وما أوتيتم من العلم إلا قليلا) وكل ما عندهم من العلم هو فضل الله عليهم ومَنُّه.
أما الجملة الثامنة: قوله جل وعلا: (وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ ) ذكر فيها عظمته سبحانه بذكر عظمة أحد مخلوقاته وهو الكرسي العظيم وقد روى ابن أبي شيبة في كتاب صفة العرش والحاكم في مستدركه وقال: إنه على شرط الشيخين ولم يخرجاه، عن سعيد بن جبير عن ابن عباس أنه قال :الكرسي موضع القدمين، .وقد ثبت عن النبي عليه الصلاة والسلام من حديث أبي ذر رضي الله عنه أنه سأل النبي عليه الصلاة والسلام عن أعظم آيةٍ في القرآن فقال: "آية الكرسي, ثم قال عليه الصلاة والسلام: ما السموات السَّبعُ فِي الْكُرْسِيِّ إِلَّا كَحَلْقَةٍ مُلْقَاةٍ بِأَرْضِ فَلَاةٍ، وَفَضْلُ الْعَرْشِ عَلَى الْكُرْسِيِّ كَفَضْلِ تِلْكَ الْفَلَاةِ عَلَى تِلْكَ الْحَلْقَةِ " تأملوا هنا -عباد الله- يظهر لكم عظمةُ الخالق جل وعلا, إذا كانت المخلوقاتُ بهذه العظمة فكيف بخالقها ومبدعها وموجدها؟! عظُم شأنُه وتعالى جدُّه.
الجملة التاسعة: قوله سبحانه: (وَلَا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا ) وهذا من عظمة الله جل وعلا أي لا يثقِلُه سبحانه حفظُ السماوات والأرض (إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولَا وَلَئِنْ زَالَتَا إِنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا).
ثم ختم هذه الحُجَجَ وهذه الجمل بالجملة العاشرة: بقوله: (وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ) مُبيِّنًا للعباد علوَّه ذاتاً وقدرًا وقهرًا وعظمةً, وأن العظمة وصفُه جل وعلا وهي عظمةٌ في الأسماء وعظمةٌ في الصفات وعظمةٌ في الأفعال, فتبارك اللهُ العظيمُ ربُ الخلق أجمعين, خالقُهم من العدم وموجِدُهم بعد أن لم يكونوا, وهو جل وعلا المستحِقُّ أن يُعبدَ وحده دون سواه فلا إله إلا الله ولا معبود حقٌّ إلا الله.
اللهم وفقنا للعمل بكتابك واتباع سنة نبيك صلى الله عليه وسلم, وأعنا على تحقيق هذه المعاني العظيمةِ والدلالاتِ المباركة, التي دلّت عليها أعظمُ آي القرآن شأناً آية الكرسي.
بارك الله....
*********************************************************
الخطبة الثانية:
عبادَ الله: ولعِظَمِ مقام هذه الآية وعُلوِّ شأنها, جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم في أحاديث عديدة, الترغيبُ في قراءتها في اليوم والليلة ثماني مرات؛ مرتين في الصباح والمساء ومرةً عند النوم, وخمس مراتٍ أدبار الصلوات المكتوبة. أما قراءتها أدبار الصلوات, فيدل عليه ما ثبت في سنن النسائي عن أبي أمامة الباهلي رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " مَنْ قَرَأَ آيَةَ الْكُرْسِيِّ فِي دُبُرِ كُلِّ صَلَاةٍ مَكْتُوبَةٍ لَمْ يَمْنَعْهُ مِنْ دُخُولِ الْجَنَّةِ إِلَّا أَنْ يَمُوتَ ". وأما قراءتها عند النوم, ففي صحيح البخاري من حديث أبي هريرة ما يدلُّ على أنَّ من قرأها إذا أوى إلى فراشه, لم يزلْ عليه من الله حافظا, ولا يقربه شيطانٌ حتى يصبح. وأما قراءتها في أذكار الصباح والمساء, فيدلُّ عليه ما ثبتَ في سنن النسائي ومعجم الطبراني الكبير من حديث أبي بن كعب رضي الله عنه, وفيه أنَّ من قرأها إذا أصبح أُجير من الشياطين حتى يمسي, وإذا قرأها إذا أمسى أُجير من الشياطين حتى يصبح , فهذه ثمانيةُ مواضع يُستحب للمسلم أن يحافظ على قراءة آية الكرسي فيها.
