( تطفيــف الصـلاة )

أحمد السويلم
1436/04/01 - 2015/01/21 17:41PM
تطفيف الصلاة
1436/3/11


الْحَمْدُ للَّهِ الْمُمْتَنِّ عَلَى عِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ بِمَا دَلَّهُمْ عَلَيْهِ مِنْ مَعْرِفَتِهِ، وَشَرْحِ صُدُورِهُمْ لِلإِيمَانِ بِهِ، وَالإِخْلاصِ بِالتَّوْحِيدِ لِرُبُوبِيَّتِهِ، وَخَلْعِ كُلِّ مَعْبُودٍ سِوَاهُ ، أَحْمَدُهُ سُبْحَانَهُ وَأَشْكُرُه، أَحْكَمَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ للعِبَادِ فَرَائِضَهُ، وافْتَرَضَ عَلَيْهِمْ الصَّلاةَ خُضُوعًا لِجَلالِهِ، وَخُشُوعًا لِعَظَمَتِهِ، وَتَوَاضُعًا لِكِبْرِيَائِهِ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، تَعَهَّدَ بِالمَغْفِرَةِ لأَهْلِ الصَّلَاةِ، المُقِيمِينَ لَهَا، المُوَفِّينَ لحَقِّهَا، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ، إِمَامُ المُتَّقِينَ، وقُدْوَةُ المُصَلِّينَ، وَسَيِّدُ المُرْسَلِينَ، صَلَّى اللهُ وسَلَّمَ عَلِيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحَبِهِ والتَّابِعِينَ .
أَمَّا بَعْدُ، فَاتَّقُوا اللهَ أَيُّهَا النَّاسُ، وَأَقْبِلُوا عَلَى رَبِّكُم، وَتَجَافَوا عَنْ أَسْبَابِ سَخَطِهِ عَلَيْكُم، ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ وَاخْشَوْا يَوْمًا لَا يَجْزِي وَالِدٌ عَنْ وَلَدِهِ وَلَا مَوْلُودٌ هُوَ جَازٍ عَنْ وَالِدِهِ شَيْئًا ۚ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ ۖ فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ﴾.
إِخْوَةَ الإِيْمَانِ: خَلَقَ اللهُ الخلقَ لعبادتِهِ وتَوحِيدِه، وشَرَعَ لهم مِنَ الشَّرَائِعِ مما أمرَ أو نَهى مَا يَكُونُ سَببًا في صَلَاحِهِم في الدُّنيا وفَوزِهِم فِي الآخِرَةِ، فَأَوَامِرُه-سبحانه- رَحمةٌ وإِحسَانٌ وَشِفَاء .. وَحَياةٌ لِلقُلُوبِ وغِذَاء.. وحَاجَةُ الخَلقِ إِلَيهَا أَعظَمُ مِنْ حَاجَتِهِم إِلى الطَّعامِ والشَّرَابِ والكِسَاء.. فَلَولا رحمتُهُ بِالعِلم والإِيمَان، وبيانِ الحَرَام والحَلَال، لكانَ الناسُ بمنزِلَةِ البهائِمِ يَتَهَارَجُونَ في الطُّرُقَات، ويَتَسَافَدُونَ تَسَافُدَ الحَيَوانَات، لا يَعرِفُونَ مَعْرُوفًا، ولا يُنكِرُونَ مُنكرًا، ولا يَمْتَنِعُونَ مِن قَبِيح، وَلَا يَهْتَدُونَ إِلَى صَوَاب.
