ترهيب الأطفال من الله .. خطيئة التربية (ننتظر آراءكم ومشاركاتكم ... فلا تحرمونا منها)
مازن النجاشي-عضو الفريق العلمي
1431/03/04 - 2010/02/18 08:01AM
ترهيب الأطفال من الله .. خطيئة التربية
يحرص كثيرون من أولياء الأمور والمعلمين على تنشئة الأطفال على التربية الإسلامية الصحيحة لكنهم يخطئون في استخدام الأسلوب الأمثل، ومن ذلك اللجوء للقصص المرعبة على غرار عذاب القبر والتخويف بنار جهنم وغيرها من أساليب مرعبة ومنفرة في حق الأطفال.
والنتيجة دائما حالات نفسية قد ينتج عنها بعد عن الله ومخاوف وصراعات داخلية لدى الطفل.
«عكاظ» سايرت الواقعة وناقشت ذلك مع المختصين والشرعيين حيال جدوى هذا الأسلوب ومدى ضرره على الطفل، وما هي أنجح الطرق للتربية الدينية في سياق السطور التالية:
القصص المرعبة
تحدث رئيس جامعة مكة المكرمة المفتوحة الدكتور علي العمري قائلا: «لابد من أن نعلم أن من الأمور المهمة لإيصال المعرفة إلى الناس هو مخاطبتهم على قدر عقولهم كما أوصى بذلك علي بن أبي طالب حين قال: «حدث الناس بما يعقلون أتريدون أن يكذب الله ورسوله»، موضحا (أن من أبرز الأخطاء المنتشرة بين أوساط المربين سواء الآباء أو المعلمين ذكر بعض القصص المرعبة للأطفال كعذاب القبر ونحوه بحجة التعليم في الوقت الذي أنكرت فيه عائشة رضي الله عنها وهي أم المؤمنين عذاب القبر عندما سمعت به ولم تصدق بذلك .. لكن علمها رسول الله أن تقول: اللهم إني أعوذ بك من عذاب القبر وأعوذ بك من فتنة المسيح الدجال وأعوذ بك من فتنة المحيا والممات وأعوذ بك من المغرم والمأثم». فما بالك بالطفل الصغير الذي يخاطب بهذه اللغة).
ورأى العمري أن العيب ليس في ذكر القصص للأطفال لكن المشكلة في طريقة عرضها، ناصحا المربين باستخدام طرق صحيحة في إيصال بعض المعلومات إلى الصغار مع الأخذ في الاعتبار مبدأ التدرج في التربية بما يتناسب والطفل حتى يدرك ويميز.
ودعا العمري المربين إلى الاطلاع على أمثل الطرق لإيصال المعلومة سواء كان ذلك بالقراءة أو مراجعة المدارس المتطورة والحديثة بين الفينة والأخرى لمعرفة ما تستخدمه في جانب التربية.
كما نصح المسؤولين بزيارة بعض الأماكن التي تهتم بهذا الشأن، وأفاد العمري أن الصغير قد يستمع لخطبة تتحدث عن جنة أو نار أو أي موضوع آخر ولا يمكننا أن نخرجه من المكان المتواجد فيه لكن الخطيب العاقل هو الذي يتحدث عن الأمور بما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم.
وأشار العمري إلى أن الإنسان إن كبر وتعرض في طفولته لبعض هذه المواقف في التربية فإنه يتمنى ــ حتى وإن كان عاقلا ــ الرجوع إلى عهد الطفولة ليلقى التربية المثالية التي افتقدها.
ولفت العمري إلى أن الشرع جمع بين الترغيب والترهيب كما قال تعالى( نبئ عبادي أني أنا الغفور الرحيم وأن عذابي هو العذاب الأليم) مؤكدا أن النفس لا تقبل الطاعة إلا بالترغيب ولا تجتنب المعصية إلا بالترهيب على ألا يكون الترهيب للأطفال أو أن نغلب جانب الترهيب على الترغيب بالنسبة للكبار.
مخاطبة بالتدريج
وبين عضو هيئة التدريس في جامعة القصيم الدكتور خالد المصلح أن الأطفال يوجد أقسام منهم من بلغ سن التمييز ومنهم ما دون ذلك.
موضحا أن الأطفال الذين لم يبلغوا التمييز لا ينبغي أن نخاطبهم بقصص مرعبة معللا ذلك بأن فهمهم للأمور سيكون بطريقة خاطئة، وأفاد أنه من بلغ سن السابعة أو الثامنة والتاسعة فيجب أن يخاطب بالإجمال دون تفصيل، وذكر المصلح أن من بلغ سن التمييز منهم ينبغي مخاطبته تدريجيا بما يناسبه كتعليم الصلاة بالتدريج (مروا أولادكم بالصلاة لسبع واضربوهم عليها لعشر).
وبين بأن على الإنسان أن يراعي في خطابه ما يحقق الغاية كأن يستخدم الأسلوب اللطيف حتى وإن كان الطفل قد تجاوز العاشرة ولا ينبغي أن يغلب جانب الترهيب على الترغيب ولا العكس كذلك.
وبين بأن على الإنسان أن يراعي في خطابه ما يحقق الغاية كأن يستخدم الأسلوب اللطيف حتى وإن كان الطفل قد تجاوز العاشرة ولا ينبغي أن يغلب جانب الترهيب على الترغيب ولا العكس كذلك.
تربية خاطئة
ووصفت عضو الجمعية الوطنية لحقوق الإنسان الدكتورة سهيلة زين العابدين حماد التربية التي تعمد إلى ذكر بعض الأمور المخيفة بأنها تربية جاهلة، قائلة: من الخطأ ذكر بعض الأمور الترهيبية في حق الكبير فما بالك بطفل تواضع عقله. موضحة أن هذه التربية تورث في قلوب الأطفال الكره للدين والتنفير إضافة لجلبها بعض العقد النفسية لهم.
وبينت حماد أن مساوئ هذه التربية كثيرة فالطفل سيعتقد أن الأمور كلها جالبة للخوف وأن النار تنتظره في كل ما يقوم به، وبالتالي لن يكون وقع هذا النوع من التربية إيجابيا كما يعتقد البعض.
وقالت: «للأسف لا تقتصر الأخطاء على التربية بل الأسلوب الدعوي بات يعاني المشكلة نفسها فبعض الدعاة وللأسف يميل إلى الترهيب وهذا سينعكس أثره سلبا على الشباب والشابات»..
