تعظيم النص الشرعي

د عبدالعزيز التويجري
1443/07/30 - 2022/03/03 20:42PM
الخطبة الأولى: تعظيم النص الشرعي               1 / 8 / 1443هـ   
الحمد لله، لا رب لنا سواه، ولا نعبد إلا إياه، مخلصين له الدين ولو كره الكافرون. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له؛ له الأمر وله الحكم وإليه ترجعون. وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله؛ صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابهوالتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.أما بعد:
 فاتقوا الله تعالى واستسلموا لله بالتوحيد، وانقادوا له بالطاعة، وتبرأوا من الشرك وأهله {وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ العَذَابُ ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ}
قال عَبد اللهِ بن عمرو رضي الله عنهما: خَرَجَ رَسُولُ اللهِ e عَلَى أَصْحَابِهِ ، وَهُمْ يَخْتَصِمُونَ فِي الْقَدَرِ ، فَكَأَنَّمَا يُفْقَأُ فِي وَجْهِهِ حَبُّ الرُّمَّانِ مِنَ الْغَضَبِ . فَقَالَ : بِهَذَا أُمِرْتُمْ ، أَوْ لِهَذَا خُلِقْتُمْ ؟! تَضْرِبُونَ الْقُرْآنَ بَعْضَهُ بِبَعْضٍ . بِهَذَا هَلَكَتِ الأُمَمُ قَبْلَكُمْ. قَالَ : فَقَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ عَمْرٍو : مَا غَبَطْتُ نَفْسِي بِمَجْلِسٍ ، تَخَلَّفْتُ فِيهِ عَنْ رَسُولِ اللهِ e، مَا غَبَطْتُ نَفْسِي بِذَلِكَ الْمَجْلِسِ ، وَتَخَلُّفِي عَنْهُ . أخرجه أحمد وقال الألباني : حسن صحيح .
في هذا الحديث يبدو غضب النبي e من جرأة الناس في تعاملهم مع النص الشرعي، وإصدار الأحكام والفتاوى جزافا ، وضرب النصوص بعضها ببعض
[وَلا تَقُـولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِـنَتُكُمْ الْكَذِبَ هَذَا حَـلالٌ وَهَذَا حَـرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَـذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْـتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَـذِبَ لا يُفْلِـحُونَ ].
قال الإمام ابن القيم ـ رحمه الله ـ : (( لا يجوز للمفتي أن يشهد على الله ورسوله بأنه أحل كذا أو حرمه ، أو أوجبه أو كرهه ، إلا لما يعلم أن الأمر فيه كذلك مما نص الله ورسوله على إباحته أوتحريمه أو إيجابه أو كراهيته ، ليحذر أحدكم أن يقول : أحل الله كذا أو حرّم كذا ، فيقول الله له كذبت لم أحل كذا ، ولم أحرمه ))
إن من المؤلم أن تتحول أحكام الدين وشريعة رب العالمين إلى كلأ مباح وجدار قصير يتسلقه متطفلون يحلون الحرام ويحرمون الحلال .. فتاوى فيها الجرأة على التقوُّل على رب العالمين، وما زال واقعنا يتمخض بفتاوى لم يقل بها مَن سلف، أو قيلت ولكن بلا أثارة من علم.
فتاوى هزيلة تتسارع الأفواه في نقلها، وتتسابق الفضائيات في عرضها، أضلَّتْ أقوامًا، وتشبث بها مَن في قلبه مرض
إن الفتوى في أحكام الدين ومسائل الحلال والحرام مرتقى صعب إذا ارتقاه الذي لايتقنه ولايعلمه زلت به نحو الحضيض قدمه
أحكام الدين لايستفتى فيها إلا العلماء المعروفون بطول باعهم في العلم، تحصيلاً وتبليغًا، والمشهود لهم بدقة الفهم، ومعرفة حال المستفتين، ومآلات الفتوى.
العلماء الذين يعظِّمون النص، فلا يلتفّون على الأحكام الشرعية بتعليلات وهمية، ولا يوردون على النصوص القطعية احتمالاتٍ جدليةً.
 قال ابن سيرين: إن هذا العلم دين، فانظروا عمن تأخذون دينكم.
مسائل الدين لا تؤخذ من المفكرين، ولا من المثقفين، فضلاً عن غيرهم من الأدباء والصحفيين. فضلا عن أن ييخوض فيها متافهون ومنحرفون ... مسائل الإفتاء هي من العلماء وإلى العلماء
إن لم يكن للعلم دين يقوده …*… تحرف عن مهج الهدى وتنكبا
ان لم يكن للمرء دين مسيطر …*… عليه تعدى طوره وترببا
إن تعظيم النص الشرعي –قرآنا أو سنة- ليس مجرد موقف وجداني فحسب، بل هو أساس يمتد أثره إلى كافة خطوات التعامل مع النصوص الشرعية.
إنَّ من أعظم الضلال الذي تقع به الفتنة إهمال النصوص الشرعية ، وتحكيم أهواء البشر في نصوص الكتاب والسنة.
وقد ظهر من يتعدي على الحرمات والفضيلة، ومن حشد نصوصاً لا يدري موضعها من الشرع ، ولا يعرف صدر معناها من عَجزه، ولا يعلم بالناسخ والمنسوخ والمتقدم والمتأخر، تولّد لديه شريعة غير شريعة محمد صلى الله عليه وسلم،
 ومن تكلم بغير فنه أتى بالعجآئب !! هكذا قال الحافظ  ابن حجر رحمه الله  ..
ولا فرق بين من يورد نصوص الاختلاط قبل تمام الشريعة وفي الناس بقايا جاهلية تستوجب الانتظار، وبين من يورد أحاديث المتعة وأكل الربا وشرب الخمر قبل تحريمها مساق الجواز، وهذا عكْسٌ للإسلام وقلبٌ لتاريخ التشريع، وكأننا بمن يسلك هذا المسلك يأخذ تشريع العاشر من الهجرة وينقضه بالتاسع، وتشريع المدينة ينقضه بتشريع مكة، وكأن الإسلام بساط يُطوى، وعُرى تُنقض، ليظهر تحته بساط الجاهلية .
فمن الخطأ والخطر تبرير الواقع والمبالغة في فقه التيسير بالأخذ بأي قولٍ والعمل بأي اجتهادٍ دون اعتبار الحجة والدليل مقصداً مُهِّماً في النظر والاجتهاد .
بل إن الآثار وعمل الصحابة تبين أن الناس إذا تساهلوا في احكام الله انه يؤخذ فيهم بالأشد حتى يكفوا ، لما تساهل الناس بالطلاق أمضا عمر ابن الخطاب الثلاث بالواحدة ، ولما دنا الناس من القرى والريف وفشى الخمر وانتشر ، استشار عمر كبار الصحابة فزاد الحد فيه إلى ثمانين جلدة .
{وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ المُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا}
 أقول قولي هذا واستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب فاستغفروه إنه لان غفارا
 