أَلَا وَإِنَّ مِن أَجَلِّ الشَّرَائِعِ، وَأَعَظَمِ الشَّعَائِرِ، فَرِيضَةُ الصَّلَاةِ، عَمُودِ الدِّينِ، وَمِفتَاحِ جَنَّةِ رَبِّ العَالَمِين، وَأَوَّلُ مَا يُحَاسَبُ عَنهُ العَبدُ يَومَ الدِّينِ، سَلْوَةُ الأَبْرَار، وطُمَأْنِينَةُ الأَخْيَار، وقُرَّةُ عَينِ سَيدِنَا المُخْتَار –صلى الله عليه وسلم-
والحَدِيثُ عَن الصَّلَاةِ كَثِيرٌ ذُو شُجُونٍ، لَا يَكفِيهِ المَقَام، وَلَا يَسَعُهُ الكَلَام، وحَسْبُنا أَن نَقِفَ اليومَ وَقْفَةً فِي قَضِيةٍ خَطِيرَةٍ، وَأَمْرٍ جَلَلٍ يَتَهَاوَنُ فِيهِ النَّاسُ، يَسْلُبُ الصَّلَاةَ آثَارَهَا، وَيَحرِمُ المُصَلّي لَذَّتَهَا، وَيَخْرِمُ كَثيرًا مِنْ أَجْرِهَا وثَوَابِهَا، ذلكم هو تطفيف الصلاة .
نَعَم، التَّطْفِيفُ الذَي يَعْنِي إِخْسَارَ المَوَازِينِ، وَنَقْصَ المَكَايِيِلِ .
أخرج ابن أبي شيبة عَنْ سَلْمَانَ الْفَارِسِيِّ رضي الله عنه قَالَ: الصَّلَاةُ مِكْيَالٌ فَمَنْ أَوْفَى أَوْفَى اللَّهُ لَهُ، وَقَدْ عَلِمْتُمْ مَا قَالَ اللَّهُ فِي الْكَيْلِ ﴿وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ﴾.
التَّطفِيفُ -أَيُّهَا الإِخْوةُ- لَا يَقْتَصِرُ عَلَى التَّطْفِيفِ فِي المَكَايِيِلِ الحِسِّيَّةِ ، بَلْ إِنَّ كُلَّ شَيءٍ لَهُ وَفَاءٌ وَتَطْفِيفٌ، وَأَسْوَأُ التَّطْفِيفِ عَاقِبَةً التَّطفِيفُ فِي حُقُوقِ اللهِ تَعَالى، وَأَعْظَمُهَا الصَّلَاةُ، فَتَطْفِيفُها نَقْصُهَا بِتَركِ خُشُوعِهَا وطُمَأْنِينَتِهَا، ونَقرُهَا والعَجَلَةُ فِيهَا، وَانْصِرَافُ القَلْبِ إِلَى غَيرِهَا حَالَ أَدَائِهَا، أَو الإِخْلَالُ بطَهَارَتِهَا ، أَو سَائِرِ شُرُوطِهَا .
وَالقُرُبَاتُ إِنَّمَا يَعْظُمُ نَفْعُهَا، وَيَكْثُرُ ثَوَابُها بِمَا يَقُومُ فِي قُلُوبِ العِبَادِ مِن الإِخْلَاصِ والصِّدْقِ، والخُضُوعِ والخُشُوعِ، والإِقْبَالِ عَلَيه سبحانه وتعالى والإِنَابَةِ إِلَيهِ، وَنَقْصُ القُرُبَاتِ يَكُونُ بِنَقْصِ هَذِهِ المَعَانِي وَالتَّقْصِيرِ فِيهَا،
فَمَنْ تَرَكَ الخُشُوعَ فِي صَلَاتِهِ والطُمَأْنِينَةَ فِيهَا فَقَدْ طفَّفَ مِن صَلَاتِهِ حَتَّى يَفْقِدَ رُوحَهَا وَلُبَّهَا وَأَعْظَمَ مَقْصُودَاتِهَا، وَمَنْ وُفِّقَ إِلَى الخُشُوعِ فِيهَا وَالسُّكُونِ والطُّمَأْنِينَةِ، فَقَدْ حَازَ الفَضْلَ الأَسْمَى، وَنَالَ الشَّرَفَ الأَعْلَى مِنَ اللهِ ﴿قَدْ أَفْلَحَ الُمؤْمِنُونَ * الذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُوْنَ﴾ .