وعلقت أن أكثر الحالات النفسية نشوءا لدى الأطفال بسبب هذه التربية، مستدلة بحرمان بعضهم من النوم بسبب خوفه مما يذكر له كمنكر ونكير وعذاب القبر، معتبرة أن هذا النوع من التربية يعتبر أشد أنواع العنف الأسري لما تحويه من مساوئ مستقبلية على أخلاق الطفل في الوقت الذي افتقدنا ذكر الأمور الطيبة كالجنة والنعيم.
وعلقت أن أكثر الحالات النفسية نشوءا لدى الأطفال بسبب هذه التربية، مستدلة بحرمان بعضهم من النوم بسبب خوفه مما يذكر له كمنكر ونكير وعذاب القبر، معتبرة أن هذا النوع من التربية يعتبر أشد أنواع العنف الأسري لما تحويه من مساوئ مستقبلية على أخلاق الطفل في الوقت الذي افتقدنا ذكر الأمور الطيبة كالجنة والنعيم.
وأوضحت حماد «أن الحل في ذلك هو اللجوء إلى الحوار حتى نحبب الطفل بالله لأنه أي الطفل ــ إن أحب أحدا حاول إسعاده كما أنه لابد من ترغيب الأطفال في خالقهم فنقول لهم مثلا: انظر كيف الله خلقك وجعلك تمشي وأعطاك الطعام لتعيش، فهذه أنجح الأساليب لتعريف الطفل بالله بل ستجعله يستنتج ــ بنفسه ــ قدرة الله دون تخويف أو تهويل مرعب»..
مبينة «أن الطريقة التي يميل إليها بعض المربين هي قمة في الخطأ، فلا ينبغي أن يعيش الطفل في التعذيب كما أن على الدعاة اجتناب الأساليب التخويفية».
المصدر: عكاظ
المشاهدات 4866 | التعليقات 2
عبد العزيز الجليل
(1)
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام عـلـى نـبـيـنــا وقدوتنا محمد، وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهديه إلى يوم الدين، أما بعد..(1)
لما كان الإيمان باليوم الآخر أحد أصول الإيمان الستة التي لا يصح إيمان مسلم بدونها.
ولـمـا لذلك الإيمان من أثر في حياة المسلم وطاعته لأوامر الله (عزو جل) واجتناب نواهيه، ولما لـــه من أثر في صلاح القلوب وصلاح الناس وسعادتهم في الدنيا والآخرة، ولما في نسيان ذلك اليوم العظيم والغفلة عنه من خطر على حياة الناس ومصيرهم.. فلا غرابة إذن أن يرد ذكر هذا اليوم كثيراً في القرآن، حتى لا تكاد تخلو منه صفحة من صفحاته.
وإذا كان الكتاب والسنة قد اهتما غاية الاهتمام بتفاصيل ذلك اليوم المشهود وبأحوال هذا النبأ العظيم؛ فإنه من الحمق والجهل ألا نهتم بما اهتم به الوحيان.
إن أعـظــم قـضـيـة يجب أن ينشغل بها كل واحد منا هي: قضية وجوده وحياته والغاية منها، وقضية مستقبله ومصيره وشقائه وسعادته، فلا يجوز أن يتقدم ذلك شيء مهما كان، فكل أمر دونه هين وكل خطب سواه حقير. وهل هناك أعظم وأفدح من أن يخسر الإنسان حـيـاتـــه وأهله، ويخسر مع ذلك سعادته وسعادتهم، فماذا يبقى بعد ذلك؟ ((قُـــــلْ إنَّ الخَاسِرِينَ الَذِينَ خَسِرُوا أَنفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ القِيَامَةِ أَلا ذَلِكَ هُوَ الخُسْرَانُ المُبِينُ)) [الزمر: 15].
وأهمية هذا الموضوع تتجلى فيما يلي:
1- انفتاح الدنيا الشديد على كثير من الناس في هذا الزمان وما صحب ذلك من مكر الليل والنهار بأساليب جديدة ودعايات خبيثة تزين الدنيا في أعين الناس وتصدهم عن الآخرة، ومع ما كان عليه صحابة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من الإيمان والتقوى، فقدكان يحذرهم من الاغترار بالدنيا وضرورة الاستعداد للآخرة، مع أن الدنيا لم تنفتح عليهم مثل اليوم، فـــلا شك ولا ريب أننا أحوج منهم بكثير إلى أن نتذكر الآخرة ويذكّر بعضنا بعضاً بعظمة شأنها وأهمية الاستعداد لها.
2- ركون كـثـيـر مـــن الـنـاس للـدنـيا ولقد ترتب على ذلك أن قست القلوب، وتحجرت الأعين، وهُجِرَ كتاب الله (عز وجل)، وإذا قـــــرأ أحدنا القرآن قرأه بقلب لاهٍ، فأنّى لمثل ذلك القلب أن يخشع لذكر الله؟ وأنّى لعينيه أن تـدمــــع خوفاً من الله، وقد انعكس ذلك على الصلاة فقلّ الخاشعون والمطمئنون فيها.. والله المستعان.
3- لما في تذكر ذلك اليوم ومشاهده العظيمة من حث على الـعـمـــل الصالح والمبادرة لفعل الخيرات وترك المنكرات، بل ما تكاسل المتكاسلون في عمل الصالحات سواء الواجب منها والمسنون إلا بسبب الغفلة عن الآخرة والانشغال عنها، يقول (تعالـى) فـي وصــف عباده الصالحين: ((رِجَالٌ لاَّ تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَإقَامِ الصَلاةِ وَإيتَاءِ الــزَّكَاةِ)) [النور: 37]. ((أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِداً وَقَائِماً يَحْذَرُ الآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لايَعْلَمُونَ إنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُوا الأَلْبَابِ)) [الزمر: 9].
4- لـمـــا ظهر في عصرنا اليوم من المشكلات المعقدة والأمراض المزمنة، التي نشأت عنها الأمراض النفسية المتنوعة من القلق والاكتئاب اللذين يؤديان غالباً إلى حياة يائسة، ومن أسباب ذلك: البعد عن الله (تعالى)، وعن تذكر اليوم الآخر.
5- لما تميز به زماننا اليوم من كثرة المظالم في بعض المجتمعات واعتداء الناس بعضهم على بعض، من أكلٍ لأموال غيرهم بدون وجه حق، وكذلك النيل من الأعراض، والحسد والتباغض، والفرقة والاختلاف، وبخاصة بين بعض الدعاة وطلبة العلم، ولا شك أنه لا شيء مثل تذكر اليوم الآخر وتذكـر الوقـوف بين يدي اللـه (عز وجل) علاجاً لتلك الأمراض.
