تطهير الأرض من المفسدين

مبارك العشوان 1
1443/08/14 - 2022/03/17 19:43PM

إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ، نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ.

أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللهَ تَعَالَى - أَيُّهَا النَّاسُ - حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ.

عِبَادَ اللهِ: يَقُولُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( لَا يُشِيرُ أَحَدُكُمْ عَلَى أَخِيهِ بِالسِّلَاحِ، فَإِنَّهُ لَا يَدْرِي، لَعَلَّ الشَّيْطَانَ يَنْزِعُ فِي يَدِهِ، فَيَقَعُ فِي حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ ) مُتَّفَقِ عَلَيهِ.

وَيَقُولُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( مَنْ أَشَارَ إِلَى أَخِيهِ بِحَدِيدَةٍ، فَإِنَّ الْمَلَائِكَةَ تَلْعَنُهُ، حَتَّى يَدَعَهُ، وَإِنْ كَانَ أَخَاهُ لِأَبِيهِ وَأُمِّهِ ) رَوَاهُ مُسْلِمٌ 

يَقُولُ النَّوَوِيُّ رَحِمَهُ اللهُ: فِيهِ تَأْكِيدُ حُرْمَةِ الْمُسْلِمِ، وَالنَّهْيُ الشَّدِيدُ عَنْ تَرْوِيعِهِ وَتَخْوِيفِهِ وَالتَّعَرُّضِ لَهُ بِمَا قَدْ يُؤْذِيهِ. وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( وَإِنْ كَانَ أَخَاهُ لِأَبِيهِ وَأُمِّهِ ) مُبَالَغَةٌ فِي إِيضَاحِ عُمُومِ النَّهْيِ فِي كُلِّ أَحَدٍ؛ سَوَاءٌ مَنْ يُتَّهَمُ فِيهِ وَمَنْ لَا يُتَّهَمُ، وَسَوَاءٌ كَانَ هَذَا هَزْلًا وَلَعِبًا أَمْ لَا؛ لِأَنَّ تَرْوِيعَ الْمُسْلِمِ حَرَامٌ بِكُلِّ حَالٍ وَلِأَنَّهُ قَدْ يَسْبِقُهُ السِّلَاحُ...الخ.

عِبَادَ اللهِ: إِذَا كَانَ هَذَا فِي تَرْوِيْعِ المُسْلِمِ وَتَخْوِيْفِهِ حَتَّى عَلَى سَبِيْلِ المِزَاحِ؛ فَكَيْفَ بِمَنْ يَعْتَدِي عَلَى النَّاسِ وَيُؤذِي المُؤْمِنِينَ وَالمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا، كَيْفَ بِمَنْ يَعْتَدِي عَلَى الأَمْوَالِ وَالأَعْرَاضِ، كَيْفَ بِمَنْ يَعْتَدِي عَلَى الآمِنِينَ وَيَسْتَهِدِفُ رِجَالَ الأَمْنِ، كَيْفَ بِمَنْ يَقْتُلُ النَّفْسَ التِي حَرَّمَ اللهُ، كَيْفَ بِمَنْ يَقْتُلُ أُمَّهُ وَأَبَاهُ، كَيْفَ بِمَنْ يَقْتُلُ زَوْجَهُ وَيَنْحَرُ أَبْنَاءَهُ وَبَنَاتِهِ؛ وَالعِيَاذُ بِاللهِ.  

قَتْلُ النَّفْسِ بِغَيرِ حَقٍ؛ كَبِيْرَةٌ مِنْ كَبَائِرِ الذُّنُوبِ، وَمُوبِقَةٌ مِنَ المُوبِقَاتِ، وَخُرُوجٌ مِنَ السَّعَةِ إِلَى الضِّيْقِ، وَمِنَ العَافِيَةِ إِلَى البَلَاءِ، وَمِنَ الأَمْنِ إِلَى الخَوفِ، وَمِنْ رَغَدِ العَيْشِ إِلَى نَكَدِهِ؛ وَفِي الحَدِيثِ: ( لَا يَزَالَ المُؤْمِنُ فِي فُسْحَـةٍ مِنْ دِينِهِ، مَا لَــمْ يُصِبْ دَمًا حَـرَامًا ). رَوَاهُ البُخَارِيُّ.