فهم خَاشِعُونَ قَدْ أَقْبَلَتْ قُلُوبُهُمْ، وانْكَسَرتْ أَنْفُسُهُمْ، وَسَكَنَتْ جَوَارِحُهُمْ، تَذَلُّلًا وَخُضُوعًا للهِ -جَلَّ وَعَلَا-، وَهَذِهِ الحَالُ هِيَ التِي أَمَرَنَا اللهُ أَنْ نَكُونَ عَلَيهَا فِي صَلَاتِنَا فِي قَولِهِ سُبْحَانَهُ: ﴿وَقُومُوا للهِ قَانِتِينَ﴾ .
قَالَ مُجَاهِدُ رحمه الله : «القُنُوتُ الرُّكُونُ والخُشُوعُ، وَغَضُّ البَصَرِ وَخَفْضُ الجَنَاحِ».
وَقَالَ ابنُ كَثِيرٍ رحمه الله : ﴿وَقُومُوا للهِ قَانِتِينَ﴾ «أَيْ: خَاشِعِينَ ذَلِيلِينَ مُسْتَكِينِينَ بَينَ يَدَيْهِ».
وَعَلَى هَاتِهِ الحَالِ أَكَّدَ نَبِيُّنَا مُحَمَّد –صلى الله عليه وسلم- وَحَثَّ وَأَرْشَد، وَبَشَّرَ أَصْحَابَهَا بِالمَغْفِرَةِ العَظِيْمَةِ مِنَ اللهِ تَعَالَى، فَقَالَ: «مَا مِن امْرِئٍ مُسْلِمٍ تَحْضُرُهُ صَلَاةٌ مَكْتُوبَةٌ فَأَحْسَنَ وُضُوءَهَا وَخُشُوعَهَا وَرُكُوعَهَا إِلَّا كَانَتْ كَفَّارَةً لِمَا قَبْلَهَا مِنَ الذُّنُوبِ، مَا لَمْ يُؤتِ كَبِيرَةً، وَذَلِكَ الدَّهْرَ كَّلَّهُ» أخرجه مسلم، وَعِندَ أَبِي دَاودَ قَالَ النَّبِيُّ –صلى الله عليه وسلم-: «خَمْسُ صَلَوَاتٍ افْتَرَضَهُنَّ اللهُ تَعَالَى ، مَنْ أَحْسَنَ وُضُوءَهُنَّ وَصَلَّاهُنَّ لِوَقْتِهِنَّ وَأَتَمَّ رُكُوعَهُنَّ وَخُشُوعَهُنَّ كَانَ لَهُ عَلَى اللهِ عَهْدٌ أَنْ يَغْفِرَ لَهُ ، وَمَنْ لَمْ يَفْعَلْ فَلَيْسَ لَهُ عَلَى اللهِ عَهْدٌ ، إِنْ شَاءَ غَفَرَ لَهُ ، وإِنْ شَاءَ عَذَّبَهُ».
أَيُّهَا المُؤْمِنُونَ.. إِنَّ العَبْدَ إِذَا قَامَ فِي صَلَاتِهِ، فَكَأَنَّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِكْيَالُ الثَّوَابِ تَامًّا، فَالغَنِيْمَةُ وَالفَوْزُ أَنْ يَنْفَتِلَ مِنْ صَلَاتِهِ وَقَدْ حَافَظَ عَلَى مِكْيَالِهِ تَامًّا كَامِلًا، وَبِقَدْرِ مَا يَكُونُ فِي الصَّلَاةِ مِنْ تَّطْفِيفٍ وَإِخْلَالٍ يَتَنَاقَصُ المِكْيَالُ وَيَفْنَى، قَالَ حَبِيْبُنَا –صلى الله عليه وسلم-: «إِنَّ الرَّجُلَ لَيَنْصَرِفُ وَمَا كُتِبَ لَهُ إِلَّا عُشْرُ صَلَاتِهِ، تُسعُهَا، ثُمنُهَا، سُبعُهَا، سُدسُهَا، خُمسُهَا، رُبعُهَا، ثُلثُهَا، نِصفُهَا» رواه أبو داود.
