ترك المستحبات في الحج بسبب الزحام_د.نايف الجريدان
احمد ابوبكر
1434/11/25 - 2013/10/01 03:54AM
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فلا شك أن اجتماع أعداد كبيرة من المسلمين في بقعة واحدة ذات المساحة الجغرافية المحدودة، وفي زمان ووقت واحد سينتج عنه الزحام الشديد، الذي يصحبه التدافع بين الحجاج مما يكون سببا في الغالب لحصول الكوارث من وفيات وإصابات، وعند النظر إلى أماكن وأوقات الازدحام نجد أن لهذه الأماكن والأوقات سنن ومستحبات شرعت للحجاج الإتيان بها، والاقتداء بسنة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم القائل: (خذوا عني مناسككم)، ومن هنا يقف الحاج بين حبه للاقتداء وفعل كل ما هو مسنون ومستحب، مع ما يلاقيه من عناء ومشقة الزحام، وبين أن يترك فعل هذه المستحبات.
وعند النظر إلى مقاصد الشريعة ومراميها العظام نجد أنه كما أن على المسلم أن يتحرى هدي النبي صلى الله عليه وسلم في كل مواطن العبادة المختلفة إذا كان في حال تأديته لهذه المستحبات سعة وقدرة، فإن عليه أيضا ألا يمارس أي مستحب – بل ويتعين عليه تركه- إذا ترتب على فعله ترك واجب، أو ارتكاب محظور، ويشهد لهذا المبدأ قواعد ومبادئ وأسس شرعية وتأصيلات فقهية ذكرها العلماء فمنها على سبيل المثال:
- قاعدة لا ضرر ولا ضرار: التي تدخل في كثير من الأحكام الشرعية مبينة السياج المحكم الذي بنته الشريعة لضمان كل ما يصلح الناس وتحقيق السلامة لهم في دينهم ودنياهم.
- قاعدة: درء المفاسد مقدم على جلب المصالح، والقاعدة المتفرعة منها وهي: إذا تعارضت مصلحتان إحداهما صغرى أو خاصة، والأخرى كبرى أو عامة، فإن الكبرى تقدم على الصغرى، والعامة تقدم على الخاصة.
- قاعدة المشقة تجلب التيسير: فإن الأصل في الأحكام الشرعية أن تطبق، ويعمل بها وفق ما أمر به الشارع، غير أن هذا التطبيق مشترط بالاستطاعة والقدرة على التطبيق، ومتى عدمت تلك الاستطاعة والقدرة، فإن الأمر يرفع إما كليا أو جزئيا، يرفع كليا بانتفاء أسبابه، ويرفع جزئيا بالتخفيف في شروطه، وحتى أركانه أحيانا.
- قاعدة: مراعاة الفضيلة المتعلقة بذات العبادة أولى من مراعاة الفضيلة المتعلقة بزمانها ومكانها.
ولنضرب بعض الأمثلة لهذه المستحبات التي تكون أثناء الزحام الشديد في الحج، ثم نوجه التصرف الصحيح الموافق لما ذكرنا من قواد الشرع ومقاصده ومبادئه العظام:
1. ما يسن فعله عند الميقات من غسل وتطيب، ونحوه، فمعلوم أن حجاج زماننا أغلبهم يأتي عبر تلك الحملات التي قد يصل أعداد كبيرة منها إلى الميقات في وقت واحد، مما يسبب تجمعهم الازدحام حول المغاسل، وحصول المشقة على كثير منهم، بل وقد يفوت أحدهم رفقته بسبب ذلك، فحينئذ لا حرج في ترك الاغتسال، وإن تيسر الوضوء فقط وإلا فلا بأس بتركه أيضا والاكتفاء بلبس الإحرام (الإزار والرداء) والتلبية.
2. قال العلماء الطواف بقرب الكعبة أفضل من الطواف بعيدا عنها، ومعلوم أن مع الزحام قد يصعب القرب من الكعبة، لكنا لو افترضنا أنه استطاع القرب منها فإن في البعد تحقيق مصالح أكثر من مصلحة القرب، فإضافة لكون ذلك يجنب الحاج الوقوع في مزاحمة الناس وأذيتهم فهو أيضا يحقق مقصد الخشوع في تأدية هذه العبادة، وهذا مطلب شرعي أيضا.
