تعامل النبي صلى الله عليه وسلم مع أهله
إبراهيم بن سلطان العريفان
بسم الله الرحمن الرحيم
إخوة الإيمان والعقيدة ... إنَّ سيرة نبيِّكم صلى الله عليه وسلم زاخرةٌ بالمواقف الحسنة والطيِّبة مع أهل بيته، فقد كان خيرَ زوجٍ لأهله، كيف لا وهو القائل: (خَيْرُكم خَيْرُكم لِأَهْلِه، وأَنا خَيْرُكم لِأَهْلي) كان نبيّنا - صلى الله عليه وسلم الزَّوج المُحبَّ، والنَّاصح، والجليس المؤنس لزوجاته، وكان يلاطفهنَّ ويضحك معهنَّ في السَّراء، ويواسيهِنَّ في الضَّراء. وكان يستمعُ لشكواهنَّ دون تذمُّرٍ، ولا يؤذيهنَّ بأيِّ نوعٍ من أنواع الأذى، سواءً بيده أو بلسانه، فلا يجرح مشاعرُهُنَّ بكلامه، ولا يتصيَّد أخطاهنَّ، ولا يتتبَّع عثراتهنَّ، فلم يرد عنه أنَّه ضرب امرأةً بيده قط، فقد كان يتغاضى عن الأخطاء والزَّلات، وكان كثير العِرفان والشُكر لهُنَّ، وينظر إلى أفضل ما فيهنَّ من أخلاق. فهو القائل صلى الله عليه وسلم: (لَا يَفْرَكْ مُؤْمِنٌ مُؤْمِنَةً، إنْ كَرِهَ منها خُلُقًا رَضِيَ منها آخَرَ).
وذكر لنا أصحابُ السُّنن وأهل السِّيرة جانباً كبيراً من حياته مع زوجاته، وطريقة تعامُله معهُنّ، ولما سُئلت زوجته عائشة رضي الله عنها عن أخلاقه في بيته ومع زوجاته، قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أَلْيَنَ الناس، وأكرم الناس، كان رجلاً من رجالكم، إلَّا انه كان ضحَّاكًا بسَّامًا، كان يكون في مهنة أهله، يخصف نعله، ويرقع ثوبه، ويخدم نفسه، فإذا حضرت الصلاة خرج إلى الصلاة.
فهو صلى الله عليه وسلم ألين الناس وأكرمهم وخاصةً مع زوجاته رغم كثرة مشاغله؛ فهو قائد الأُمَّة ونبيُّها، وكان يقوم بخدمتهم ومهنتهم؛ الأمر الذي يُوطِّد العلاقة بين الأزواج، ويزرع المودَّة والألُفة، ويُديم الحياة الزوجيّة بينهما، وممَّا يؤكد لُطفه في تعامله معهنّ؛ أنه ذات يومٍ كان جالساً مع زوجته عائشة رضي الله عنها، ودخل عليهم خادمُ زوجته الأُخرى زينب بنتُ جحش رضي الله عنها ومعه طعام للنبيّ عليه الصلاةُ والسلام، فتحرّكت الغيرة في قلب أم المؤمنين عائشة، وأخذت الطعام وكسرت صفحة الطعام وتناثر على الأرض، فقام النبيُّ عليه الصلاةُ والسلام بجمع الطَّعام، وهو يقول: غارت أُمّكم غارت أُمّكم، فلم يوبّخها، بل راعى نفسيَّتها.
ومن المشاهد في بيت النُبوة أيضاً أنَّ عائشة -رضي الله عنها- علا صوتُها وراجعت النبيَّ عليه الصلاةُ والسلام في بعض أُموره، وفي هذه الَّلحظة مرَّ أبوها أبو بكر الصديق -رضي الله عنه-، فاستأذن في الدُخول وكانت تبدو عليه علامات الغضب، وعاتب ابنته وقال لها: يا ابنة أُم رومان، لا أراك ترفعين صوتك على رسول الله. فقامت عائشة رضي الله عنها بالاحتماء خلف النبيِّ عليه الصلاةُ والسلام، بل ودافع عنها أمام أبوها، ثُمَّ مازحها بعد خُروجه، فاستحيت من نفسها.
ويروى أنَّ أزواج النبيّ صلى الله عليه وسلم كُنَّ يُراجعنه، فما كان يُقابل ذلك إلَّا بحلمه وعفوه، تقول زوجة عمر بن الخطاب: فَوَاللَّهِ إنَّ أزْوَاجَ النبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ ليُرَاجِعْنَهُ، وإنَّ إحْدَاهُنَّ لَتَهْجُرُهُ اليومَ حتَّى اللَّيْلِ، فأفْزَعَنِي، فَقُلتُ: خَابَتْ مَن فَعَلَ منهنَّ بعَظِيمٍ، ثُمَّ جَمَعْتُ عَلَيَّ ثِيَابِي، فَدَخَلْتُ علَى حَفْصَةَ، فَقُلتُ: أيْ حَفْصَةُ أتُغَاضِبُ إحْدَاكُنَّ رَسولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ اليومَ حتَّى اللَّيْلِ؟ فَقالَتْ: نَعَمْ.
