تشويه السمعة-17-2-1443هـ-مستفادةٌ من خطبةِ الشيخِ هلالٍ الهاجريِ

محمد بن سامر
1443/02/16 - 2021/09/23 16:01PM

تشويه السمعة-17-2-1443هـ-مستفادةٌ من خطبةِ الشيخِ هلالٍ الهاجريِ

    إنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ ونستغفره، ونعوذ باللهِ من شرورِ أنفسِنا، وسيئاتِ أعمالِنا، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلاَ مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلاَ هَادِىَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، عليه وآلهِ صلاتُه وسلامُه وبركاتُه.

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا الله وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا*يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا).

أما بعد: فيا إخواني الكرام:

عَن أَنسٍ-رَضيَ اللهُ عَنهُ-قَالَ: "مَرُّوا بجَنَازَةٍ، فأَثْنَوْا عَليها خَيرًا، فقَالَ النَّبيُّ-صَلَّى اللهُ عَليهِ وَآلِهِ وسَلَمَ-: وَجَبَتْ، ثم مَرُّوا بأخرى، فأَثْنَوْا عَليها شَرًا، فقَالَ النَّبيُّ-صَلَّى اللهُ عَليهِ وَآلِهِ وسَلَمَ-: وَجَبَتْ، فقَالَ عُمرُ بنُ الخطابِ-رَضيَ اللهُ عَنهُ-: ما وَجَبَتْ؟، فقَالَ: هذا أَثْنَيْتُمْ عَليهِ خَيرًا، فوَجَبَتْ له الجنةُ، وهذا أَثْنَيْتُم عَليهِ شَرًا، فوَجَبَتْ له النارُ، أَنتم شُهَدَاءُ اللهِ في الأرضِ"، فسبحانَ اللهِ لقد رَحَلَ الرَّجلُ عن هذه الدُّنيا، ولكن بقيتْ سمعتُه في ذاكرةِ النَّاسِ، فهذه الشهادةُ التي أثنى بها النُّاسُ عليه، سواءً  كانت خيرًا أم شرًا، لم تكنْ وليدةَ تلك اللحظةِ، بل إنَّها رحلةُ حياةٍ، عاشَ بها بينَ النَّاسِ، وتركَ بها أثرًا استحقَّ به تلكَ الشَّهادةَ.

قَد مَاتَ قَومٌ وَمَا مَاتَت فَضَائِلُهُم*

وَعَاشَ قَومٌ وَهُم فِي النَّاسِ أَموَاتُ

اسمعوا إلى أثرِ السُّمعةِ في قبولِ الأعمالِ، وإلى حُسنِ المآلِ أو سوئِهِ، قَالَ رَجُلٌ: "يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ فُلَانَةَ يُذْكَرُ مِنْ كَثْرَةِ صَلَاتِهَا وَصِيَامِهَا وَصَدَقَتِهَا، غَيْرَ أَنَّهَا تُؤْذِي جِيرَانَهَا بِلِسَانِهَا، قال: هِيَ فِي النَّارِ، ثم قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ فَإِنَّ فُلَانَةَ يُذْكَرُ مِنْ قِلَّةِ صِيَامِهَا وَصَدَقَتِهَا وَصَلَاتِهَا وَإِنَّهَا تَصَدَّقُ بِالْأَثْوَارِ مِنْ الْأَقِطِ-بصدقةٍ قليلةٍ-وَلَا تُؤْذِي جِيرَانَهَا بِلِسَانِهَا، قَالَ: هِيَ فِي الْجَنَّةِ".