3. يسن الرمل في الأشواط الثلاثة الأولى من الطواف، وعند الزحام لا يمكن أن يتصور القيام بذلك، ولو وجد الحاج فرصة لذلك لكنه قد يؤدي إلى إيذاء من حوله، فلا بأس بتركه. وقل مثل ذلك فيما يشرع عند محاذاة العلمين في الصفا والمروة من الإسراع والهرولة والذي قد ذكر العلماء أنه يكون أشد من الرمل في الطواف، وفي حال الزحام قد يترتب عليه حصول الأذى والضرر للضعفة من الكبار والنساء، فحينئذ يترك لحصول مصحلة أكبر من مصلحة فعله.
4. يسن تقبيل الحجر الأسود أو استلامه، والذي نراه يحصل عند الحجر من التدافع الشديد الذي لا يكاد الرجل القوي يستطيع تقبيله بسببه، فما بالك بالضعيف والكبير والمرأة، فحينئذ قد يصل الأمر إلى وجوب ترك تقبيل الحجر الأسود؛ لما يسببه من ضرر على النفس وعلى الغير؛ ولما قد يحصل من شدة غضب يسبب رفع الصوت والتلفظ بألفاظ لا تليق في هذا المقام العظيم. فالمفسدة هنا ظاهرة، والضرر حاصل. ويدل لذلك ما أخرجه الإمام أحمد في مسنده وغيره، قول النبي صلى الله عليه وسلم لعمر رضي الله عنه: "يا عمر إنك رجل قوي، لا تزاحم على الحجر فتؤذي الضعيف، إن وجدت خلوة فاستلمه، وإلا فاستقبله، فهلل وكبر".
5. من السنن التي تُؤدى بعد الطواف صلاة ركعتين خلف مقام إبراهيم- عليه السلام-، وهذا قد لا يتأتى للحاج الإتيان به، ولو فعله لسبب الاصطدام مع الطائفين والتضييق عليهم، وتأخير مسيرهم وعرقلتهم؛ لذا ذكر العلماء أنه لا بأس بأداء هاتين الركعتين في أي موضع في الحرم، فإن ترك هذه السنة يترتب عليها مصلحة أعظم من مصلحة فعلها.
وأخيرا: فإن الله سبحانه وتعالى يقول: على كل حال الله سبحانه وتعالى يقول: (الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدَالَ فِي الْحَجِّ)، فعلى الحاج أن يسلك الآداب الإسلامية فلا يؤذي لا في قوله، ولا في سمعه، ولا في بصره، ولا في يده، ويتجنب مواطن الازدحام ما استطاع إلى ذلك سبيلا، وأن يرفق بإخوانه الحجاج وعليه بالسكينة السكينة. وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
فلا شك أن اجتماع أعداد كبيرة من المسلمين في بقعة واحدة ذات المساحة الجغرافية المحدودة، وفي زمان ووقت واحد سينتج عنه الزحام الشديد، الذي يصحبه التدافع بين الحجاج مما يكون سببا في الغالب لحصول الكوارث من وفيات وإصابات، وعند النظر إلى أماكن وأوقات الازدحام نجد أن لهذه الأماكن والأوقات سنن ومستحبات شرعت للحجاج الإتيان بها، والاقتداء بسنة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم القائل: (خذوا عني مناسككم)، ومن هنا يقف الحاج بين حبه للاقتداء وفعل كل ما هو مسنون ومستحب، مع ما يلاقيه من عناء ومشقة الزحام، وبين أن يترك فعل هذه المستحبات.
وعند النظر إلى مقاصد الشريعة ومراميها العظام نجد أنه كما أن على المسلم أن يتحرى هدي النبي صلى الله عليه وسلم في كل مواطن العبادة المختلفة إذا كان في حال تأديته لهذه المستحبات سعة وقدرة، فإن عليه أيضا ألا يمارس أي مستحب – بل ويتعين عليه تركه- إذا ترتب على فعله ترك واجب، أو ارتكاب محظور، ويشهد لهذا المبدأ قواعد ومبادئ وأسس شرعية وتأصيلات فقهية ذكرها العلماء فمنها على سبيل المثال:
- قاعدة لا ضرر ولا ضرار: التي تدخل في كثير من الأحكام الشرعية مبينة السياج المحكم الذي بنته الشريعة لضمان كل ما يصلح الناس وتحقيق السلامة لهم في دينهم ودنياهم.
- قاعدة: درء المفاسد مقدم على جلب المصالح، والقاعدة المتفرعة منها وهي: إذا تعارضت مصلحتان إحداهما صغرى أو خاصة، والأخرى كبرى أو عامة، فإن الكبرى تقدم على الصغرى، والعامة تقدم على الخاصة.
