تعظيم النبي صلى الله عليه وسلم وأقواله

عبدالرحمن اللهيبي
1436/05/14 - 2015/03/05 17:52PM
هذه الخطبة منقولة مع جمع وتصرف ولا أذكر مصادرها لطول العهد بها وتم العمل عليها وتحسينها مجددا وهي تعنى بتعزيز محكمة التسليم للنص النبوي وأحسبها من الخطب المتميزة المهمة لمن أراد الإفادة منها:





الحمد لله؛ أنعم علينا بالإسلام، وبعث إلينا خير الأنام، وجعلنا من خير أمّة أُخرِجت للناس، أحمده حمداً طيباً كثيراً مباركاً فيه كما يحب ويرضى، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له، مخلصين له الدين ولو كره الكافرون، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله؛ بعثهُ الله تعالى بالهُدى ودين الحق؛ فهدى به من الضلالة، وأرشد به من الغواية، , صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعه إلى يوم الدين0 أما بعد:
فأوصيكم - أيُّها الناس - ونفسي بتقوى الله عز وجل : يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ، وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنسَاهُمْ أَنفُسَهُمْ أُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ
أيها الناس:حق النبي صلى الله عليه وسلم على أمته عظيم، وفضله عليهم كبير؛ فبه صلى الله ليه وسلم أخرجوا من الظلمات إلى النور ومن الكفر إلى الإسلام، ومن الهداية إلى الغواية ، ومن موجبات النار إلى موجبات الجنة0
كان عليه الصلاة والسلام رحيماً بأمته، حريصاً عليهم، يعز عليه ما يشق على أمته ))لَقَدْ جَاءكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ (؛ ولذا كان يترك العمل وهو يريده خشيَة أن يفرض على أمته فلا يطيقونه0
كان عليه الصلاة والسلام يصبر على أذى المعاندين من أمته، ويفرح بهدايتهم، ويخشى عذابهم، ويدعو لهم؛ روى عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما: أن النبي صلى الله عليه وسلم رفعَ يديهِ وقال اللهمَّ ! أُمَّتي أُمَّتي وبكى . فقال اللهُ عزَّ وجلَّ : يا جبريلُ ! اذهب إلى محمدٍ، - وربُّكَ أعلمُ -، فسَلهُ ما يُبكيكَ ؟ فأتاهُ جبريلُ عليهِ الصلاةُ والسلامُ فسَألهُ. فأخبرهُ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ بما قالَ . وهو أعلمُ . فقال اللهُ : يا جبريلُ ! اذهبْ إلى محمدٍ فقلْ : إنَّا سنُرضيكَ في أُمَّتكَ ولا نَسُوءُكَ .رواه مسلم
ولكل نبي من الأنبياء عليهم السلام دعوة مستجابة، دعوا ربهم فاستجاب الله تعالى دعواتِهم، وأعطاهم مسائلَهم، إلاَّ رسولنا صلى الله عليه وسلم فإنَّه ادَّخر دعوته شفاعةً لأمَّته في موقف هم أحوج ما يكونون لشفاعتِه، فصلوات ربِّي وسلامه عليه صلاة وسلاماً دائمين ما تعاقب الليل والنهار0
أيها المؤمنون : إنَّ نبياً بلغ حرصه علينا، ورحمتُه بِنا هذا المبلغ لحري بِنا أن نؤمِن به ونصدقه، وأن نعزره ونوقره، وأن نتبعه ونطيعه، وأن نحبه أشد من محبتنا لأنفسنا وآبائنا، وأمهاتنا وأزواجنا، وأولادنا وأموالنا، فهو بفضل الله تعالى سبب هدايتنا ونجاتنا، فمن مات منا على الإيمان، ونال الجنة والرضوان، فما نال ذلك إلاَّ بسبب النبي صلى الله عليه وسلم؛ فهل ترون لأحد حقا عليكم - بعد حق الله عز وجل - أعظم من حق أبي القاسم صلى الله عليه وسلم، بآبائنا هو وأمهاتنا وأولادنا وأموالنا0
أيها الأخوة الكرام :لقد عرف السلف الصالح فضل النبي صلى الله عليه وسلم عليهم فأنزلوه المنزلة التي يستحقها، آمنوا به وأحبوه، وصدقوه وأطاعوه، ووقروه وعزروه0
وأخبار الصحابة رضي الله عنهم في ذلك مستفيضة، وأخبار التابعين وتابعيهم فيه كثيرة0 يبكي واحدهم إذا ذُكر النبي صلى الله عليه وسلم عنده محبة له وتوقيرا وإجلالا، سُئل الإمام مالك رحمه الله تعالى:(متى سمعت من أيوب السختياني؟ فقال: كنت أرمقه ولا أسمع منه، غير أنه كان إذا ذَكَرَ النبي صلى الله عليه وسلم بكى حتى أرحمه، فلما رأيت منه إجلاله للنبي صلى الله عليه وسلم كتبت عنه)0
وكان الإمام مالك إذا ذَكَرَ النبي صلى الله عليه وسلم يتغير لونه وينحني برأسه حتى يصعب ذلك على جلسائه فقيل له يوما في ذلك، فقال: لو رأيتم ما رأيت لما أنكرتم علي ما ترون، لقد كنت أرى محمدَ بنَ المنكدر وكان سيدُ القراء لا نكاد نسأله عن حديث أبدا إلا ويبكي حتى نرحمه، ولقد كنت أرى جعفر بن محمد وكان كثير الدعابة والتبسم فإذا ذُكر عنده النبي صلى الله عليه وسلم اصفر لونه..