السمعةُ أطولُ عُمرًا من الإنسانِ، يموتُ وتبقى هي في الذاكرةِ وعلى اللسانِ، فمنهم من له السمعةُ الطَّيبةُ، كما قال-تعالى-في إبراهيمَ وذريتِه-عليهم السَّلامُ-: (وَوَهَبْنَا لَهُم مِّن رَّحْمَتِنَا وَجَعَلْنَا لَهُمْ لِسَانَ صِدْقٍ عَلِيًّا)، قَالَ ابنُ عَباسٍ-رَضيَ اللهَ عَنهما-: "يعني: الثناءُ الحَسنُ"، ومنهم من له السمعةُ السيئةُ فلا مدحَ ولا عزاءَ، ولا حُزنَ ولا بُكاءَ، كما قالَ-تعالى-: (فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاء وَالْأَرْضُ)، وصدقَ القائلُ:

كأنهم قَطُّ ما كانوا ولا وُجِدُوا*

وماتَ ذِكْرُهُمُو بين الوَرَى ونُسُوا

إن سمعةَ الإنسانِ تنتقلُ إلى الأجيالِ والأولادِ، وقد يُحكمُ على الشَّخصِ من سيرةِ الآباءِ والأجدادِ، فها هي مريمُ تأتي إلى قومِها وهي تحملُ طِفلًا صغيرًا من غيرِ زوجٍ، فيقولُ لها قومُها: (قَالُوا يَا مَرْيَمُ لَقَدْ جِئْتِ شَيْئًا فَرِيًّا) عظيما، وذكَّروها بسمعةِ والديها الطَّيبةِ، فقالوا: (يَا أُخْتَ هَارُونَ مَا كَانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ بَغِيًّا)، وهكذا أثرُ السمعةِ لا تكونُ خاصةً بصاحبِها، بل تعمُّ من حولَه من الأقاربِ، فكم من شابٍ أو فتاةٍ صالحين قد تُركوا، بسببِ أبٍّ سيِئِ الخُلقِ أو أمٍ شَرسةِ الطِّباعِ.

ولذلكَ لم يكنْ همُّ يوسفَ-عليه السلامُ-هو الخروجُ من السجنِ فقط، بل كانَ المقصودُ هو الحفاظُ على سمعتِه التي تشوَّهتْ باتِّهامِ النِّساءِ له، فلما جاءَه مبعوثُ الملكِ، (قَالَ ارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ فَاسْأَلْهُ مَا بَالُ النِّسْوَةِ اللَّاتِي قَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ إِنَّ رَبِّي بِكَيْدِهِنَّ عَلِيمٌ)، فلما ثبتتْ براءتُه من تُهمةِ النِّساءِ، خرجَ بسمعةٍ طيبةٍ يتبوأُ من الأرضِ حيثُ يشاءُ.

إِذا المَرءُ لَم يُدنَسْ مِنَ اللُؤمِ عِرضُهُ*

فَكُلُّ رِداءٍ يَرتَديهِ جَميلُ

وَإِن هُوَ لَم يَحمِل عَلى النَفسِ ضَيمَها*

فَلَيسَ إِلى حُسنِ الثَناءِ سَبيلُ

أستغفر اللهَ لي ولكم وللمسلمين...

الخطبة الثانية

الحمدُ للهِ كما يحبُ ربُنا ويرضى، أَمَّا بَعْدُ:

 إن تشويهَ السمعةِ هو أعظمُ ما قد يُبتلى به الإنسانُ، واسمعوا ماذا قالتْ مريمُ عندما بُشِّرتْ بعيسى عليهِ السَّلامُ، ومرَّ على خيالِها ماذا قد يقولُه عنها النَّاسُ في هذا المقامِ، (قَالَتْ يَا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَذَا وَكُنتُ نَسْيًا مَّنسِيًّا)، وهكذا الموتُ أهونُ على الشرفاءِ، من أن تتلوَّثَ سمعتُهم الصافيةُ النَّقاءِ.