 
الخطبة الثانية
الحمد لله الذي كان بعباده خبيرا بصيرا والصلاة والسلام على من بعثه ربه هاديا ومشرا ونذيرا وعلى اله وصحبه وسلم تسليما كثيرا   أما بعد
لقد غدت كثيرُ من أحكام الإسلام ومسلماته وثوابته حما مستباحا يخوض فيها كل متطفل ممن لم يشموا رائحة الفقه  فضلاً أن يجتهدوا فيه ،
إنك لتعجب حينما ترى متعاما يفتي باستباحة الدماء، أوكاتبا لا يستطيع عد فروض الوضوء، يناقش إباحة الغناء! أو مغنية فاجرة تقرر السفور والاختلاط والفساد، أوجاهلاً يبيح الربا !
إنه لا فرق بين من يورد نصوص الاختلاط قبل تمام الشريعة وفي الناس بقايا جاهلية تستوجب الانتظار، وبين من يورد أحاديث المتعة وأكل الربا وشرب الخمر قبل تحريمها مساق الجواز، وهذا عكْسٌ للإسلام وقلبٌ لتاريخ التشريع، وكأننا بمن يسلك هذا المسلك يأخذ تشريع العاشر من الهجرة وينقضه بالتاسع، وتشريع المدينة ينقضه بتشريع مكة، وكأن الإسلام بساط يُطوى، وعُرى تُنقض، ليظهر تحته بساط الجاهلية .
حياة بلا دين حياة حقيرة … تصرفها الأهواء والشهوات
تجادل في مكر لتأييد باطل … ودحض لحق أكدته ثقات
إن انتهاك الدين تشديداً، اوتمييع أحكامه تهاونا جرم عظيم وخطر كبير ، إن دين الله عظيم  وحمل ثقيل،  إنا سنلقي عليك قولا ثقيلا  .
فتوى الدين تؤخذ من الراسخين في العلم الذين ينتهجون نهج الكتاب الله والسنة بعلم ودراية ...
حفِظ الله بلادَنا وبلادَ المسلمين من شرّ الأشرار،وأدام علينا نعمةَ الأمن والأيمان..
اللهم اصلح من وليته امرنا ، اللهم آمنا في الأوطان والدور ، وانصر المرابطين على الثغور .
المرفقات

1646340157_تعظيم النص الشرعي.docx

1646340160_تعظيم النص الشرعي.pdf

المشاهدات 681 | التعليقات 0