ولقد كان عبدُ الرحمن بن القاسم يذكر النبي صلى الله عليه وسلم فيُنظر إلى لونه كأنه نَزَف منه الدم، وقد جف لسانه في فمه؛ هيبة لرسول الله صلى الله عليه وسلم , وكان محمد بن سيرين يتحدث بأحاديث المجالس فيضحك فإذا جاء الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم خشع0
وجاء عن سعيد بن المسيب رحمه الله تعالى أنه سئل عن حديث وهو مضطجع في مرضه فتحامل على نفسه فجلس وحدث به، فقال له السائل: وددت أنك لم تتعن فتجلس وأنت مريض فقال: كرهت أن أحدث عن رسول الله وأنا مضطجع
وكان من المستقر عندهم رحمهم الله: توقير النبي صلى الله عليه وسلم بعد موته كتوقير الصحابة رضي الله عنهم له في حياته، فلا يرفعون أصواتهم في مسجده إجلالا وتوقيرا له عليه الصلاة والسلام؛ روى السائب بن يزيد رحمه الله تعالى فقال: (كنت قائما في المسجد فحصبني رجل فنظرت فإذا عمر بن الخطاب فقال: اذهب فأتني بهذين، فجئته بهما، قال: من أين أنتما ؟ قالا: من أهل الطائف، قال: لو كنتما من أهل البلد لأوجعتكما، ترفعان أصواتِكما في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم !!)
بل كان بعض التابعين يرى أن رفع الصوت في مجالس الحديث كرفع الصوت عند النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأن الحديث حديثه، قال حماد بن زيد رحمه الله تعالى:(كنا عند أيوب السختياني فسمع لغطا وهو يحدث بحديث رسول الله فقال: ما هذا اللغط ؟ أما بلغهم أن رفع الصوت عند الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم كرفع الصوت عليه في حياته)
وإذا كان سلفنا الصالح يعظمون النبي  ويقدسون قوله ويشتد نكيرهم على من يرفع صوته في مجلس حديثه فما بالكم بموقفهم ممن يرد قوله  أو يعارضه برأيه أو بقول أحد كائنا من كان..
يقول أبو الطاهر السِّلَفيُّ - رحمه الله تعالى -: "كلُّ من ردَّ ما صحَّ من قولِ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولم يتلقَّهُ بالقبول ضلَّ وغوَى؛ إذ كان - عليه الصلاة والسلام - لا ينطِقُ عن الهوَى".
وقال البَربَهاريُّ - رحمه الله تعالى -: "إذا سمِعتَ الرجلَ يرُدُّ الأثَر، يعني: الأحاديثَ الصِّحاح - فاتَّهِمه على الإسلام، ولا تشُكّ أنه صاحِبُ هوًى مُبتدِع".
ويقول الإمام أحمد - رحمه الله تعالى -: "من ردَّ حديثَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فهو على شفَا هلَكةٍ".
