تعامل الْإِسْلَام مِع الْمُعَاهَدِين والمستأمنين

عايد القزلان التميمي
1444/01/21 - 2022/08/19 06:01AM
الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ وَأَشْهَدُ أَنَّ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ وَأَشْهَدُ أَنَّ نَبِيَّنَا محمداً رَسُولُ اللَّهِ ، هُوَ أَوَّلُ مَنْ وفّى بِالْعُهُود وَأَدَّى الْأَمَانَةَ ، وَلِذَلِكَ قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((لا إيمانَ لمن لا أمانةَ له ، ولا دينَ لمن لا عهدَ له)) صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِ بَيْتِهِ الطَّيِّبِينَ الطَّاهِرِينَ وَأَصْحَابِهِ الْغُرِّ الْمَيَامِينِ .
أَمَّا بَعْدُ فَيَا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ : اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ التَّقْوَى واستمسكوا مِنْ الْإِسْلَامِ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى .
عِبَادِ اللَّهِ : أَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِاللَّهِ بْنِ عَمْرٍو رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَنْ قَتَلَ مُعَاهَدًا لَمْ يَرِحْ رَائِحَةَ الْجَنَّةِ وَإِنَّ رِيحَهَا تُوجَدُ مِنْ مَسِيرَةِ أَرْبَعِينَ عَامًا».
عباد الله إن الله تعالى أمَرَ بالوَفاءِ بالعُهودِ، فقال: {وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ وَلَا تَنْقُضُوا الْأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا} ،
ولِأجْلِ ذلك تَوعَّدَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ في هذا الحَديثِ مَن قَتَلَ مُعاهَدًا -وهو مَن يَدخُلُ إلى دارِ الإسلامِ بأمانٍ- بأنَّه لم يَرِحْ رائِحةَ الجَنَّةِ، أي: لا يَشَمَّ رِيحَها، وإنَّ رِيحَها يَكونُ على بُعدِ مَسيرةِ أربَعينَ عامًا،
وَهَذَا الْحَدِيثُ يُفيد حرص الْإِسْلَام عَلَى الْحِفَاظِ عَلَى الدِّمَاء الْمَعْصُومَةِ مِنْ الْمُعَاهَدِين والمستأمنين ، وَأنّ قَتْلهُمْ بِغَيْرِ حَقٍّ مَنْ كَبَائِرِ الذُّنُوبِ .
وَفِي الْحَدِيثِ وَعِيدٌ شَدِيدٌ وَتَهدِيدٌ أَكِيدٌ لِمَن قَتَلَ مُعَاهَدًا مُستَأمَنًا ،
وَمِن هُنَا فَإِنَّهُ يَجِبُ أَن يُعلَمَ أَنَّ كُلَّ مَن أُعطِيَ تأشيرة دخول أو إقامةً مِنَ ولي الأمر أَو نُوَّابِهِ أَو مُوَظَّفِيهِ وَهُوَ غَيرُ مُسلِمٍ فَإِنَّهُ مُعَاهَدٌ مُستَأمَنٌ، لا يَجُوزُ التَّعرُّضُ لَهُ في دَمِهِ أَو مَالِهِ أَو عِرضِهِ .
كَمَا حرَّم رسولُ اللَّه - صلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلَّم - ظُلْمهم أَوْ التَّعَدِّي عَلَيْهِم بِالْقَتْل ، بِقَوْلِه: (( ألا مَن ظلمَ مُعاهَدًا، أوِ انتقصَهُ، أو كلَّفَهُ فوقَ طاقتِهِ، أو أخذَ منهُ شيئًا بغَيرِ طيبِ نفسٍ، فأَنا حَجيجُهُ يومَ القيامةِ))؛ رواه أبو داود والبيهقي. وقال الألباني حديث صحيح.
وَقَالَ الشَّيْخُ ابْنُ عُثَيْمِين رَحِمَهُ اللَّهُ (( لَدَيْنَا معاهدون ومستأمنون ومعاهدون مُعَاهَدَة عَامَّة ، وَمُعَاهَدَة خَاصَّة ، فَمَنْ قَدِمَ إلَى بِلَادِنَا مِنْ الْكُفَّارِ لعملٍ أَوْ تِجَارَةٍ وسُمِح لَهُ بِذَلِكَ فَهُوَ : إمّا مُعَاهَد أَو مُسْتَأْمَن فَلَا يَجُوزُ الِاعْتِدَاء عَلَيْهِ وَقَدْ ثَبَتَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ : « أَنَّ مَنْ قَتَلَ مُعَاهَدًا لَمْ يَرِحْ رَائِحَةَ الْجَنَّةِ » . فَنَحْن مُسْلِمُون مستسلمون لِأَمْر الله- عَزَّ وَجَلَّ - محترِمُون لَمَا اقْتَضَى الْإِسْلَام احْتِرَامَهُ مِنْ أَهْلِ الْعَهْدِ وَالْأَمَانُ  . (( انْتَهَى كَلَامُهُ رَحِمَهُ اللَّهُ .
عباد الله وَقَدْ أَبَاحَت الشَّرِيعَةُ الْإِسْلَامِيَّة الْبَيْع وَالشِّرَاء مَعَ الْكُفَّارِ ؛ فَعَن عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا ، قَالَت : « اشْتَرَى رسولُ اللَّه ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، من يهوديٍّ طعاما بنَسيئةٍ ، وأعطاه دِرْعا له رَهنا». وفي رواية : «اشترى طعاما من يهوديٍّ إلى أجل ، ورَهَنَهُ دِرْعا لَهُ من حديد». أخرجه البخاري، ومسلم ، والنسائي.
