تطبيق الحدود الشرعية

أبامحمد أبامحمد
1443/08/11 - 2022/03/14 15:46PM

خطبة فيها بيان حاجة الناس لاقامة الحدود وفائدة ذلك في العاجل والآجل

المرفقات

1647272782_تطبيق الحدود الشرعية28-3-1437هـ.docx

1647272782_تطبيق الحدود الشرعية28-3-1437هـ.pdf

المشاهدات 972 | التعليقات 1

نص الخطبة للفائدة:

تطبيق الحدود الشرعية28-3-1437هـ

الخطبة الأولى

الحمد لله  نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادي له ، وأشهد أن لا إله إلا الله  وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله  يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ، ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون،   يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالا كثيرا ونساء ، واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيبا  يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولا سديدا يصلح لكم ، أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ، ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزا عظيما

أما بعد فإن من طبيعة البشر أن يكون لهم إرادات متباينة ونزعات مختلفة، فمنها نزعات إلى الحق والخير، ومنها نزعات إلى الباطل والشر كما قال تعالى {هو الذي خلقكم فمنكم كافر ومنكم مؤمن} وقال تعالى{إن سعيكم لشتى} ولما كانت النـزعات إلى الباطل والشر في ضرورة إلى ما يكبح جماحها ويخفف من حدتها من وازع  إيماني أو رادع سلطاني جاءت النصوص الكثيرة بالتحذير من الباطل والشر، والترغيب في الحق والخير وبيان ما يترتب على الباطل والشر من مفاسد في الدنيا وعقوبة في الآخرة وما يترتب على الحق والخير من مصالح في الدنيا ومثوبات نعيم في الآخرة. ولكن لما كان هذا الوازع لا يكفي في إصلاح بعض النفوس الشريرة الموغلة في الباطل والشر وكبح جماحها والتخفيف من حدتها فرض رب العالمين برحمته وحكمته عقوبات دنيوية وحدوداً متنوعة بحسب الجرائم لتردع المعتدي وتصلح الفاسد وتقيم الأعوج وتظهر الملة وتستقيم الأمة وتكفّر جريمة المجرم فلا تجتمع له عقوبة الآخرة مع عقوبة الدنيا. ففرض الله الحدود وأوجب على ولاة الأمور إقامتها على الشريف والوضيع والغني والفقير والذكر والأنثى والقريب منهم والبعيد ففي الحديث عن رسول الله(أقيموا حدود الله في القريب والبعيد ولا تأخذكم في الله لومة لائم) ولقد قال النبي  لأسامة بن زيد رضي الله عنهما حين شفع إليه في امرأة من بني مخزوم كانت تستعير الشيء فتجحده فأمر النبي  بقطع يدها فشفع فيها أسامة، فأنكر عليه النبي  قال(أتشفع في حد من حدود الله" ثم قام  فخطب وقال: "إنما أهلك الذين كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد وايم الله لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها) متفق عليه.

