ترغيب البشر بهذه العشر
خالد علي أبا الخيل
1436/11/28 - 2015/09/12 16:29PM
ترغيب البشر بهذه العشر
التاريخ: الجمعة: 2/ 9 /1436 هـ
الحمد لله على الغنائم، ونشكره على ما أعطى من المكارم، أحمده سبحانه على نعمه، ومن نعمه نعمة المواسم.
وأشهد أن لا إله إلا الله، تؤمن المرء يوم العظائم، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صاحب الخصال والمكارم، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعه من كل قاعد وقائم.
أما بعد،.
عباد الله: اتقوا الله جل في علاه، وتأملوا سرعة مرور الليالي والأيام، وانقضاء الشهور والأعوام، انظروا: بالأمس نترقب هلال رمضان، واليوم مضى ثلثيه وكأنه ما كان، بالأمس نفتتح رمضان بالتهاني والدعوات، واليوم نسكب الدمعات، ونرسل العبرات، بالأمس نبرمج ونرتب، فانقضى ما مضى ونتعجب، السؤال المطروح لمبتغي الخير يغدو ويروح: ماذا عملت في الأيام الماضية؟ ماذا أودعت الأيام الخالية؟ إن كانت الجدية والعمل والقراءة والقيام والذكر وصالح العمل، فارفع شعار الحمد لله، وداوم على الطاعة ورضاه، فالمكارم لا تُنال إلا بالمكاره ومبتغاه، وإن كانت الأخرى الإهمال والكسل وتضييع الأوقات وسوء العمل والتسويف والتمني والملل، فتدارك أيامك، وأصلح حالك، وبادر زمانك، إن هذه العشر المباركة، وهذه الأيام الفاضلة، وهذه الليالي السعيدة هي نهاية الشهر، وخاتمة الليالي الغر، كم من مستقبل لها لم يستكملها! وكم من مؤمل بالعود إليها لم يدركها! هل تأملت الأجل ومسيره؟ وهل تبينت خداع الأمل وغروره؟ (وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَّاذَا تَكْسِبُ غَداً وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ) (لقمان: 34).
إن المؤسف أن تمضي هذه العشر على السهرات والقنوات، وشرب الدخان والمخدرات، تمضي هذه العشر في الذهاب إلى الأسواق، والشراء لما لذ وراق، فانظر إلى المتسوقين والمتسوقات في المعارض والمتاجر والمحلات، إن الحاجيات لا تنتهي، والطلبات لا تنقضي، والمرء يريد ما يريد الناس، وهذا من حقه دون ما باس، لكن ينبغي أن تُقضى الحوائج في النهار، أو في وقت يسير باختصار، حفاظًا على الأوقات، وصيانة للحظات.
معشر الناس: ومن الناس من في هذه العشر يكثر نومه، فجل وقته في النهار نائم، وفي الليل هائم، ومن الناس –أيها الناس- من همه التكسع في الأسواق، وملاحقة النساء والمردان، وكذا تبرج النساء بأعبية مقصرة، وألبسة فاتنة، وثياب ضيقة، فيفوت الخير الكثير على كثير من النساء في التجول في الأسواق، ومن الناس في هذه العشر كلما قرب الرحيل أزف التحويل، وكلما أخذ رمضان في النقص أخذ هو في النقص، وكلما قربت أوقات الرحمات، والعتق من النار والهبات، والفوز بدار الأبرار، ازداد في الكسل والتفريط وسوء العمل، نوم وغفلة، وسهو وتفريط، وهذا خلاف المطلوب والعمل المرغوب، فمن هدي الرسول إذا دخلت العشر أحيا الليل، وشد المئزر، وأيقظ أهله، وجد واجتهد، لا يجتهد في غيره مثله، فنفعه لنفسه ولغيره وأهله، وهكذا ينبغي على الآباء والأمهات تشجيع أولادهم، وتهيئتهم وحثهم وترغيبهم، وتحفيزهم وتذكيرهم بالقراءة والدعاء، والتهجد والوفاء، تنشئة على العبادة، وحضور دعوة المسلمين، أحضرهم معك للصلاة، مع ملازمة الآداب والإنصات، أيقظ زوجتك والبنات، لتُكتب في سجل القائمين والقائمات.
هذه العشر نهاية الشهر، وخاتمته وعصارة العمر.