معشر المسلمين .. كان النبيّ صلى الله عليه وسلم يواسي زوجاته، ويجبرُ بخاطرهنَّ، دخل ذات يومٍ صلى الله عليه وسلم على زوجته صفية بنتُ حُيي رضي الله عنها وهي تبكي، فسألها عن سبب بُكائها، فأخبرته أن حفصة بنتُ عُمر بن الخطاب رضي الله عنها قامت بتعييرها أنَّها ابنة يهوديٍّ، فجبر النبيُّ صلى الله عليه وسلم بخاطرها، وقال لها بأن تقول: أنا زوجي مُحمَّد، وأبي هارون، وعمي موسى. ونظر إلى زوجته الأُخرى وقال لها أن تتّقِ الله، فكان النبيُّ صلى الله عليه وسلم يحل مشاكله بحكمة.
كما كان عليه الصلاةُ والسلام كثير المُشاورة لهُنَّ، فكان يُشاورهُنَّ ويشكي لهُنَّ هُمومه وما يحصل معه، فقد أخذ بمشورة زوجته أُمُّ سلمة رضي الله عنها في صُلح الحُديبية، وكان لرأيها أثرٌ عظيمٌ في الصحابة.
أيّها الأفاضل، كانت سيرة النبيِّ عليه الصلاةُ والسلام مع أهله وأُسرته عظيمةٌ من جميع جوانبها، فهو خيرُ النَّاس لأهله، وهو قدوةٌ للأزواج في كيفيَّة تعامُله مع نسائه، وهو القائل: (اسْتَوْصُوا بالنِّساءِ؛ فإنَّ المَرْأَةَ خُلِقَتْ مِن ضِلَعٍ، وإنَّ أعْوَجَ شَيءٍ في الضِّلَعِ أعْلاهُ، فإنْ ذَهَبْتَ تُقِيمُهُ كَسَرْتَهُ، وإنْ تَرَكْتَهُ لَمْ يَزَلْ أعْوَجَ، فاسْتَوْصُوا بالنِّساءِ).
فاعلموا -عباد الله- أنَّ بيت النبيَّ صلى الله عليه وسلم لا يخلو من النِّزاعات التي تحصل بين الأزواج، فقد كانت نساؤه تشكو إليه قلَّة العيش وضيقه، وكُنّ يُراجعنه في العديد من الأمور، فكان النبيُّ عليه الصلاةُ والسلام يغضُ الطرف عن هذه الأخطاء والعُيوب، وينظرُ إلى محاسنهنَّ، ويُركزُ على إيجابياتهنَّ، فعلى الأزواج احتواء الخلافات وعدم تعظيمها والاقتداء برسولنا الكريم.
وكان من عظيم محبَّة النبيِّ عليه الصلاةُ والسلام لأزواجه؛ أنَّه كان يُشاركُهُنَّ في مأكلهنَّ ومشربهنَّ، تقول عائشة رضي الله عنها: كُنتُ أشرَبُ، وأَنا حائضٌ، وأُناولُهُ النَّبيَّ فيَضعُ فاهُ على موضِعِ فيَّ، فَيشرَبُ وأتعرَّقُ العِرقَ وأَنا حائضٌ، وأُناولُهُ النَّبيَّ، فيضَعُ فاهُ على مَوضِعِ فيَّ.
وكان يخرُج معهنَّ للتنزُّه؛ الأمر الذي يزيد المحبَّةُ بينهم، قالت عائشة رضي الله عنها: أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم كان يخرج معها في الَّليل للتحدُث، ويُقابل جفوتهنَّ بكل بشاشةٍ، ويُقابل غيرتهنَّ بكلِّ حلمٍ وأناةٍ، ويُعطيهنَّ حقهنَّ من التَّقدير والاحترام، فكان نِعم الزَّوج لهُنَّ. فهو الذي وصفه ربُّه بأنَّه على خُلقٍ عظيم.
أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنبٍ ....
الحمد لله، حمدًا كثيرًا طيبًا مبارَكًا فيه كما يحبُّ ربُّنا ويرضى، وأشهد أنَّ لا إله إلَّا الله وحده لا شريك له، له العاقبة في الآخرة والأولى، وأشهد أنَّ محمدًا عبده ورسوله، نبيَّه المرتضى ورسوله المجتبى، صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحبه ومَنِ اهتدى
معاشر المؤمنين .. اعلموا أنَّ نبيكم صلى الله عليه وسلم كان أحسن النَّاس خُلقاً مع أهله، فكان يقوم بخدمتهنَّ، ومُساعدتهنَّ في أعمال البيت، ويتحملُ أخطائهنَّ، ويتجاوز عن زلاتهنَّ، ويصبر على ذلك، ويقوم بمُلاطفتهنَّ.
فكان النموذج الأكمل في كيفيَّة تعامل الإنسان مع زوجاته، فكان بشراً من البشر، ويحدثُ في بيته ما يحدثُ في أي بيتٍ من بيوت الناس، وقد بينت لنا زوجاته طريقة تعامُله معهُنَّ، ونقل لنا أصحاب السِّير والسُّنن ذلك في كُتبهم.
فصلوا على نبيكم مُحمد وتأسّوا بأخلاقه.
اللهمَّ إنَّا نسألك من الخير كله عاجله وآجله ما علمنا منه وما لم نعلم، ونعوذ بك من الشر كله عاجله وآجله ما علمنا منه وما لم نعلم. اللهمَّ آتنا في الدنيا حسنةً وفي الآخرة حسنةً وقنا عذاب النَّار برحمتك يا أرحم الراحمين
المرفقات
1705644192_تعامل النبي صلى الله عليه وسلم مع أهله.docx
1705644200_تعامل النبي صلى الله عليه وسلم مع أهله.pdf