6- ولما كان الركون إلى الدنيا والغفلة عن الآخرة من أعظم الأسباب في وهن النفوس وضعفها كان لا بد من التذكير المستمر بذلك اليوم وما فيه من نعيم أو جحيم، لأن في هذا التذكير أكبر الأثر في نشاط الهمم وعدم الاستسلام للوهـن واليأس رجـاء ثواب اللـه (عز وجل) وما أعده للمجاهدين في سبيله الداعين إليه.
7- ولما قلّ في برامج الدعوة والتربية الاعتناء بهذه الجانب العظيم من التربية مما له الأثر الكبير في الاستقامة على الجادة والدعوة إلى الله على بصيرة، ولكن نرى من بعض المهتمين بالدعوة من يستهين بهذا الجانب العظيم حتى صار بعضهم يقلل من أثر التذكرة بالآخرة بقوله: إن هذا الأمر يغلب عليه الوعظ أو هذا مقال عاطفي وعظي… إلخ.. مع أن المتأمل لكتاب الله (سبحانه) وسنة رسوله -صلى الله عليه وسلم- يرى بجلاء جانب الوعظ بارزاً بالربط بين الدنيا والآخرة والثواب والعقاب.. نسأل الله أن يهدينا جميعاً وأن يوفقنا للاقتداء بالسنة والسير على نهجها.
الآثار المرجوة لليقين باليوم الآخر:
إن في اليقين باليوم الآخر وأنبائه العظيمة لآثاراً واضحة وثماراً طيبة، لابد أن تظهر في قلب العبد وعلى لسانه وجوارحه، وفي حياته كلها، ولكن هذا اليقين وحده لا يكفي حتى ينضم إليه الصبر ومجاهدة الشهوات والعوائق، لأن الواحد منا ـ مع يقينه باليوم الآخر وأهواله ـ يرى في حياته أن ثمرات هذا اليقين ضعيفة، فلابد إذن من سبب لهذا الأمر، ويجلي هذه المسألة الإمام ابن القيم (رحمه الله تعالى) فيقول: (فإن قلت كيف يجتمع التصديق الجازم الذي لا شك فيه بالمعاد والجنة والنار ويتخلف العمل؟ وهل في الطباع البشرية أن يعلم العبد أنه مطلوب غداً إلى بين يدي بعض الملوك ليعاقبه أشد عقوبـة، أو يكرمـه أتم كرامة، ويبيت ساهياً غافلاً! ولا يتذكر موقفه بين يدي الملك، ولا يستعد له، ولا يأخذ له أهبته؟!.
قيل: هذا (لعمر الله) سؤال صحيح وارد على أكثر الخلق؛ فاجتماع هذين الأمرين من أعجب الأشياء، وهذا التخلف له عدة أسباب:
أحدهما: ضعف العلم ونقصان اليقين، ومن ظن أن العلم لا يتفاوت، فقوله من أفسد الأقوال وأبطلها.
وقد سأل إبراهيم الخليل ربه أن يريه إحياء الموتى عياناً بعد علمه بقدرة الرب على ذلك، ليزداد طمأنينة، ويصير المعلوم غيباً شهادة.
وقد روى أحمد في مسنده عن النبي أنه قال: (ليس الخبر كالمعاينة) (1).
فإذا اجتمع إلى ضعف العلم عدم استحضاره أو غيبته عن القلب في كثير من أوقاته أو أكثرها لاشتغاله بما يضاده، وانضم إلى ذلك تغاضي الطبع، وغلبات الهوى، واستيلاء الشهوة، وتسويل النفس، وغرور الشيطان، واستبطاء الوعـد، وطول الأمـل، ورقدة الغفلة، وحب العاجلة، ورخص التأويل، وإلف العوائد، فهناك لا يمسك الإيمان إلا الذي يمسك السموات والأرض أن تزولا، وبهذا السبب يتفاوت الناس في الإيمان والأعمال، حتى ينتهي إلى أدنى مثقال ذرة في القلب.
وجماع هذه الأسباب يرجع إلى ضعف البصيرة والصبر، ولهذا مدح الله (سبحانه) أهل الصبر واليقين، وجعلهم أئمة الدين، فقال (تعالى): ((وَجَعَلْنَـا مِنْهُمْ أَئِمَّـةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُـونَ)) [السجدة: 24])(2).
ذكر الثمرات المرجوة:
وبعد هذه المقدمة التي لا بد منها حول ثمرات اليقين بالنبأ العظيم نذكر ما تيسر من هذه الثمرات، والله ولي التوفيق:
1- الإخلاص لله (عز وجل) والمتابعة للرسول :
إن الموقن بلقاء الله (عز وجل) يوم الفزع الأكبر، لا تلقاه إلا حريصاً على أعماله، خائفاً من كل ما يحبطها من أنواع الشرك الأكبر أو الشرك الأصغر، حيث إن الشرك الأكبر يحبط جميع الأعمال، فتصير هباءً منثوراً، والشرك الأصغر يحبط العمل الذي حصل فيه هذا النوع من الشرك كيسير الرياء، والعجب، والمن، وطلب الجاه والشرف في الدنيا، فكلما كان العبد موقناً بلقاء ربه كان منه الحرص الشديد على ألا تضيع منه أعماله الصالحة في موقف القيامة، يوم أن يكون في أشد الأوقات حاجة إليها؛ ولذلك فهو يجاهد نفسه بحماية أعماله في الدنيا بالإخلاص فيها لله (تعالى) لعل الله (عز وجل) أن ينفعه بها، كما أن اليقين بالرجوع إلى الله (عز وجل) يجعل العبد في أعماله كلها متبعاً للرسول -صلى الله عليه وسلم- غير مبتدع ولامبدل؛ لأن الله (عز وجل) لا يقبل من العمل إلا ما كان خالصاً صواباً، قال (تعالى):- ((قُلْ إنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُوحَى إلَيَّ أَنَّمَا إلَهُكُمْ إلَهٌ وَاحِدٌ فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَداً)) [الكهف: 110].
2- الحذر من الدنيا والزهد فيها والصبر على شدائدها وطمأنينة القلب وسلامته:
إذا أكثر العبد ذكر الآخرة، وكانت منه دائماً على بال، فإن الزهد في الدنيا والحذر منها ومن فتنتها سيحلان في القلب، وحينئذ لا يكترث بزهرتها، ولا يحزن على فواتها، ولا يمدن عينيه إلى ما متع الله به بعض عباده من نعم ليفتنهم فيها، وهذه الثمرة يتولد عنها بدورها ثمار أخرى مباركة طيبة منها: القناعة، وسلامة القلب من الحرص والحسد والغل والشحناء؛ لأن الذي يعيش بتفكيره في الآخرة وأنبائها العظيمة لا تهمه الدنيا الضيقة المحدودة، مع ملاحظة أن إيمان المسلم باليوم الآخر وزهده في الدنيا لا يعني انقطاعه عنها وعدم ابتغاء الرزق في أكنافها؛ يقول (تعالى):- ((وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الآخِرَةَ)) [القصص: 77].
