تعظيم الله(5)بتعظيم القرآن والاجتهاد في شعبان تهياً لرمضان

محمد بن عبدالله التميمي
1442/08/12 - 2021/03/25 13:34PM

  الحمد لله العظيم، العلي العليم، أشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له العزيز الحكيم، وأشهد أن محمدا عبدُ الله ورسوله الكريم، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين، وعلى من تعبهم بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد: فاتقوا الله عباد الله، واقدروا الله حق قدره، وعظموه حق عظمته، تعظيما لذاته وأسمائه وصفاته، ومن صفاتِه: كلامُه، وكتابه العزيز: تكلم به الله سبحانه بحرف وصوت سمعه منه جبريل فنزل به جبريلُ الروحُ الأمينُ على قلب نبينا محمدٍ صلى الله عليه وسلم {نزل به الروح الأمين* على قلبك لتكون من المنذرين* بلسان عربي مبين} وقد وصف اللهُ تعالى كتابَه العزيز بالعظمةِ فقال: {وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعاً مّنَ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ} فعظمة القرآن من عظمة الله، فإنه صفة من صفاته، وقد ذكر الله أثر هذه العظمة  {لَوْ أَنزلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُتَصَدِّعًا مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ} قال ابن كثير رحمه الله: (فَإذا كانَ الجَبَلُ في غِلْظَتِهِ وقَساوَتِهِ لَوْ فَهِمَ هَذا القُرْآنَ فَتَدَبَّرَ ما فِيهِ لَخَشَعَ وتَصَدَّعَ مِن خَوْفِ اللَّهِ عَزَّ وجَلَّ، فَكَيْفَ يَلِيقُ بِكم أيُّها البَشَرُ ألّا تَلِينَ قُلُوبُكم، وتَخْشَعَ، وتَتَصَدَّعَ مِن خَشْيَةِ اللَّهِ، وقَدْ فَهِمْتُمْ عَنِ اللَّهِ أمْرَهُ وقَدْ تَدَبَّرْتُمْ كِتابَهُ، ولِهَذا قالَ تَعالى: ﴿وَتِلْكَ الأمْثالُ نَضْرِبُها لِلنّاسِ لَعَلَّهم يَتَفَكَّرُونَ﴾). فهذا كما يقول ابْنُ عَبَّاسٍ: أَمَرٌ النَّاسَ إِذَا نَزَّلَ عَلَيْهِمُ القرآنُ أَنْ يَأْخُذُوهُ بِالْخَشْيَةِ الشَّدِيدَةِ والتخشع. قال ابن القيم رحمه الله: (القرآنُ كلامُ اللهِ، وقدْ تجلَّى اللهُ فيه لعبادِهِ بصفاتِهِ، فتارةً يتجلَّى في جلبابِ الهيبةِ والعظمةِ والجلالِ؛ فتخضَعُ الأعناقُ، وتنكَسِرُ النُّفوسُ، وتخْشَعُ الأصواتُ، ويذوبُ الكِبْرُ كما يذوبُ الملحُ في الماءِ). لذا -عباد الله- فقد وصف اللهُ تعالى أهلَ الإيمان بالخشيةِ والرقةِ والقشعريرةِ عند سماعِ القرآنِ كما في قوله تعالى: {اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ}. وقد رسم ابنُ القيمِ رحمهُ اللهُ الطريقَ الموصولَ إلى تعظيمِ اللهِ تعالى ومحبَّتِه وإفرادِه بالعبادةِ والطاعةِ عند تلاوة القرآن، فقالَ رحمهُ اللهُ: «تأمل خطابَ القرآنِ تجدْ ملكًا له المُلكُ كلُّه، وله الحمدُ كلُّه، أزِمَّةُ الأمورِ كلُّها بيدِه، ومصدَرُها منه، ومردُّها إليه، لا تَخْفَى عليه خَافِيةٌ في أقطارِ مملكتِهِ، عليمًا بما في نفوسِ عبيدِه، مُطَّلِعًا على أسرارِهم وعلانِيَتِهم، منفَرِدًا بتدبيرِ المملكةِ، يسمعُ، ويرى، ويعطي، ويمنعُ، ويثيبُ، ويعاقبُ، ويُكرمُ، ويُهينُ، ويخلقُ، ويرزقُ، ويُميتُ، ويُحيي، ويقدِّرُ، ويقضي، ويدبِّرُ. الأمورُ نازلةٌ من عندِه دقيقُها وجليلُها، وصاعدةٌ إليه لا تَتَحَرَّكُ في ذرِّةٍ إلا بإذْنِه، ولا تسقُطُ ورقةٌ إلا بعلْمِه. فتأملْ كيفَ تجِدُهُ يثنِي على نفسِه، ويمجِّدُ نفسَه، ويحمَدُ نفسَهُ، وينصَحُ عبادَه، ويدُلُّهم على ما فيه سعادَتُهم وفلاحُهم ويرغبُهم فيه، ويحذِّرُهم مما فيه هلاكُهم. ويتعرَّضُ إليهم بأسمائِه وصفاتِه، ويتحبَّبُ إليهم بنعمِهِ وآلائِه. فيذكِّرُهم بنعَمِهِ عليهم، ويأمرُهم بما يَسْتَوْجِبُون به تمامَها، ويحذِّرُهم من نِقَمِهِ، ويذكِّرُهم بما أعدَّ لهم من الكرامةِ إن أطاعُوه، وما أعدَّ لهم من العقوبةِ إن عَصَوْهُ. ويخبِرُهم بصُنْعِه في أوليائِهِ وأعدائِهِ، وكيفَ كانتْ عاقبةُ هؤلاءِ وهؤلاءِ. ويثنِي على أوليائِهِ بصالحِ أعمالِهم، وأحسنِ أوصافِهِم، ويذمُّ أعداءَه بسيِّئِ أعمالِهم، وقبيحِ صفاتِهم. ويضربُ الأمثالَ، وينوِّعُ الأدلةَ والبراهينَ، ويجيبُ عن شُبهِ أعدائِه أحسنَ الأجوبَةِ، ويصدِّقُ الصادق، ويكذِّبُ الكاذبَ، ويقولُ الحقَّ، ويهدي السبيلَ. ويدعو إلى دارِ السلامِ، ويذكرُ أوصافَها وحسنَها ونعيمَها، ويحذِّرُ من دارِ البوارِ، ويذكُرُ عذابَها وقبْحَها وآلامَها، ويُذَكِّرُ عبادَه فقرَهم إليهِ، وشدةَ حاجَتِهم إليه من كلِّ وجهٍ، وأنهم لا غنىً لهم عنه طرفةَ عينٍ، ويذكُرُ غنَاهُ عنهم وعن جميعِ الموجوداتِ، وأنه الغنيُّ بنفسِه عن كلِّ ما سوَاهُ، وكلُّ ما سوَاهُ فقيرٌ إليه بنفسِه، وأنه لا ينَالُ أحدٌ ذرةً من الخيرِ فما فوقَها إلا بفضْلِه ورحمَتِه، ولا ذرَّةً من الشَّرِّ فما فوقَها إلا بعدْلِه وحكمَتِه. ويشهدُ من خطابِه عتابَه لأحبابِه ألطفَ عتابٍ، وأنَّه معَ ذلك مُقيلُ عثراتِهم، وغافرُ زلاتِهم، ومقيمُ أعذارِهم، ومصلحُ فسادِهم، والدافعُ عنْهُم، والمحامِي عنهُم، والناصرُ لهم، والكفيلُ بمصالحِهم، والمنجي لهم من كلِّ كربٍ، والموفِّي لهم بوعدِه، وأنه وليُّهم الذي لا وليَّ لهم سوَاهُ، فهو مولاهُم الحقُّ، ونصيرُهم على عدوِّهم؛ فنعمَ المولى ونعمَ النصيرُ. فإذا شَهِدَتِ القلوبُ من القرآنِ ملكًا عظيمًا، رحيمًا، جوادًا، جميلًا، هذا شأنُه؛ فكيفَ لا تحبُّه، وتُنافِسُ في القربِ منه، وتنفِقُ أنفاسَها في التودُّدِ إليه، ويكونُ أحبَّ إليها من كلِّ ما سوَاهُ، ورضَاهُ آثَرُ عندَها من رضَا كلِّ ما سوَاهُ؟! وكيفَ لا تَلْهَجُ بِذِكْرِه، ويصيرُ حبُّه، والشوقُ إليه، والأنسُ به، هو غذاؤُها وقوتُها ودواؤُها؛ بحيثُ إن فَقَدَتْ ذلكَ فَسَدَتْ وهلكَت ولم تَنْتَفِعْ بحياتِها؟!. الخطبة الثانية الحمد لله الذي له ما في السماوات وما في الأرض وله الحمد في الآخرة وهو الحكيم الخبير، وصلى الله وسلم على نبيه محمد البشير النذير والسراج المنير، أما بعد: فاتقِ الله عبد الله واعلم أنما مرض القلوب من الذنوب، وأصل العافية أن تتوب، وتلاوة القرآن تعمل في أمراض الفؤاد ما يعمله العسل في علل الأجساد، مواعظ القرآن لأمراض القلوب شافية، وأدلة القرآن لطلب الهدى كافية. عباد الله شهر القراء هو شهركم هذا شعبان، تَقْدُمَةً بين يَدَيْ رَمضان، وتهَيُّأً للاجتهاد فيه للاستكثار من تلاوة القرآن، فالفارسُ قبل دخوله الميدان، يتهيأ بالـمِران، فكذلك قبل دخول شهر رمضان نكثرُ في هذا الشهر من الصيام وتلاوة القرآن، قالت عائشة رضي الله عنها: ما رَأَيْتُ رَسولَ اللَّهِ ﷺ اسْتَكْمَلَ صِيامَ شَهْرٍ إلّا رَمَضانَ، وما رَأَيْتُهُ أكْثَرَ صِيامًا منه في شَعْبانَ، وقال ﷺ: "تعرَّف على الله في الرخاء يعرفك في الشدة".

المرفقات

1616679290_خطبة عن تعظيم الله 5.pdf

المشاهدات 855 | التعليقات 0