وَالمُصَلِّي لَرُبَّمَا بَلَغَ مِنَ التَّطْفِيفِ وَالإِخْلَالِ مَبْلَغًا يَقْضِي بِرَدِّ صَلَاتِهِ، كَأَنَّهُ مَا صَلَّى، كَمَا قَالَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- لِلْمُسِيءِ صَلَاتِه: «ارْجِعْ فَصَلِّ فَإِنَّكَ لَمْ تُصَلِّ» .
وَقَدْ شَدَّدَ –صلوات الله وسلامه عليه- عَلَى فَاعِلِ ذَلِكَ، وَأَعْظَمَ لَهُ الشَّنَاعَةَ فَقَالَ: «أَسْوَأُ النَّاسِ سَرِقَةً الذِي يَسْرِقُ مِنْ صَلَاتِهِ» قَالُوْا: يَا رَسُولَ اللهِ، وَكَيفَ يَسْرِقُ مِنْ صَلَاتِهِ؟ قَالَ: «لَا يُتِمّ رُكُوعَهَا وَلَا سُجُودَهَا» أَوْ قَالَ: « لَا يُقِيمُ صُلْبَهُ فِي الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ» رَوَاهُ الإِمَامُ أَحْمَدُ.
إِخْوَةَ الإِيْمَانِ .. إِنَّ الرَّزِيَّةَ وَالبَلِيَّةَ أَنْ يُسْلَبَ المَرْءُ الخُشُوعَ فِي صَلَاتِهِ، وَيُبْتَلَى بِتَطْفِيفِهَا، ونَقْصِهَا، وَهِيَ فِي الآخِرَةِ رَأْسُ مَالِهِ وَأَوَّلُ مَا يُحَاسَبُ عَنْهُ، وَلِذَا كَانَ النَّبِيُّ –عليه الصلاة والسلام- يَسْتَعِيذُ مِن تِلْكَ الحَالِ وَيُكْثِرُ أَنْ يَدْعُوَ : «اللهم إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ قَلْبٍ لَا يَخْشَعْ» .
وَكَانَ يَقُولُ فِي رُكُوعِهِ فِي الصَّلَاةِ: «خَشَعَ لَكَ سَمْعِي وَبَصَرِي وَمُخِّيْ وَعَظْمِيْ وَعَصَبِي» رواه مسلم.
وَلَقَدْ عَاتَبَ اللهُ الجِيلَ الطَّاهِرَ، أَصْحَابَ رَسُولِ اللهِ –صلى الله عليه وسلم- عَلَى تَرْكِهِمُ الخُشُوعَ عِنْدَ ذِكْرِ اللهِ، وَالصَّلَاةُ أَعْظَمُ الذِّكْرِ، كَمَا رُوِيَ عَن ابْنِ مَسْعُودٍ - رضي الله عنه – أَنَّهُ قَالَ فِي قَولِ اللهِ تَعَالَى ﴿ أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَن تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلاَ يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِن قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الأمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ ﴾ قَالَ: (مَا كَانَ بَيْنَ إِسْلَامِنَا وَبَيْنَ أَنْ عَاتَبَنَا اللهُ بِهَذِهِ الآيَةِ إِلَّا أَرْبَعُ سِنِينَ) أخرجه مسلم.
هَذَا فِي أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ -عليه الصلاة والسلام- فَمَا عَسَى أَنْ نَقُولَ نُحْنُ وَنَحْنُ فِي هَذَا الزَّمَانِ ؟ وَهَذَا الوَقْتِ الذِيْ كَثُرَتْ مُلْهِيَاتُهُ، وَتكَالَبَتْ مُفْسِدَاتُهُ، وَفُتِن النَّاسُ فِيهِ بِكُلِّ شَاغِل وَصَارِفٍ عَنِ ذِكْرِ اللهِ.
