(تعظيم النص الشرعي) خطب مختارة

الفريق العلمي
1439/05/20 - 2018/02/06 13:42PM

لقد حظيت نصوص الشريعة الغراء بتعظيم رفيع في شريعة الإسلام وتبوأت مكانة سامية الشأن، وما ذاك إلا لأن في تعظيمها مدخل مهم في سبيل التمسك بها والرضا بأحكامها والتسليم لها، وتلكم حقيقة الإسلام المستلزم للاستسلام التام لما جاء به والانقياد الخالص لنصوصه وأوامره؛ حيث أن التسليم بها وتعظيم شأنها من تمام عبودية الخلق للخالق -سبحانه وتعالى-؛ إذ أن عليها مدار التكليف والتشريع، وأن الالتزام بها سلوك لمراد الله ورسوله -صلى الله عليه وسلم-.

 

 كما أن التقصير في اتباعها يورث قصوراً في دين العبد، بل إن ذلك يحرفه عن الصراط السوي والدين القويم الذي جعل التسليم لها وتعظيمها ركن من أركان الدين العظيمة التي لا يقوم إلا بها، ولا تثبت قدم المسلم على الإسلام إلا عليها، ومن لم يسلم بالنصوص الشرعية ويستنير بنورها ويهتدي إلى ضيائها؛ فلا حظ له في الإسلام ولا مكان له فيه، ومن رام دينا غير دين الإسلام؛ فقد خسر خسرانا مبينا في الدنيا والآخرة، قال تعالى: (وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ) [آل عمران: 85].

 

ولا شك أن لدعوة الإسلام إلى تعظيم نصوص القرآن الكريم والسنة المطهرة حِكماً عظيمة، فمن ذلك:

أن في تعظيمها والاقتصار عليها تعظيم لله ورسوله وتعظيم لحرماته وشعائره.

 

لتحقيق مقصد الشريعة من التنزيل والتكليف، وقصر الاستدلال على النص؛ كون الحاكمية لله ورسوله والتشريع لهما.

 

لأن نصوص الشرعية محكمة لا اعوجاج فيها؛ فهي منزهة من الخطأ والنقص ومجانبة الصواب.

 

لأن المشرع لها هو الله العليم بأحوال الناس الخبير بما ينفعهم البصير بما يصلحهم، قال الله: (أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ) [الملك: 14].

 

لأنها صالحة لكل زمان ومكان ولجميع البشر على مختلف أحوالهم وتنوع بيئاتهم؛ فقد حوت على كل منافع الدينا والدين والآخرة وعالجت كل مجالات الحياة وأحوالها، قال الله: (مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ) [الأنعام: 38].

 

كذا لأجل إعمال النصوص كلها دون إهمال شيء منها؛ وحتى يدرك الناس أن سر سعادتهم في تقديم نصوص الشرع على العقل والأهواء، وليعلموا أن تقديم العقل على النقل من موجبات الانحراف والسقوط في وحل الضلالة -والعياذ بالله-.

قال ابن القيم -رحمه الله تعالى-: "وكل من كان له مسكة عقل يعلم أن فساد العالم وخرابه إنما ينشأ من تقديم الرأي على الوحي، والهوى على العقل، وما استحكم هذان الأصلان الفاسدان في قلب إلا استحكم هلاكه، وفي أمة؛ إلا فسد أمرها أتم فساده؛ وأكثر أصحاب الجحيم هم أهل هذه الآراء الذين لا سمع لهم ولا عقل؛ بل هم شر من الحمير، وهم الذين يقولون يوم القيامة".

 

أيها المؤمنون: ولتعظيم النصوص الشرعية؛ علامات ودلالات وبراهين؛ فمن تلك العلامات والدلائل والبراهين على تعظيم نصوص الشرع:

توقير النص الشرعي والوقوف عند مقتضاه وعدم التقدم بين يديه برأي أو ذوق أو عرف أو قانون أو غيره، قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) [الحجرات: 1].

