تَــخَــيَّـــــل أنَّكَ بالجَــنـــَّةِ

راشد بن عبد الرحمن البداح
1443/09/13 - 2022/04/14 11:07AM

الحمدُ للهِ الذيْ أظهرَ لعبادهِ منْ آياتِه دليلاً، وأشهدُ أنْ لا إلهَ إلا اللهُ وحدهُ لا شريكَ له المتفردُ بالخلقِ والتدبيرِ جُملةً وتفصيلاً، وأشهدُ أنَّ محمدًا عبدُهُ ورسولُهُ أصدقُ الخلقِ قِيلاً، صلى اللهُ عليهِ وسلَّمَ تسليمًا جليلاً. أما بعدُ:

فيا عبدَ اللهِ: هاقدِ انتصفَ شهرُك، فأنصِفْ نفسَك، وسَلْها: لماذا أصومُ؟ هلْ أصومُ تعبُدًا أم تعوُدًا؟ وهل صومِيْ يزيدُ إيمانِي؟ لنخاطِبْ أنفسَنا: ألسْنا نصومُ لندخلَ من بابِ الريانِ، الذي قَالَ عنه النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: إِنَّ فِي الجَنَّةِ بَابًا يُقَالُ لَهُ الرَّيَّانُ، يَدْخُلُ مِنْهُ الصَّائِمُونَ يَوْمَ القِيَامَةِ، لاَ يَدْخُلُ مِنْهُ أَحَدٌ غَيْرُهُمْ، يُقَالُ: أَيْنَ الصَّائِمُونَ؟ فَيَقُومُونَ لاَ يَدْخُلُ مِنْهُ أَحَدٌ غَيْرُهُمْ، فَإِذَا دَخَلُوا أُغْلِقَ فَلَمْ يَدْخُلْ مِنْهُ أَحَدٌ([1]).

يالِلهِ! ما أشدَ شوقَنا لهذهِ اللحظةِ: ندخلُ الجنةَ فتُغلَقُ أبوابُها، وينتهيْ التعبُ والنصبُ، ويزولُ المرضُ والحَزَنُ، ونلقَى أحبابَنا الذين فارقُونا، وأطفالَنا الذين احتسَبْناهُم، ندخلُ الجنةَ ونحنُ نقولُ: {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ شَكُورٌ(34)الَّذِي أَحَلَّنَا دَارَ الْمُقَامَةِ مِنْ فَضْلِهِ لَا يَمَسُّنَا فِيهَا نَصَبٌ وَلَا يَمَسُّنَا فِيهَا لُغُوبٌ}[فاطر34-36]

فَدَعْنَا نَتَخَيَّلُ الآنَ حالَنا وكأنَنا نسيرُ للجنةِ – بفضلِ ربِنا لا بأعمالِنا- نسيرُ بأبهَى حلةٍ، وأفخمُ مركبٍ، نسيرُ وُفودًا للجنةِ: {وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَرًا}[الزمر73] نَسيرُ والنورُ يُضِيءُ طريقَنا{يَوْمَ تَرَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ يَسْعَى نُورُهُمْ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ بُشْرَاكُمُ الْيَوْمَ جَنَّاتٌ}[الحديد12]

o    أتدريْ متى ندخُلُها – بفضلِ اللهِ لا بأعمالِنا؟ ندخلُها في شدةِ حرارةِ الشمسِ،  فيا للهِ ما ألذَّ توقيتَ الدخولِ بعد أهوالٍ وأحوالٍ {أَصْحَابُ الْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُسْتَقَرًّا وَأَحْسَنُ مَقِيلًا}[الفرقان24]

o    يدخلونَ وبانتظارِهم أضخمُ ضيافةٍ أولَ ما يَدخلونَ؟ أتدريْ من أعَدَّها لهم؟

الذي أعدَّها لهمْ هو الربُ سبحانَه: {نُزُلًا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ}[آل عمران198]

o    ثم ينصرفونَ لمنازلِهم! لكنَّ المنازلَ كثيرةٌ، والجموعَ غفيرةٌ! فيا تُرى هل يَتِيْهُونَ؟ لا؛ فإِنَّهُ بِمَنْزِلِهِ فِي الْجَنَّةِ أَهْدَى مِنْهُ بِمَسْكَنِهِ فِي الدُّنْيَا: {وَيُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ عَرَّفَهَا لَهُمْ}[محمد6]

o    ها قد دخَلُوا، فهل يُنامونَ، لا؛ فالنومُ أخُو الموتِ يقطعُهم عن اللذاتِ.