أيها المسلمون لقد شرع الله سبحانه وتعالى الحدود لحكم عظيمة ومنافع جمة غفيرة، ينعم بجناها المجتمع الإنساني، ويتفيأ ظلالها، وتعود عليه بالأمن والاستقرار والراحة والهناء والاطمئنان، فيعيش المرء آمناً في سربه، مرتاح الضمير، روحه مصونة فلا تزهق، ودمه محقون فلا يراق، ونسبه كريم صاف فلا يلوث ولا يعتدى عليه، وعرضه سليم فلا يقذف ولا يوصم به، ودينه ثابت مستقيم لا تلعب به الأهواء ولا تزعزعه العواطف فتجده مذبذباً متردداً يسير على غير هدى فما دامت هذه فوائد تطبيق الحدود، فهنيئا للذين يطبقون حدود الله في الأرض، حياة مستقرة سعيدة في الدنيا، وأجر ومغفرة من الله في الآخرة. وبالمقابل، فما من أمة ضيعت أمر الله وحدوده إلا شاع فيها الذعر والفزع والاضطراب، وقل خيرها، وذهبت بركتها، وضاقت أرزاق أهلها، وكثرت فيها الأزمات والقلاقل. قال تعالى{وأن لو استقاموا على الطريقة لأسقيناهم ماءً غدقا}وقال تعالى{ولو أن أهل القرى آمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرض} وباجتراء الناس على محارم الله وإمساك الأمة عن إقامة الحدود والتآمر بالمعروف والتناهي عن المنكر، تلحقهم اللعنة، كما لحقت بني إسرائيل على لسان داود وعيسى ابن مريم، ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون، كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه لبئس ما كانوا يفعلون. عباد الله إليكم بعض أحكام الله تعالى في بعض العقوبات والتي يجب أن تُرى ظاهرة تطبيقها في مجتمعات المسلمين. فقد فرض الله عقوبة القاذف الذي يرمي الشخص المحصن البعيد بتهمة الزنا فيقول يا زاني أو يا زانية، فمن قال له ذلك، قيل له إما أن تأتي بالبينة الشرعية على ما قلت وإما حد في ظهرك، فإذا لم يأت بها عوقب بثلاث عقوبات يجلد ثمانين جلدة، ولا تقبل له شهادة أبدا، ويحكم بفسقه فيخرج عن العدالة، إلا أن يتوب، قال الله تعالى{والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم ثمانين جلدة ولا تقبلوا لهم شهادة أبدا وأولئك هم الفاسقون، إلا الذين تابوا من بعد ذلك وأصلحوا فإن الله غفور رحيم}. وإنما أوجب الله عقوبته بتلك العقوبات حماية للأعراض ودفعا للتهمة عن المقذوف البريء البعيد وفرض الله عقوبة الزاني وجعلها على نوعين نوع بالجلد مائة جلدة أمام الناس ثم ينفى عن البلد لمدة سنة كاملة، وذلك فيما إذا لم يسبق له زواج تمتع فيه بنعمة الجماع المباح، يقول الله تعالى{الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة ولا تأخذكم بهما رأفة في دين الله إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر وليشهد عذابهما طائفة من المؤمنين}ويقول النبي (البكر بالبكر جلد مائة وتغريب عام)والنوع الثاني من عقوبة الزناة الرجم بالحجارة حتى يموت ثم يغسل ويكفن ويصلى عليه ويدعى له بالرحمة ويدفن مع المسلمين، وتلك العقوبة فيمن سبق له زوج تمتع فيه بالجماع المباح، وإن كان حين فعل الفاحشة لا زوج معه. وإنما كانت عقوبة الزاني المحصن بهذه الصورة المؤلمة دون القتل بالسيف لأن هذه العقوبة كفارة للذة محرمة اهتز لها جميع بدنه، فكان من المناسب أن تشمل العقوبة جميع بدنه بألم تلك الحجارة. إن عقوبة الزاني بهذين النوعين من العقوبة لفي غاية الحكمة والمناسبة{ولكل درجات مما عملوا وما ربك بغافل عما يعلمون}، وإن إيجاب عقوبة الزاني من رجل أو امرأة لعَينُ الرحمة للخلق لما فيه من القضاء على مفسدة الزنى المدمر للمجمعات، المفسد للأخلاق والسلوك، الموجب لضياع الأنساب واختلاط المياه، المحول للمجتمع الإنساني إلى مجتمع بهيمي، لا يهتم إلا بملء بطنه وشهوة فرجه{ولا تقربوا الزنى إنه كان فاحشة وساء سبيلا}.

