تعظيم قدر الأب1-4-3-1441هـ-مستفادة من خطبة الشيخ إبراهيم العجلان

محمد بن سامر
1441/03/03 - 2019/10/31 21:01PM
الحمدُ للهِ ربِ العالمينَ، وأشهدُ أنْ لا إلهَ إلَّا اللهُ وليُ الصالحينَ، وأشهدُ أنَّ محمدًا رسولُه الأمينُ، عليه وآلهِ الصلاةُ وأتمُ التسليمِ.
"يا أيها الذينَ آمنوا اتقوا اللهَ حقَ تقاتِه ولا تموتُنَّ إلا وأنتم مسلمون".
أما بعدُ: فيا إخواني الكرام، مشى عَتَّاب على حالٍ مِنْ الحُزْنِ والأَسَى، يَبْحَثُ عَمَنْ يَبُثًّ له شكايتَهُ، وَيَشْكُو إليه مَظْلَمَتَهُ.
فإلى مَنْ مَشَى؟ وفي أيِّ موضوعٍ تَظَلَّمَ واشْتَـكى.
أمَّا إلى مَنْ؟ فإلى أعدلِ قُضاةِ التاريخِ محمدٍ-صلى الله عليه وآلِه وسلم-، وأمَّا دَعْوُاه فتقول: يا رسولَ الله إنَّ أبي أخذَ مالي.
نعم.. مُؤْلم أَخْذُ المالِ والظُّلم، لكنَّ شكوى الأبِ أشدُّ إيلامًا.
فقال-صلى الله عليه وآلِه وسلم-: فَأْتِني بِأَبِيْكَ، فجاءَ الابنُ بأبيه، فإذا هو شَيخٌ كَبير، قد علا وجْهَهُ شُحُوبُ الزَّمانِ، وإذا هو قدْ جَاشَتْ نفسُهُ بأبياتٍ من الأسى على صنيعِ ابنِه الذي طالما ربَّاه وغَذَّاه، وفي طريقهما نَزَلَ جبريل-عليهِ السلامُ-على النبيِّ-صلى الله عليه وآلِه وسلم-وقالَ: إذا جاءَكَ الوالدُ فاسألهُ عن شيءٍ قالَهُ في نفسِهِ ولم تَسْمَعْهُ أُذُنَاه.
فلما دنى-اقتربَ-الأبُ، قال له النبيٌّ-صلى الله عليه وآلِه وسلم-: ما بال ابنكَ يشكوكَ أَنك أخذت ماله؟
 فقال الشيخ فقال: سَلهٌ يا رسولَ اللهِ هلْ أنفقتُه على نَفسي أم على إحدى عمَّاتِهِ؟
ولم ينتظرِ النبيُّ-صلى الله عليه وآله وسلم-جوابَ الابنِ، وإنَّما بادرَ الرجلَ فقال: أخبرني عن شيءٍ قُلتَهُ في نفسكَ، ولم تَسْمَعْهُ أُذُنَاكَ وأنتَ قادمٌ إليّ؟ فقال الشيخ: واللهِ يا رسولَ الله ما زال اللهُ يزيدُنا بكَ يقينًا، لقد قُلتُ في نَفْسِي ولم تَسْمَعْهُ أُذُنَايَ:
غَذَوتُكَ مولودًا وعِلتُكَ يافعـــًا*تُعـَلُّ بما أُدني إليـــكَ وتَنـهـلُ
إذا ليلةُ ضافتكَ بالسـُّقمِ لم أبِتْ*لسُقمِكَ إلاّ ســـاهرًا أتمـلّـمـلُ
كأنّي أنا المطروقُ دونكَ بالذي*طُرقتَ به دوني فعينايَ تَهمـِلُ
فلمّا بلغتَ السِــنَّ والغايةَ التي*إليها مدى ما كُنتُ فيكَ أُؤمـّلُ
جَعَلتَ جزائي غِلظَةً وفظاظــَةً *كأنّكَ أنتَ المُنعِــــمُ المتَفضـّلُ
فـليتـَكَ إذ لـم تَرْعَ حـــَقَّ أبوَّتي*فَعَلتَ كما الجارُ المجاوِرُ يفعلُ
فأوليتَني حَقَّ الجوارِ ولم تَكُن*عَليَّ بمالٍ دونَ مالِـــكَ تبخَـلُ
فبكى النبيُّ-صلى الله عليه وآله وسلم-حتّى ابتلَّتْ لحيتُه، ثُمَّ أمْسَكَ بتلابيبِ الوَلدِ-بأعلى ثوبِه عندَ عنقِه-وقال: "أنتَ ومالُكَ لأبيك".
فيا لِعَظَمَةِ هذا المشْهد، ويا لِعِظَمِ حَقِّ الأَبِ.
الأبُ كلمةٌ قَليلةٌ حرُوفُها، عَظيمة في عطائِها وشعورِهِا.
الأبُ لا تُوفِّيه الكلماتُ والعباراتُ، ولا تجازيه القصائِدُ، مهما بلغت من الثناءِ والمحامد.
الوالدُ هو السندُ إن مالَ عليك الزمانُ، وهو المعينُ إن ابتسمتْ لك الأيام.
وجودُه وحياتُه حَياة، وقسوتُه وإرشادُه نَجَاة.
هو سورُ الأسرةِ وعمودُها، وهو رمزُ أمانـِها، وسرُّ استقرارِها.
الوالدُ هو مُهْجَةُ الرُّوحِ، وقُرْةُ العينِ، ونُورُ الحياةِ، وشمعةُ المنزلِ.
