تصديق القرآن للسنة

د عبدالعزيز التويجري
1442/04/10 - 2020/11/25 22:04PM

الحمد لله لا رب لنا سواه ، ولا نعبد إلا إياه ، مخلصين له الدين ولو كره الكافرون. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله؛ صلى الله وسلم وبارك علي وعلى آله وأصحابه وأزواجه إلى يوم الدين .  أما بعد

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَوَلَّوْا عَنْهُ وَأَنْتُمْ تَسْمَعُونَ } ولا سبيل لطاعته واتباعه إلا عن طريق سنته، وأحاديث المصطفى وسنته هي الوحي الثاني ، والكنز الباقي .. قال عليه الصلاة والسلام  ( ألا إني أوتيت القرآن ومثله معه) (وما ينطق عن الهوى * إنه إلا وحي يوحى ).

قال الحافظ ابن الأثير : وبيانه ونطقه عليه الصلاة والسلام تأييداً إلهياً، ولطفاً سماوياً، وعناية ربانية، ورعاية روحانية"

        يا بليغاً حوَتْ بلاغتُه   **   دُرَّ المعاني وجَوهر الأدبِ

      ويا إماماً سَمت فصاحتُه   **   قيساً وقُسّاً في الشعر والخُطبِ

وبهذا البيان عُرف مُجمل القرآن ، فلا سبيل لمعرفة الصلاة والزكاة ولا الحج والأحكام إلا بسنة سيد الانام ، بل كيف نعرف البيعة لولاتنا وتحريم الخروج عليهم إلا مما نُقل إلينا عبر دوواين السنة.

والقرآن لم ينزله جبريل نُسَخًا بثها بين الناس وتوارثتها الأجيال، بل هو آيات بينات في صدور الذين أوتوا العلم تلاها جبريل على النبي صلى الله عليه وسلم ثم تلقاها الصحابة من فيه عليه الصلاة والسلام كما تلقوا سائر كلامه . 

قال زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ،: «أَرْسَلَ إِلَيَّ أَبُو بَكْرٍ إثر مَقْتَلَ أَهْلِ اليَمَامَةِ، فقال إِنَّ عُمَرَ أَتَانِي فَقَالَ: إِنَّ القَتْلَ قَدْ اسْتَحَرَّ يَوْمَ اليَمَامَةِ بِقُرَّاءِ القُرْآنِ، وَإِنِّي أَخْشَى أَنْ يَسْتَحِرَّ القَتْلُ بِالقُرَّاءِ بِالْمَوَاطِنِ، فَيَذْهَبَ كَثِيرٌ مِنَ القُرْآنِ، وَإِنِّي أَرَى أَنْ تَأْمُرَ بِجَمْعِ القُرْآنِ، وإِنَّكَ رَجُلٌ شَابٌّ عَاقِلٌ لاَ نَتَّهِمُكَ،، فَتَتَبَّعِ القُرْآنَ فَاجْمَعْهُ، قال زيد: «فَوَاللَّهِلَوْ كَلَّفُونِي نَقْلَ جَبَلٍ مِنَ الجِبَالِ مَا كَانَ أَثْقَلَ عَلَيَّ مِمَّا أَمَرَنِي بِهِ مِنْ جَمْعِ القُرْآنِ»، قُلْتُ: «كَيْفَ تَفْعَلُونَ شَيْئًا لَمْ يَفْعَلْهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟»، قَالَ: هُوَ وَاللَّهِ خَيْرٌ، " فَلَمْ يَزَلْ أَبُو بَكْرٍ يُرَاجِعُنِي حَتَّى شَرَحَ اللَّهُ صَدْرِي ، فَتَتَبَّعْتُ القُرْآنَ أَجْمَعُهُ مِنَ العُسُبِ وَاللِّخَافِ، وَصُدُورِ الرِّجَالِ، حَتَّى وَجَدْتُ آخِرَ سُورَةِ التَّوْبَةِ مَعَ أَبِي خُزَيْمَةَ الأَنْصَارِيِّ لَمْ أَجِدْهَا مَعَ أَحَدٍ غَيْرِهِ، {لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ} حَتَّى خَاتِمَةِ بَرَاءَةَ، أخرجه البخاري وغيره.

 فالقرآن جُمع وكُتب ونُقل من صدور الرجال التي تلقته من نبي الله صلى الله عليه وسلم ، والسنة نُقلت ودونت من صدور نفس الرجال الذين نقلوا القرآن، ولقد نُقلت إلينا السنة بالأسانيد الجياد، كما نُقل القرآن بالإسناد، فقد جاء في تعريف المصحف «إنه كتب وضبط على ما يوافق رواية حفص بن سليمان الكوفي لقراءة عاصم بن أبي النجود عن أبي عبد الرحمن بن حبيب السلمي عن عثمان بن عفان وعلي بن أبي طالب وزيد بن ثابت وأبيّ بن كعب عن النبي صلّى الله عليه وسلم . وهذا اسناد كإسناد السنة ، ونقول للموتورين (أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ).