أما اللواط وهو إتيان الذكر، فذلكم الفاحشة العظمى والجريمة النكراء، هدم للأخلاق، ومحق للرجولة، وجلب للدمار، وسبب للخزي والعار، الفاعل ظالم لنفسه حيث جرها إلى هذه الجريمة، والمفعول به مع ذلك مُهين لنفسه حيث رضي أن يكون من الرجال بمنـزلة النسوان، لا تزول ظلمة الذل والهوان من وجهه حتى يموت أو يتوب توبة نصوحاً يستنير بها قلبه ووجهه، وكلاهما الفاعل والمفعول به ظالم لمجتمعه حيث نزلوا بمستوى المجتمع إلى هذه الحال المقلوبة التي لا ترضاها ولا البهائم، ومن أجل مفاسده العظيمة كانت عقوبته أعظم من عقوبة الزنى ففي الحديث عن النبي  أنه قال(من وجدتموه يعمل عمل قوم لوط فاقتلوا الفاعل والمفعول به)، واتفق الصحابة رضي الله عنهم على قتل الفاعل والمفعول به، قال شيخ الإسلام ابن تيميه رحمه الله: "لم يختلف أصحاب رسول الله  في قتله سواء كان فاعلا أم مفعولا به، ولكن اختلفوا كيف يقتل وإنما كانت هذه عقوبة تلك الفاحشة لأنها قضاء على تلك الجرثومة الفاسدة التي إذا ظهرت في المجتمع فيوشك أن تدمره تدمير النار للهشيم ففي القضاء عليها مصلحة الجميع والله عليم حكيم

وأما السرقة والتي هي اعتداء على أموال الناس وهي من أحب الأشياء إلى النفوس، فقد قرر الشرع لهذه الجريمة عقوبة القطع حتى يكون عبرة لغيره بالكف عن اقتراف هذه الجريمة، فيطمئن كل فرد في المجتمع على ماله ونفسه وأهله. والخمر جريمة تفقد الشارب عقلَه ورشده، وتحمله على ارتكاب كل حماقة وفحش قبيح ومنكر، وكفى بها أنها أم الخبائث، ولذا كانت عقوبته الجلد والضرب بالنعال ليكون ذلك رادعًا له ولغيره من اقتراف مثل هذه الجريمة المفسدة للدين والأخلاق، تصل بصاحبها ومتعاطيها إلى التخنث والدياثة، وكفى بها من ضعة وهوان. والمحاربون الساعون في الأرض بالفساد، المضرمون لنيران الفتن، والمثيرون للاضطرابات، كانت عقوبة هذه الجريمة أن تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف أو ينفوا من الأرض كما قال الله تعالى{إِنَّمَا جَزَاء ٱلَّذِينَ يُحَارِبُونَ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِى ٱلأرْضِ فَسَادًا أَن يُقَتَّلُواْ أَوْ يُصَلَّبُواْ أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم مّنْ خِلَـٰفٍ أَوْ يُنفَوْاْ مِنَ ٱلأرْض}.

عباد الله إن الرحمة التي ينشدها الإسلام هي الرحمة العامة التي تتسع لعموم الناس ومن بينهم المجرمين، وليست الرحمة التي تنحصر بالمجرمين ويتضرر منها سائر الناس. إن العقوبة أيها الأخوة عندما تكون لينة هشة فإنها تغري بارتكاب الجرائم في الدماء والأموال والأعراض، فتكون شقاء على العامة، وسبباً لإهدار حرمة دمائهم وأموالهم وأعراضهم لحساب القتلة والسُرَّاق والزناة، ولكن عندما تكون العقوبة أليمة موجعة، فإنها تكون رحمة للجميع، رحمة بمريدي الإجرام لأنها تزجرهم عن ارتكاب الجرائم ابتداءً، فتسلم لهم أنفسهم من العقاب، ورحمة بعموم المجتمع بصيانة دمائه وأمواله وأعراضه من أن يُعتدى عليها بغير حق. وقد اضطرت بعض الدول الكافرة أخيراً إلى تشديد عقوبة السرقة في أنظمتها بعد أن تبين لهم بأن عقوبة السجن لم تعد تجدي، ولم يخفف من كثرة ارتكاب هذه الجريمة، حتى سنّت بعض الدول إعدام السارق رمياً بالرصاص، وهي أقسى عقوبة ممكنة عندهم. أسأل الله جل وتعالى لي ولكم التوفيق والسعادة  نفعني الله وإياكم بهدي كتابه واتباع سنة نبيه صلى الله عليه وسلم أقول ما سمعتم واستغفر الله لي ولكم

الخطبة الثانية :

الْحَمْدُ للَّـهِ حَمْدًا طَيِّبًا كَثِيرًا مُبَارَكًا فِيهِ كَمَا يُحِبُّ رَبُّنَا وَيَرْضَى، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَمَنِ اهْتَدَى بِهُدَاهُمْ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.