أيها الإخوة: هكذا كان حال أسلافكم من الصحابة والتابعين ، والأئمة المهديين؛ توقيرا للنبي صلى الله عليه وسلم، وتعظيما لحديثه، وتطبيقا لسنته، وأخبارهم في ذلك تعز على الحصر، وتستعصي على الجمع، يجمعها معرفتهم لعظيم قدر النبي صلى الله عليه وسلم، وإدراكهم لمنة الله تعالى عليهم إذ بعثه فيهم يتلوا عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين
فكانوا بتوقيرهم للنبي صلى الله عليه وسلم، وتعظيم حديثه، وامتثال أمره، واجتناب نهيه من المفلحين الذين أثنى الله تعالى عليهم في كتابه الكريم بقوله سبحانه (فالذين آمنوا به وعزروه ونصروه واتبعوا النور الذي أنزل معه أولـئك هم المفلحون)
جعلنا الله تعالى ووالدينا وأهلينا وأولادنا منهم، وحشرنا بمنه وكرمه في زمرتهم، إنه سميع مجيب0أقول ما تسمعون وأستغفر الله تعالى لي ولكم000

الحمد لله؛ أمر بالبر والتقوى، وأرشد للخير والهدى، أحمده على ما أنعم وأعطى، وأشكره على ما أهدى وأسدى، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له العليَ الأعلى، وأشهد أن محمدا عبده ورسله النبيُ المجتبى، والعبد المصطفى، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه ومن اقتفى أثره واهتدى0
أما بعد: أيها الإخوة المؤمنون :
لقد كان من توقير السلف الصالح رحمهم الله تعالى للنبي صلى الله عليه وسلم: تعظيمهم لسنته، والعناية بها، وتقديمها على أقوال الرجال وآرائهم مهما بلغت علومهم، وعلت منازلهم، وما من إمام متبوع من أصحاب المذاهب المشهورة المتبعة إلا ويعلن في أتباعه وتلامذته أن سنة النبي صلى الله عليه وسلم هي مذهبه، وأن أي قول له يخالف السنة فهو يبرأ إلى الله تعالى منه، قال الشافعي رحمه الله تعالى: إذا وجدتم سنة من رسول الله صلى الله عليه وسلم خلاف قولي فخذوا بالسنة، ودعوا قولي فإني أقول ولو علمت السنة ما قلت إلا بها وذَكَر الشافعي رحمه الله تعالى حديثا .. فقال له رجل: تأخذُ به يا أبا عبد الله ؟ فقال: أتراني في كنيسة ؟! أتراني في بيعة أوَ ترى على وسطي زُنَّارا ؟! نعم أقول به، وكلما بلغني عن النبي صلى الله عليه وسلم قلت به
ويقول أيضا -: "يسقُطُ كلُّ شيءٍ خالفَ أمرَ النبي - صلى الله عليه وسلم -، ولا يقومُ معه رأيٌ ولا قِياسٌ؛ فإن الله قطعَ العُذرَ بقولِه - صلى الله عليه وسلم -".
ويقول عمرُ بن عبد العزيز - رحمه الله تعالى -: "لا رأيَ لأحدٍ مع سُنَّةٍ سنَّها رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -".
ووالله لولا خشية الإطالة عليكم لسقت لكم من كلام الأئمة ما ترتعد له القلوب وتقشعر منه الجلود لشدة تعظيمهم مخالفة حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم
فبالله عليكم يا مسلمون : هل وقر رسول الله  من يرد حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم لرأي رآه، أو هوى ابتغاه ؟! هل وقر النبي  من إذا حدثناه بحديث عن رسول الله عارضنا بقول فلان أو علان فيقدم أقوال البشر على أحاديث سيد البشر
هل وقر النبي  حق توقيره من أمكنه تطبيق السنة دون مشقة ولا حرج وحاد عنها إلى غيرها تهاونا وكسلا
وهل وقرّ النبي صلى الله عليه وسلم من أبغض شيئا مما جاء به  أو سخر بشيء من هديه في الهيئة واللباس كتقصير الثياب وإكرام اللحى وإعفائها، أو سنة السواك 0
وهل وقر النبي صلى الله عليه وسلم من حاد عن طريقته، واستدرك عليه في شريعته، وابتدع في دينه ما ليس منه، وترك من السنة بقدر بدعته، وشرع من الدين ما لم يأذن به الله
وهل وقرَّ النبي ، وعظم سنته، واتبع شريعته، من أولّ النصوص المحكمة الواضحة، ليوافق بها أهواء البشر ومرادهم؛ وما أكثرهم في هذا الزمن وخصوصا في الصحافة والإعلام ؛ إذ أيسر شيء على الواحد منهم أن يرد حديث النبي صلى الله عليه وسلم، اتباعا لهواه وهوى من يطلب رضاهم من البشر دون رضى الله ، وهؤلاء المبدلون المغيرون هم الذين يذادون عن حوض النبي صلى الله عليه وسلم يوم يَرِدُه الثابتون على سنته عليه الصلاة والسلام، وفيهم يقول النبي صلى الله عليه وسلم (أنا على حوضي أنتظر من يرد علي، فيؤخذ بناس من دوني فأقول: أمتي ؟! فيقال: إنك لا تدري ما بدلوا بعدك، فأقول: سحقا سحقا لمن بدل بعدي) رواه الشيخان0
فاللهم إنا نعوذ بك أن نرجع على أعقابنا أو نفتن في ديننا .

ألا فاتقوا الله ربكم، واستمسكوا بدينكم، واعرفوا لنبيكم صلى الله عليه وسلم حقه، ووقروه وعزروه، واتبعوا سنته وعظموها ، واحفظوا له مكانته، وأنزلوه منزلته التي أنزله الله تعالى إياها بلا إفراط ولا تفريط، ولا غلو وتقصير ، واقرؤوا سيرته، وتزودوا من حديثه، وأطيعوا أوامره، واجتنبوا زواجره؛ فإن محبة الله تعالى لا تنال إلا بذلك ( قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ )
اللهم صلى على محمد وعلى آل محمد .....
المشاهدات 2088 | التعليقات 0