o    هلْ يَموتونَ؟ {لَا يَذُوقُونَ فِيهَا الْمَوْتَ إِلَّا الْمَوْتَةَ الْأُولَى}[الدخان56]

o    ماذا عن فَوَاكِهِهِم؟ العنِبُ هو العنِبُ، والرمانُ هو الرمانُ، لكن تتوافق بالاسمِ فقطْ، أما الطَعمُ فَلَذّةٌ مُتناهيةٌ، وأما الأحجامُ والأنواعُ فمَهولةٌ{كُلَّمَا رُزِقُوا مِنْهَا مِنْ ثَمَرَةٍ رِزْقًا قَالُوا هَذَا الَّذِي رُزِقْنَا مِنْ قَبْلُ وَأُتُوا بِهِ مُتَشَابِهًا}[البقرة25] الفاكهةُ قريبةٌ دائمةٌ لذيذة،ٌ والشرابُ لذيذٌ فاخرٌ لا يَضرُّ، ولذتهُ لا تُمَلُ.. يا أللهُ! {فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ(22) قُطُوفُهَا دَانِيَةٌ}[الحاقة22،23] {أُكُلُهَا دَائِمٌ وَظِلُّهَا}[الرعد35] {يُطَافُ عَلَيْهِمْ بِصِحَافٍ مِنْ ذَهَبٍ وَأَكْوَابٍ}[الزخرف70، 71] وشرابٌ آخرُ لذيذٌ: {يُطَافُ عَلَيْهِمْ بِكَأْسٍ مِنْ مَعِينٍ(45)بَيْضَاءَ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ}[الصافات45 - 46]

o    أيَتنعمونَ ألفَ سنةٍ؟! لا! مليونَ سنةٍ؟! لا. ملياراً؟! لا نهايةَ! بل خالدوووونَ. فوَاشوقاهُ لتلكَ الكلمةِ التي يقالُ لداخلَها: {ادْخُلِ الْجَنَّةَ} فيقول:{يَالَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ}[يس26].

o    حدِّثْنِي عنْ أنهارِ الجنةِ:{إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ}[القمر54] لكنَّ العجيبَ أن أنهارها الأربعةً، مَشروباتٌ ومَناظرُ مَشُوقاتٌ. {فِيهَا أَنْهَارٌ مِنْ مَاءٍ غَيْرِ آسِنٍ وَأَنْهَارٌ مِنْ لَبَنٍ لَمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ وَأَنْهَارٌ مِنْ خَمْرٍ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ وَأَنْهَارٌ مِنْ عَسَلٍ مُصَفًّى}[محمد15]

o    ما أنواعُ مَساكنِ أهل الجنة؟ قصورٌ - مساكنُ -غُرَفٌ خيامٌ {جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَيَجْعَلْ لَكَ قُصُورًا}[الفرقان10] {وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ}[التوبة72] {لَهُمْ غُرَفٌ مِنْ فَوْقِهَا غُرَفٌ مَبْنِيَّةٌ}[الزمر20] {حُورٌ مَقْصُورَاتٌ فِي الْخِيَامِ}[الرحمن72]

o    ماذا نَلبَسُ؟ {وَيَلْبَسُونَ ثِيَابًا خُضْرًا مِنْ سُنْدُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ}[الكهف31] في الأيديْ وفي الأعناقِ{أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤًا}[فاطر33][الحج23]
الحمدُ للهِ وحدَهُ، والصلاةُ والسلامُ على منْ لا نبيَ بعدَهُ. أما بعدُ:

فلا زِلنا نتخيلُ ونحن صائمونَ نعيمَ الجنةِ – نسألُ اللهَ بفضلِهِ فردوسَها.

