تعامل النبي صلى الله عليه وسلم مع أولاده وأحفاده

الحمد لله الأجلِّ الأكرمِ في عُلاه، له من الحمدِ أسماه ومن الشُّكر مُنتهاه، فلا تُوافَى نعمُ ربِّنا ولا تُكافَى عطاياه، أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له جعلَ المالَ والبنين زينةَ الحياة، وعملاً صالحًا باقيًا بعد الوفاة. وأشهد أن محمدًا عبدُ الله ورسولُه ومُصطفاه، أكرمُ والدٍ درجَت على الأرض خُطاه، وخيرُ أبٍ فاضَت بالمشاعرِ حناياه، ودمعَت لفَقد ولدِه عيناه، صلَّى الله وسلَّم وبارَك عليه، وعلى بناتِه وبَنيه، وصلَّى على أزواجِه وأصحابِه وتابعِيه، ومن تبِعَهم بإحسانٍ إلى يوم الدين.

لم تزَل التقوى خيرُ وصيَّةٍ، وأكرمُ سجِيَّة، فهي وصيَّةُ الأنبياء، وحِليةُ الأصفِياء، ونعمَ الزادُ عند اللقاء (وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ).

إخوة اٌيمان والعقيدة ... سيرةُ النبي صلى الله عليه وسلم نورٌ وهديٌ، في الدعوة والتعليم، وفي السياسة والحروب، وفي العبادة والأخلاق. أنَّى استقيتَ اهتدَيتَ، وحيثُما وردتَّ ارتوَيتَ.

وهذا مورِدٌ من سيرة النبي الخاتِم مع بناتِه وبنِيه وأحفاده صلَّى الله عليه وعليهم وسلَّم تسليمًا كثيرًا، تتجلَّى فيه إنسانيَّتُه وأبُوَّتُه، وشفقتُه وحنانُه، كما يجِدُ فيها الأبُ الذي فقدَ بنِيه سلوَى، فقد ابتُلِيَ من هو خيرٌ منه وأرقَى، ويجِدُ كلُّ أحدٍ فيها أحكامًا وفوائِد وشرعًا.

سيرةُ الرسولِ صلى الله عليه وسلم وأخبارُه أُنسُ وزينةُ المَجالِس، وما من أحدٍ إلا ويحبُّ سماعَ سيرته، ويأنَسُ بأخباره. فدعُونا نرحَلُ إلى أيامِه الأولى، وبيتِه الأول، مع أولاده صلى الله عليه وسلم.

عباد الله .. كان رسولُ الله صلى الله عليه وسلم فتًى من قُريش، معروفًا بالصدقِ والنزاهة، وكان يُدعَى بينهم "الأمين"، فاختارَته خديجةُ بنتُ خُويلدٍ رضي الله عنها، ليكون قائمًا بأمر تجارتها إلى الشام، وبعثَت معه غلامَها ميسرة، فكان ما كان. وأُعجِبَت به خديجةُ رضي الله عنها، فتزوَّجَها صلى الله عليه وسلم وعُمره خمسًا وعشرين سنة، وكانت أكبرَ منه سنًّا، وأقامَ بيتَه الأول بيتًا تُرفرِفُ فيها السعادة، ويُشرِقُ في جوانبِه الإيمان.

كان صلى الله عليه وسلم يُحبُّ خديجةَ حبًّا جمًّا، حتى كان نساؤُه بعد ذلك يغَرنَ منها، كان يقول (إني رُزِقتُ حبَّها) عاشَ معها خمسًا وعشرين سنة، وما تزوَّج بأخرى حتى ماتَت.

رُزِقَ صلى الله عليه وسلم منها بستةٍ من الولد: القاسم، وعبد الله، وأربع إناثٍ هنَّ: زينب، ورُقيَّة، وأم كُلثُوم، وفاطمة.