وَفِي يَوْمَ النَّحْرِ خَطَبَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ النَّاسَ فَقَــالَ: ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَيُّ يَوْمٍ هَذَا ؟! قَالُوا يَوْمٌ حَرَامٌ، قَالَ فَأَيُّ بَلَدٍ هَذَا ؟! قَالُوا بَلَدٌ حَرَامٌ، قَالَ فَأَيُّ شَهْرٍ هَذَا ؟! قَالُوا شَهْرٌ حَرَامٌ، قَالَ فَإِنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ وَأَعْرَاضَكُمْ؛ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ، كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا، فِي بَلَــدِكُمْ هَذَا، فِي شَهْرِكُمْ هَذَا، فَأَعَادَهَا مِرَارًا، ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ فَقَالَ: اللَّهُمَّ هَلْ بَلَّغْتُ اللَّهُمَّ هَلْ بَلَّغْتُ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: فَوَ الَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إِنَّهَا لَوَصِيَّتُهُ إِلَى أُمَّتِهِ، فَلْيُبْـلِـغْ الشَّاهِدُ الْغَائِبَ، لَا تَـرْجِعـُوا بَعْــدِي كُفَّـارًا يَضْـرِبُ بَعْضُـكُمْ رِقَـــابَ بَعْضٍ ) رَوَاهُ البُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ.

عِبَادَ اللهِ: وَكَمَا جَاءَ الشَّرْعُ بِتَحْرِيْمِ هَذِهِ الجَرِيْمَةِ العَظِيْمَةِ؛ فَقَدْ جَاءَ بِالعُقُوبَاتِ الشَّدِيْدَةِ الرَّادِعَةِ لِمْرْتَكِبِهَا؛ عُقُوبَاتٍ  فِي الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ؛ يَقُولُ اللهُ جَلَّ وَعَلَا: { وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا } النساء 93

جَاءَ الشَّرْعُ بِالعُقُوبَاتِ الرَّادِعَةِ لِلْمُفْسِدِينَ فِي الأَرْضِ؛ قَالَ تَعَالَى: { إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ } المائدة 33

 يَقُولُ السَّعْدِيُّ  رَحِمَهُ اللهُ: وَإِذَا كَانَ هَذَا شَأْنُ عِظَمِ هَذِهِ الجَرِيْمَةِ، عُلِمَ أَنَّ تَطْهِيْرَ الأَرْضِ مِنَ المُفْسِدِينَ، وَتَأْمِينَ السُّبُلِ وَالطُّرُقِ عَنِ القَتْلِ وَأَخْذِ الأَمْوَالِ وَإِخَافَةِ النَّاسِ؛ مِنْ أَعْظَمِ الحَسَنَاتِ وَأَجَلِّ الطَّاعَاتِ، وَأَنَّهُ إِصْلَاحٌ فِي الأَرْضِ، كَمَا أَنَّ ضِدَّهُ إِفْسَادٌ فِي الأَرْضِ. ا هـ

 ويقول تعالى: { وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ أُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ } البقرة 179  

يَقُولُ الشَّنْقِيْطِيُّ رَحِمَهُ اللهُ: وَلَا شَكَّ أَنَّ هَذَا مِنْ أَعْدَلِ الطُّرُقِ وَأَقْوَمِهَا، وَلِذَلِكَ يُشَاهِدُ فِي أَقْطَارِ الدُّنْيَا قَدِيمًا وَحَدِيثًا قِلَّةُ وُقُوعِ الْقَتْلِ فِي الْبِلَادِ الَّتِي تَحْكُمُ بِكِتَابِ اللَّهِ؛ لِأَنَّ الْقِصَاصَ رَادِعٌ عَنْ جَرِيمَةِ الْقَتْلِ... الخ.

عِبَادَ اللهِ: لَا تُقْمَعُ الفِتَنُ، وَلَا يُوْقَفُ الظُّلْمُ، وَلَا يُزْجَرُ الظَّالِمِ، وَلَا يَتِمُّ العَدْلُ، وَلَا يَسْتِتْبُ الأَمْنُ؛ إِلَّا بِتَطْبِيقِ شَرْعِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ؛ فَبِقَتْلِ القَاتِلِ تُحْفَظُ الأَنْفُسُ، وَبِجَلْدِ الزَّانِي وَرَجْمِهِ تُحْفَظُ الأَعْرَاضُ، وَبِقَطْعِ يَدِ السَّارِقِ تُحْفَظُ الأَمْوَالُ، وَبِجَلْدِ القَاذِفِ تُكَفُّ الأَلْسِنَةُ الآثِمَةُ، وَبِجَلْدِ شَارِبِ الخَمْرِ تُحَفْظُ العُقُولُ.