فصِفْ لي مَجَالِسَهُمْ. سُرُرٌ من ذهبٍ وأرائكُ ووسائدُ مبثوثةٌ، معهمْ أحبُ جُلسائِهمْ بجمالِ نسائهِمْ وخدمةِ غلمانهِمْ {مُتَّكِئِينَ عَلَى سُرُرٍ مَصْفُوفَةٍ}[الطور20] {مُتَّكِئِينَ عَلَيْهَا مُتَقَابِلِينَ}[الواقعة16] {لَا يَرَوْنَ فِيهَا شَمْسًا وَلَا زَمْهَرِيرًا}[الإنسان11]

o    أما الزوجاتُ، وما أدراكَ ما الزوجاتُ؟ هُنّ الأجمَلُ والأكمَلُ، والألطَفُ، والأنظَفُ. {وَلَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ}[البقرة25] حَيِيَّاتٌ، مَرِحاتٌ حُورياتٌ:{وَزَوَّجْنَاهُمْ بِحُورٍ عِينٍ}[الطور20] أعمارُهنَّ وثُديُّهنَّ وَصْفُهُ بكَلِمَتينِ:{كَوَاعِبَ أَتْرَابًا}[النبأ33]

o     {إِنَّ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ الْيَوْمَ فِي شُغُلٍ..(55)بمَ مشغولونَ؟ مشغولُون بِفَضِ الأبكارِ، والتظللِ بالأشجارِ، والتمتعِ بجَرْيِ الأنهار، وبتذوقِ ألذِّ الثمار ِ{فَاكِهُونَ(55)هُمْ وَأَزْوَاجُهُمْ فِي ظِلَالٍ عَلَى الْأَرَائِكِ مُتَّكِئُونَ}[يس55-56]

o    أثمَّتَ زوجاتٌ غيرُ الأُولَياتِ؟ نعمْ! أينَ؟! {حُورٌ مَقْصُورَاتٌ فِي الْخِيَامِ}[الرحمن72]

فاللهمَ آمنا بالجنةِ وما رأيناها؛ اللهم –بفضلِكَ- فآتِناها.

اللهم اجمعْنا ووالدِينا وأولادَنا وأزواجَنا وأحبابَنا في الفردوسِ.

اللهمّ أعطيتَنا الإسلامَ من غير ِأن نسألَكَ، فلا تَحرِمْنا الجنّةَ ونحنُ نَسألكَ.

اللهم إن الصومَ والصلاةَ والصدقةَ لكَ، اللهم بفضلِك فاقبَلْها، وبعفوِكَ اعفُ عن تقصيرِنا فيها.اللَّهُمَّ لا تَحْرِمْنَا خَيْرَ ما عِنْدَكَ بِشَرِّ ما عِنْدَنَا.

اللهم اهدِ شبابَنا وشوابَّنا. اللهم قِهمْ فِتنَ الشبهاتِ والشهواتِ.

اللهم لك الحمدُ أن كفيتَنا شرَ الوباءِ بقدرتِكَ، ورفعتهُ برحمتِكَ.

اللهم وفِّقْ وليَّ أمرِنا ووليَّ عهدِه لما تحبُّ وترضَى، وخُذْ بناصيتِهِما للبرِّ والتقوى. وارزقهمْ بِطانةَ الصلاحِ والفلاحِ. اللهم صلِّ وسلِّمْ على عبدِكَ ورسولِكَ محمدٍ.



([1])صحيح البخاري (1896) وصحيح مسلم (1152)

المرفقات

1649934411_تخيَّلْ أنَّك بالْجَنَّةِ.docx

1649934412_تخيَّلْ أنَّك بالْجَنَّةِ.pdf

المشاهدات 1164 | التعليقات 0