أَلَا مَا أَحْرَانَا بِهَذِهِ المُعَاتَبَةِ، وَمَا أَحْوَجَنَا إِلَى مُحَاسَبَةٍ صَادِقَةٍ لِأَنْفُسِنَا، وَمُرَاجَعَةٍ لِحَالِنَا فِي صَلَاتِنَا وَعِبَادَاتِنَا .
لَمَّا سَمِعَ بَعْضُ السَّلَفِ قَولَ اللهِ تَعَالَى ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَقْرَبُوا الصَّلاَةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ ..﴾ قَالَ: «كَمْ مِنْ مُصَلٍّ لَمْ يَشْرَبْ خَمْرًا ، وَهْوَ فِي صَلَاتِهِ لَا يَعْلَمُ مَا يَقُولُ، قَدْ أَسْكَرَتْهُ الدُّنْيَا بِهُمُومِهَا» .
وعَنْ حُذَيْفَةَ -رضي الله عنه- أّنَّهُ رَأَى رَجُلًا يُصَلِّي فَطَفَّفَ، فَقَالَ لَهُ حُذَيْفَةُ: «مُنْذُ كَمْ تُصَلِّي هَذِهِ الصَّلَاةَ ؟ قَالَ: مُنْذُ أَرْبَعِينَ عَامًا ! قَالَ حُذَيْفَةُ: «مَا صَلَّيْتَ مُنْذُ أَرْبَعِينَ سَنَةً، وَلَوْ مِتَّ وَأَنْتَ تُصَلِّي هَذِهِ الصَّلَاةَ لَمِتَّ عَلَى غَيْرِ فِطْرَةِ مُحَمَّدٍ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ثُمَّ قَالَ إِنَّ الرَّجُلَ لَيُخَفِّفُ وَيُتِمُّ وَيُحْسِنُ» أخرجه النسائي.
اللهم إِنَّا نَعُوذُ بِكَ مِنْ قَلْبٍ لَا يَخْشَعُ، وَمِنْ عَيْنٍ لَا تَدْمَعُ، وَمِنْ نَفْسٍ لَا تَشْبَعُ، وَمِنْ دَعْوَةٍ لَا تُسْمَعُ .

الخطبة الثانية
الحَمْدُ للهِ وَكَفَى، والصَلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى عَبْدِهِ المُصْطَفَى، وعَلَى آلِهِ وصَحْبِه ومَن اجْتَبَى ..أَمَّا بَعْدُ فَيَاعِبَادَ اللهِ . اتَّقُوا اللهَ حَقَّ التَّقْوَى، وَحَاسِبُوا أَنْفُسَكُمْ فِي الإِعْلَانِ والنَجَوَى، فَإِنَّ الزَّادَ قَلِيل، والعُمُرَ قَصِير، وَ المَوْعِدَ قَرِيْب ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾ .
إِخْوَةَ الإِيْمَانِ .. إِقَامَةُ الصَّلَاةِ عَلَى مَا يُحِبُّ اللهُ، والخُشُوعُ فِيهَا مِنْ أَوَّلِ مَا يُسْلَبُ مِنْ هَذِهِ الأُمَّةِ، كَمَا رَوَى الطَّبَرَانِيُّ بسند حسن عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ ـ رضي الله عنه ـ أَنَّ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- ‏قال: «أَوَّلُ شَيْءٍ يُرْفَعُ مِنْ هَذِهِ الأُمَّةِ الخُشُوعُ حَتَّى لَا تَرَى فِيهَا خَاشِعًا».
وعَنْ عُبَادَةَ بْنَ الصَّامِتِ -رضي الله عنه- أنه قال: «إِنْ شِئْتَ لَأُحَدِّثَنَّكَ بِأَوَّلِ عِلْمٍ يُرْفَعُ مِنَ النَّاسِ: الْخُشُوعُ ، يُوشِكُ أَنْ تَدْخُلَ مَسْجِدَ الْجَمَاعَةِ فَلَا تَرَى فِيهِ رَجُلًا خَاشِعًا» أخرجه الحاكم بسند صحيح.