تنقص الشهر والهفاه وانهدما
وأصبح الغافل المسكين منكسرًا
من فاته الزرع وقت البدار فما
طوبى لمن كانت التقوى بضاعته
***
***
***
*** واختص بالفوز بالجنات من خدما
مثلي فيا ويحه يا عُظم ما حُرما
تراه يحصد إلا الهم والندما
في شهره وبحبل الله معتصما
هذه العشر جمعت البركات والخيرات، عشر فيها السعادة والريادة، عشر فيها نزلت ببركاتها وخيراتها إليك، عشر فيها البركات الوافرة، والنعم الزاخرة، عشر أشرقت، وبالنور سطعت، عشر يُعتق الأسير، ويُجبر الكسير، عشر الدمعات والعبرات، والتضرع والسؤالات، عشر توفير العطايا والمنح، ويتحصل فيها كل مأمول مقترح، ويُغفر للعاصي كل ما جنى واجترح، عشر الانطراح والبكاء والإصلاح والصلاح، عشر العفو والتجاوز، والصفح والجوائز، عشر يتم فيها التكريم، والتفضل من الرب الكريم، عشر المسابقة والمسارعة، والبدر والمنافسة.
يا نفس فاز الصالحون بالتقى
*** وأبصروا الحق وقلبي قد عمى
إخواني: جدوا واجتهدوا، فما بقي من الشهر إلا القليل، وبادروا بالأعمال قبل الرحيل، فواأسفًا أن تأتي غدًا وأنت حقير ذليل، فهذا –عباد الله- شهركم قد أخذ في النقص والانصرام، فخذوا أنتم في الاجتهاد والاهتمام، من كان منكم أحسن فعليه الثبات والتمام، ومن كان فرط فليختمه بالحسنى، فالعمل بالختام، واستدركوا منه بقية الليالي والأيام.
قلت ما سمعتم، وأستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله رب العالمين، ولا عدوان إلا على الظالمين، ولا أقبح ذنبًا من الكافرين، ولا أنعم من المؤمنين.
وأشهد أن لا إله إلا الله القوي المتين، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله الأمين.
أيها المسلمون: من شعائر هذه العشر المباركة، وخصائصها البارزة، صلاة التهجد والقيام.
فقم يا أخي ودع عنك التواني والكسل
*** فاز والله من كان بالله متصل
(كَانُوا قَلِيلاً مِّنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ (17) وَبِالأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ) (الذاريات: 17، 18)، (تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفاً وَطَمَعاً وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ) (السجدة: 16)، ويقول سبحانه: (وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّداً وَقِيَاماً) (الفرقان: 64)، وقد تواتر الخبر عن سيد البشر: أن الله ينزل نزولًا يليق بجلاله وعظمته، كل ليلة، إلى السماء الدنيا، فيقول حين يبقى ثلث الليل الآخر: (من يدعوني فأستجيب له؟ من يسألني فأعطيه؟ من يستغفرني فأغفر له؟).
وقد روى الثقات عن خير الملا
في ثلث الليل الأخير ينزل
هل من مسيء طالب للمعذرة؟
يمن بالخيرات والفضائل
***
***
***
*** بأنه عز وجل وعلا
يقول: هل من سائل فيُقبل؟
يجد كريمًا قابلًا للمغفرة
ويستر العيب ويعطي السائل
قال أبو الدرداء: صلوا ركعتين في ظلم الليل لظلمة القبور.
وقيل للحسن: ما بال المتهجدين من أحسن الناس وجوهًا؟. قال: لأنهم خلوا بالرحمن فألبسهم من نوره.
قم الليل يا هذا لعلك ترشد
أراك بطول الليل ويحك نائمًا
أترقد يا مغرور والنار توقد
***
***
*** إلى كم تنام الليل والعمر ينفد؟
وغيرك في محرابه يتهجد
فلا حرها يطفى ولا الجمر يخمد
أيها المسلمون: إن جوف الليل ملاذ الخائفين، ولذة العابدين، وأنس المستوحشين، وواحة المتعبدين، ونعيم الطائعين، ومناجاة المحبين، وخلوة المتقين، فجنوبهم عن المضاجع واجفة، وقلوبهم من خشية الله خائفة.
