تعوذوا بالله من الفتن
إبراهيم بن سلطان العريفان
1437/07/15 - 2016/04/22 07:56AM
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أرشف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
إخوة الإيمان والعقيدة ... من المقرر في شريعتنا أن النبي صلى الله عليه وسلم قد نصح لهذه الأمة وتركها على المحجة البيضاء، فما من خير إلا دلّها عليه وما من شر إلا حذرها منه.
وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن هذه الأمة في آخرها ستتعرض لطوفان من الفتن والإبتلاءات وألوانٍ من المحن والمدلهمات، فتنٌ من استشرف لها استشرفته وابتلعته، فتنٌ يحار فيها الحلماء، وتطيش بسببها عقول العقلاء، وتضطرب معها قلوب ذوي الألباب. فتنٌ تموج أعاصيرها موج البحار فتتغير فيها المفاهيم وتنقلب الحقائق فيشرعن للهوى، ويستخف بالدم، ويتعملق الأقزام، وتنطق الرويبضة.
كان رسول الله صلى الله عليه وسلم مع صحابته في سفر فنادى منادي رسول الله صلى الله عليه وسلم: الصلاة جامعة. فاجتمع الأصحاب حول الرسول صلى الله عليه وسلم فخطبهم خطبةً عظيمة، وقال فيها (إِنَّهُ لم يكنْ نبيٌّ قبلي ، إلَّا كان حقًا عليْهِ أنْ يَدُلَّ أمتَهُ على ما يعلَمُهُ خيرًا لهم ، ويُنْذِرَهُمْ ما يعلَمُهُ شرًا لهم ، وإِنَّ أمتَكم هذِهِ جُعِلَ عافيتُها في أوَّلِها ، وسيُصيبُآخرَها بلاءٌ شديدٌ ، وأمورٌ تٌنْكِرونَها ، وتجيءُ فِتَنٌ ، فيُرَقِّقُ بعضُها بعضًا ، وتجيءُ الفتنةُ ، فيقولُ المؤمنُ : هذه مُهْلِكَتِي ، ثُمَّ تنكشِفُ ، وتِجيءُ الفتنةُ ، فيقولُ المؤمِنُ : هذهِِ هذِهِ .
) وقال صلى الله عليه وسلم (تأتي على النَّاسِ سَنواتٌ [ خدَّاعاتٌ ] يُصدَّقُ فيها الكاذبُ، ويُكَذَّبُ فيها الصَّادقُ، ويؤتَمنُ فيها الخائنُ ويخوَّنُ فيها الأمينُ، وينطِقُ الرُّوَيْبضة قيلَ: يا رسولَ اللَّهِ وما الرُّوَيْبضةُ ؟ قالَ: الرَّجلُ التَّافِهُ يتَكَلَّمُ في أمرِ العامَّةِ
وقال صلى الله عليه وسلم ( تَكونُ فتَنٌ علَى أبوابِها دُعاةٌ إلى النَّارِ فأن تموتَ وأنتَ عاضٌّ علَى جِذْلِ شجرةٍ خيرٌ لَكَ من أن تَتَّبعَ أحدًا منهُم )
عباد الله ... إن الخوف من الفتن وردها والتحذير من ويلاتها سنةٌ سابقةٌ لسادات هذه الأمة وسلفها الصالح .. فها هو الخبير بشأن الفتن وأبوابها حذيفة بن اليمان رضي الله عنه يقول : إياكم والفتن لا يشخص إليها أحدٌ إلا نسفته كما ينسف السيل الدِمْـن .
إن الحديث عن الفتن وتوصيفها ليتأكد في هذا العصر الذي ماجت فيه الفتن من كل صوب حتى غدا كثيرٌ من الناس ـ إلا من رحم ربي ـ حيال هذه الفتن كالورق اليابس تصرِّمهم رياح الشهوات وأعاصير الشبهات يمنةً ويسرة فضــلاً عن الفتن العظام التي حلت بالأمة من ضرب الذل عليها وتدنيس مقدساتها على يدِ أنذل الخلق وأجبن الخليقة ناهيكم عن تمالئ عباد الصليب مع أحفاد المجوس .. ولا زالت حلقاتُ كيد الأعداء ومكرهم الكبُّـار مستمرةٌ في كثير من البلدان الإسلامية. يبغون فيهم الفتنة والتبعية والذل والصغار.