حضورُهُ أُنْسٌ وَأَمَانٌ، ورُؤْيَتُه سعادةٌ واطمِئْنانٌ، وفَقْدُه لا تُعوِّضُهُ الأَثْمان.
الأبُ هو الرفيقُ الذي لا يَغيبُ، وهو الصديقُ وهو الحبيبُ.
هو ثوبُك وجَسَدُك، وملامِحُك وأحلامُك.
والدُك هو رمزُ المحبةِ والعطاءِ، وعُنوانُ التضحيةِ والفداءِ، وأصلُ المحاكاةِ والاقتداء.
الوالدُ هو المربي والموجِّه لك دونَ تقصيرٍ، وهو الباذلُ والكريمُ عليك دون بُخْلٍ أو تَقْتِير.
يأخذ من نفسِه لِيُعْطِيَكَ، ويَقْطَعُ مِنْ جَسَدِهِ لِيَفْدِيَك، وإن لم يُعْطِك ما تَتمنى، فقد وَهَبَكَ كلَّ ما وَجَدَ وتعنَّى.
إنه الأب الذي وصى به المولى-جل جلاله-، وجعل حقَه عظيمًا، وشكرَه واجبًا محتومًا، "وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ".
يا مَنْ تريدُ رضى ربِ البريَّاتِ، وتطلبُ جنةً عرضُها الأرضُ والسمواتُ: والدُك من أبوابها، قال-عليه وآلِه الصلاةُ والسلامُ-: "الوالدُ أوسطُ أبوابِ الجنَّةِ، فحافِظْ على ذلك إنْ شِئْتَ أو دَعْ"
الإحسانُ إلى الأبِ سببٌ لقبولِ الأعمالِ؛ قال-سبحانه-عن عبدِه الشاكرِ لنعمتِه، البارِّ بوالديهِ: "أُولَئِكَ الَّذِينَ نَتَقَبَّلُ عَنْهُمْ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَنَتَجاوَزُ عَنْ سَيِّئَاتِهِمْ فِي أَصْحَابِ الْجَنَّةِ وَعْدَ الصِّدْقِ الَّذِي كَانُوا يُوعَدُونَ".
استرضاءُ الأب استجلابٌ لرضا الله وجَنَّتهِ، وبُعْدٌ عن غضب الله ونارِه، قال-عليه وآلِه الصلاةُ والسلامُ-: "رِضَا اللهِ في رضا الوالدِ وسخطُ اللهِ في سخطِ الوالدِ".
 
الخطبة الثانية
الحمدُ للهِ كما يحبُ ربُنا ويرضى، أَمَّا بَعْدُ:
قف يا عبدَ الله، تأملْ معي قَدْرَ والِدِكَ، وفضلَهُ عليك، وإحسانَه إليك: فوالدُك أنت قطعةٌ منه، يرى فيك أملَهُ وذِكْرَهُ وبَقَاءَهُ.
لا تسل عن السرورِ والفرح والسعادة التي شعر بها حين بُشِّرَ بك، وأنت في أحشاء أمك.
ويزداد سرورًا كلما تقدَّمت في الحمل شهورا.
يَنْتظرُ بشوقٍ لإطلالتِكَ، ويَتَحَيَّنُ بِلَهَفٍ لإشراقتك.
يَعُدُّ الأيامَ واللياليَ لهذا اللقاءِ الجميل، كم سَرحَ في خيالِهِ من مَشَاهد، وكمْ هَامَ في وجْدَانِهِ من أُمْنِيات.
ولـمَّا حَانتْ ساعةُ خروجِك، وعَانَتْ أمُّكَ ما عَانَتْ من خُروْجِكَ، إذا والدك يعيشُ المعاناةَ والاضطراب، وكأنما يشاطرها الألَـم والأوجاع، ويبتهلُ لله أن يخففَ ألم المخاض.
حتى إذا سَمِعَ صرخاتِك فزَّ قلبُهُ وحنَّ، ورَقْرَقَتْ دَمَعاتُهُ وأنَّ، فرحًا بقدومك، وابتهاجًا برؤيتك.
لا تَسَلْ عنْ نَظَراتِ المحبةِ، ولمساتِ الرحمةِ، ونبضاتِ الحنانِ، فتلك لحظات لا تنسى في تاريخك عند أبيك. للحديث بقية...
اللهم اهدنا والمسلمينَ لأحسنِ الأخلاقِ والأعمالِ، واصرفْ عنا والمسلمينَ سيِئ الأخلاقِ والأعمالِ، اللهم أصلحْ ولاةَ أُمورِنا وولاةَ أُمورِ المسلمينِ، وارزقهمْ البطانةَ الصالحةَ الناصحةَ، ووفقهمْ لما تحبُ وترضى، وانصرْ جنودَنا المرابطينَ، ورُدَّهُم سالمينَ غانمينَ، اللهم اغفرْ لنا ولوالدينا وللمسلمينَ، أسألُك لي ولهم من كلِّ خيرٍ، وأعوذُ وأُعيذُهم بك من كلِّ شرٍ، اللهم اشفنا واشفِ مرضانا ومرضى المسلمين، اللهم اجعلنا والمسلمينَ ممن نصرَك فنصرْته، وحفظَك فحفظتْه، اللهم عليك بأعداءِ المسلمينَ فإنهم لا يعجزونَك، اكفنا واكفِ المسلمين شرَّهم بما شئتَ يا قويُ يا عزيزُ.
المشاهدات 1352 | التعليقات 0