عبادَ الله: وهاهنا أمرٌ عظيمٌ لا بد من التنبيه عليه والتذكير به, ألا وهو أنَّ انتفاع العبد بهذه الآية المباركة, لا بد فيه من تدبُّر معانيها وعَقْلِ دلالاتها لا أن يكون حظُّ العبد منها مجردَ القراءة للحروف, دون عَقْلِ المعاني والتبصُّرِ في الدلالات, ولهذا قال الله تبارك وتعالى في عموم القرآن: (أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا ) هذا في عموم القرآن, فكيف بأعظم آي القرآن شأناً وأرفعها مكانة.
فجدوا واجتهدوا في حفظها وتحفيظها أبناءكم وأهليكم كبارا وصغارا نساء ورجالا ليحفظكم الرب جل وعلا بها من شياطين الإنس والجان ومصائب الليل والنهار.
هذا وصلوا....
عبادَ الله : ويعظم الشأنُ ويعلو المقام, عندما تكون الآيةُ من القرآن آيةً عظمى فُضّلتْ على آي القرآن, ومُيِّزَت عليه لفخامة شأنها, وعِظَمِ مكانتها وعِظَمِ ما دلَّت عليه. تلكم الآية -عبادَ الله- هي آيةُ الكرسي, تلك الآية العظيمة الجليلة التي فخم النبي عليه الصلاة والسلام شأنها, وأعلى مقامها ورفع قدرها, وبيَّن أنّها أعظمُ آي القرآن شأناً وأعلاها مكانة, ففي صحيح مسلم عن أبي بن كعب رضي الله عنه وهو من قرّاء الصحابة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " يَا أَبَا الْمُنْذِرِ ، أيُّ آيَةٍ مِنْ كِتَابِ الله مَعَكَ أعْظَمُ ؟ قال: قُلْتُ: اللهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قال: يَا أَبَا الْمُنْذِرِ ، أيُّ آيَةٍ مِنْ كِتَابِ الله مَعَكَ أعْظَمُ ؟ قال: قلت: (اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ) [البقرة : 255], قال فضرب النبي صلى الله عليه وسلم بيده على صدري وقال: لِيَهْنِكَ الْعِلْمُ أَبَا الْمُنْذِرِ ".
عبادَ الله: إنَّ هذه الآية العظيمةَ المباركة, دلّت على أعظم المعاني وأجلِّها, ودلَّت على أشرف المقاصد وأعظمها, دلَّت على توحيد الله ووجوب إخلاص الدين له, وإفراده وحده جل وعلا بالعبادة, وقد ذُكر فيها عشرة جمل كلها تدل على توحيد الرب وإفراده بالألوهية والربوبية والأسماء والصفات, فلنبحر وإياكم في عمق محيط آية الكرسي لنخرج لؤلؤ معانيها والمرجان.
أيها المؤمنون: لقد صُدِّرت هذه الآيةُ الكريمةُ بأول جملة منها بكلمة التوحيد الخالدة لا إله إلا الله, (الله لا إله إلا هو) كلمةٌ تدلُّ على وجوب إفراد الله وحده بالعبادة, والبراءة من الشرك كلِّه دقيقِه وجليلِه, وفي هذه الكلمة أن التوحيد لا يقوم إلا على ركنين لا بد منهما, وأصلين لا بد من تحقيقهما وهما: النفيُ والإثبات, نفيُ العبادة عن كل ما سوى الله وإثبات العبادة بكل معانيها لله وحده, خضوعاً وتذللاً رغباً وطمعاً, سجوداً وركوعاً توكلاً واعتماداً, دعاءً ورجاءً, إلى غير ذلك من أنواع العبادة وصنوف الطاعة, فكلُّ ذلك حقٌ لله, ليس له سبحانه فيه شريك.