وَمَنْ نَظَرَ فِي حَالِ كَثِيرٍ مِنْ مَسَاجِدِنَا وَصَلَوَاتِنَا اليَوْمَ وَجَدَ ذَلِكَ ظَاهِرًا وَاللهُ المُسْتَعَانُ، صَلَوَاتٌ بِلَا رُوْحٍ، وَرَكَعَاتٌ بِلَا خُشُوعٍ، وَحَرَكَةٌ كَثِيرَةٌ وَعَبَثٌ، وَانْصِرَافٌ عَن حَقِيقَةِ الصَّلَاةِ، حَتَّى غَدَتْ الصَّلَوَاتُ ثَقِيْلَةً عَلَى كَثِيرٍ مِنَ النَّاسِ، ﴿وَإنِهَا لَكَبِيْرَةٌ إِلَّا عَلَى الخَاشِعِينَ﴾.
وَإِنَّ مِمَا يُعِينُكَ -يَا عَبْدَ الله عَلَى إِتْمَامِ الصَّلَاةِ وَحُسْنِ إِقَامَتِهَا، وَحِفْظِهَا وَعَدَمِ تَطْفِيفِهَا، جمُلةُ أُمُورٍ:
فَمِنْهَا: إِحْسَانُ طَهَارَتِهَا، والتَبْكِيرُ إِليْهَا، وَمُجَاهَدَةُ النَّفْسِ، وَمُدَافَعَةُ الشَّوَاغِلِ وَالصَّوَارِفِ، ﴿وَالذِيْنَ جَاهَدُوْا فِيْنَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللهَ لمـَعَ المـُحْسِنِينَ﴾.
وَمِنْها : اسْتِشْعَارُكَ عَظَمَةَ مَنْ تُنَاجِي، وَجَلَالَ مَنْ بَينَ يَدَيْهِ تَقِفُ، وَأَنَّكَ مَتَى أَحْسَنْتَ القِيَامَ بَيْنَ يَدَيهِ فِي الدُّنْيَا كَانَ قِيَامُكَ بَينَ يَدَيْهِ فِي الآخِرَةِ حَسَنًا.
وَمِمَّا يُعِينُكَ أَيْضًا: تَدَبُّرُكَ فِيمَا تَقُولُ فِي الصَّلَاةِ مِنْ تَسْبِيحٍ وَتَحْمِيدٍ وَذِكْرٍ، وَتَنْوِيعُكَ فِيمَا تَقْرَأُ مِنَ القُرْآنِ، فَإِنَّ ذَلِكَ يَطْرُدُ كَثِيرًا مِنَ الهَوَاجِسِ المُخِلَّةِ بِكَمَالِ الصَّلَاةِ .
وَلَا أَعَظَمُ مِنْ سُؤَالِ الله أَنْ يُوَفِقَكَ لإِقَامَةِ صَلَاتِكَ كَمَا يُحِبُّ، ولَا أَجَلُّ مِنَ الاسْتِعَاذَةِ بِهِ مِنَ الشَّيْطَانِ وَهَمْزِهِ وَنَفْخِهِ وَنَفْثِهِ، فَإِنَّ لِلصَّلَاةِ شَيْطَانًا لَا يَفْتَأُ أَنْ يَذْهَبَ بِأَجْرِ المُصَلِّي وَيُفْسِدَ عَلَيهِ ثَوَابَ عَمَلِهِ، كَمَا رَوَى مُسْلِمٌ عَنْ عُثْمَانَ بنِ أَبِي العَاصِ -رضي الله عنه- أَنَّه أَتَى النَبِيَّ –صلى الله عليه وسلم- فَقَالَ : يَا رَسُولَ الله ! إِنَّ الشَّيْطَانَ قَدْ حَالَ بَيْنِي وَبَينَ صَلَاتِي وَقِرَاءَتِي، يَلْبِسُهَا عَلَيَّ ! فَقَالَ رَسُوُلُ الله -صلى الله عليه وسلم-: «ذَاَكَ شَيْطَانٌ يُقَالُ لَهُ خِنْزَبُ ، فِإِذَا أَحْسَسْتَهُ فَتَعَوَّذْ بِاللهِ مِنْهُ وَاتْفُلْ عَلَى يَسَارِكَ ثَلَاثًا» قَالَ : فَفَعَلْتُ ذَلِكَ فَأَذْهَبَهُ الله.