وواظب على درس القران فإنه
وحافظ على فعل الفروض لوقتها
وناد إذا ما قمت في الليل سامعًا
ومد إليه كف فقرك ضارعًا
فعين بكت من خشية الله حُرمت
***
***
***
***
*** يلين قلبًا قاسيًا مثل جلمد
وخذ بنصيب في الدجى والتهجد
قريبًا مجيبًا بالفواضل يبتدي
بقلب منيب وادع تُعطى وتسعد
على النار في نص الحديث المسدد
هذا، وينبغي الاجتهاد والقيام طوال العشر التمام، فبعض الناس يخص القيام بالأوتار كإحدى وعشرين، وثلاث وعشرين، وخمس وعشرين، وسبع وعشرين، وتسع وعشرين، وآخر يخص ليلة سبع وعشرين دون سائر الليالي، وثالث يعمل بالنهار دون الليل، أو العكس، والحق أن العشر كلها، بليلها ونهارها محل للاجتهاد والتعبد إلا الأوتار، والليل آكد من غيرها، وبعض الناس إذا فاتت الأوتار ظن أنه في ضيعة وانحسار، ومن الناس من يجزم بليلة القدر وأنها ليلة سبع وعشرين أو غيرها، وهذا لا دليل عليه، ومن هذا تبادل الرسائل عبر التواصلات الاجتماعية بأن الرؤى قد تواطأت ليلة كذا وكذا، أو فلان رآها ليلة كذا، فتجد رسائل الجوال وغيرها تنتشر، وكأن ما يقال هو الحق والصواب، وهذا لا يجوز اعتقاده، فضلًا عن إرساله ونشره، وليس هناك شيء قاطع على التحديد والتخصيص، حتى ولو توالت المرائي، وإنما من باب حسن الظن والفأل الحسن، فالحق أن ليلة القدر لا تختص بليلة من ليالي العشر، وأرجى الليالي بالموافقة وأحظها بالفعل والعناية ليلة سبع وعشرين.
تنصف الشهر والهفاه وانهدما
وأصبح الغافل المسكين منكسرًا
من فاته الزرع وقت البذار فما
طوبى لمن كانت التقوى بضاعته
***
***
***
*** واختص بالفوز بالجنات من رُحما
مثلي فيا ويحه يا عُظم ما حُرما
تراه يحصد إلا الهم والندما
في شهره وبحبل الله معتصما
والليلة الشريفة ذات القدر
وكونها سابعة الليالي
***
*** في الوتر تنتقل بنص الخُبر
في غالب الأعوام والأحوال
هذا، وبعض الناس يتبادل في ليلة القدر علامات لا دليل عليها، أو دليلها ضعيف لا يصح فيها، أو تبادل صور الشمس لها، وبعضهم يخص ليالي الأوتار بعمل خاص كالصدقة والعمرة ونحوهما، وبعضهم يعتمد على رسائل الواتس، فيُرسل ويستقبل، ويُلصق وينسخ مما لا علم عنده فيه، وربما أرسل بدعة فيه، (فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ) (النحل: 43، الأنبياء: 7)، والبعض ينشغل بالملهيات، والرسائل والتنبيهات، عن هذه الليالي الشريفات.
فاجتهدوا –بارك الله فيكم-، واعملوا صالحًا يُنجيكم، واختموا شهركم بعشركم، فـ(الأعمال بالخواتيم)، وربما كان آخر لحظة خير من ألف لحظة، وربما كانت دمعة تُغفر فيها ألف زلة، فارغبوا واطمعوا، وتفاءلوا وارجوا، واجعلوا شعاركم دعاء ربكم، لا سيما ما أرشد إليه رسولنا لأمنا عائشة –رضي الله عنها-: (اللهم: إنك عفو تحب العفو فاعف عنا)، فكررها قائمًا وقاعدًا، ساجدًا وراكعًا، فليلة القدر يُفتح فيها الباب، وتُقرب الأحباب، ويُسمع الخطاب، ويُرد الجواب.
لليلة القدر عند الرب تفضيل
فجد فيها على خير تنال به
***
*** وفي فضلها قد جاء تنزيل
أجرًا فللخير عند الرب تفضيل
يا من يجيب دعا المضطر في الظلم
قد نام وفدك حول البيت وانتبهوا
***
*** يا كاشف الضر والبلوى مع السقم
وأنت يا حي يا قيوم لم تنم
هذا، ولا يفوتني أن أنبه أنه سوف تُقام صلاة العيد في هذا الجامع –بإذن الله-، تمام الساعة الخامسة والأربعين دقيقة، بإذن الله.
والله أعلم.
