تفريج الكروب
احمد ابوبكر
1434/06/14 - 2013/04/24 02:52AM
إذا كانت الهموم والأحزان وكثرة الكروب التي تراكمت على الناس في هذه الأيام سمة هذا العصر والعنوان الأبرز لهذا العالم , فإن أكثر المكتوين بنارها والمتألمين من رمضائها هم المسلمين , لا لذنب ارتكبوه , ولا لجريمة اقترفوها , وإنما ذنبهم الوحيد وجريمتهم الكبرى عند المستبدين والظالمين , أنهم آمنوا بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبيا ورسولا , فهل هذا ذنب ؟؟!! و هل هذه جريمة ؟؟!!
لقد اجتمعت أمم الكفر والطغيان على المسلمين كما تجتمع الأكلة إلى قصعتها , كما أخبر بذلك النبي صلى الله عليه وسلم , وانتشرت الحروب والخطوب في بلاد المسلمين انتشار النار في الهشيم , وتزايدت أعداد المنكوبين والمكروبين والمحتاجين , ممن فقدوا بيوتهم وأرزاقهم وأسباب حياتهم , ناهيك عمن فقدوا المعيل والساعي في حوائجهم وطلباتهم , فاجتمعت في نفوسهم آلام فراق الأحبة والأعزة , ومرارة شظف العيش وقسوة الحياة , وضراوة معركة تأمين لقمة العيش وأسباب البقاء .
في مثل هذه الأوقات تتصدر عبادة تفريج الكروب كل العبادات – بعد أداء الفرائض طبعا – وتعلو منزلة ومرتبة من يؤدي هذه العبادة فوق كل المنازل والمراتب , وكيف لا وهي العبادة التي يفرضها الظرف الراهن , والحالة المعاصرة التي تعيشها الأمة .
ففي موضوع العبادة هناك ما يمكن أن يطلق عليه عبادة الهوية ، فالغني عبادته الأولى والأهم إنفاق المال ، والعالم عبادته الأولى والأهم التعليم ، وهكذا كل من أعطاه الله تعالى نعمة اختصه بها , كان عليه أداء العبادة الملازمة لها ، وهذه عبادة يمكن أن يطلق عليها عبادة الهوية ، وهناك بالمقابل عبادة أخرى يمكن أن يطلق عليها عبادة الظرف والحالة الراهنة ، فالعناية بوالدك أو والدتك أو قريبك المريض هي العبادة الأولى بالنسبة إليك في هذه الحالة ، وإكرام الضيف الذي زارك هي العبادة الأهم بالنسبة إليك ، وتفريج كربات المسلمين في هذا الزمن العصيب , الذي كثرت فيه أعداد المكروبين والمحتاجين , هي العبادة الأولى والأهم كذلك , بالنسبة لجميع المسلمين القادرين على تقديم المسساعدة وتفريج كرب المكروبين .
يا لها من لحظات إيمانية رائعة ومعبرة , ويا لها من سعادة وهناءة تنتاب قلبك وفؤادك يا من تقوم بهذه العبادة , تلك اللحظة التي تشعر بها أنك نفست عن مؤمن كربة أو محنة , أو خففت عن مؤمن آلامه وأحزانه , فترى الشكر والامتنان في عينيه , والدعاء لك بالتوفيق والسداد بين شفتيه , وقد غمرت الفرحة قلبه و علت البسمة وجهه و محياه , وعندها فقط يمكن أن تحيا و تشعر لا أن تقرأ أو تسمع , بصدق تلك المقولة المعبرة الرائعة : لذة العطاء أعظم وأحلى من لذة الأخذ .
وأول ما ينتظرك يا من تؤدي هذه العبادة العظيمة , بشرى من رسول الله صلى الله عليه وسلم يبشرك بها بالنجاة والفرج يوم القيامة , بقوله صلى الله عليه وسلم : ( المسلم أخو المسلم لا يظلمه و لا يسلمه و من كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته و من فرج عن مسلم كربة فرج الله عنه بها كربة من كرب يوم القيامة و من ستر مسلما ستره الله يوم القيامة ) صحيح الألباني / 6707 عن ابن عمر .
وفي رواية سنن النسائي (والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه ) 4/308 برقم 7286 .