أما الجملة الثانية فقولُه جل وعلا: (الْحَيُّ الْقَيُّومُ) فالله تبارك وتعالى هو الحي الحياة الكاملة التي لم تسبق بعدم, ولا يلحقُها فناءٌ ولا يعتريها نقصٌ, ومن كان هذا شأنُه فهو المستحِّقُ لأن يُفردَ بالعبادة, أما الحيُ الذي يموت أو الحي الذي قد مات أو الجمادُ الذي لا حياةَ له أصلا, فكلُّ هؤلاء ليس لهم في العبادة أيُّ حق. ووصف نفسه جل وعلا في الآية بأنه قيوم, أي قائمٌ بنفسه مقيمٌ لشؤون خلقه, وهذا دالٌّ على كمال غِناه, وعلى شدة افتقار العباد إليه من كل وجه, ومن كان هذا شأنُه فهو الذي يستحِقُّ العبادةَ دون سواه.
الجملة الثالثة: (لا تأخذه سنةٌ ولا نوم), وهذا لِكَمال حياته وكَمَال قيُّوميَّته, وكَماَل قدرته وقوته سبحانه, ولهذا جاء في الحديث الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ لَا يَنَامُ وَلَا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَنَامَ يَخْفِضُ الْقِسْطَ وَيَرْفَعُهُ يُرْفَعُ إِلَيْهِ عَمَلُ اللَّيْلِ بِالنَّهَارِ وَعَمَلُ النَّهَارِ بِاللَّيْلِ" سبحانه وتعالى.
أما الجملة الرابعة: فقوله: (له ما في السموات وما في الأرض) ملكاً وخلقاً, لا شريك له في شيءٍ من ذلك, ومن كان كذلك فهو الذي يستحِقُّ أن يُعبدَ دون سواه, تصديقا لقوله ( قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَا يَمْلِكُونَ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ وَمَا لَهُمْ فِيهِمَا مِنْ شِرْكٍ).
الجملة الخامسة عباد الله: قوله جل وعلا: (مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ ) فالشفاعة ملك لله فلا تطلب إلا من الله جل وعلا (قُلْ لِلَّهِ الشَّفَاعَةُ جَمِيعًا) وللشفاعة شروط ثلاثة: رضا الله عن الشافع ورضاه عن المشفوع له وإذن الله للشافع أن يشفع. قال تعالى: وكم من ملك في السموات لا تغني شفاعتهم شيئاً إلا من بعد أن يأذن الله لمن يشاء ويرضى.
الجملة السادسة: قوله سبحانه: (يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ) وفي هذا -عباد الله- إحاطةُ علم الله جل وعلا بالأمور الماضيات وبالأمور المستقبلات, فهو يعلم ما كان وما سيكون وما لم يكن لو كان كيف يكون, أحاط بكل شيء علما, وأحصى كل شيءٍ عددا, وكيف لا يحيط علماً بالمخلوقات وهو خالقها؟! (أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ).
الجملة السابعة: قوله سبحانه: (وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إلا بما شاء) ذكر جل وعلا قصورَ علم العباد وضعفه وأنه لا علم عندهم إلا ما علمهم الله (وما أوتيتم من العلم إلا قليلا) وكل ما عندهم من العلم هو فضل الله عليهم ومَنُّه.
أما الجملة الثامنة: قوله جل وعلا: (وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ ) ذكر فيها عظمته سبحانه بذكر عظمة أحد مخلوقاته وهو الكرسي العظيم وقد روى ابن أبي شيبة في كتاب صفة العرش والحاكم في مستدركه وقال: إنه على شرط الشيخين ولم يخرجاه، عن سعيد بن جبير عن ابن عباس أنه قال :الكرسي موضع القدمين، .وقد ثبت عن النبي عليه الصلاة والسلام من حديث أبي ذر رضي الله عنه أنه سأل النبي عليه الصلاة والسلام عن أعظم آيةٍ في القرآن فقال: "آية الكرسي, ثم قال عليه الصلاة والسلام: ما السموات السَّبعُ فِي الْكُرْسِيِّ إِلَّا كَحَلْقَةٍ مُلْقَاةٍ بِأَرْضِ فَلَاةٍ، وَفَضْلُ الْعَرْشِ عَلَى الْكُرْسِيِّ كَفَضْلِ تِلْكَ الْفَلَاةِ عَلَى تِلْكَ الْحَلْقَةِ " تأملوا هنا -عباد الله- يظهر لكم عظمةُ الخالق جل وعلا, إذا كانت المخلوقاتُ بهذه العظمة فكيف بخالقها ومبدعها وموجدها؟! عظُم شأنُه وتعالى جدُّه.