[/size][/size]
التاريخ: الجمعة: 2/ 9 /1436 هـ
الحمد لله على الغنائم، ونشكره على ما أعطى من المكارم، أحمده سبحانه على نعمه، ومن نعمه نعمة المواسم.
وأشهد أن لا إله إلا الله، تؤمن المرء يوم العظائم، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صاحب الخصال والمكارم، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعه من كل قاعد وقائم.
أما بعد،.
عباد الله: اتقوا الله جل في علاه، وتأملوا سرعة مرور الليالي والأيام، وانقضاء الشهور والأعوام، انظروا: بالأمس نترقب هلال رمضان، واليوم مضى ثلثيه وكأنه ما كان، بالأمس نفتتح رمضان بالتهاني والدعوات، واليوم نسكب الدمعات، ونرسل العبرات، بالأمس نبرمج ونرتب، فانقضى ما مضى ونتعجب، السؤال المطروح لمبتغي الخير يغدو ويروح: ماذا عملت في الأيام الماضية؟ ماذا أودعت الأيام الخالية؟ إن كانت الجدية والعمل والقراءة والقيام والذكر وصالح العمل، فارفع شعار الحمد لله، وداوم على الطاعة ورضاه، فالمكارم لا تُنال إلا بالمكاره ومبتغاه، وإن كانت الأخرى الإهمال والكسل وتضييع الأوقات وسوء العمل والتسويف والتمني والملل، فتدارك أيامك، وأصلح حالك، وبادر زمانك، إن هذه العشر المباركة، وهذه الأيام الفاضلة، وهذه الليالي السعيدة هي نهاية الشهر، وخاتمة الليالي الغر، كم من مستقبل لها لم يستكملها! وكم من مؤمل بالعود إليها لم يدركها! هل تأملت الأجل ومسيره؟ وهل تبينت خداع الأمل وغروره؟ (وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَّاذَا تَكْسِبُ غَداً وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ) (لقمان: 34).
إن المؤسف أن تمضي هذه العشر على السهرات والقنوات، وشرب الدخان والمخدرات، تمضي هذه العشر في الذهاب إلى الأسواق، والشراء لما لذ وراق، فانظر إلى المتسوقين والمتسوقات في المعارض والمتاجر والمحلات، إن الحاجيات لا تنتهي، والطلبات لا تنقضي، والمرء يريد ما يريد الناس، وهذا من حقه دون ما باس، لكن ينبغي أن تُقضى الحوائج في النهار، أو في وقت يسير باختصار، حفاظًا على الأوقات، وصيانة للحظات.
معشر الناس: ومن الناس من في هذه العشر يكثر نومه، فجل وقته في النهار نائم، وفي الليل هائم، ومن الناس –أيها الناس- من همه التكسع في الأسواق، وملاحقة النساء والمردان، وكذا تبرج النساء بأعبية مقصرة، وألبسة فاتنة، وثياب ضيقة، فيفوت الخير الكثير على كثير من النساء في التجول في الأسواق، ومن الناس في هذه العشر كلما قرب الرحيل أزف التحويل، وكلما أخذ رمضان في النقص أخذ هو في النقص، وكلما قربت أوقات الرحمات، والعتق من النار والهبات، والفوز بدار الأبرار، ازداد في الكسل والتفريط وسوء العمل، نوم وغفلة، وسهو وتفريط، وهذا خلاف المطلوب والعمل المرغوب، فمن هدي الرسول إذا دخلت العشر أحيا الليل، وشد المئزر، وأيقظ أهله، وجد واجتهد، لا يجتهد في غيره مثله، فنفعه لنفسه ولغيره وأهله، وهكذا ينبغي على الآباء والأمهات تشجيع أولادهم، وتهيئتهم وحثهم وترغيبهم، وتحفيزهم وتذكيرهم بالقراءة والدعاء، والتهجد والوفاء، تنشئة على العبادة، وحضور دعوة المسلمين، أحضرهم معك للصلاة، مع ملازمة الآداب والإنصات، أيقظ زوجتك والبنات، لتُكتب في سجل القائمين والقائمات.
هذه العشر نهاية الشهر، وخاتمته وعصارة العمر.