هل يستشعر القارئ الكريم عظيم ما ينتظره بهذه العبادة , إن رسول الله صلى الله عليه وسلم يخبرك بأن الله تعالى سيكون في قضاء حاجتك وتيسيرها , إن كنت أنت في حاجة أخيك وقضائها , وهل تخيب حاجتك وقد تكفل الله تعالى لك بإنجازها !! ثم لك فوق ذلك بكل كربة تفرجها عن مسلم في الدنيا , أن يفرج الله عنك كربة وشدة من كرب وشدائد يوم القيامة , وهي منحة لا يعطيها إلا مالك الملك سبحانه , فحوائج الدنيا مهما عظمت لا تساوي شيئا أمام شدائد الآخرة وأهوالها , فهل يستشعر المسلم عظيم عطاء الله تعالى في هذا الحديث وهذه العبادة ؟
لقد دفعت هذه العبادة لأهميتها ومكانتها في فهم الرعيل الأول من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم , عبد الله بن عباس رضي الله عنه , ترجمان القرآن وحبر الأمة , دفعته لترك الاعتكاف في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم , والخروج منه لقضاء حاجة مسلم وتفريج كربه و همه .
عن ابن عباس رضي الله عنهما : أنه كان معتكفا في مسجد رسول الله صلى الله عليه و سلم , فأتاه رجل فسلم عليه ثم جلس , فقال له ابن عباس : يا فلان أراك مكتئبا حزينا ؟! قال : نعم يا ابن عم رسول الله لفلان علي حق ولاء , وحرمة صاحب هذا القبر ما أقدر عليه , قال ابن عباس : أفلا أكلمه فيك , فقال : إن أحببت قال : فانتعل ابن عباس ثم خرج من المسجد فقال له الرجل : أنسيت ما كنت فيه ؟؟!! قال : لا ولكني سمعت صاحب هذا القبر صلى الله عليه و سلم والعهد به قريب فدمعت عيناه وهو يقول : ( من مشى في حاجة أخيه وبلغ فيها كان خيرا له من اعتكاف عشر سنين , ومن اعتكف يوما ابتغاء وجه الله تعالى جعل الله بينه وبين النار ثلاث خنادق أبعد مما بين الخافقين )
رواه الطبراني في الأوسط والبيهقي واللفظ له والحاكم مختصرا وقال صحيح الإسناد .
لم يترك ابن عباس رضي الله عنه اعتكافه في أي مسجد , بل ترك الاعتكاف في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم , مع ما له من أجر مضاعف وعظيم , ولم يتركه لينقذ مسلما من الموت جوعا أو بردا أو خوفا وذعرا , بل خرج ليكلم له دائنه بالتأجيل والنظرة إلى الميسرة فحسب , وهي حاجة ربما يستصغرها بعض المسلمين اليوم , إلا أنها كانت كافية لإخراج ابن عم الرسول صلى الله عليه وسلم من معتكفه وعبادته .
أفلا تستحق آلام المسلمين المنكوبين اليوم , بأن نخرج من شح النفوس وهواها إلى كرمها وتقواها , و من قسوة القلوب وغفلتها إلى لينها و ذكرها لخالقها ومولاها , ومن إغلال الأيدي إلى الأعناق إلى بسطها بعض البسط في الإنفاق .
د. عامر الهوشان
لقد اجتمعت أمم الكفر والطغيان على المسلمين كما تجتمع الأكلة إلى قصعتها , كما أخبر بذلك النبي صلى الله عليه وسلم , وانتشرت الحروب والخطوب في بلاد المسلمين انتشار النار في الهشيم , وتزايدت أعداد المنكوبين والمكروبين والمحتاجين , ممن فقدوا بيوتهم وأرزاقهم وأسباب حياتهم , ناهيك عمن فقدوا المعيل والساعي في حوائجهم وطلباتهم , فاجتمعت في نفوسهم آلام فراق الأحبة والأعزة , ومرارة شظف العيش وقسوة الحياة , وضراوة معركة تأمين لقمة العيش وأسباب البقاء .
في مثل هذه الأوقات تتصدر عبادة تفريج الكروب كل العبادات – بعد أداء الفرائض طبعا – وتعلو منزلة ومرتبة من يؤدي هذه العبادة فوق كل المنازل والمراتب , وكيف لا وهي العبادة التي يفرضها الظرف الراهن , والحالة المعاصرة التي تعيشها الأمة .
ففي موضوع العبادة هناك ما يمكن أن يطلق عليه عبادة الهوية ، فالغني عبادته الأولى والأهم إنفاق المال ، والعالم عبادته الأولى والأهم التعليم ، وهكذا كل من أعطاه الله تعالى نعمة اختصه بها , كان عليه أداء العبادة الملازمة لها ، وهذه عبادة يمكن أن يطلق عليها عبادة الهوية ، وهناك بالمقابل عبادة أخرى يمكن أن يطلق عليها عبادة الظرف والحالة الراهنة ، فالعناية بوالدك أو والدتك أو قريبك المريض هي العبادة الأولى بالنسبة إليك في هذه الحالة ، وإكرام الضيف الذي زارك هي العبادة الأهم بالنسبة إليك ، وتفريج كربات المسلمين في هذا الزمن العصيب , الذي كثرت فيه أعداد المكروبين والمحتاجين , هي العبادة الأولى والأهم كذلك , بالنسبة لجميع المسلمين القادرين على تقديم المسساعدة وتفريج كرب المكروبين .