عِبَادِ اللَّهِ إنَّ الْإِسْلَامَ هُوَ دِينُ الْعَدْل وَالتَّسَامُح والتعايش بَيْنَ بَنِي الْبَشَر ، ويأمر بالتَّعَاوُنِ عَلَى البِرِّ وَالتَّقْوَى ، وَالْإِحْسَانِ إلَى النَّاسِ ، مَهْمَا اخْتَلَفَت أَدْيَانهم وَأَلْوَانِهِم وأوطانهم ، فَقَدْ أَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ فِي جَمَاعَةٍ مِنْ أَصْحَابِهِ وَأَصَابَهُم الجوع،َ فمَرَّ بهم رجل مُشرِك، فيتعامل النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَهُ مُعَامَلَة حَسَنَة ، وَيَشْتَرِي مِنْهُ شاةً بِثَمَنِهَا ، وَلَا يُكْرِه الرَّجُل عَلَى أَن يَتَنَازَل عَنْ الثَّمَنِ  أو يُخفِّف منه، وَالْقُوَّة كَانَت متوافرة لَدَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَالرَّجُل كَان كافرًا ، وَلَكِن نَبِينا محمدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ عَادِلًا حَتَّى مَعَ الْكُفَّارِ ومأمورًا به لقوله تعالى ﴿ وَأُمِرْتُ لِأَعْدِلَ بَيْنَكُمُ ﴾.
وَقَد عَامِلَ النّبِيّ -صلى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم- الْكُفَّار وَالْيَهُود المعاهَدين بِالْوَفَاء بِجَمِيعِ أَنْوَاعِهِ ، عملاً بِقَوْلِ اللَّهِ  تعالى: [وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إذَا عَاهَدتُّمْ ولا تَنقُضُوا الأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا]
بارك الله لي ولكم .....
الخطبة الثانية
الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي منّ عَلَيْنَا بِالْأَمْن وَالْإِيمَان ، وغمرنا بِالْفَضْل وَالنِّعَم وَالْإِحْسَان ، وَأَشْهَدُ أَنَّ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ الرَّحِيمِ الرَّحْمَنِ ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَاَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَان وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا .
أما بعد : فيا عباد الله قال الله تعالى ﴿ وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنتَ عَلَيْهَا إِلاَّ لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ وَإِنْ كَانَتْ لَكَبِيرَةً إِلاَّ عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ ﴾
و قال الله تعالى عن نبيّه  :  وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ  [الأنبياء:107].
فديننا الْإِسْلَامِيّ دين الوسطية وَالسَّمَاحَة ، وَهَذَا مِثَال عَلَى سَمَاحَة مَنهَج الرَّسُولِ وَعَلَى عَدَمِ تَعَارُض مُعَامَلَته عَقِيدَة الْوَلَاء وَالْبَرَاء: عن أبي رافع رضي الله عنه ـ وكان قبطيًّا ـ قال: بَعَثَتْني قُريشٌ رسولًا إلى رسولِ اللهِ - صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم - ؛ فلما رأيتُ رسولَ اللهِ - صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم - أُلْقِيَ في قلبِي الإسلامُ ، فقلتُ : يا رسولَ اللهِ ! إني - واللهِ - لا أَرجِعُ إليهم أَبَدًا ، قال : إني لا أَخيسُ بالعهدِ ، ولا أَحْبِسُ البُرُدَ ، ولَكِنِ ارجِعْ ، فإن كان في نفسِك الذي في نفسِك الآنَ ؛ فارْجِعْ . قال : فذهبتُ ، ثم أَتيتُ النبيَّ - صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم - فأسْلمتُ ))،
وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى حُسن تَعَامل الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . صححه الألباني.
ولمّا أَهْدى النبيُّ صلى الله عليه وسلم لعمرَ بن الخطاب رضي الله عنه حُلّةً ذاتِ قيمة أهداها عمرُ رضي الله عنه أخًا له بمكة كان مشركا. رواه البخاري.
قال تعالى (( لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ  )) .
عباد الله صلوا وسلموا على رسول الله ....  
المرفقات

1660878032_تعامل الإسلام مع المعاهدين والمستأمنين 21-1-1444.docx

المشاهدات 610 | التعليقات 0