هَذَا، وَمِمَّا يَجْبُرُ نَقْصَ الصَّلَاةِ، وَيَسُدُّ خَلَلَهَا: كَثْرَةُ النَّوَافِل، فَإِنَّ النَوَافِلَ مِنْ رَحْمَةِ الله وَفَضْلِهِ تُتَمِّمُ الفَرَائِضَ، وُتُعَوِّضُ مَا فَاتَ مِنْ أَجْرِهَا، وَلَا يَتَكَاسَلُ عَنْهَا إِلَّا مَحرُومٌ، فَقَدْ رَوَى أَهْلُ السُّنَنِ عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ -رضي الله عنه- أَنَّ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: «إِنَّ أَوَّلَ مَا يُحَاسَبُ بِهِ الْعَبْدُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ عَمَلِهِ صَلَاتُهُ فَإِنْ صَلُحَتْ فَقَدْ أَفْلَحَ وَأَنْجَحَ وَإِنْ فَسَدَتْ فَقَدْ خَابَ وَخَسِرَ، فَإِنْ انْتَقَصَ مِنْ فَرِيضَتِهِ شَيْءٌ قَالَ الرَّبُّ عَزَّ وَجَلَّ: انْظُرُوا هَلْ لِعَبْدِي مِنْ تَطَوُّعٍ فَيُكَمَّلَ بِهَا مَا انْتَقَصَ مِنْ الْفَرِيضَةِ ؟ ثُمَّ يَكُونُ سَائِرُ عَمَلِهِ عَلَى ذَلِكَ».
المرفقات

تطفيف الصـلاة -.doc

تطفيف الصـلاة -.doc

المشاهدات 3559 | التعليقات 3

جزاك الله خير وبارك فيك ..

خطبة نحن بأمس الحاجة إليها ..

لا حرمك الله أجرها وأجر من استمع لها ...

ووفقك الله لكل خير وبإنتظار إبداعاتك ،،


شكر الله لك أبا اليسر تعليقك ودعاءك وبارك فيك .


سنن النسائي، كتاب السهو، باب تطفيف الصلاة .
قال النسائي رحمه الله:
أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ سُلَيْمَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ آدَمَ، قَالَ: حَدَّثَنَا مَالِكٌ وَهُوَ ابْنُ مِغْوَلٍ، عَنْ طَلْحَةَ بْنِ مُصَرِّفٍ، عَنْ زَيْدِ بْنِ وَهْبٍ، عَنْ حُذَيْفَةَ، أَنَّهُ رَأَى رَجُلًا يُصَلِّي فَطَفَّفَ، فَقَالَ لَهُ حُذَيْفَةُ: مُنْذُ كَمْ تُصَلِّي هَذِهِ الصَّلَاةَ؟ قَالَ: مُنْذُ أَرْبَعِينَ عَامًا، قَالَ: «مَا صَلَّيْتَ مُنْذُ أَرْبَعِينَ سَنَةً، وَلَوْ مِتَّ وَأَنْتَ تُصَلِّي هَذِهِ الصَّلَاةَ لَمِتَّ عَلَى غَيْرِ فِطْرَةِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ»، ثُمَّ قَالَ: «إِنَّ الرَّجُلَ لَيُخَفِّفُ وَيُتِمُّ وَيُحْسِنُ»