يا لها من لحظات إيمانية رائعة ومعبرة , ويا لها من سعادة وهناءة تنتاب قلبك وفؤادك يا من تقوم بهذه العبادة , تلك اللحظة التي تشعر بها أنك نفست عن مؤمن كربة أو محنة , أو خففت عن مؤمن آلامه وأحزانه , فترى الشكر والامتنان في عينيه , والدعاء لك بالتوفيق والسداد بين شفتيه , وقد غمرت الفرحة قلبه و علت البسمة وجهه و محياه , وعندها فقط يمكن أن تحيا و تشعر لا أن تقرأ أو تسمع , بصدق تلك المقولة المعبرة الرائعة : لذة العطاء أعظم وأحلى من لذة الأخذ .
وأول ما ينتظرك يا من تؤدي هذه العبادة العظيمة , بشرى من رسول الله صلى الله عليه وسلم يبشرك بها بالنجاة والفرج يوم القيامة , بقوله صلى الله عليه وسلم : ( المسلم أخو المسلم لا يظلمه و لا يسلمه و من كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته و من فرج عن مسلم كربة فرج الله عنه بها كربة من كرب يوم القيامة و من ستر مسلما ستره الله يوم القيامة ) صحيح الألباني / 6707 عن ابن عمر .
وفي رواية سنن النسائي (والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه ) 4/308 برقم 7286 .
هل يستشعر القارئ الكريم عظيم ما ينتظره بهذه العبادة , إن رسول الله صلى الله عليه وسلم يخبرك بأن الله تعالى سيكون في قضاء حاجتك وتيسيرها , إن كنت أنت في حاجة أخيك وقضائها , وهل تخيب حاجتك وقد تكفل الله تعالى لك بإنجازها !! ثم لك فوق ذلك بكل كربة تفرجها عن مسلم في الدنيا , أن يفرج الله عنك كربة وشدة من كرب وشدائد يوم القيامة , وهي منحة لا يعطيها إلا مالك الملك سبحانه , فحوائج الدنيا مهما عظمت لا تساوي شيئا أمام شدائد الآخرة وأهوالها , فهل يستشعر المسلم عظيم عطاء الله تعالى في هذا الحديث وهذه العبادة ؟
لقد دفعت هذه العبادة لأهميتها ومكانتها في فهم الرعيل الأول من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم , عبد الله بن عباس رضي الله عنه , ترجمان القرآن وحبر الأمة , دفعته لترك الاعتكاف في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم , والخروج منه لقضاء حاجة مسلم وتفريج كربه و همه .
عن ابن عباس رضي الله عنهما : أنه كان معتكفا في مسجد رسول الله صلى الله عليه و سلم , فأتاه رجل فسلم عليه ثم جلس , فقال له ابن عباس : يا فلان أراك مكتئبا حزينا ؟! قال : نعم يا ابن عم رسول الله لفلان علي حق ولاء , وحرمة صاحب هذا القبر ما أقدر عليه , قال ابن عباس : أفلا أكلمه فيك , فقال : إن أحببت قال : فانتعل ابن عباس ثم خرج من المسجد فقال له الرجل : أنسيت ما كنت فيه ؟؟!! قال : لا ولكني سمعت صاحب هذا القبر صلى الله عليه و سلم والعهد به قريب فدمعت عيناه وهو يقول : ( من مشى في حاجة أخيه وبلغ فيها كان خيرا له من اعتكاف عشر سنين , ومن اعتكف يوما ابتغاء وجه الله تعالى جعل الله بينه وبين النار ثلاث خنادق أبعد مما بين الخافقين )
رواه الطبراني في الأوسط والبيهقي واللفظ له والحاكم مختصرا وقال صحيح الإسناد .
لم يترك ابن عباس رضي الله عنه اعتكافه في أي مسجد , بل ترك الاعتكاف في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم , مع ما له من أجر مضاعف وعظيم , ولم يتركه لينقذ مسلما من الموت جوعا أو بردا أو خوفا وذعرا , بل خرج ليكلم له دائنه بالتأجيل والنظرة إلى الميسرة فحسب , وهي حاجة ربما يستصغرها بعض المسلمين اليوم , إلا أنها كانت كافية لإخراج ابن عم الرسول صلى الله عليه وسلم من معتكفه وعبادته .
أفلا تستحق آلام المسلمين المنكوبين اليوم , بأن نخرج من شح النفوس وهواها إلى كرمها وتقواها , و من قسوة القلوب وغفلتها إلى لينها و ذكرها لخالقها ومولاها , ومن إغلال الأيدي إلى الأعناق إلى بسطها بعض البسط في الإنفاق .
د. عامر الهوشان