الجملة التاسعة: قوله سبحانه: (وَلَا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا ) وهذا من عظمة الله جل وعلا أي لا يثقِلُه سبحانه حفظُ السماوات والأرض (إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولَا وَلَئِنْ زَالَتَا إِنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا).
ثم ختم هذه الحُجَجَ وهذه الجمل بالجملة العاشرة: بقوله: (وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ) مُبيِّنًا للعباد علوَّه ذاتاً وقدرًا وقهرًا وعظمةً, وأن العظمة وصفُه جل وعلا وهي عظمةٌ في الأسماء وعظمةٌ في الصفات وعظمةٌ في الأفعال, فتبارك اللهُ العظيمُ ربُ الخلق أجمعين, خالقُهم من العدم وموجِدُهم بعد أن لم يكونوا, وهو جل وعلا المستحِقُّ أن يُعبدَ وحده دون سواه فلا إله إلا الله ولا معبود حقٌّ إلا الله.
اللهم وفقنا للعمل بكتابك واتباع سنة نبيك صلى الله عليه وسلم, وأعنا على تحقيق هذه المعاني العظيمةِ والدلالاتِ المباركة, التي دلّت عليها أعظمُ آي القرآن شأناً آية الكرسي.
بارك الله....
*********************************************************
الخطبة الثانية:
عبادَ الله: ولعِظَمِ مقام هذه الآية وعُلوِّ شأنها, جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم في أحاديث عديدة, الترغيبُ في قراءتها في اليوم والليلة ثماني مرات؛ مرتين في الصباح والمساء ومرةً عند النوم, وخمس مراتٍ أدبار الصلوات المكتوبة. أما قراءتها أدبار الصلوات, فيدل عليه ما ثبت في سنن النسائي عن أبي أمامة الباهلي رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " مَنْ قَرَأَ آيَةَ الْكُرْسِيِّ فِي دُبُرِ كُلِّ صَلَاةٍ مَكْتُوبَةٍ لَمْ يَمْنَعْهُ مِنْ دُخُولِ الْجَنَّةِ إِلَّا أَنْ يَمُوتَ ". وأما قراءتها عند النوم, ففي صحيح البخاري من حديث أبي هريرة ما يدلُّ على أنَّ من قرأها إذا أوى إلى فراشه, لم يزلْ عليه من الله حافظا, ولا يقربه شيطانٌ حتى يصبح. وأما قراءتها في أذكار الصباح والمساء, فيدلُّ عليه ما ثبتَ في سنن النسائي ومعجم الطبراني الكبير من حديث أبي بن كعب رضي الله عنه, وفيه أنَّ من قرأها إذا أصبح أُجير من الشياطين حتى يمسي, وإذا قرأها إذا أمسى أُجير من الشياطين حتى يصبح , فهذه ثمانيةُ مواضع يُستحب للمسلم أن يحافظ على قراءة آية الكرسي فيها.
عبادَ الله: وهاهنا أمرٌ عظيمٌ لا بد من التنبيه عليه والتذكير به, ألا وهو أنَّ انتفاع العبد بهذه الآية المباركة, لا بد فيه من تدبُّر معانيها وعَقْلِ دلالاتها لا أن يكون حظُّ العبد منها مجردَ القراءة للحروف, دون عَقْلِ المعاني والتبصُّرِ في الدلالات, ولهذا قال الله تبارك وتعالى في عموم القرآن: (أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا ) هذا في عموم القرآن, فكيف بأعظم آي القرآن شأناً وأرفعها مكانة.
فجدوا واجتهدوا في حفظها وتحفيظها أبناءكم وأهليكم كبارا وصغارا نساء ورجالا ليحفظكم الرب جل وعلا بها من شياطين الإنس والجان ومصائب الليل والنهار.
هذا وصلوا....
المرفقات
611.doc
المشاهدات 4463 | التعليقات 6
ماشاء الله جزيت خيرا
شبيب القحطاني
عضو نشطجزاك الله خيرا
وإياكم مشايخنا الأفاضل
جزاك الله كل خير ونفع بك وبعلمك
وفيك أخي الغالي
زياد الريسي - مدير الإدارة العلمية
بورك فيك ونفع الله بك وزادك من فضله وخيره وإحسانه يا شيخ عيد لا حرمنا ربي حضورك وأعادك إلينا مرارا وتكرار.
تعديل التعليق