فمعرفة هذه الفتن وحقيقتها ، والعلم بها وفقه الخلاص منها مطلب شرعي لأهل الإيمان . وفي المقابل فإن الغفلة عن أبواب الفتن ربما كان سبباً في السقوط فيها والسعي إليها.
فاعلموا – عباد الله - أن هذه الفتن جزءٌ من سنن الله تعالى التي قدرها على عباده من أمة محمد كما قدَّرها على الأمم الماضية ( ألم * أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آَمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ * وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ ) ولم يثبت أمام هذه الفتن العظيمة إلا عباد اله المخلصين من أصحاب الأرصدة في الأعمال الصالحة. وما نُجيَ يوسف عليه السلام من أعظم فتنة ؛ فتنة النساء إلا لِما معه من درجات التقوى والإيمان الذي عصمه من تلك الفتنة ( كَذَٰلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ ).
أن هذه الفتن المتنوعة قد جعل لها أسباباً فوجود السبب مؤذنٌ بوجود الفتنة. قال الفاروق: أنه ما نزل بلاء إلا بذنب. ومصداق ذلك قول المولى جل وعلا ( وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ ) فواجب على الأمة أن أرادت كشف الفتنة وقشع الغمة أن ترجع منهاج النبوة وأن تمتثل أمر نبيها على مستوى العامة والخاصة ( إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ ) ( وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْرًا لَّهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتًا ) فإن سبب كثير من هذه الفتن هو مخالفة أمر الرسول صلى الله عليه وسلم ( فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ )
عباد الله .. إن هذه الفتن والبلايا إنما هي في الحقيقة امتحان من الله لعباده ، ففي الضراء والمحن , ومع طنين الشهوات ورنين الشبهات تمتحن معادن القلوب فيتكشف للجميع القلوب المؤمنة من القلوب التي فيها مرض ولذا عقب الله آية اليلاء بقوله ( وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ ) ففي الفتن تمتحن المشاعر والعواطف فهذا بارد الإحساس عديم المشاعر وآخر مشاعره متوهجة وعاطفته تغلي غيرة على الدين ، وفي الفتن تمتحن الألسن على الصدق والكذب .. تمتحن الألسن في النطق بالحق والسكوت على الباطل فربما صدع اللسان بالحق فكان أعظم الجهاد وربما توارى عن كشف الباطل فكان شيطاناً صامتاً، وصدق الله ( مَّا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَىٰ مَا أَنتُمْ عَلَيْهِ حَتَّىٰ يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ )
إن هذه الفتن بحسب قوتها تحدث انقلاباتٍ كبرى في عقائد الناس وفي أفكارهم ومواقفهم، ففي الفتن تبرز الردة، وتميع القضايا الثابتة، ويرخص أمر الدين، وتتغير المسلَّمات .. وهذا ما صوره لنا نبينا صلى الله عليه وسلم بقوله (بادروا بالأعمالِ فتنًا كقطعِ الليلِ المظلمِ . يصبحُ الرجلُ مؤمنًا ويمسي كافرًا . أو يمسي مؤمنًا ويصبحُ كافرًا . يبيعُ دينَه بعرضٍ من الدنيا
فإذا كانت العقائد تتغير في الفتن فدونها من باب أولى كتغير المرء من السنة إلى البدعة أو من الهداية إلى الضلالة أو من سلامة الفكر إلى الولوغ في الفكر المنحرف إما جفاء أو غلو. ولذا فإن من الأمور المهمة أيام الفتن التأكيد على قضية التوحيد ، والسعي على تثبيت العباد على الهدى والدين وتوعية الناس بسبيل المبطلين المشككين في ثوابت الأمة أو المستهترين بشعائر الدين مع التذكير على قضية الزهد في الدنيا وأن ما عند الله خير وأبقى .
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ونفعني وإياكم بهدي سيد المرسلين
الحمد لله وكفى والصلاة والسلام على عبده المصطفى وعلى آله وصحبه ومن اجتبى .
معاشر المؤمنين ... من علامات السعادة وأسباب الفلاح أن يسلم العبد من الفتن ، ومن نجا من الفتنة في زمانها فقد سَعَد وأفلح، قال عليه الصلاة والسلام (إنَّ السعيدَ لمن جُنِّبَ الفِتنَ إنَّ السعيدَ لمَن جُنِّبَ الفِتنَ إنَّ السَّعيدَ لمَن جُنِّبَالفِتَنَ
وكان عليه الصلاة والسلام وهو المؤيد من ربه دائماً ما يستعيذ من الفتن فكان يقول في صلاته قبل أن يسلم : (أعوذُ بك من فتنةِ المحيا و المماتِ
ولقد أوصاكم حبيبكم فقال ( تعوَّذوا باللهِ من الفتنِ ، ما ظهر منها وما بطن " قالوا :نعوذُ باللهِ من الفتنِ ، ما ظهر منها وما بطن )
أخوة الإيمان ... وإذا أظلت الفتنة وادلهمت الخطوب على الأمة وازداد اشتباك المصائب فالواجب الفزع إلى الله تعالى والانكسار بين يديه وإعلان التوبة الصادقة، يقول الله عز وجل حاثاً على التوبة زمن الفتنة والبأس ( فَلَوْلَا إِذْ جَاءَهُم بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا ) ولقد ذمَّ الله أقواماً لا يتوبون عند نزول الفتن والمدلهمات فقال عن المنافقين ( أَوَلا يَرَوْنَ أَنَّهُمْ يُفْتَنُونَ فِي كُلِّ عَامٍ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ لا يَتُوبُونَ وَلا هُمْ يَذَّكَّرُونَ ) .
ومما يستعان به في زمن الفتن ويكون تسليةً لأهل الإيمان مع صدمات المحن : التحلي بالصبر والمصابرة لأن هذه الفتن جزءٌ من أقدار الله المؤلمة والله عز وجل قد جعل الصبر مع التقوى جزءٌ متين يتقي به المؤمن أنواع البلاء ، قال تعالى ( لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذًى كَثِيرًا وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأُمُورِ ) قال عليه الصلاة والسلام ( إنَّ مِن ورائِكم أيامَ الصَّبرِ ، لِلمُتَمَسِّكِ فيهنَّ يومئذٍ بما أنتم عليه أجرُ خمسين منكم ، قالوا ، يا نبيَّ اللهِ أو منهم ؟ قال ، بل منْكم )
عباد الله .. الكتاب والسنة هما سفينة النجاة من الغرق في بحار الفتن ففيها العصمة لمن اعتصم، وفيهما الثبات لمن ثبت عليها ، قول تعالى ( فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلا يَضِلُّ وَلا يَشْقَى ) ويقول المصطفى صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع مودعاً أمته ( وقد ترَكتُ فيكم ما إنِ اعتصمتُم بِهِ فلن تضلُّوا أبدًا، أمرًا بيِّنًا كتابَ اللَّهِ وسنَّةَ نبيِّهِ ) واعلم الناس بنور الوحيين ومقاصد الشرع هم علماء الأمة، فالرجوع إليهم والأخذ عن رأيهم هو صمام أمان من السقوط في الفتن بعد توفيق الله تعالى.
أوصي نفسي وإياكم بحديث النبي صلى الله عليه وسلم (كلماتُ الفرجِ : لا إلهُ إلَّا اللهُ الحَلِيمُ الكَرِيمُ ، لا إلهَ إلَّا اللهُ العليُّ العَظِيمُ ، لا إلهُ إلَّا اللهُ رَبُّ السَّماوَاتِ السَّبْعِ و رَبُّ العرشِ العظيمِ)
إخوة الإيمان والعقيدة ... من المقرر في شريعتنا أن النبي صلى الله عليه وسلم قد نصح لهذه الأمة وتركها على المحجة البيضاء، فما من خير إلا دلّها عليه وما من شر إلا حذرها منه.
وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن هذه الأمة في آخرها ستتعرض لطوفان من الفتن والإبتلاءات وألوانٍ من المحن والمدلهمات، فتنٌ من استشرف لها استشرفته وابتلعته، فتنٌ يحار فيها الحلماء، وتطيش بسببها عقول العقلاء، وتضطرب معها قلوب ذوي الألباب. فتنٌ تموج أعاصيرها موج البحار فتتغير فيها المفاهيم وتنقلب الحقائق فيشرعن للهوى، ويستخف بالدم، ويتعملق الأقزام، وتنطق الرويبضة.
كان رسول الله صلى الله عليه وسلم مع صحابته في سفر فنادى منادي رسول الله صلى الله عليه وسلم: الصلاة جامعة. فاجتمع الأصحاب حول الرسول صلى الله عليه وسلم فخطبهم خطبةً عظيمة، وقال فيها (إِنَّهُ لم يكنْ نبيٌّ قبلي ، إلَّا كان حقًا عليْهِ أنْ يَدُلَّ أمتَهُ على ما يعلَمُهُ خيرًا لهم ، ويُنْذِرَهُمْ ما يعلَمُهُ شرًا لهم ، وإِنَّ أمتَكم هذِهِ جُعِلَ عافيتُها في أوَّلِها ، وسيُصيبُآخرَها بلاءٌ شديدٌ ، وأمورٌ تٌنْكِرونَها ، وتجيءُ فِتَنٌ ، فيُرَقِّقُ بعضُها بعضًا ، وتجيءُ الفتنةُ ، فيقولُ المؤمنُ : هذه مُهْلِكَتِي ، ثُمَّ تنكشِفُ ، وتِجيءُ الفتنةُ ، فيقولُ المؤمِنُ : هذهِِ هذِهِ .
) وقال صلى الله عليه وسلم (تأتي على النَّاسِ سَنواتٌ [ خدَّاعاتٌ ] يُصدَّقُ فيها الكاذبُ، ويُكَذَّبُ فيها الصَّادقُ، ويؤتَمنُ فيها الخائنُ ويخوَّنُ فيها الأمينُ، وينطِقُ الرُّوَيْبضة قيلَ: يا رسولَ اللَّهِ وما الرُّوَيْبضةُ ؟ قالَ: الرَّجلُ التَّافِهُ يتَكَلَّمُ في أمرِ العامَّةِ
وقال صلى الله عليه وسلم ( تَكونُ فتَنٌ علَى أبوابِها دُعاةٌ إلى النَّارِ فأن تموتَ وأنتَ عاضٌّ علَى جِذْلِ شجرةٍ خيرٌ لَكَ من أن تَتَّبعَ أحدًا منهُم )
عباد الله ... إن الخوف من الفتن وردها والتحذير من ويلاتها سنةٌ سابقةٌ لسادات هذه الأمة وسلفها الصالح .. فها هو الخبير بشأن الفتن وأبوابها حذيفة بن اليمان رضي الله عنه يقول : إياكم والفتن لا يشخص إليها أحدٌ إلا نسفته كما ينسف السيل الدِمْـن .
إن الحديث عن الفتن وتوصيفها ليتأكد في هذا العصر الذي ماجت فيه الفتن من كل صوب حتى غدا كثيرٌ من الناس ـ إلا من رحم ربي ـ حيال هذه الفتن كالورق اليابس تصرِّمهم رياح الشهوات وأعاصير الشبهات يمنةً ويسرة فضــلاً عن الفتن العظام التي حلت بالأمة من ضرب الذل عليها وتدنيس مقدساتها على يدِ أنذل الخلق وأجبن الخليقة ناهيكم عن تمالئ عباد الصليب مع أحفاد المجوس .. ولا زالت حلقاتُ كيد الأعداء ومكرهم الكبُّـار مستمرةٌ في كثير من البلدان الإسلامية. يبغون فيهم الفتنة والتبعية والذل والصغار.