قال رب العزة والجلال ( وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا ) والرسول بلغّ القرآن وبينّه بالسنة، والتشكيك بالسنة أو ردها تكذيبٌ بالقرآن ورد للقرآنِصراحة، وعِلْمُ الله أزلي، فلو كانت السنة ستصل إلينا غير مضبوطة أو محفوظه لكان أمر الله لنا في هذه الأزمان تكليف بما لايطاق ، والله سبحانه يعلم أنه ستصل إلينا وتبلغنا السنة ثابتة نقية ، ولذلك أمرنا باتباعها (قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ) وأنّى لنا اتباع الرسول إلا من طريق سنته.

والسنة هي البئر الذي لاينضب معينه ، والبحر الذي لاتنتهي جواهره ، والضياء الذي يُنير العقل والروح من برهانه ..

          كأنَّ حديثَه زَهْرٌ نَضِيرٌ **  وحاملَ زهرهِ غصنٌ رطيبُ

        سَمِعْنا الوَحْيَ مِنْ فِيه صريحاً ** كغادية عزاليها تصوبُ

        ولما صار ذاك الغيث سيلاً ** علاهُ من الثرى الزبدُالغريبُ

       فإن تَخُلُقْ لهُ الأعداءُ عَيْباً ** فَقَوْلُ العَائِبِينَ هو المَعيبُ

لا يَرُدُّ السنة ولا يشكك بها إلا كل مرتاب القلب، قد ران على قلبه الغشاوة ، فلم يُعهد أنّ حافظًا للسنة، متبحر في علومها يشك في مصداقيتها .

بل إن علماء التفسير والعالمين بتأويله هم من يفسرون القرآن بالسنة ، وما ظهرت شنشنة التشكيك بالسنة أو ردها إلا ليُرَد الإسلام، ويُحَكم الهوى، وتُبطل الشريعة، {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ}

قال أبو هُرَيْرَةَرضي الله عنه: " حَفِظْتُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وِعَاءَيْنِ فأما أحدهما فبثثته وأما الآخر فلو بثثته لقطع هذا البلعوم، ووَاللَّهِ لَوْلاَ آيَتَانِ فِي كِتَابِ اللَّهِ، مَا حَدَّثْتُكُمْ شَيْئًا أَبَدًا: {إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ البَيِّنَاتِ وَالهُدَى}. متفق عليه

أستغفر الله لي ولكم وللمسلمين والمسلمات فاستغفروه وتوبوا إليه إن ربي رحيم ودود .

الخطبة الثانية ..

الحمدلله وكفى وسمع الله لمن دعا وصلى الله وسلم على عبده ورسوله المصطفى أما بعد ..

لقد اتفقت أمة الإسلام على قبول الصحيحين البخاري ومسلم عبر عصورها وروتها وعملت بها وأجمع علماء المسلمين على صحتهما . قال الإمام القرطبي ( وأما انعقاد الإجماع على تسميتهما بالصحيحين فلا شك فيه )

وقال الحافظ ابن حجر ( لا يوجد كتاب بعد كتاب الله مصنف أصح منه في الدنيا ـ يعني صحيح البخاري)

بل عمل المستشرقون وهم نصارى على دراستها، فاسلم أحدهم لِما علم بعظمة السنة ، فما بال أقوام من بني جلدتنا ويتكلمون بألستنا قد فسدت عقولهم وانتكست فطرهم لم يحفظ أحد منهم إسناد حديث واحد يرد سنة بأكملها ؟ إن هذا لهو الضلال والخسران المبين،  ورسولنا عليه الصلاة والسلام يقول ( لقد أتيتكم بها بيضاء نقية ) .

أسانيد مثل نجوم السمــــــــــــــاء   ***   أمام متون كمثل الشهــــــــــب

هي الفرق بين الهدى والعمى    ***    هي السد بين الفتى والعطب

وإذا لم يُوثَقُ بنقلِ وتصنيف أئمة حفاظ كبار أجلاء أطبقت الأمة على عدالتهم وضبطهم فكيف يَثِقُ الإنسان بميلاده ونسبه وهو قد وصل إليه من طريق إثبات نقلة لم يشتهروا بعدالة أو ضبط . ولكن{وَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ فِتْنَتَهُ فَلَنْ تَمْلِكَ لَهُ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا أُولَئِكَ الَّذِينَ لَمْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ}.

ويا أهل السنة .. عليكم بأحاديث السنة قراءة ومطالعة ومذاكرة .. تُنير عقولكم ، وتهدي قلولكم ، وتبصر طريقكم ، وتُقَوم ألسنتكم ..

عصمنا الله وإياكم من مضلات الفتن وحفظ الله علينا ديننا وسنتة نبينا

فاللهم أتم علينا نعمك ورزقنا علما وعملا وإيمانا وثباتا .. اللهم صل وسلم ..

5

المرفقات

تصديق-القرآن-للسنة

تصديق-القرآن-للسنة

المشاهدات 710 | التعليقات 0