كما يتولد أيضا من هذا الشعور، الراحة النفسية والسعادة القلبية وقوة الاحتمال والصبر على الشدائد والابتلاءات، ذلك للرجاء فيما عند الله (عز وجل) من الأجر والثواب، وأنه مهما جاء من شدائد الدنيا فهي منقطعة ولها أجل، فهو ينتظر الفرج ويرجو الثواب الذي لا ينقطع يوم الرجوع إلى الله (عز وجل)، قال (تعالى): ((إن تَكُونُوا تَاًلَمُونَ فَإنَّهُمْ يَاًلَمُونَ كََمَا تَاًلَمُونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ مَا لا يَرْجُونَ)) [النساء: 104] وما إن يفقد القلب هذه المعاني حتى يخيم عليه الهم والتعاسة، ومن هنا ينشأ القلق والانزعاج والضيق والحزن، أما ذاك الذي عرف الدنيا على حقيقتها، وامتلأ قلبه بهمّ الآخرة وأنبائها، فإن نفسه لا تذهب على الدنيا حسرات، ولا تنقطع نفسه لهثاً في طلبها، ولا يأكل قلبه الغل والحسد والتنافس فيها، ولا يقل صبره ولا يجزع قلبه عند المحن والشدائد، ومهما حرم في هذه الدنيا الفانية فهو يعلم أن لله (عز وجل) في ذلك الحكمة البالغة، وهو يرجو الأجر يوم القيامة، قال (تعالى): ((وَلَوْلا أَن يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً لَّجَعَلْنَا لِمَن يَكْفُرُ بِالرَّحْمَنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفاً مِّن فِضَّةٍ وَمَعَارِجَ عَلَيْهَـا يَظْهَرُونَ (33) وَلِبُيُوتِهِمْ أَبْوَاباً وَسُـرُراً عَلَيْهَا يَتَّكِئُونَ (34) وَزُخْرُفـا وَإن كُلُّ ذَلِكَ لَمَّا مَتـاعُ الحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالآخِـرَةُ عِندَ رَبِّكَ لِلْمُتَّقِينَ)) [الزخرف: 33- 35].
3- التزود بالأعمال الصالحة وأنواع القربات واجتناب المعاصي والمبادرة بالتوبة والاستغفار:
يقول الإمام ابن القيم (رحمه الله تعالى): (ومما ينبغي أن من رجا شيئاً استلزم رجاؤه ثلاثة أمور:
أحدهما: محبة ما يرجوه.
الثاني: خوفه من فواته.
الثالث: سعيه في تحصيله بحسب الإمكان.
وأما رجاءٌ لا يقارنه شيء من ذلك فهو من باب الأمــاني، والـرجــاء شـيء والأماني شيء آخر، فكل راجٍ خائف، والسائرعلى الطريق إذا خاف أسرع السير مخافة الفوات.
وفي جامع الترمذي من حديث أبي هريرة قال: قال رسول الله (من خاف أدلج، ومن أدلج بلغ المنزل، ألا إن سلـعـة الله غالية، ألا إن سلعة الله الجنة)(3) وهو (سبحانه) كما جعل الرجاء لأهل الأعمال الـصــالـحة، فكذلك جعل الخوف لأهل الأعمال الصالحة، فعلم أن الرجاء والخوف النافع ما اقـتـرن به العمل، قال (تعالى): ((إنَّ الَذِينَ هُم مِّنْ خَشْيَةِ رَبِّهِم مُّشْفِقُونَ (57) وَالَّذِينَ هُم بِآيَاتِ رَبِّــهِــــمْ يُؤْمِنُونَ (58) وَالَّذِينَ هُم بِرَبِّهِمْ لا يُشْرِكُونَ (59) وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إلَى رَبِّــهِـــمْ رَاجِعُونَ (60) أُوْلَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ)) [المؤمنون: 57- 61].
وقد روى الترمـذي في جامعه عن عائشة (رضي الله عنها) قالت: سألت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن هذه الآية، فقلت: أهم الذين يشربون الخمر ويزنون ويسرقون؟ قال: (لا، يا ابـنـــة الصديق، ولكنهم الذين يصومون ويصلون ويتصدقون ويخافـون أن لايتقبل منهـم، أولئـك يسارعون فـي الخيرات)(4) وقد روي من حديث أبي هريرة أيضاً.
والله (سبحانه) وصف أهل السـعادة بالإحسان مع الخوف، ووصف الأشقيـاء بالإسـاءة مع الأمن)(5).
وقــال (تعـالـى): ((إنَّ الَذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُوْلَئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَتَ اللَّهِ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ)) [البقرة: 218].
يقــول ابن القيم (رحمه اللـه تعالى): (فتأمل كيف جعـل رجاءهم إتيانهم بهـذه الطاعات؟ وقـــال المغرورون: إن المفرطين المضيعين لحقـوق اللـه المعطلـين لأوامـره الباغـين المتجرئين على محارمـه، أولئك يرجون رحمة الله)(6). للحديث صلة.
الهوامش :
(1) أحمد، جـ1ص215، 271. وصحح إسناده أحمد شاكر (1842).
(2) الجواب الكافي، ص 54.
(3) رواه الترمذي، كتاب صفة القيامة، باب 18 الحديث رقم 2450. وانظر صحيح سنن الترمذي (1993).
(4) رواه أحمد، جـ6ص159، والترمذي (كتاب التفسير) باب تفسير سورة المؤمنون، ح 3175.
(5) الجواب الكافي، ص 57، 58.
(6) الجواب الكافي، ص 56.دراسات تربوية
من ثمرات اليقين باليوم الآخر
بقلم: عبد العزيز بن ناصر الجليل
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام عـلـى نـبـيـنــا وقدوتنا محمد، وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهديه إلى يوم الدين، أما بعد..
لما كان الإيمان باليوم الآخر أحد أصول الإيمان الستة التي لا يصح إيمان مسلم بدونها.
ولـمـا لذلك الإيمان من أثر في حياة المسلم وطاعته لأوامر الله (عزو جل) واجتناب نواهيه، ولما لـــه من أثر في صلاح القلوب وصلاح الناس وسعادتهم في الدنيا والآخرة، ولما في نسيان ذلك اليوم العظيم والغفلة عنه من خطر على حياة الناس ومصيرهم.. فلا غرابة إذن أن يرد ذكر هذا اليوم كثيراً في القرآن، حتى لا تكاد تخلو منه صفحة من صفحاته.
وإذا كان الكتاب والسنة قد اهتما غاية الاهتمام بتفاصيل ذلك اليوم المشهود وبأحوال هذا النبأ العظيم؛ فإنه من الحمق والجهل ألا نهتم بما اهتم به الوحيان.
إن أعـظــم قـضـيـة يجب أن ينشغل بها كل واحد منا هي: قضية وجوده وحياته والغاية منها، وقضية مستقبله ومصيره وشقائه وسعادته، فلا يجوز أن يتقدم ذلك شيء مهما كان، فكل أمر دونه هين وكل خطب سواه حقير. وهل هناك أعظم وأفدح من أن يخسر الإنسان حـيـاتـــه وأهله، ويخسر مع ذلك سعادته وسعادتهم، فماذا يبقى بعد ذلك؟ ((قُـــــلْ إنَّ الخَاسِرِينَ الَذِينَ خَسِرُوا أَنفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ القِيَامَةِ أَلا ذَلِكَ هُوَ الخُسْرَانُ المُبِينُ)) [الزمر: 15].
وأهمية هذا الموضوع تتجلى فيما يلي:
1- انفتاح الدنيا الشديد على كثير من الناس في هذا الزمان وما صحب ذلك من مكر الليل والنهار بأساليب جديدة ودعايات خبيثة تزين الدنيا في أعين الناس وتصدهم عن الآخرة، ومع ما كان عليه صحابة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من الإيمان والتقوى، فقدكان يحذرهم من الاغترار بالدنيا وضرورة الاستعداد للآخرة، مع أن الدنيا لم تنفتح عليهم مثل اليوم، فـــلا شك ولا ريب أننا أحوج منهم بكثير إلى أن نتذكر الآخرة ويذكّر بعضنا بعضاً بعظمة شأنها وأهمية الاستعداد لها.
2- ركون كـثـيـر مـــن الـنـاس للـدنـيا ولقد ترتب على ذلك أن قست القلوب، وتحجرت الأعين، وهُجِرَ كتاب الله (عز وجل)، وإذا قـــــرأ أحدنا القرآن قرأه بقلب لاهٍ، فأنّى لمثل ذلك القلب أن يخشع لذكر الله؟ وأنّى لعينيه أن تـدمــــع خوفاً من الله، وقد انعكس ذلك على الصلاة فقلّ الخاشعون والمطمئنون فيها.. والله المستعان.
3- لما في تذكر ذلك اليوم ومشاهده العظيمة من حث على الـعـمـــل الصالح والمبادرة لفعل الخيرات وترك المنكرات، بل ما تكاسل المتكاسلون في عمل الصالحات سواء الواجب منها والمسنون إلا بسبب الغفلة عن الآخرة والانشغال عنها، يقول (تعالـى) فـي وصــف عباده الصالحين: ((رِجَالٌ لاَّ تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَإقَامِ الصَلاةِ وَإيتَاءِ الــزَّكَاةِ)) [النور: 37]. ((أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِداً وَقَائِماً يَحْذَرُ الآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لايَعْلَمُونَ إنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُوا الأَلْبَابِ)) [الزمر: 9].
4- لـمـــا ظهر في عصرنا اليوم من المشكلات المعقدة والأمراض المزمنة، التي نشأت عنها الأمراض النفسية المتنوعة من القلق والاكتئاب اللذين يؤديان غالباً إلى حياة يائسة، ومن أسباب ذلك: البعد عن الله (تعالى)، وعن تذكر اليوم الآخر.
5- لما تميز به زماننا اليوم من كثرة المظالم في بعض المجتمعات واعتداء الناس بعضهم على بعض، من أكلٍ لأموال غيرهم بدون وجه حق، وكذلك النيل من الأعراض، والحسد والتباغض، والفرقة والاختلاف، وبخاصة بين بعض الدعاة وطلبة العلم، ولا شك أنه لا شيء مثل تذكر اليوم الآخر وتذكـر الوقـوف بين يدي اللـه (عز وجل) علاجاً لتلك الأمراض.
6- ولما كان الركون إلى الدنيا والغفلة عن الآخرة من أعظم الأسباب في وهن النفوس وضعفها كان لا بد من التذكير المستمر بذلك اليوم وما فيه من نعيم أو جحيم، لأن في هذا التذكير أكبر الأثر في نشاط الهمم وعدم الاستسلام للوهـن واليأس رجـاء ثواب اللـه (عز وجل) وما أعده للمجاهدين في سبيله الداعين إليه.
7- ولما قلّ في برامج الدعوة والتربية الاعتناء بهذه الجانب العظيم من التربية مما له الأثر الكبير في الاستقامة على الجادة والدعوة إلى الله على بصيرة، ولكن نرى من بعض المهتمين بالدعوة من يستهين بهذا الجانب العظيم حتى صار بعضهم يقلل من أثر التذكرة بالآخرة بقوله: إن هذا الأمر يغلب عليه الوعظ أو هذا مقال عاطفي وعظي… إلخ.. مع أن المتأمل لكتاب الله (سبحانه) وسنة رسوله -صلى الله عليه وسلم- يرى بجلاء جانب الوعظ بارزاً بالربط بين الدنيا والآخرة والثواب والعقاب.. نسأل الله أن يهدينا جميعاً وأن يوفقنا للاقتداء بالسنة والسير على نهجها.
الآثار المرجوة لليقين باليوم الآخر:
إن في اليقين باليوم الآخر وأنبائه العظيمة لآثاراً واضحة وثماراً طيبة، لابد أن تظهر في قلب العبد وعلى لسانه وجوارحه، وفي حياته كلها، ولكن هذا اليقين وحده لا يكفي حتى ينضم إليه الصبر ومجاهدة الشهوات والعوائق، لأن الواحد منا ـ مع يقينه باليوم الآخر وأهواله ـ يرى في حياته أن ثمرات هذا اليقين ضعيفة، فلابد إذن من سبب لهذا الأمر، ويجلي هذه المسألة الإمام ابن القيم (رحمه الله تعالى) فيقول: (فإن قلت كيف يجتمع التصديق الجازم الذي لا شك فيه بالمعاد والجنة والنار ويتخلف العمل؟ وهل في الطباع البشرية أن يعلم العبد أنه مطلوب غداً إلى بين يدي بعض الملوك ليعاقبه أشد عقوبـة، أو يكرمـه أتم كرامة، ويبيت ساهياً غافلاً! ولا يتذكر موقفه بين يدي الملك، ولا يستعد له، ولا يأخذ له أهبته؟!.
قيل: هذا (لعمر الله) سؤال صحيح وارد على أكثر الخلق؛ فاجتماع هذين الأمرين من أعجب الأشياء، وهذا التخلف له عدة أسباب:
أحدهما: ضعف العلم ونقصان اليقين، ومن ظن أن العلم لا يتفاوت، فقوله من أفسد الأقوال وأبطلها.
وقد سأل إبراهيم الخليل ربه أن يريه إحياء الموتى عياناً بعد علمه بقدرة الرب على ذلك، ليزداد طمأنينة، ويصير المعلوم غيباً شهادة.
وقد روى أحمد في مسنده عن النبي أنه قال: (ليس الخبر كالمعاينة) (1).
فإذا اجتمع إلى ضعف العلم عدم استحضاره أو غيبته عن القلب في كثير من أوقاته أو أكثرها لاشتغاله بما يضاده، وانضم إلى ذلك تغاضي الطبع، وغلبات الهوى، واستيلاء الشهوة، وتسويل النفس، وغرور الشيطان، واستبطاء الوعـد، وطول الأمـل، ورقدة الغفلة، وحب العاجلة، ورخص التأويل، وإلف العوائد، فهناك لا يمسك الإيمان إلا الذي يمسك السموات والأرض أن تزولا، وبهذا السبب يتفاوت الناس في الإيمان والأعمال، حتى ينتهي إلى أدنى مثقال ذرة في القلب.
وجماع هذه الأسباب يرجع إلى ضعف البصيرة والصبر، ولهذا مدح الله (سبحانه) أهل الصبر واليقين، وجعلهم أئمة الدين، فقال (تعالى): ((وَجَعَلْنَـا مِنْهُمْ أَئِمَّـةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُـونَ)) [السجدة: 24])(2).
ذكر الثمرات المرجوة:
وبعد هذه المقدمة التي لا بد منها حول ثمرات اليقين بالنبأ العظيم نذكر ما تيسر من هذه الثمرات، والله ولي التوفيق:
1- الإخلاص لله (عز وجل) والمتابعة للرسول :
إن الموقن بلقاء الله (عز وجل) يوم الفزع الأكبر، لا تلقاه إلا حريصاً على أعماله، خائفاً من كل ما يحبطها من أنواع الشرك الأكبر أو الشرك الأصغر، حيث إن الشرك الأكبر يحبط جميع الأعمال، فتصير هباءً منثوراً، والشرك الأصغر يحبط العمل الذي حصل فيه هذا النوع من الشرك كيسير الرياء، والعجب، والمن، وطلب الجاه والشرف في الدنيا، فكلما كان العبد موقناً بلقاء ربه كان منه الحرص الشديد على ألا تضيع منه أعماله الصالحة في موقف القيامة، يوم أن يكون في أشد الأوقات حاجة إليها؛ ولذلك فهو يجاهد نفسه بحماية أعماله في الدنيا بالإخلاص فيها لله (تعالى) لعل الله (عز وجل) أن ينفعه بها، كما أن اليقين بالرجوع إلى الله (عز وجل) يجعل العبد في أعماله كلها متبعاً للرسول -صلى الله عليه وسلم- غير مبتدع ولامبدل؛ لأن الله (عز وجل) لا يقبل من العمل إلا ما كان خالصاً صواباً، قال (تعالى):- ((قُلْ إنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُوحَى إلَيَّ أَنَّمَا إلَهُكُمْ إلَهٌ وَاحِدٌ فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَداً)) [الكهف: 110].
2- الحذر من الدنيا والزهد فيها والصبر على شدائدها وطمأنينة القلب وسلامته:
إذا أكثر العبد ذكر الآخرة، وكانت منه دائماً على بال، فإن الزهد في الدنيا والحذر منها ومن فتنتها سيحلان في القلب، وحينئذ لا يكترث بزهرتها، ولا يحزن على فواتها، ولا يمدن عينيه إلى ما متع الله به بعض عباده من نعم ليفتنهم فيها، وهذه الثمرة يتولد عنها بدورها ثمار أخرى مباركة طيبة منها: القناعة، وسلامة القلب من الحرص والحسد والغل والشحناء؛ لأن الذي يعيش بتفكيره في الآخرة وأنبائها العظيمة لا تهمه الدنيا الضيقة المحدودة، مع ملاحظة أن إيمان المسلم باليوم الآخر وزهده في الدنيا لا يعني انقطاعه عنها وعدم ابتغاء الرزق في أكنافها؛ يقول (تعالى):- ((وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الآخِرَةَ)) [القصص: 77].
كما يتولد أيضا من هذا الشعور، الراحة النفسية والسعادة القلبية وقوة الاحتمال والصبر على الشدائد والابتلاءات، ذلك للرجاء فيما عند الله (عز وجل) من الأجر والثواب، وأنه مهما جاء من شدائد الدنيا فهي منقطعة ولها أجل، فهو ينتظر الفرج ويرجو الثواب الذي لا ينقطع يوم الرجوع إلى الله (عز وجل)، قال (تعالى): ((إن تَكُونُوا تَاًلَمُونَ فَإنَّهُمْ يَاًلَمُونَ كََمَا تَاًلَمُونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ مَا لا يَرْجُونَ)) [النساء: 104] وما إن يفقد القلب هذه المعاني حتى يخيم عليه الهم والتعاسة، ومن هنا ينشأ القلق والانزعاج والضيق والحزن، أما ذاك الذي عرف الدنيا على حقيقتها، وامتلأ قلبه بهمّ الآخرة وأنبائها، فإن نفسه لا تذهب على الدنيا حسرات، ولا تنقطع نفسه لهثاً في طلبها، ولا يأكل قلبه الغل والحسد والتنافس فيها، ولا يقل صبره ولا يجزع قلبه عند المحن والشدائد، ومهما حرم في هذه الدنيا الفانية فهو يعلم أن لله (عز وجل) في ذلك الحكمة البالغة، وهو يرجو الأجر يوم القيامة، قال (تعالى): ((وَلَوْلا أَن يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً لَّجَعَلْنَا لِمَن يَكْفُرُ بِالرَّحْمَنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفاً مِّن فِضَّةٍ وَمَعَارِجَ عَلَيْهَـا يَظْهَرُونَ (33) وَلِبُيُوتِهِمْ أَبْوَاباً وَسُـرُراً عَلَيْهَا يَتَّكِئُونَ (34) وَزُخْرُفـا وَإن كُلُّ ذَلِكَ لَمَّا مَتـاعُ الحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالآخِـرَةُ عِندَ رَبِّكَ لِلْمُتَّقِينَ)) [الزخرف: 33- 35].
3- التزود بالأعمال الصالحة وأنواع القربات واجتناب المعاصي والمبادرة بالتوبة والاستغفار:
يقول الإمام ابن القيم (رحمه الله تعالى): (ومما ينبغي أن من رجا شيئاً استلزم رجاؤه ثلاثة أمور:
أحدهما: محبة ما يرجوه.
الثاني: خوفه من فواته.
الثالث: سعيه في تحصيله بحسب الإمكان.
وأما رجاءٌ لا يقارنه شيء من ذلك فهو من باب الأمــاني، والـرجــاء شـيء والأماني شيء آخر، فكل راجٍ خائف، والسائرعلى الطريق إذا خاف أسرع السير مخافة الفوات.
وفي جامع الترمذي من حديث أبي هريرة قال: قال رسول الله (من خاف أدلج، ومن أدلج بلغ المنزل، ألا إن سلـعـة الله غالية، ألا إن سلعة الله الجنة)(3) وهو (سبحانه) كما جعل الرجاء لأهل الأعمال الـصــالـحة، فكذلك جعل الخوف لأهل الأعمال الصالحة، فعلم أن الرجاء والخوف النافع ما اقـتـرن به العمل، قال (تعالى): ((إنَّ الَذِينَ هُم مِّنْ خَشْيَةِ رَبِّهِم مُّشْفِقُونَ (57) وَالَّذِينَ هُم بِآيَاتِ رَبِّــهِــــمْ يُؤْمِنُونَ (58) وَالَّذِينَ هُم بِرَبِّهِمْ لا يُشْرِكُونَ (59) وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إلَى رَبِّــهِـــمْ رَاجِعُونَ (60) أُوْلَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ)) [المؤمنون: 57- 61].
وقد روى الترمـذي في جامعه عن عائشة (رضي الله عنها) قالت: سألت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن هذه الآية، فقلت: أهم الذين يشربون الخمر ويزنون ويسرقون؟ قال: (لا، يا ابـنـــة الصديق، ولكنهم الذين يصومون ويصلون ويتصدقون ويخافـون أن لايتقبل منهـم، أولئـك يسارعون فـي الخيرات)(4) وقد روي من حديث أبي هريرة أيضاً.
والله (سبحانه) وصف أهل السـعادة بالإحسان مع الخوف، ووصف الأشقيـاء بالإسـاءة مع الأمن)(5).
وقــال (تعـالـى): ((إنَّ الَذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُوْلَئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَتَ اللَّهِ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ)) [البقرة: 218].
يقــول ابن القيم (رحمه اللـه تعالى): (فتأمل كيف جعـل رجاءهم إتيانهم بهـذه الطاعات؟ وقـــال المغرورون: إن المفرطين المضيعين لحقـوق اللـه المعطلـين لأوامـره الباغـين المتجرئين على محارمـه، أولئك يرجون رحمة الله)(6). للحديث صلة.
الهوامش :
(1) أحمد، جـ1ص215، 271. وصحح إسناده أحمد شاكر (1842).
(2) الجواب الكافي، ص 54.
(3) رواه الترمذي، كتاب صفة القيامة، باب 18 الحديث رقم 2450. وانظر صحيح سنن الترمذي (1993).
(4) رواه أحمد، جـ6ص159، والترمذي (كتاب التفسير) باب تفسير سورة المؤمنون، ح 3175.
(5) الجواب الكافي، ص 57، 58.
(6) الجواب الكافي، ص 56.
(2)
تطرق الكاتب في الحلقة الأولى إلـى بعض ثمار الإيمـان باليــوم الآخــر، وهي: الإخـلاص لله (تعالى) والمتابعة للرسول، والحــذر من الدنيا، والزهد فيها، والصبر على شدائدها، والتزود بالأعمال الصالحة وأنواع القربـــات، واجتناب المعاصي، ويواصل الكاتب في هذه الحلقة ما تبقى من هذا الموضوع.- البيان -
4- الدعوة إلى الله (عز وجل ) والجهاد في سبيله:
وهذا يدخل في الثمرة السابقة، حيث إنه من أفضل القربات والأعمال الصالـحـــــة، وقد أفردته هنا باعتباره ثمرة مستقلة من ثمار اليقين باليوم الآخر، وذلك لما يلي:
(1) فـضـــل الـجـهــــاد والدعوة إلى الله (سبحانه) وأثرهما في إنقاذ الناس بإذن ربهم من الظلمات إلى النور، ولذلك كان من أحب الأعمال إلى الله (عز وجل)، قال (تعالى): ((وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِّمَّن دَعَا إلَـى اللَّهِ وَعـَـمِــــلَ صَالِحاً وَقَالَ إنَّنِي مِنَ المُسْلِمِينَ)) [ فصلت: 33]
(ب) وصف الرسول للجهاد بأنه ذروة سنام الإسلام.
في الجهاد أيضاً: حقيقة الزهد في الحياة الدنيا، وفيه أيضاً: حقيقة الإخلاص؛ فإن الكلام فيمن جاهد في سبيل الله، لا في سبيل الرياسة، ولا في سبيل المال، ولا في سبيل الحمية.. وهذا لا يكون إلا لمن قاتل ليكون الدين كله لله، ولتكون كلمة الله هي العليا، وأعظم مراتب الإخلاص: تسليم النفس والمال للمـعـبـود، كما قال (تعالى): ((إنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ المُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُـمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الجَنَّةَ يُقَاتِلُـونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْداً عَلَيْهِ حَقاً فِي التَّوْرَاةِ وَالإنجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَذِي بَايَعْتُم بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الفَوْزُ العَظِيمُ)) [التوبة: 111].
(ج) في الحديث عن الجهاد في سـبيل الله (عز وجل) ومحاربة الفساد وتعبيد الناس لرب العالمين أكبر رد على الذين يرون أن الـتـعـلــــق باليوم الآخر والاستعداد له يعني اعتزال الناس، وترك الدنيا لأهلها، والاشتغال بالنفس وعيوبها، وترك الحياة يأسن فيها أهلها.