فمعرفة هذه الفتن وحقيقتها ، والعلم بها وفقه الخلاص منها مطلب شرعي لأهل الإيمان . وفي المقابل فإن الغفلة عن أبواب الفتن ربما كان سبباً في السقوط فيها والسعي إليها.
فاعلموا – عباد الله - أن هذه الفتن جزءٌ من سنن الله تعالى التي قدرها على عباده من أمة محمد كما قدَّرها على الأمم الماضية ( ألم * أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آَمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ * وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ ) ولم يثبت أمام هذه الفتن العظيمة إلا عباد اله المخلصين من أصحاب الأرصدة في الأعمال الصالحة. وما نُجيَ يوسف عليه السلام من أعظم فتنة ؛ فتنة النساء إلا لِما معه من درجات التقوى والإيمان الذي عصمه من تلك الفتنة ( كَذَٰلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ ).
أن هذه الفتن المتنوعة قد جعل لها أسباباً فوجود السبب مؤذنٌ بوجود الفتنة. قال الفاروق: أنه ما نزل بلاء إلا بذنب. ومصداق ذلك قول المولى جل وعلا ( وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ ) فواجب على الأمة أن أرادت كشف الفتنة وقشع الغمة أن ترجع منهاج النبوة وأن تمتثل أمر نبيها على مستوى العامة والخاصة ( إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ ) ( وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْرًا لَّهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتًا ) فإن سبب كثير من هذه الفتن هو مخالفة أمر الرسول صلى الله عليه وسلم ( فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ )
عباد الله .. إن هذه الفتن والبلايا إنما هي في الحقيقة امتحان من الله لعباده ، ففي الضراء والمحن , ومع طنين الشهوات ورنين الشبهات تمتحن معادن القلوب فيتكشف للجميع القلوب المؤمنة من القلوب التي فيها مرض ولذا عقب الله آية اليلاء بقوله ( وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ ) ففي الفتن تمتحن المشاعر والعواطف فهذا بارد الإحساس عديم المشاعر وآخر مشاعره متوهجة وعاطفته تغلي غيرة على الدين ، وفي الفتن تمتحن الألسن على الصدق والكذب .. تمتحن الألسن في النطق بالحق والسكوت على الباطل فربما صدع اللسان بالحق فكان أعظم الجهاد وربما توارى عن كشف الباطل فكان شيطاناً صامتاً، وصدق الله ( مَّا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَىٰ مَا أَنتُمْ عَلَيْهِ حَتَّىٰ يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ )
إن هذه الفتن بحسب قوتها تحدث انقلاباتٍ كبرى في عقائد الناس وفي أفكارهم ومواقفهم، ففي الفتن تبرز الردة، وتميع القضايا الثابتة، ويرخص أمر الدين، وتتغير المسلَّمات .. وهذا ما صوره لنا نبينا صلى الله عليه وسلم بقوله (بادروا بالأعمالِ فتنًا كقطعِ الليلِ المظلمِ . يصبحُ الرجلُ مؤمنًا ويمسي كافرًا . أو يمسي مؤمنًا ويصبحُ كافرًا . يبيعُ دينَه بعرضٍ من الدنيا
فإذا كانت العقائد تتغير في الفتن فدونها من باب أولى كتغير المرء من السنة إلى البدعة أو من الهداية إلى الضلالة أو من سلامة الفكر إلى الولوغ في الفكر المنحرف إما جفاء أو غلو. ولذا فإن من الأمور المهمة أيام الفتن التأكيد على قضية التوحيد ، والسعي على تثبيت العباد على الهدى والدين وتوعية الناس بسبيل المبطلين المشككين في ثوابت الأمة أو المستهترين بشعائر الدين مع التذكير على قضية الزهد في الدنيا وأن ما عند الله خير وأبقى .