- قاعدة المشقة تجلب التيسير: فإن الأصل في الأحكام الشرعية أن تطبق، ويعمل بها وفق ما أمر به الشارع، غير أن هذا التطبيق مشترط بالاستطاعة والقدرة على التطبيق، ومتى عدمت تلك الاستطاعة والقدرة، فإن الأمر يرفع إما كليا أو جزئيا، يرفع كليا بانتفاء أسبابه، ويرفع جزئيا بالتخفيف في شروطه، وحتى أركانه أحيانا.
- قاعدة: مراعاة الفضيلة المتعلقة بذات العبادة أولى من مراعاة الفضيلة المتعلقة بزمانها ومكانها.
ولنضرب بعض الأمثلة لهذه المستحبات التي تكون أثناء الزحام الشديد في الحج، ثم نوجه التصرف الصحيح الموافق لما ذكرنا من قواد الشرع ومقاصده ومبادئه العظام:
1. ما يسن فعله عند الميقات من غسل وتطيب، ونحوه، فمعلوم أن حجاج زماننا أغلبهم يأتي عبر تلك الحملات التي قد يصل أعداد كبيرة منها إلى الميقات في وقت واحد، مما يسبب تجمعهم الازدحام حول المغاسل، وحصول المشقة على كثير منهم، بل وقد يفوت أحدهم رفقته بسبب ذلك، فحينئذ لا حرج في ترك الاغتسال، وإن تيسر الوضوء فقط وإلا فلا بأس بتركه أيضا والاكتفاء بلبس الإحرام (الإزار والرداء) والتلبية.
2. قال العلماء الطواف بقرب الكعبة أفضل من الطواف بعيدا عنها، ومعلوم أن مع الزحام قد يصعب القرب من الكعبة، لكنا لو افترضنا أنه استطاع القرب منها فإن في البعد تحقيق مصالح أكثر من مصلحة القرب، فإضافة لكون ذلك يجنب الحاج الوقوع في مزاحمة الناس وأذيتهم فهو أيضا يحقق مقصد الخشوع في تأدية هذه العبادة، وهذا مطلب شرعي أيضا.
3. يسن الرمل في الأشواط الثلاثة الأولى من الطواف، وعند الزحام لا يمكن أن يتصور القيام بذلك، ولو وجد الحاج فرصة لذلك لكنه قد يؤدي إلى إيذاء من حوله، فلا بأس بتركه. وقل مثل ذلك فيما يشرع عند محاذاة العلمين في الصفا والمروة من الإسراع والهرولة والذي قد ذكر العلماء أنه يكون أشد من الرمل في الطواف، وفي حال الزحام قد يترتب عليه حصول الأذى والضرر للضعفة من الكبار والنساء، فحينئذ يترك لحصول مصحلة أكبر من مصلحة فعله.
4. يسن تقبيل الحجر الأسود أو استلامه، والذي نراه يحصل عند الحجر من التدافع الشديد الذي لا يكاد الرجل القوي يستطيع تقبيله بسببه، فما بالك بالضعيف والكبير والمرأة، فحينئذ قد يصل الأمر إلى وجوب ترك تقبيل الحجر الأسود؛ لما يسببه من ضرر على النفس وعلى الغير؛ ولما قد يحصل من شدة غضب يسبب رفع الصوت والتلفظ بألفاظ لا تليق في هذا المقام العظيم. فالمفسدة هنا ظاهرة، والضرر حاصل. ويدل لذلك ما أخرجه الإمام أحمد في مسنده وغيره، قول النبي صلى الله عليه وسلم لعمر رضي الله عنه: "يا عمر إنك رجل قوي، لا تزاحم على الحجر فتؤذي الضعيف، إن وجدت خلوة فاستلمه، وإلا فاستقبله، فهلل وكبر".
5. من السنن التي تُؤدى بعد الطواف صلاة ركعتين خلف مقام إبراهيم- عليه السلام-، وهذا قد لا يتأتى للحاج الإتيان به، ولو فعله لسبب الاصطدام مع الطائفين والتضييق عليهم، وتأخير مسيرهم وعرقلتهم؛ لذا ذكر العلماء أنه لا بأس بأداء هاتين الركعتين في أي موضع في الحرم، فإن ترك هذه السنة يترتب عليها مصلحة أعظم من مصلحة فعلها.
وأخيرا: فإن الله سبحانه وتعالى يقول: على كل حال الله سبحانه وتعالى يقول: (الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدَالَ فِي الْحَجِّ)، فعلى الحاج أن يسلك الآداب الإسلامية فلا يؤذي لا في قوله، ولا في سمعه، ولا في بصره، ولا في يده، ويتجنب مواطن الازدحام ما استطاع إلى ذلك سبيلا، وأن يرفق بإخوانه الحجاج وعليه بالسكينة السكينة. وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.