تعظيم قدر الأب2-11-3-1441هـ-مستفادة من خطبة الشيخ إبراهيم العجلان

محمد بن سامر
1441/03/03 - 2019/10/31 21:03PM
الحمدُ للهِ ربِ العالمينَ، وأشهدُ أنْ لا إلهَ إلَّا اللهُ وليُ الصالحينَ، وأشهدُ أنَّ محمدًا رسولُه الأمينُ، عليه وآلهِ الصلاةُ وأتمُ التسليمِ.
"يا أيها الذينَ آمنوا اتقوا اللهَ حقَ تقاتِه ولا تموتُنَّ إلا وأنتم مسلمون".
أما بعدُ: فيا إخواني الكرام، ما زال الحديثُ عن الأبِ الغالي الذي لا تزيده الأيام إلا حبًا لك وتعلَّقا بك، حتى تصبحَ أنت الرقمَ الأولَ والأهمَّ في حياتِهِ، لتكونَ أنتَ المخدومُ في لَيْلِهِ ونهارِهِ.
 فكرُه معك، وقلبُه يدورُ حولَك، وسؤالُه دائمًا عنك.
يفرحُ حين يرى عافيتَك وسرورَك، ويغتمُ حين يرى مرضَك وحُزْنك.
راحتُهُ أنْ يضمَّكَ إلى صدْرِهِ، يَخافُ عليك من اللَّمْسَة، ويُشْفِقُ عليكَ من النَسْمةِ، فكم مِنْ ليلةٍ سَهَرَها من أجلِ راحتِكَ، وكم من دمعاتٍ بكاها خوفًا على صحتِك.
ولـمَّا بدأتَ خُطواتِك الصغيرةِ، رسمتَ لوحةً جميلةً على محياه.
يرمقُك بنظراتِه، ويـُحيطك بعنايتِه، أوامرُك مُطاعةٌ، وطلباتُك مـُجابةٌ، يفرحُ لفرحِك، ويغضبُ لغضبِك، ويغتمُ لحزنِك، فكم من دموعٍ لك أزَالها، وكم من همومٍ عن صدرِك أزاحَها.
حتى إذا صَلُبَ عودُك، وزَهَرَ شبابُك، كنتَ أنتَ رمزَ فخرِه، وعُنوانَ مباهاتِه، يُسَرُّ بنجاحِكَ، ويَسْعَدُ برؤيةِ آثارِك.
أَتَتْ سنواتُ تربيتِك، فعانى ما عانى فيها، فكم من أيامٍ عاشها ألـمًا بسبب عنادِكَ، وكم من حسرات تجرَّعها كمدا من طيشِك.
يخافُ عليك محبةً بك، ويعاتبُك مودةً لك، ويؤدبُك تقويمًا وشفقةً عليك.
يَعْرَقُ لتلبيةِ احتياجِك، وبناءِ حياةٍ كريمةٍ لك، ويَكْدَحُ لإسعادِك ومستقبلك.
كم من دعواتِ في الأسحارِ، ابتهلَ فيها للملكِ الجبارِ، وأنتَ لا تدري.
وكم من لوْعاتٍ دامتْ، ودموعِ على المحاجرِ تجمَّعتْ، من أجلك أنت وأنت لا تدري.
رجاؤُه أن يرفرفَ التوفيقُ والنجاحُ في سمائِك، وغايتُه أن ترافقَ السعادةَ في يومِك وحياتِك.
يُعْطيكَ كلَّ شيء ولا يَطلبُ منك أجرًا، ويَبْذُلُ لك ما في وسعه ولا ينتظر منك شكرًا.
أَطِعِ الإلَهَ كَمَا أَمَرْ*وَامْلأْ فُؤادَكَ بِالحَذَرْ
وَأَطِعْ أَبَاكَ فَإِنَّهُ*رَبَّاكَ فِي عَهْدِ الصِّغَرْ
وَاخْضَعْ لأُمِّكَ وَارْضِهَا*فَعُقُوقُهَا إِحْدَى الكُبَرْ
"وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا ۚ إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا*وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا".
البرُّ بالأب يتأكَّد يوم يتأكد إذا تقضَّى شبابُه، وعلا مشيبُه، ورقَّ عظمُه، واحدودب ظهرُه، وارتعشت أطرافُه، وزارته أسقامُه، في هذه الحالِ من العمرِ لا ينتظرُ صاحبُ المعروفِ والجميلِ من ولدِه إلا قلبًا رحيمًا، ولسانًا رقيقًا، ويدًا حانيةً.
يا أيها البارُّ بأبيه، تذكَّرْ قولَ المولى-جل جلاله-: "وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ"، فتذللْ بين يديه بقولِك وفعلِك، لا تَدْعُه باسمِه؛ بل ناده بما يحبُ، لا تجلسْ قبلَه، ولا تمشِ أمامَه، قابله بوجهٍ طلقٍ، وابتسامةٍ وبشاشةٍ، وتشرَّفْ بخدمتِه، وتحسسْ حاجاتِه.
إن طلبَ فبادرْ أمرَه، وإن سَقِمَ فقُمْ عندَ رأسِه، أَبْهِجْ خاطرَه بكثرةِ الدعاءِ له، وأدخلِ السرورَ على قلبِه في كلِّ ما يـُحِبُ؛ قدِّمْ له الهدايَا، وزُفَّ إليه البشائرَ، واستشعرْ وأنتَ تَعْطِفُ على أبنائِك عطفَ أبيك وحنانَه بك، وردِّد في صبحٍ ومساءٍ: "رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا".
أيها البارُّ بوالده:
إن كان أبوك تاجُ رأسِك ممن ماتَ ومضى إلى ربه؛ فأكثرْ من الدعاءِ والاستغفارِ له، وجدِّد برَّك به بكثرةِ الصدقةِ عنه، وصلةِ أقاربِك من جهتِه.
جاء رجلٌ إلى النَّبيّ-صلى الله عليه وآلِه وسلم فقال: "يا رسول الله، هل بقي من برِّ أبويَّ شيءٌ أبرُّهُما به بعد موتِهما؟ قال: "نعم؛ الصلاة عليهما، والاستغفارُ لهما، وإنفاذُ عهدِهِما من بعدِهما، وصلةُ الرَّحمِ التي لا تُوصل إلا بهما، وإكرامُ صديقِهما".
وإن كان والدُك على قيدِ الحياةِ، فهنيئًا لك الحسناتٌ الدارات، تصبحُ وتُمسي وتتقلبُ في رضا ربِّ الأرض والسمواتِ.
أستغفرُ اللهَ ...
الخطبة الثانية
الحمدُ للهِ كما يحبُ ربُنا ويرضى، أَمَّا بَعْدُ:
وخاتمةُ الوصايا لمن كان له والدٌ، أن يـُحسنُ صحبته، ويطلبَ رضاه ودعوتَه، وليرفق به، وليتلطف معه، وليكثر من تقبيل يديه، ولزوم قدميه، فلطالما تعبتْ هاتانِ اليدانِ من أجل تربيتِك وإسعادِك، ولطالما تشققتْ تلك الأقدامُ الضعيفةُ من المشيِ في الأرضِ لأجلِ لقمةِ عيشِك أنت ومن معك.
وأخيرًا تذكرْ ليلةً تُصبحُ فيها بلا أبٍ مُشفقٍ، يدعو لك، ويسأل عنك، تذكرْ يومًا تحثو فيه الترابَ على صاحبِ القلبِ الكبيرِ، والوجهِ النضيرِ. 
تذكرْ ساعةً تدخلُ فيها المنزلَ، فلا تسمعُ صوتَه ولا تُبصرُ وجهَه.
فاستغفرْ ربَّك أخي المقصِّر، وعاهدْ نفسَك من هذا المكانِ على استدراكِ ما فاتَ، بالبرِ والإحسانِ فيما هو آتٍ، فهلْ جزاءُ الإحسانِ إلا الإحسانُ.
اللهم اهدنا والمسلمينَ لأحسنِ الأخلاقِ والأعمالِ، واصرفْ عنا والمسلمينَ سيِئ الأخلاقِ والأعمالِ، اللهم أصلحْ ولاةَ أُمورِنا وولاةَ أُمورِ المسلمينِ، وارزقهمْ البطانةَ الصالحةَ الناصحةَ، ووفقهمْ لما تحبُ وترضى، وانصرْ جنودَنا المرابطينَ، ورُدَّهُم سالمينَ غانمينَ، اللهم اغفرْ لنا ولوالدينا وللمسلمينَ، أسألُك لي ولهم من كلِّ خيرٍ، وأعوذُ وأُعيذُهم بك من كلِّ شرٍ، اللهم اشفنا واشفِ مرضانا ومرضى المسلمين، اللهم اجعلنا والمسلمينَ ممن نصرَك فنصرْته، وحفظَك فحفظتْه، اللهم عليك بأعداءِ المسلمينَ فإنهم لا يعجزونَك، اكفنا واكفِ المسلمين شرَّهم بما شئتَ يا قويُ يا عزيزُ.
 
المشاهدات 1316 | التعليقات 0