ترجمة الشيخ عبدالله السعد بقلم د. علي الصياح
احمد ابوبكر
1438/05/05 - 2017/02/02 10:22AM
[align=justify]هذه الترجمة قد ذكرها شيخنا د. علي الصياح سلمه الله في ثنايا أجوبته على أسئلة الملتقى، فلعل من المناسب أن تفرد بموضوع مستقل ليستفيد منها أكبر عدد من الإخوة .
السؤال:
هل لك أن تحدثنا عن بعض الجوانب التي عرفتها عن الشيخ عبدالله السعد حفظه الله؟
الجواب:
أما ما يتعلق بشيخنا المحدث أبي عبد الرحمن عبد الله بن عبد الرحمن السعد فقد كتبتُ مع بعض الزملاء المقربين من الشيخ ترجمة موسعة عن الشيخ تحدثنا فيها عن سيرته الذاتية والعلمية والعملية، وسوف تطبع هذه الترجمة في مقدمة سلسلة آثار الشيخ عبد الله السعد-إن شاء الله تعالى-.
ولعلي أذكر هنا ما لم يذكر في الترجمة الآنفة الذكر، وقبل ذلك أنبه على أمور:
الأوَّل: أنَّ شيخنا-حفظه الله وبارك في عمره- كاره للترجمة له ولكن مع إلحاح بعض المحبين وبيان أن الترجمة لن تحمل غلوا ولا إطراء، بل يذكر فيها ما يفيد طالب العلم علما وعملاً على غرار منهج المحدثين في التراجم والسير استجاب الشيخ جزاه الله خيرا فكُتبت الترجمة السابقة بالشرط المذكور.
الثاني:أنّ ما أذكره هنا عن شيخنا هو نتاج معرفتي بالشيخ وصحبتي له منذ صغري، لازمته فيها أوقاتا طويلة سفرا وحضرا، وربما نقلت بعض أخبار الشيخ عن زملائي المقربين من الشيخ مثل الشيخ:سامي بن محمد بن جاد الله-المشرف على دار المحدث- وغيره.
الثالث: أني لن أذكر التفصيلات العلمية واختيارات الشيخ فليس هذا موضع ذكرها، ثمَّ هي مبثوثة في هذا الملتقى الطيب المبارك «ملتقى أهل الحديث»، والمقصود هنا ذكر منهج الشيخ العام وأصول هذا المنهج حسب ما تبين لي.
وقد رأيتُ أن يكون الكلام عن شيخنا من خلال محورين:
الأوَّل: لمحات من منهج الشيخ العلمي.
الثاني: لمحات من منهج الشيخ العملي.
الأوَّل: لمحات من منهج الشيخ العلمي
من منهج الشيخ:
- « ربط طالب العلم بالمصادر الأصلية في كل فن »:
من ذلك أن شيخنا يعتني كثيرا بالمصادر الأصلية في كل فن، ومنه علم الحديث وفروعه، فقد ربى طلابه على ذلك من البداية مما جعل عندهم معرفة كبيرة بكتب المتقدمين وكيفية التعامل معها، والحرص على تحصيلها، وفهم ألفاظ مؤلفيها ومصطلحاتهم ، ومن هذه الكتب: كتاب «العلل» لعلي بن المديني، وكتب ابن معين، وأحمد، والبخاري، ومسلم وغيرهم كثير.
وهذه العناية جعلت بعض الناس يظن أنّ الشيخ لا يعبأ بكتب الأئمة المتأخرين، وهذا خطأ كبير على الشيخ، فالشيخ يحث على الاستفادة من هذه وتلك، ولكنه ينزل كلاً منزلته.
وقد صرّح الشيخ بهذا المعنى فقال في كلامٍ له :« ولا يظن أنني عندما أدعوا إلى السير على طريقة الأئمة المتقدمين في علم أصول الحديث أنني أدعوا إلى عدم الأخذ بكلام من تأخر من أهل العلم والاستفادة منهم ، هذا لم أقل به ولا يقول به عاقل ، ومع الأسف ظن بعض الإخوان هذا ، ثم عندما ظن هذا الظن السئ وتخيل بعقله هذا الرأي الفاسد أخذ يرد بسذاجة واضحة على هذا القول حتى إنه عندما أراد أن يؤيد رأيه ضرب مثلاً بأبي الفداء ابن كثير وأتى بمثال يبين فيه أن ابن كثير يستطيع أن ينقد الأخبار ويبين العلل التي تقدح في صحه الحديث . فيا سبحان الله ! هل هذا الإمام الجليل ، والحافظ الكبير يحتاج إلأى أن تأتي بمثال حتى يشهد له بالعلم بالحديث ومؤلفاته كلها تشهد بعلو كعبه في هذا العلم وتمكنه من صناعة الحديث حتى كأن السنة بين عينيه ، حتى أن طالب العلم ليعجب من هذا العالم الجليل عندما يسوق الأخبار من كتب الحديث بأسانيدها ثم يؤلف بينها ويتشبه في هذا بمسلم ابن الحجاج وأبي عبد الرحمن النسائي هذا مع الكلام على أسانيدها ونقد متونها وهو رحمه الله تعالى من البارعين في نقد المتون ، حتى أنه عندما يتكلم في باب من أبواب العلم يغنيك عن الرجوع إلى كتب كثير كما فعل عندما ساق حجة الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم منذ خروجه من المدينة إلأى مكة إلى رجوعه ، ويأخذك العجب من استحضاره وقوة علمه وجلالة فضله ، وهذا جزء يسير من كتابه النفيس ( البداية والنهاية ) الذي ذكر فيه بدء الخليفة إلى قصص الأنبياء عليهم الصلاة والسلام إلى الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم إلى زمنه يسزق النصوص من كتاب الله ومن السنة النبوية ومما جاء من الصحابة والتابعين وهلم جرا . وتفسيره النفيس الذي أتى فيه بالعجب وفسر فيه القرآن بالقرآن ، وبالسنة والآثار التي جاءت عن الصحابة والتابعين . فمن أنكر علم هذا الفاضل إما أن يكون إنساناً غاية في البلادة أو ممن أعمى الله بصره وبصيرته ، فلا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم
» انتهى كلام الشيخ
والشيخ كذلك إنما ينتقد من يغرق في المباحث النظرية ويغرق معه طلابه في أمور لا ثمرة لها إنما هي مباحث انتقلت إلى علم الحديث من كتب الأصوليين الذين يولعون بالحدود والتعريفات الجامعة المانعة، وقد شرح الشيخُ عددا من كتب علوم الحديث المتأخرة مثل كتاب «الاقتراح» لابن دقيق العيد، وكتاب «الموقظة » للذهبي، وكتاب «شرح علل الترمذي » لابن رجب، وكتاب «نخبة الفكر» لابن حجر.