فأما القاسِم، فإنه أولُ أولادِه صلى الله عليه وسلم، وبه كان يُكنَى، فيُقال: "أبو القاسِم" وقد ماتَ القاسِمُ صغيرًا قبل بعثَةِ النبي صلى الله عليه وسلم. ثم بعد القاسم: وُلد للنبي صلى الله عليه وسلم بنتٌ فسمَّاها زينب، ومن خبرِها رضي الله عنها أنها ولدَت أُمامة، وكان من شفقَته صلى الله عليه وسلم وتواضُعِه أنه يُصلِّي وهو حاملٌ أمامةَ بنت زينب، فإذا قامَ حملَها، وإذا سجدَ وضعَها.

ثم بعد زينب: رُزِق النبي صلى الله عليه وسلم ببنتٍ فسمَّاها "رُقيَّة" وزوَّجها عُثمان بن عفَّان رضي الله عنه، ولما ماتَت رُقيَّةُ رضي الله عنها، زوَّج النبيُّ صلى الله عليه وسلم عُثمانَ ابنتَه الأخرى أمَّ كُلثُوم، فكان عُثمانُ يُلقَّبُ بذِي النُّورَين.

أما أصغرُ بناتِ النبي صلى الله عليه وسلم، فهي فاطمة رضي الله عنها. هي البَضعةُ النبويَّةُ، قال صلى الله عليه وسلم (فاطمةُ بَضعَةٌ منِّي، يُريبُها ما رابَنِي) بشَّرها النبي صلى الله عليه وسلم في آخر أيامه فقال لها (أما ترضَينَ أن تكونِي سيِّدةَ نساء أهل الجنة).

وماتَت فاطمةُ بعد النبي صلى الله عليه وسلم بستة أشهُر، رضيَ الله عنها

فاطمة .. هي زوجُ من؟ هي أم من؟ من ذا يُدانِي في الفَخارِ عُلاها؟

فاطمةُ - رضي الله عنها - زوَّجَها النبيُّ صلى الله عليه وسلم من ابنِ عمِّه عليِّ بن أبي طالبٍ رضي الله عنه، في السنة الثانية من الهِجرة، فولدَت الحسنَ والحُسينَ سيِّدَا شبابِ أهل الجنة، وكان صلى الله عليه وسلم يُحبُّهما حبًّا شديدًا ويقول (هما ريحانتَايَ من الدنيا).

لم يُخاصِم، ولم يضرِب، ولم يرفَع صوتَه على الطفلِ أو على الصبيِّ الذي صعِد ظهرَه وهو يُصلِّي، وإنما انتظرَه وأطالَ السُّجود، وقال (إن ابنِي ارتحَلَني، فكرِهتُ أن أُعجِلَه حتى يقضِي حاجتَه).

دخلَ الأقرعُ بن حابسٍ على النبيِّ صلى الله عليه وسلم فرآه يُقبِّلُ الحسنَ، فقال: إن لي عشرةً من الولَد ما قبَّلتُ واحدًا منهم. فقال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم (من لا يرحَم لا يُرحَم) هذا قلبُ النبيِّ صلى الله عليه وسلم، وهذه رحمتُه بالصِّغار (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ).

ثم أصغرُ أولادِ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - من خديجة: عبدُ الله، وكان يُلقَّبُ بالطيب أو الطاهر، وُلد بعد البِعثة، ومات صغيرًا.

هؤلاء هم أولادُ النبيِّ صلى الله عليه وسلم من خديجة رضي الله عنها: القاسمُ، وعبدُالله، وزينبُ، ورُقيَّة، وأمُّ كُلثُوم، وفاطمةُ رضي الله عنهم أجمعين، وإننا نُشهِدُ اللهَ على حبِّهم ومُوالاتهم والتقرُّب إلى الله بذلك، من غير جفاءٍ ولا غُلُوٍّ.

أقول ما تسمعون ...

 

 

الحمد لله رب العالمين، الرحمن الرحيم، مالك يوم الدين، وأشهَدُ أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له الملكُ الحقُّ المُبين، وأشهَدُ أن محمدًا عبدُ الله ورسولُه، صلَّى الله وسلَّم وبارَك عليه، وعلى آله وصحبِه أجمعين.

معاشر المؤمنين .. صلَّى النبيُّ صلى الله عليه وسلم الفجرَ ذاتَ يومٍ، ثم التفَتَ إلى أصحابِه فقال (وُلِد الليلةَ لي غُلام، سمَّيتُه باسمِ أبي إبراهيم).

نعم، ذاك هو إبراهيم، أمُّه ماريةُ القِبطيَّةُ المصريَّة، أهداها المُقوقِسُ إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فولدَت له إبراهيم.

قال أنسُ بن مالكٍ رضي الله عنه: ما رأيتُ أحدًا كان أرحمَ بالعِيالِ من رسولِ الله صلى الله عليه وسلم. كان يأخُذُه فيُقبِّلُه ثم يرجِع.

ماتَ إبراهيم في السنة العاشِرة، وعُمرُه ثمانية عشر شهرًا، وكسَفَت الشمسُ يوم مات، فظنَّ بعضُ الناس أنها كسَفَت لموتِه، وبكَى النبيُّ صلى الله عليه وسلم وقال (إن العينَ تدمَع، والقلبَ يحزَن، ولا نقولُ إلا ما يُرضِي ربَّنا، وإنا بفِراقِك يا إبراهيمُ لمحزُونون) وقال صلى الله عليه وسلم (إنَّ له مُرْضِعًا في الجَنَّةِ).

هكذا كان نبيكم صلى الله عليه وسلم مع أبنائه وبناته وأحفاده، فصلواتُ الله وسلامُه على عبدِه ورسولِه محمدٍ، وعلى آلهِ وأصحابِه، وأزواجِه وذريَّته، ومن تبِعَهم بإحسانٍ إلى يوم الدين

اللهم احفَظ بلادَنا وبلادَ المُسلمين من كل سُوءٍ ومكروه، اللهم من أرادَنا وأرادَ الإسلام والمسلمين بسُوءٍ فأشغِله بنفسِه، ورُدَّ كيدَه في نحره، اللهم من أرادَنا وبلادَنا ووُلاتَنا وعُلماءَنا وعامَّتنا ووحدَتنا بسوءٍ فأشغِله بنفسه، واجعَل دائرةَ السَّوء عليه يا رب العالمين.

اللهم وفِّق وليَّ أمرنا لما تحبُّ وترضَى، وخُذ به للبرِّ والتقوى، اللهم وفِّقه ونائبَه وإخوانَه وأعوانَه لما فيه صلاحُ العباد والبلاد يا حي يا قيوم، يا ذا الجلال والإكرام.

اللهم انصُر جنودَنا المُرابِطين على ثُغورِنا، اللهم انصُر المُجاهِدين جنودَنا المُرابِطين على ثُغورِنا، وكلَّ رِجال أمنِنا، اللهم احفَظهم بما يحفَظون من بلادِك المُقدَّسة وعبادِك المُؤمنين، اللهم ثبِّتهم وبارِك أعمالَهم وأعمارَهم، وأهلَهم وأموالَهم، وتولَّ ثوابَهم وتقبَّل منهم يا رب العالمين.

اللهم انشُر الأمن والرخاء في بلادِنا وبلادِ المسلمين، واكفِنا شرَّ الأشرار، وكيدَ الفُجَّار، وشرَّ طوارِق الليل والنهار.

سبحان ربِّنا ربِّ العزة عما يصِفون، وسلامٌ على المرسلين، والحمد لله رب العالمين.

 

المرفقات

1706220169_تعامل النبي صلى الله عليه وسلم مع أولاده وأحفاده.pdf

1706220176_تعامل النبي صلى الله عليه وسلم مع أولاده وأحفاده.docx

المشاهدات 740 | التعليقات 0