تنقص الشهر والهفاه وانهدما
وأصبح الغافل المسكين منكسرًا
من فاته الزرع وقت البدار فما
طوبى لمن كانت التقوى بضاعته
***
***
***
*** واختص بالفوز بالجنات من خدما
مثلي فيا ويحه يا عُظم ما حُرما
تراه يحصد إلا الهم والندما
في شهره وبحبل الله معتصما
هذه العشر جمعت البركات والخيرات، عشر فيها السعادة والريادة، عشر فيها نزلت ببركاتها وخيراتها إليك، عشر فيها البركات الوافرة، والنعم الزاخرة، عشر أشرقت، وبالنور سطعت، عشر يُعتق الأسير، ويُجبر الكسير، عشر الدمعات والعبرات، والتضرع والسؤالات، عشر توفير العطايا والمنح، ويتحصل فيها كل مأمول مقترح، ويُغفر للعاصي كل ما جنى واجترح، عشر الانطراح والبكاء والإصلاح والصلاح، عشر العفو والتجاوز، والصفح والجوائز، عشر يتم فيها التكريم، والتفضل من الرب الكريم، عشر المسابقة والمسارعة، والبدر والمنافسة.
يا نفس فاز الصالحون بالتقى
*** وأبصروا الحق وقلبي قد عمى
إخواني: جدوا واجتهدوا، فما بقي من الشهر إلا القليل، وبادروا بالأعمال قبل الرحيل، فواأسفًا أن تأتي غدًا وأنت حقير ذليل، فهذا –عباد الله- شهركم قد أخذ في النقص والانصرام، فخذوا أنتم في الاجتهاد والاهتمام، من كان منكم أحسن فعليه الثبات والتمام، ومن كان فرط فليختمه بالحسنى، فالعمل بالختام، واستدركوا منه بقية الليالي والأيام.
قلت ما سمعتم، وأستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله رب العالمين، ولا عدوان إلا على الظالمين، ولا أقبح ذنبًا من الكافرين، ولا أنعم من المؤمنين.
وأشهد أن لا إله إلا الله القوي المتين، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله الأمين.
أيها المسلمون: من شعائر هذه العشر المباركة، وخصائصها البارزة، صلاة التهجد والقيام.
فقم يا أخي ودع عنك التواني والكسل
*** فاز والله من كان بالله متصل
(كَانُوا قَلِيلاً مِّنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ (17) وَبِالأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ) (الذاريات: 17، 18)، (تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفاً وَطَمَعاً وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ) (السجدة: 16)، ويقول سبحانه: (وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّداً وَقِيَاماً) (الفرقان: 64)، وقد تواتر الخبر عن سيد البشر: أن الله ينزل نزولًا يليق بجلاله وعظمته، كل ليلة، إلى السماء الدنيا، فيقول حين يبقى ثلث الليل الآخر: (من يدعوني فأستجيب له؟ من يسألني فأعطيه؟ من يستغفرني فأغفر له؟).
وقد روى الثقات عن خير الملا
في ثلث الليل الأخير ينزل
هل من مسيء طالب للمعذرة؟
يمن بالخيرات والفضائل
***
***
***
*** بأنه عز وجل وعلا
يقول: هل من سائل فيُقبل؟
يجد كريمًا قابلًا للمغفرة
ويستر العيب ويعطي السائل
قال أبو الدرداء: صلوا ركعتين في ظلم الليل لظلمة القبور.
وقيل للحسن: ما بال المتهجدين من أحسن الناس وجوهًا؟. قال: لأنهم خلوا بالرحمن فألبسهم من نوره.
قم الليل يا هذا لعلك ترشد
أراك بطول الليل ويحك نائمًا
أترقد يا مغرور والنار توقد
***
***
*** إلى كم تنام الليل والعمر ينفد؟
وغيرك في محرابه يتهجد
فلا حرها يطفى ولا الجمر يخمد
أيها المسلمون: إن جوف الليل ملاذ الخائفين، ولذة العابدين، وأنس المستوحشين، وواحة المتعبدين، ونعيم الطائعين، ومناجاة المحبين، وخلوة المتقين، فجنوبهم عن المضاجع واجفة، وقلوبهم من خشية الله خائفة.
