تعظيم الله -عز وجل-
محمد بن إبراهيم النعيم
الخطبة الأولى
إن تعظيم الله -عز وجل- من أعظم العبادات القلبية، ومن أجلّ وأشرف أعمال القلوب.
إن القلب المعظِّم لله الذي يقدُر ربه حق قدره ويعظّمه سبحانه وتعالى حق تعظيمه ؛ هو ذلك القلب الذي تحقق فلاحه ونجاحه وسعادته في دنياه وأخراه ، وإذا كان القلب معظِّماً لله، عظّم العبد شرع الله، وعظّم دين الله.
أيها الأخوة في الله
إن من أسماء الله عز وجل " العظيم " ، فهو جل وعلا عظيم في أسمائه، وعظيم في صفاته، وعظيم في أفعاله، وعظيم في كلامه، وعظيم في وحيه وشرعه وتنزيله، وهو جل وعلا عظيم مستحق من عباده أن يعظموه جل وعلا حق تعظيمه، وأن يقدروه حق قدره ] وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ {، (جاء حبر من الأحبار إلى رسول الله –صلى الله عليه وسلم- فقال: يا محمد إنا نجد أن الله يجعل السموات على إصبع ، والأرضين على إصبع ، والشجر على إصبع ، والماء والثرى على إصبع ، وسائر الخلائق على إصبع فيقول: أنا الملك فضحك النبي -صلى الله عليه وسلم- حتى بدت نواجذه تصديقاً لقول الحبر، ثم قرأ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- :] وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ[) متفق عليه.
إن تعظيم الله أعظم العبادات القلبية التي يجب تحقيقها، والقيام بها، وتربية النفوس عليها، والشريعة مبنيةٌ على تعظيم الله؛ فتوحيد الله الذي هو أساس الملة والدين هو من تعظيم الله، فالله أجلُّ وأعظم من أن يعبد معه غيره.
فهناك فرق كبير بين أن تؤمن بالله وبين أن تعظمه، فإبليس يؤمن بالله ولكنه لم يعظم الله، فتعظيمك لله يحملك على طاعته وحبه والإكثار من ذكره.
لقد ربانا الإسلام على تعظيم الله عز وجل في جميع أحوالنا، فمنذ أن يولد المولود يؤذن في أذنه ليسمع أن الله أكبر، وشُرعَ الأذانُ ليدوي في أرجاء بلاد المسلمين خمس مرات ليسمع الجميع أن الله أكبر، والمسلم يستعيذ بالله العظيم إذا دخل المسجد قائلا: «أَعُوذُ بِاللَّهِ الْعَظِيمِ، وَبِوَجْهِهِ الْكَرِيمِ، وَسُلْطَانِهِ الْقَدِيمِ، مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ»، قَالَ: أَقَطْ؟ قُلْتُ: نَعَمْ، قَالَ: فَإِذَا قَالَ: ذَلِكَ قَالَ الشَّيْطَانُ: حُفِظَ مِنِّي سَائِرَ الْيَوْمِ. رواه أبو داود.
وترى المصلي يقول عند كل حركة انتقالية في صلاته الله أكبر، وأمرنا -صلى الله عليه وسلم- أن نعظم الرب في ركوعنا قائلا (فأما الركوع فعظموا فيه الرب)، وكان -صلى الله عليه وسلم- يقول أيضا في ركوعه (سبحان ذي الجبروت ، والملكوت ، والكبرياء ، والعظمة)،
وأمرنا -صلى الله عليه وسلم- بأن نكثر من تعظيم الله بالإكثار من ذكره وتسبيحه، وقال: (كلمتان خفيفتان على اللسان ، ثقيلتان في الميزان ، حبيبتان إلى الرحمن : سبحان الله العظيم ، سبحان الله وبحمده)، وأن (من قال: سبحان الله العظيم وبحمده؛ غرست له نخلة في الجنة)، ومن قال حين يصبح وحين يمسي: سبحان الله العظيم و بحمده مائة مرة ، لم يأت أحد يوم القيامة بأفضل مما جاء به ، إلا أحد قال مثل ما قال ، أو زاد عليه.