فَإِقَامَةُ الحُدُودِ صَلَاحٌ لِلْعِبَادِ، مَطْهَرَةٌ لِلْأَرْضِ مِنَ الفَسَادِ.

نَسْأَلُ اللهَ تَعَالَى أَنْ يُصْلِحَ أَحْوَالَنَا، ويُطَهِّرَ مِنَ الفَسَادِ قُلُوبَنَا وَبِلَادَنَا.

بَارَكَ لِي وَلَكُمْ فِي القُرْآنِ العَظِيمِ، وَنَفَعَنَا بِمَا فِيْهِ مِنَ الْآيِ وَالذِّكْرِ الحَكِيْمِ، وَأَقُولُ مَا تَسْمَعُونَ وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ لِي وَلَكُمْ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ؛ فَاسْتَغْفِرُوهُ إِنَّهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيْمُ.

 

الخطبة الثانية: 

الحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى رَسُولِ اللهِ؛ أمَّا بَعدُ:

فَاتَّقُوا اللهَ تَعَالَى - عِبَادَ اللهِ - وَاشْكُرُوهُ عَلَى مَا تَنْعَمُونَ بِهِ فِي هَذِهِ البِلَادِ، مِنْ إِقَامَةِ شَرْعِ اللهِ، وَتَطْبِيقِ حُدُودِهِ.

وَسَلُوا اللهَ جَلَّ وَعَلَا العَوْنَ وَالتَّوْفِيْقَ وَالسَّدَادَ لِوُلَاةِ أَمْرِنَا، سَلُوا اللهَ تَعَالَى أَنْ يَحْفَظَ هَذِهِ البِلَادَ وَسَائِرَ بِلَادِ المُسْلِمِينَ بِحِفْظِهِ، وَأَنْ يَصْرِفَ عَنْهَا كُلَّ سُوءٍ وَبَلاءٍ وَفِتْنَةٍ، وَأَنْ يَرُدَّ كَيْدَ الكَائِدِينَ لَهَا فِي نُحُورِهِمْ.   

التَفُّوا ـ رَحِمَكُمُ اللهُ ـ حَولَ عُلَمَائِكُم، وَوُلَاةَ أَمْرِكُمْ؛ { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللَّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً }النساء 59

الْزَمُوا جَمَاعَةَ المُسْلِمِينَ، اِعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا

ثُمَّ صَلُّوا وَسَلِّمُوا - رَحِمَكُمُ اللهُ - عَلَى مَنْ أَمَرَكُمُ اللهُ بِالصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ عَلَيهِ؛ فَقَالَ سُبْحَانَهُ: { إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا }الأحزاب 56

اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ، وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ، إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ، اللهُمَّ بَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، كَمَا بَارَكْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ، وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ، إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ.اللَّهُمَّ أَعِزَّ الإسْلَامَ وَالمُسْلِمِينَ، اللَّهُمَّ وَانْصُرْ عِبَادَكَ المُوَحِّدِينَ، اللَّهُمَّ وَعَلَيكَ بِأَعْدَئِكَ يَا قَوِيُّ يَا عَزِيزُ، اللَّهُمَّ أصْلِحْ أئِمَّتَنَا وَوُلَاةَ أُمُورِنَا، اللَّهُمَّ وَفِّقْ وُلَاةَ أمْرِنَا لِمَا تُحِبُّ وَتَرْضَى، اللَّهُمَّ خُذْ بِنَوَاصِيهِمْ لِلْبِرِّ وَالتَّقْوَى، اللَّهُمَّ وَفِّقْنَا وَإِيَّاهُمْ لِهُدَاكَ، واجْعَلْ عَمَلَنَا فِي رِضَاكَ، اللَّهُمَّ مَنْ أَرَادَنَا وَدِينَنَا وَبِلَادَنَا بِسُوءٍ فَرُدَّ كَيْدَهُ إِلَيهِ، وَاجْعَلْ تَدْبِيرَهُ تَدْمِيرًا عَلَيهِ، يَا قَوِيُّ يَا عَزِيزُ.

عِبَادَ اللهِ: اُذْكُرُوا اللهَ العَلِيَّ الْعَظِيْمَ يَذْكُرْكُمْ، وَاشْكُرُوهُ عَلَى نِعَمِهِ يَزِدْكُمْ وَلَذِكْرُ اللهِ أكْبَرُ وَاللهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ.

 

 

 

المرفقات

1647546178_تطهير الأرض من المفسدين 1443.pdf

1647546200_تطهير الأرض من المفسدين 1443.doc

المشاهدات 987 | التعليقات 1

جزاك الله خيرا