وواظب على درس القران فإنه
وحافظ على فعل الفروض لوقتها
وناد إذا ما قمت في الليل سامعًا
ومد إليه كف فقرك ضارعًا
فعين بكت من خشية الله حُرمت
***
***
***
***
*** يلين قلبًا قاسيًا مثل جلمد
وخذ بنصيب في الدجى والتهجد
قريبًا مجيبًا بالفواضل يبتدي
بقلب منيب وادع تُعطى وتسعد
على النار في نص الحديث المسدد
هذا، وينبغي الاجتهاد والقيام طوال العشر التمام، فبعض الناس يخص القيام بالأوتار كإحدى وعشرين، وثلاث وعشرين، وخمس وعشرين، وسبع وعشرين، وتسع وعشرين، وآخر يخص ليلة سبع وعشرين دون سائر الليالي، وثالث يعمل بالنهار دون الليل، أو العكس، والحق أن العشر كلها، بليلها ونهارها محل للاجتهاد والتعبد إلا الأوتار، والليل آكد من غيرها، وبعض الناس إذا فاتت الأوتار ظن أنه في ضيعة وانحسار، ومن الناس من يجزم بليلة القدر وأنها ليلة سبع وعشرين أو غيرها، وهذا لا دليل عليه، ومن هذا تبادل الرسائل عبر التواصلات الاجتماعية بأن الرؤى قد تواطأت ليلة كذا وكذا، أو فلان رآها ليلة كذا، فتجد رسائل الجوال وغيرها تنتشر، وكأن ما يقال هو الحق والصواب، وهذا لا يجوز اعتقاده، فضلًا عن إرساله ونشره، وليس هناك شيء قاطع على التحديد والتخصيص، حتى ولو توالت المرائي، وإنما من باب حسن الظن والفأل الحسن، فالحق أن ليلة القدر لا تختص بليلة من ليالي العشر، وأرجى الليالي بالموافقة وأحظها بالفعل والعناية ليلة سبع وعشرين.
تنصف الشهر والهفاه وانهدما
وأصبح الغافل المسكين منكسرًا
من فاته الزرع وقت البذار فما
طوبى لمن كانت التقوى بضاعته
***
***
***
*** واختص بالفوز بالجنات من رُحما
مثلي فيا ويحه يا عُظم ما حُرما
تراه يحصد إلا الهم والندما
في شهره وبحبل الله معتصما
والليلة الشريفة ذات القدر
وكونها سابعة الليالي
***
*** في الوتر تنتقل بنص الخُبر
في غالب الأعوام والأحوال
هذا، وبعض الناس يتبادل في ليلة القدر علامات لا دليل عليها، أو دليلها ضعيف لا يصح فيها، أو تبادل صور الشمس لها، وبعضهم يخص ليالي الأوتار بعمل خاص كالصدقة والعمرة ونحوهما، وبعضهم يعتمد على رسائل الواتس، فيُرسل ويستقبل، ويُلصق وينسخ مما لا علم عنده فيه، وربما أرسل بدعة فيه، (فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ) (النحل: 43، الأنبياء: 7)، والبعض ينشغل بالملهيات، والرسائل والتنبيهات، عن هذه الليالي الشريفات.
فاجتهدوا –بارك الله فيكم-، واعملوا صالحًا يُنجيكم، واختموا شهركم بعشركم، فـ(الأعمال بالخواتيم)، وربما كان آخر لحظة خير من ألف لحظة، وربما كانت دمعة تُغفر فيها ألف زلة، فارغبوا واطمعوا، وتفاءلوا وارجوا، واجعلوا شعاركم دعاء ربكم، لا سيما ما أرشد إليه رسولنا لأمنا عائشة –رضي الله عنها-: (اللهم: إنك عفو تحب العفو فاعف عنا)، فكررها قائمًا وقاعدًا، ساجدًا وراكعًا، فليلة القدر يُفتح فيها الباب، وتُقرب الأحباب، ويُسمع الخطاب، ويُرد الجواب.
لليلة القدر عند الرب تفضيل
فجد فيها على خير تنال به
***
*** وفي فضلها قد جاء تنزيل
أجرًا فللخير عند الرب تفضيل
يا من يجيب دعا المضطر في الظلم
قد نام وفدك حول البيت وانتبهوا
***
*** يا كاشف الضر والبلوى مع السقم
وأنت يا حي يا قيوم لم تنم
هذا، ولا يفوتني أن أنبه أنه سوف تُقام صلاة العيد في هذا الجامع –بإذن الله-، تمام الساعة الخامسة والأربعين دقيقة، بإذن الله.
والله أعلم.
[/size][/size]
المرفقات
خطبة ترغيب البشر بهذه العشر - للشيخ خالد بن علي أبا الخيل.doc
خطبة ترغيب البشر بهذه العشر - للشيخ خالد بن علي أبا الخيل.doc