أما بعد.. فمن شمول دين الله جل وعلا، وكماله وعدالته، أنه يأمر بالستر على العصاة والمجرمين أحياناً، والإسلام لا يقيم الحدود إلا إذا ثبتت وظهر أمرها واستفحل خطرها، لكن ما دام في القضية شبهة، فإن الحدود تُدرأ بالشبهات وما دام الأمر لم يصل للسلطان أو القاضي، فإن الستر والتوبة ممكنة. وقد يكون ستر العصاة علاجاً ناجعاً للذين تورطوا في الجرائم واقترفوا المآثم، وقد ينهضون بعد ارتكابها فيتوبون توبة نصوحاً، ويستأنفون حياة نظيفة. لهذا شرع الإسلام الستر عليهم فعن سعيد بن المسيب قال بلغني أن رسول الله  قال لرجل من أسلم يقال له هَزَّال، وقد جاء يشكو رجلاً بالزنا، وذلك قبل أن ينـزل قوله تعالى{وَٱلَّذِينَ يَرْمُونَ ٱلْمُحْصَنَـٰتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُواْ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاء فَٱجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَة}، قال(يا هزّال، لو سترته بردائك كان خيراً لك). وروى ابن ماجه عن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله  قال(من ستر عورة أخيه المسلم ستر الله عورته يوم القيامة، ومن كشف عورة أخيه كشف الله عورته حتى يفضحه في بيته) كذلك على المسلم أن يستر نفسه ولا يفضحها وأن يرجع ويتوب إلى الله، فإن في هذا خيرٌ له، روى الإمام مالك في الموطأ عن زيد بن أسلم أن رسول الله  قال(يا أيها الناس، قد آن لكم أن تنتهوا عن حدود الله. من أصاب شيئاً من هذه القاذورة فليستتر بستر الله، فإنه من يُبْدِ لنا صفحته نُقم عليه كتاب الله)

عباد الله إن الحدود إذا أقيمت كانت مكفرة لصاحبها وتسقط عنه عقوبة الآخرة، فقد روى البخاري ومسلم عن عبادة بن الصامت قال: كنا مع رسول الله  في مجلس فقال(تُبَايِعُونِي عَلَى أَنْ لَا تُشْرِكُوا بِاللَّهِ شَيْئًا ، وَلَا تَزْنُوا ، وَلَا تَسْرِقُوا ، وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ ، فَمَنْ وَفَى مِنْكُمْ ، فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ وَمَنْ أَصَابَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ ، فَعُوقِبَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ وَمَنْ أَصَابَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ ، فَسَتَرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ فَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ إِنْ شَاءَ عَفَا عَنْهُ ، وَإِنْ شَاءَ عَذَّبَهُ)

اللهم صلِّ على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد، اللهم أعز الإسلام والمسلمين وأذل الشرك والمشركين ودمر أعداء الدين واحم حوزة الدين يا رب العالمين, اللهم انصر من نصر دينك , اللهم انصر إخواننا في كل مكان اللهم انصرهم في الشام, اللهم انصرهم نصرا مؤزرا , اللهم انصر جنودنا واحمي حدودنا اللهم آمنا في أوطاننا وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا واجعل ولايتنا فيمن خافك واتقاك, اللهم وفق ولي أمرنا لما تحب وترضى وأعنه على البر والتقوى وسدده في أقوله وأعماله وألبسه ثوب الصحة العافية , اللهم وفق جميع ولاة أمور المسلمين للعمل بكتابك واتباع السنة, اللهم اغفر لنا ولوالدينا وللمسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات اللهم أنت الله لا إله إلا أنت الغني ونحن عبادك الفقراء أنزل علينا الغيث

سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين