تصوف الخطباء وعلمنة المنابر(أحداث مصر أنموذجًا)

أبو عبد الرحمن
1432/03/27 - 2011/03/02 19:37PM
تصوف الخطباء وعلمنة المنابر

(أحداث مصر أنموذجًا)



سلطان بن عيسى العطوي




في وقتٍ تمورُ الأرض فيه من تحت أرجل المصريين، وتحتَرِق فيه بلادهم، وتُدمَّر فيه ممتلكاتهم، وتُسكَب فيه دماؤهم، وتقف جموعُهم الليلَ والنهارَ تهتفُ بالجاثوم الجاثم على صدورهم من سنين ليترُكهم يتنفَّسون، وتتعطَّل حياتهم ومعيشتهم، في هذا الوقت والعالم كلُّه يشاهد - يتقطَّع قلب المسلم الحر ألمًا ويحترق لوعةً، على إخوانه هُناك، ولا يقرُّ له فؤادٌ، ولا يرقأ له دمع؛ لما حلَّ بأرض الإسلام، وهذه طبيعة الإسلام وسجيَّة الإيمان؛ ((المؤمنُ للمؤمن كالبنيان يشدُّ بعضه بعضًا))، و((مثَل المؤمنين في توادِّهم وتراحُمِهم كالجسَد الواحد؛ إذا اشتكى منه عضوٌ تَداعَى له سائر الأعضاء بالسهَر والحمَّى)).

في هذا الوقت، ومع هذه المشاعر، ورغم كلِّ هذه الأحاسيس - يتصوَّف خطباؤنا فجأةً، ويرغَبون - في هذا الوقت - عن السنَّة الغرَّاء، إلى بعض طُرُقِ الصوفيَّة الخرقاء، ومنهج العلمانيَّة الحمقاء؛ فسلَكُوا بالناس طريقة التغييب عن الواقع تصوُّفًا، وعزَلُوا خُطَبهم عن معالجة الواقع علمانيَّةً!

فخطبوا الناس - في وقتٍ يحتاجون لسَماع كلمة حقٍّ في شأن مصر وأحداثها - بضرورة تحسين العِبادة، وأهميَّة حفْظ اللسان، وكيفيَّة الطهارة... وغيرها.

ولئنْ كان تذكير الناس بالعبادة والإخلاص والأخلاق الفاضلة أمرًا مهمًّا، فإنَّ حاجة الناس الآن تدعو للحديث عمَّا هم به من شأن إخوانهم.

إنَّ الخطيب الذي يُغيِّب الناس عن واقعهم؛ إمَّا أنْ يكون هو غائب الوعي عن هذا الواقع؛ فهذا لا يليق به أنْ يقف على رؤوس الناس، أو جاهلاً بالشرع ومقاصده، فهذا وأمثاله عندما يتصدَّرون الخطابة فاقرأ على الأمَّة السلام.

أو يكون هذا الخطيب رِعديدًا يخشى من ظلِّه، فيُعِيقه الشيطان بيسير وساوس؛ فيصمت فرقًا، فمتى جلب الجبناء عزًّا أو بنَوْا مجدًا؟!

أو يكون خطيبًا متصوِّفًا؛ يرى ألا يُثِير هذه الأمور السياسيَّة على المنابر، بل المنابر ما وُضِعت إلاَّ للذكر والتذكير فقط؛ فيجمع هذا الخطيب وأضرابُه بين التصوُّف الذي يُغيِّب أتْباعه عن الواقع، وبين العلمانيَّة التي تُقرِّر أنَّ الدين لا يتدخَّل في شؤون الحياة، ويَكفِي في معرفة فساد هذا النظرُ لما يَؤُول إليه من تعطيل الشريعة ونبْذ السنَّة، ونفرة الناس من هؤلاء.

إنَّ كلَّ المسلمين - عوامًّا ومثقفين - لهم أحاسيس إسلاميَّة، ومشاعر إيمانيَّة، تتفاعَل مع ما يعتَرِي إخوانهم في بِقاع الأرض من أحداث، فلمَّا يرون أولئك الخطباء في وادٍ غير واديهم، ويُغرِّدون خارج سربهم - ستَضعُف الثقة بينهم ولا شك، وتحدُث فجوة كبيرة بين ألسنة الخطباء وإسماع الناس وأفئدتهم؛ فلن يصغوا لهم سمعًا، ولن يلقوا لهم بالاً.

ولستُ أريد أنْ ينطَلِق الخطيب يُحلِّل الأخبار، ويُحدِّد المواقف السياسية بغير دراية وعلم بكتاب الله وسنة رسوله - صلَّى الله عليه وسلَّم - ولا خوضًا في فتنة عَمياء - الله وحدَه يعلم بمآلها، ولكنَّ المراد أنْ يشعُرَ الخطيب بنفسه، ويُشعِر الناس بِمُصاب إخوانهم، فيَقِفُ معهم بالدعاء لهم، وإظهار الألَم لما حلَّ بهم؛ تحقيقًا للأخوَّة الإسلاميَّة التي لا تحدُّها حدود، ولا تُنظِّمها معاهدات، ومهما تفرَّقت بهم البلدان يجمَعُهم الإسلام وطنًا ولغةً ودينًا.
فَأَيْنَمَا ذُكِرَ اسْمُ اللهِ فِي بَلَدٍ space.gif
عَدَدْتُ ذَاكَ الحِمَى مِنْ صُلْبِ أَوْطَانِي space.gif




إنَّه منهج الجسد الواحد الذي مثَّله رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - فهل نفهَمُ هذا؟!

أخيرًا:
عجَبًا لأقوامٍ من الكفَرَة والمشركين يقفُون مع إخواننا تصريحًا وتلميحًا، ونحن في غَيْبةٍ من الوعي، فلا نفيقُ ولا نعي!

المصدر
المشاهدات 1458 | التعليقات 1

جزاك الله خيرا أبا عبد الرحمن ونفع بك