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ونفعني وإياكم بهدي سيد المرسلين
الحمد لله وكفى والصلاة والسلام على عبده المصطفى وعلى آله وصحبه ومن اجتبى .
معاشر المؤمنين ... من علامات السعادة وأسباب الفلاح أن يسلم العبد من الفتن ، ومن نجا من الفتنة في زمانها فقد سَعَد وأفلح، قال عليه الصلاة والسلام (إنَّ السعيدَ لمن جُنِّبَ الفِتنَ إنَّ السعيدَ لمَن جُنِّبَ الفِتنَ إنَّ السَّعيدَ لمَن جُنِّبَالفِتَنَ
وكان عليه الصلاة والسلام وهو المؤيد من ربه دائماً ما يستعيذ من الفتن فكان يقول في صلاته قبل أن يسلم : (أعوذُ بك من فتنةِ المحيا و المماتِ
ولقد أوصاكم حبيبكم فقال ( تعوَّذوا باللهِ من الفتنِ ، ما ظهر منها وما بطن " قالوا :نعوذُ باللهِ من الفتنِ ، ما ظهر منها وما بطن )
أخوة الإيمان ... وإذا أظلت الفتنة وادلهمت الخطوب على الأمة وازداد اشتباك المصائب فالواجب الفزع إلى الله تعالى والانكسار بين يديه وإعلان التوبة الصادقة، يقول الله عز وجل حاثاً على التوبة زمن الفتنة والبأس ( فَلَوْلَا إِذْ جَاءَهُم بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا ) ولقد ذمَّ الله أقواماً لا يتوبون عند نزول الفتن والمدلهمات فقال عن المنافقين ( أَوَلا يَرَوْنَ أَنَّهُمْ يُفْتَنُونَ فِي كُلِّ عَامٍ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ لا يَتُوبُونَ وَلا هُمْ يَذَّكَّرُونَ ) .
ومما يستعان به في زمن الفتن ويكون تسليةً لأهل الإيمان مع صدمات المحن : التحلي بالصبر والمصابرة لأن هذه الفتن جزءٌ من أقدار الله المؤلمة والله عز وجل قد جعل الصبر مع التقوى جزءٌ متين يتقي به المؤمن أنواع البلاء ، قال تعالى ( لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذًى كَثِيرًا وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأُمُورِ ) قال عليه الصلاة والسلام ( إنَّ مِن ورائِكم أيامَ الصَّبرِ ، لِلمُتَمَسِّكِ فيهنَّ يومئذٍ بما أنتم عليه أجرُ خمسين منكم ، قالوا ، يا نبيَّ اللهِ أو منهم ؟ قال ، بل منْكم )
عباد الله .. الكتاب والسنة هما سفينة النجاة من الغرق في بحار الفتن ففيها العصمة لمن اعتصم، وفيهما الثبات لمن ثبت عليها ، قول تعالى ( فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلا يَضِلُّ وَلا يَشْقَى ) ويقول المصطفى صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع مودعاً أمته ( وقد ترَكتُ فيكم ما إنِ اعتصمتُم بِهِ فلن تضلُّوا أبدًا، أمرًا بيِّنًا كتابَ اللَّهِ وسنَّةَ نبيِّهِ ) واعلم الناس بنور الوحيين ومقاصد الشرع هم علماء الأمة، فالرجوع إليهم والأخذ عن رأيهم هو صمام أمان من السقوط في الفتن بعد توفيق الله تعالى.
أوصي نفسي وإياكم بحديث النبي صلى الله عليه وسلم (كلماتُ الفرجِ : لا إلهُ إلَّا اللهُ الحَلِيمُ الكَرِيمُ ، لا إلهَ إلَّا اللهُ العليُّ العَظِيمُ ، لا إلهُ إلَّا اللهُ رَبُّ السَّماوَاتِ السَّبْعِ و رَبُّ العرشِ العظيمِ)