يقربُ النَّاسُ من الرجلِ وينفرونَ منه، بحسبِ ما يسمعونَ عنه، ولذلكَ أرادَ المنافقونَ تشويهَ سمعةِ الرسولِ-صلى اللهِ عليهِ وآلِهِ وسلمَ-بالطَّعنِ في شرفِ زوجِهِ أُمِّنا عائشةَ العفيفةِ-رضيَ اللهُ عنها-لتنفيرِ الناسِ منه ومن دينِه، فقد مكثَ رسولُ اللهِ-صلى اللهِ عليهِ وآلِهِ وسلمَ-شهرًا كاملًا، والنَّاسُ يتكلمونَ في عِرضِهِ، ولم ينزلْ في ذلك وحيٌ من السَّماءِ، حتى قامَ رسولُ اللهِ-صلى اللهِ عليهِ وآلِهِ وسلمَ-عَلَى المِنْبَرِ، فَقَالَ: "يَا مَعْشَرَ المُسْلِمِينَ، مَنْ يَعْذِرُنِي مِنْ رَجُلٍ قَدْ بَلَغَنِي عَنْهُ أَذَاهُ فِي أَهْلِي، وَالله مَا عَلِمْتُ عَلَى أَهْلِي إِلَّا خَيْرًا، وَلَقَدْ ذَكَرُوا رَجُلًا مَا عَلِمْتُ عَلَيْهِ إِلَّا خَيْرًا، وَمَا يَدْخُلُ عَلَى أَهْلِي إِلَّا مَعِي"، ثُم نزلتْ براءتُها بعدَ ذلكَ تُتلى إلى يومِ القيامةِ.

فحافظْ على سمعتِكَ بينَ النَّاسِ، وتعبَّدْ للهِ بالإحسانِ إليهم، فهم شهودُ اللهِ، فماذا سيَشهدون لك؟

أَحسِنْ إِلى النَّاسِ تَستَعبِدْ قُلُوبَهُمُ*

فَطَالَمَا استَعبَدَ الإِنسَانَ إِحسَانُ

يا حيُ يا قيومُ، يا ذا الجلالِ والإكرامِ، لا إلهَ إلا أنتَ سبحانَك إنَّا كنا من الظالمينَ، أسألكَ بأسمائِك الحسنى، وصفاتِك العلى، اللهم أصلحْ ولاةَ أُمورِنا وأُمورِ المسلمينِ وبطانتَهم، ووفقهمْ لما تحبُ وترضى، وانصرْ جنودَنا المرابطينَ، ورُدَّهُم سالمينَ غانمينَ، اللهم اهدنا والمسلمين لأحسن الأخلاق والأعمال، واصرف عنا وعنهم سيِئها، اللهم اغفرْ لوالدينا وارحمهم واجعلهم في الفردوسِ الأعلى من الجنةِ وإيانا والمسلمين، اللهم إنَّي أسألك لي وللمسلمينَ من كلِّ خيرٍ، وأعوذُ وأعيذُهم بك من كلِّ شرٍ، اللهم اشفنا واشفِ مرضانا ومرضى المسلمين، اللهم اجعلنا والمسلمينَ ممن نصرَك فنصرْته، وحفظَك فحفظتْه، حسبيَ اللهُ ونعمَ الوكيلُ لا إلهَ إلَّا هوَ عليهِ توكلتُ وهو ربُّ العرشِ العظيمِ، اللهُمَّ عليك بأعداءِ الإسلامِ والمسلمينَ والظالمينَ فإنهم لا يعجزونَك، اكفنا واكفِ المسلمين شرَّهم بما شئتَ يا قويُ يا عزيزُ، اللهُمَّ إنَّا نجعلُكَ في نـُحورِهم، ونعوذُ بكَ مِنْ شرورِهم، اللهُمَّ اسقنا وأغثنا(ثلاثًا).

اللهم صلِ وسلمْ وباركْ على نبيِنا محمدٍ وأنبياءِ ورسلِه وآلِهِ وصحبِهِ، والحمدُ للهِ ربِ العالمينَ.

المرفقات

1632412877_تشويه السمعة-17-2-1443هـ-مستفادةٌ من خطبةِ الشيخِ هلالٍ الهاجريِ.docx

1632412878_تشويه السمعة-17-2-1443هـ-مستفادةٌ من خطبةِ الشيخِ هلالٍ الهاجريِ.pdf

المشاهدات 2714 | التعليقات 2

أحسنت بارك الله فيك ونفعك ونفع بك 


وإياك والمسلمين أجمعين