 

 ومن العلامات والدلائل -أيضا-: السمع والطاعة والقبول والإذعان لأمر الله ورسوله، قال -جل في علاه-: (إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُفْلِحُونَ) [النور:51]، وقال تعالى: (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُّبِينًا) [الأحزاب: 36]؛ قال ابن كثير -رحمه الله-: "فهذه الآية عامة في جميع الأمور؛ ذلك أنه إذا حكم الله ورسوله بشيء فليس لأحدٍ مخالفته، ولا اختيار لأحدها هاهنا ولا رأي ولا قول"، وقال تعالى: (فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيمًا) [النساء: 65].

 

كما أن من علامات تعظيم نصوص الشرع الحنيف؛ أن يمسك عما ليس له به علم، وأن يجعل نصب عينيه قوله الحق -تبارك وتعالى-: (وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً) [الإسراء: 36]، وكذلك؛ ترك التكلف في البحث عن الحكمة؛ حيث أن تلك الصفة تنافي كمال التسليم والانقياد لله، بل قد يقود صاحبها إلى الاعتراض على بعض الأحكام الشرعية، حتى علم الحكم والمراد، والواجب على المؤمن أن يتأدب مع مقام الشرع؛ فالذي أنزل هذه النصوص سبحانه: (لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ) [الأنبياء: 23].

 

إخوة الإيمان: تلكم هي مكانة النصوص الشرعية وتلك البراهين والدلائل على صدق العبد في تعظيمها؛ فهي المحجة البيضاء التي تركنا علينا نبينا -صلى الله عليه وسلم-، وأوصانا بالاستقامة عليها؛ فقال: " تركتكم على البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها بعدي إلا هالك، من يعش منكم فسيرى اختلافا كثيرا، فعليكم بما عرفتم من سنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين عضوا عليها بالنواجذ، وعليكم بالطاعة وإن عبدا حبشيا، فإنما المؤمن كالجمل الأنف حيثما قيد انقاد" (صححه الألباني).

 

ولقد كان السلف الكرام والأئمة الأعلام؛ يعظمون شأن نصوص الشريعة، ويلزمون ظلها في كل أحوالهم، وكانوا يوصون بذلك ويحثون عليه، ومما سطر التاريخ من أقوالهم مايلي:

قال ابن عباس -رضي الله عنهما-: "عليكم بالاستقامة اتبعوا ولا تبتدعوا".

 

وقال ابن مسعود -رضي الله عنه-: "الاقتصاد في السنة خير من الاجتهاد في البدعة".

 

وقال الزهري -رحمه الله-: "الاعتصام بالسنة نجاة".

 

وقال الأوزعي -رحمه الله-: "اصبر نفسك على السنة وقف حيث وقف القوم وقل بما قالوا وكف عما كفوا عنه وأسلك سبيل سلفك الصالح فإنه يسعك ما لسعهم".

 

وقال أبو العالية -رحمه الله-: "تعلموا الإسلام وعليكم بالصراط المستقيم وعليكم بسنة نبيكم والذي كان عليه أصحابه وإياكم وهذه الأهواء التي تلقي بين الناس العداوة والبغضاء".

 

ورحم الله ابن القيم حيث قال: "وكل من له مسكة عقل يعلم أن فساد العالم وخرابه إنما ينشأ من تقديم الرأي على الوحي والهوى على العقل وما استحكم هذا الأصلان الفاسدان في قلب إلا ستحكم هلاكه وفي أمةٍ إلا فسد أمرها أتم فساد".

 

وقال الشافعي -رحمه الله تعالى-: "كل حديث عن النبي -صلى الله عليه وسلم- فهو قولي وإن لم تسمعوه مني"، وقال -أيضاً-: "إذا وجدتم سنة من رسول الله -صلى الله عليه وسلم- خلاف قولي؛ فخذوا بالسنة، ودعوا قولي فإني أقول بها".