وكان -صلى الله عليه وسلم- يسأل الله بعظمته عند الكرب فيقول: ( لا إله إلا الله العظيم الحليم، لا إله إلا الله رب العرش العظيم، لا إله إلا الله رب السماوات ورب الأرض، ورب العرش الكريم)، وإذا مرض أحدنا يسن لمن زاره أن يدعو له قائلا: (أسال الله العظيم، رب العرش العظيم أن يشفيك)
حتى في استغفارنا جعل النبيُ -صلى الله عليه وسلم- أفضل الاستغفارات تلك التي فيها تعظيم لله عز وجل، حيث قال: (مَنْ قَالَ أَسْتَغْفِرُ اللَّهَ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الحَيَّ القَيُّومَ وَأَتُوبُ إِلَيْهِ، غُفِرَ لَهُ وَإِنْ كَانَ فَرَّ مِنْ الزَّحْفِ)، وذكر-صلى الله عليه وسلم- بأن أسمع الدعاء من سأل الله تعالى باسمه العظيم؛ كل ذلك ليعظُمَ الله عز وجل في نفوسنا.
أيها الأخوة في الله
إن تفكر المؤمن وتأمّله في آيات الله العظيمة ومخلوقاته الباهرة، تهدي قلبه وتسوقه إلى تعظيم خالقه.
تفكر يا عبد الله في هذه الأرض التي تمشي عليها، تجد أنها مخلوق عظيم؛ فإذا ما وسّعتَ النظر ونظرت فيما هو أعظم من ذلك وتأملت في السماء المحيطة بالأرض تتضاءل عندك هذه العظمة، ثم إذا تأملت فيما هو أعظم، وهي السماوات السبع المحيطة بهذه الأرض، يزداد الأمر عظمة، ثم إذا تأملت في ذلكم المخلوق العظيم الذي قال الله عنه في أعظم آية في كتاب الله ] وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ [؛ فتتضاءل عظمة السماوات وعظمة الأرض أمام عظمة هذا الكرسي ، ثم تتضاءل هذه العظمة إذا تأمل العبد في النسبة بين عظمة الكرسي وعظمة العرش حيث ثبت في المسند من حديث أبي ذر –رضي الله عنه- مرفوعا أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: (ما السماوات السبع في الكرسي إلا كدراهم سبعة ألقيت في ترس) .
وقال أبو ذر: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: (ما الكرسي في العرش إلا كحلقة من حديد ألقيت بين ظهري فلاةٍ من الأرض) رواه ابن خزيمة، والله سبحانه وتعالى بعظمته وجلاله أكبر من كل شيء، وعن ابن عمر مرفوعاً قال:" يطوي الله السموات يوم القيامة، ثم يأخذهن بيده اليمنى، ثم يقول: أنا الملك، أين الجبارون؟ أين المتكبرون؟ ثم يطوي الأرضين السبع، ثم يأخذهن بشماله ثم يقول أنا الملك، أين الجبارون؟ أين المتكبرون" رواه مسلم.
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه وتوبوا إليه، إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
الْحَمْدُ للهِ العظيم الحليم، وَأشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيْكَ لَهُ وَلِيُّ الصَّالِحِيْنَ، وأَشْهَدُ أَنَّ سَيِّدَنَا وَنَبِيَّنَا مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُوْلُهُ، الصادق الأمين، وإِمَامُ الأَنبِيَاءِ وَالْمُرْسَلِيْنَ، وَأَفْضَلُ خَلْقِ اللهِ أَجْمَعِيْنَ، صلى الله عَلَيْهِ، وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَالتَّابِعِيْنَ لَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّيْنِ.
أما بعد: فاتقوا الله تعالى حق التقوى.
أيها الأخوة في الله
إن من تربى على الإيمان والتعظيم لله عز وجل، أتظنون أن يجرأَ على الله؟ أتظنون أن يسخر بالله؟ فما بال هؤلاء العلمانيين والليبراليين وهم ممن عاش في أحضان أسر مسلمة يطلون علينا بين الفينة والأخرى بتغريدات كلها كفر وسخرية بالله عز وجل.
والغريب أن أصحاب هذه التغريدات لا زالوا أحرارا لم يحاسبوا، ولم يوقفوا عند حدهم، فكيف يُترك من يطعن في الذات الإلهية ويسخر من مقام نبينا -صلى الله عليه وسلم- ويعترض على شرع الله بالقدح؟ فهم لا زالوا يتكاثرون –لا كثرهم الله- ولا نستغرب ذلك لأن من أمن العقوبة أساء الأدب!
نسأل الله تعالى أن يقينا شح أنفسنا ويعيننا على فعل المعروف.
اللهم حبب إلينا الإيمان وزينه في قلوبنا،
اللهم اهدنا لأحسن الأخلاق لا يهدي لأحسنها إلا أنت،
اللهم أحينا على أحسن الأحوال التي ترضيك عنا،
اللهم ارزقنا الثبات حتى الممات، اللهم أصلح لنا ديننا
اللهم احفظ علينا أمننا واستقرارنا، وأصلح ولاة أمرنا،
27/6/1433 هـ