نعم هذا ما يراه بعض المتصوفة وأصحاب الفهم المنحرف لحقيقة الدنيا والآخرة.. ([لقد كان ] الناس في فترات من الزمان يعيشون سلبيين، ويَدَعون الفساد والشر والظلم والتخلف والجهالة تغمر حياتهم الدنيا مع ادعائهم الإسلام هم يصنعون ذلك كله أو بعضه لأن تصورهم للإسلام قد فسد وانحرف؛ ولأن يقينهم في الآخرة قد تزعزع وضعف! لا لأنهم يدينون بحقيقة هذا الدين... فما يستيقن أحد من لقاء الله في الآخرة؛ وهو يعي حقيقة هذا الدين، ثم يعيش في هذه الحيـاة سلبيّاً أو متخلفاً أو راضياً بالشر والفساد. إنما يزاول المسلم هذه الحياة الدنيا وهو يشعر أنه أكبر منها وأعلى، ويستمتع بطيباتها أو يزهد فيها وهو يعلم أنها حلال في الدنيا خالصة له يوم القيامة...، ويكافح الشر والفساد والظلم محتملاً الأذى والتضحية حتى الشهادة، وهو إنما يقدم لنفسه في الآخرة... إنه يعلم من دينه أن الدنيا مزرعة الآخرة، وأن ليس هنالك طريق للآخرة لا يمر بالدنيا، وأن الدنيا صغيرة زهيدة، ولكنها من نعمة الله التي يجتاز منها إلى نعمة الله الكبرى)(1).
5- اجتناب الظلم بشتى صوره:
نظراً لكثرة الظلم والشحناء بين المسلمين في عصرنا الحاضر، وأنه لا شيء يمنع النفس من ظلم غيرها في نفس أو مال أو عرض: كاليقين بالرجوع إلى الله (عز وجل)، وإعطاء كل ذي حق حقه، وإنصاف المظلوم ممن ظلمه، فإذا تذكر العبد هذا الموقف العصيب الرهيب، وأنه لا يضيع عند الله شيء، كما قال (تعالى): ((وَنَضَعُ المَوَازِينَ القِسْطَ لِيَوْمِ القِيَامَةِ فَلا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً وَإن كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِّنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ)) [الأنبياء: 47] وقوله (تعالى) ((وَقَدْ خَابَ مَنْ حَمَلَ ظُلْماً)) [طه: 111]، إذا تذكر هذه المواقف واتعظ بهذه الآيات، وأيقن بتحققها فلا شك أن ذلك سيمنعه من التهاون في حقوق الخلق، والحذر من ظلمهم في دم أو مال أو عرض، خاصة وأن حقوق العباد مبنية على المشاحة والحرص على استيفاء الحق من الخصم، وبالذات في يوم الهول الأعظم الذي يتمنى العبد فيه أن يكون له مظلمة عند أمه وأبيه وصاحبته وبنيه، فضلاً عن غيرهم من الأباعد، ومعلوم أن التقاضي هنالك ليس بالدينار والدرهم ولكن بالحسنات والسيئات.
فياليتنا نتذكر دائماً يوم الفصل العظيم، يوم يفصل الحكم العدل بين الناس، ويقضي بين الخصماء بحكمه وهو أحكم الحاكمين، ليتنا لا نغفل عن هذا المشهد العظيم، حتى لا يجور بعضنا على بعض، ولا يأكل بعضنا لحوم بعض، ولا نتكلم إلا بعلم وعدل، إنه لا شيء يمنع من ذلك كله إلا الخوف من الله (عز وجل) وخوف الوقوف بين يديـه، واليقـين الحـق بأن ذلك كـائن في يـوم لا ريب فـيه؛ قال (تعالى): ((إنَّكَ مَيِّتٌ وَإنَّهُم مَّيِّتُونَ (30) ثُمَّ إنَّكُمْ يَوْمَ القِيَامَةِ عِندَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ)) [الزمر: 30، 31].
6- حصول الأمن والاستقرار والألفة بين الناس بالحكم بشريعة الله:
إن مجتمعاً يسود بين أهله الإيمان بالله (عز وجل) واليقين بالآخرة والجزاء والحساب، لا شك أنه مجتمع تسوده المحبة ويعمه السلام؛ لأن تعظيم الله (سبحانه) سيجعل هذه النفوس لا ترضى بغير شرع الله (عز وجل) بديلاً، ولا تقبل الاستسلام إلا لحكمه، وهذا بدوره سيضفي الأمن والأمان على مثل هذه المجتمعات، لأن أهلها يخافون الله ويخافون يوم الفصل والجزاء، فلا تحاكم إلا لشرع الله، ولا تعامل إلا بأخلاق الإسلام الفاضلة: فلا خيانة ولا غش ولا ظلم، ولا يعني هذا أنه لا يوجد في المجتمعات المسلمة من يظلم أو يخون أو يغش، فهذا لم يسلم منه عصر النبوة ولا الخلافة الراشدة، لكن هذه المعاصي تبقى فردية، يؤدّب أفرادها بحكم الله (عز وجل) وحدوده، إذا لم يردعهم وازع الدين والخوف من الله، والحالات الفردية تلك ليست عامة، أما عندما يقل الوازع الديني والخوف من الآخرة، ويكون التحاكم إلى أهواء البشر وحكمهم فهذا هو البلاء العظيم والفساد الكبير: حيث تداس القيم والحرمات، ويأكل القوي الضعيف، وبالتالي: لا يأمن الناس على أديانهم ولا أنفسهم ولا أموالهم ولا أعراضهم، وكفى بذلك سبباً في عدم الأمن والاستقرار، وانتشار الخوف، واختلال حياة الناس.
7- تقصير الأمل وحفظ الوقت:
إن من أخطر الأبواب التي يدخل منها الشيطان على العبد: طول الأمل، والأماني الخادعة التي تجعل صاحبها في غفلة شديدة عن الآخرة، واغترار بزينة الحياة الدنيا، وتضييع ساعات العمر النفيسة في اللهث وراءها حتى يأتي الأجل الذي يقطع هذه الآمال، وتذهب النفس حسرات على ما فرطت في عمرها، وأضاعت من أوقاتها. ولكن اليقين بالرجوع إلى الله (عز وجل) والتذكر الدائم لقصر الحياة وأبدية الآخرة وبقائها، هو العلاج الناجع لطول الأمل وضياع الأوقات.
يقول ابن قدامة (رحمة الله): (واعلم أن السبب في طول الأمل شيئان:
أحدهما: حب الدنيا، والثاني: الجهل.
أبو عبد الرحمن
الجواب
كما يتم استخدام أسلوب التربية بالآيات القرآنية من خلال الوقوف على آيات الخوف في القرآن وتفسيرها بما يتناسب مع عمر الطفل،وتدبرها وجعل الطفل يحفظها قدر إمكانه ويرددها باستمرار.
تعديل التعليق