 

ودخل على الشافعي -رحمه الله- رجل؛ فسأله عن مسألة؛ فأفتاه بحديث عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال الرجل: أتقول بهذا؟! فقال الشافعي مغضبا: أرأيت في وسطي زنارا؟! أتراني خرجت من كنيسة؟! أقول: قال النبي -صلى الله عليه وسلم- وتقول لي: أتقول بهذا؟! ويحك أي أرض تقلني؟ وأي سماء تظلني إذا رويت عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- شيئا، فلم أقل به نعم، على الرأس والعين".

 

عباد الله: لا غرابة أن يكون ذلك هو حال السلف -رضي الله عنهم- مع نصوص الشرع؛ فهم أكثر الناس معرفة بقداستها ومنزلتها، وأكثرهم إدراكا لمساوئ الاستهانة بالنصوص وآثار التخلي عن إعمالها في جميع شؤون حياتنا؛ لأن في الاستهانة بالنصوص الشرعية آثار وعواقب، منها ما يلي:

الضلال والانحراف عن مراد الله ورسوله، قال تعالى: (فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) [القصص: 50].

 

إسقاط الأحكام الشرعية وإلغاؤها واستبدالها بالقوانين الوضعية التي لا تمت إلى الشريعة الإسلامية بصلة، والتحاكم إلى الطاغوت، (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلَالًا بَعِيدًا) [النساء: 60].

 

ومن مساوئ عدم تعظيم النصوص الشرعية؛ تحقيق مطامع أعداء الدين اللذين يريدون أن نضل السبيل الذي دعانا للحياة عليه، قال الله عن ذلك في كتابه العزيز: (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ يَشْتَرُونَ الضَّلَالَةَ وَيُرِيدُونَ أَنْ تَضِلُّوا السَّبِيلَ) [النساء:44].

 

خطباؤنا الكرام: لا يخفاكم قداسة النصوص الشرعية، وما حظيت به في شريعة الإسلام من المكانة والمنزلة؛ وقد حاولنا في هذه المختارة أن نبسط التعريج على تلك المنزلة والأهمية، مع ذكر علامات المعظمين لنصوص الشرع الحنيف، كما اكتفينا بإشارة يسيرة إلى حال السلف -رحمهم الله- مع نصوص الوحيين وكيف كانوا يعظمونها ويعرفون منزلتها ومكانتها، ثم وضعنا بين أيدكم ثلة من خطب نخبة من الخطباء؛ عل الله أن ينفعكم بها فتنقلوها إلى عامة الناس حتى يدركوا مكانة نصوص الشريعة؛ فيلزموا غرزها ويقدرونها حق قدرها.

 

تعظيم النصوص الشرعية الشيخ د. : إبراهيم بن محمد الحقيل

https://khutabaa.com/khutabaa-section/corncr-speeches/173522

خطورة تقديم العقل على النقل د. عبدالرحمن بن عبدالعزيز السديس

https://khutabaa.com/khutabaa-section/corncr-speeches/177912

تعظيم النصوص الشرعية الشيخ : عبد المحسن بن عبد الرحمن القاضي

https://khutabaa.com/khutabaa-section/corncr-speeches/292739

التعامل مع نصوص الشرع  عبد المحسن بن عبد الرحمن القاضي

https://khutabaa.com/khutabaa-section/corncr-speeches/183614

تعظيم النصوص الشرعية خالد بن مسعود الذيابي

https://khutabaa.com/khutabaa-section/corncr-speeches/178963

تعظيم نصوص الشريعة وأحكامها فهد بن عبد الرحمن العيبان

https://khutabaa.com/khutabaa-section/corncr-speeches/179318

تعظيم النصوص الشرعية - عبدالله بن محمد بن أحمد الطيار

https://khutabaa.com/khutabaa-section/corncr-speeches/292908

تقديم العقل على النقل الفريق العلمي - ملتقى الخطباء

https://khutabaa.com/khutabaa-section/corncr-speeches/180213

المشاهدات 2148 | التعليقات 0