- « العناية بالتطبيق العملي مع النظري »:
من ذلك أن الشيخ يوصي دائما بدراسة علم الحديث من خلال دراسة موطأ الإمام مالك بن أنس، فيعرف بحال الإسناد والمتن والمصطلحات التي تدور عليهما، وسبب اختيار الشيخ للموطأ قلة رجاله من جهة وثقتهم من جهة أخرى، وكذلك غالب رجال الموطأ ممن يدور عليهم الاسناد مما ينمي في طالب العلم مهارة معرفة مخارج الأسانيد وعلل الأخبار..وغير ذلك من الفوائد.
ومن تطبيقات هذا الجانب أني مع بعض الزملاء نقرأ على الشيخ كتاب «تهذيب التهذيب» ترجمة ترجمة قراءة مدارسة وتحقيق وبحث فنقرأ الترجمة أولا ثم نتوسع في النظر في كتب الرجال المتقدمة والمتأخرة ، وربما تتبعنا أحاديث الراوي التي استنكرت عليه مما ذكره العقيلي أو ابن عدي و غيرهما، ثم بعد بحث واسع يملي الشيخ خلاصة الكلام على ذلك الراوي.
- « العناية بالتقسيمات والتقعيد من غير تكلف»:
من تأمل منهج الشيخ رأى عنايته بالتقسيمات والتقعيد سواء في علم العقيدة أو الحديث أو الفقه، وللشيخ دروس عديدة في تقعيد علم علل الحديث، وعلم الرجال، وغير ذلك مما هو مبثوث في دروس الشيخ ومحاضراته.
- « تنمية ملكة الاستقراء والتتبع»:
الشيخ كثيرا ما ينصح بتتبع أحاديث الرواة والتأكد من سلامتها، ويطبق ذلك عمليا كما هو بين في كتابات الشيخ ودروسه، وكذلك يطلب أحيانا من بعض طلابه تتبع ألفاظ بعض الأئمة ومصطلحاتهم، وكان لهذا أكبر الأثر في تعليم هؤلاء الطلاب وتمرينهم.
- « استفادة الشيخ من تحريرات الحافظ ابن رجب والعلامة المعلمي»:
كثيرا ما يحث الشيخ على الاستفادة من كتب الحافظ ابن رجب خاصة كتابه «شرح علل الترمذي» والعلامة المعلمي خاصة كتابه «التنكيل ».
- « العناية بكتب شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم، وكتب أئمة الدعوة »:
كثيرا ما يوصي الشيخ طلاب العلم بقراءة كتب شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم، وكتب أئمة الدعوة، خاصة لمن أراد معرفة العقيدة الصحيحة وما يناقضها.
- « البدء بالأهم فالمهم، وترتيب الأولويات، وعدم الاشتغال بالوسيلة عن الغاية »:
ينبه الشيخ على هذه المسألة في كثير من دروسه، ويبين أنّ الاسناد وسيلة فلا ينبغي أن يشتغل به عن الغاية وهي معرفة الصحيح من الضعيف، والتفقه في النصوص والاستنباط منها.
وكثيرا ما نبه الشيخ طلاب العلم على الاهتمام بالعقيدة وتعلمها والعناية بذلك، وإنزال المسائل العلمية منزلتها بدون إفراط ولا تفريط.
- « قوة حفظ الشيخ وسرعة استحضاره للنصوص والشواهد »:
وأذكر أني عدة مرات أراجع بعض الأحاديث وأطيل البحث فيها وعللها ثم أخرج بخلاصة معينة عن هذا الحديث وربما تكون هذه الخلاصة عندي دقيقة و ما إنْ ألقى شيخنا وأذكر له الحديث إلاّ ويقول –بعفوية ودون تكلف- الراجح في هذا الحديث كذا وكذا؟؟! نفس الخلاصة التي خرجت بها بعد بحث طويل!.
وهذا الموقف لم يقع مرة ولا مرتين ولا ثلاثا...بل أكثر من ذلك! ، وأكاد أجزم أنّ كثيرا من الأخوان ممن يعرف الشيخ وقع لهم مثل ذلك..ربما مرات..ودروس الشيخ المسجلة تدل على ذلك.
- « محبة الشيخ للتعليم وإلقاء الدروس وانصرافه عن التأليف»:
شيخنا عنده جلد كبير في تعليم الناس وإلقاء الدروس والكلمات والمحاضرات بل لا يكاد يمر عليه يوم إلاّ وله درس أو كلمة أو محاضرة أو لقاء علمي، وقد بلغت دروس الشيخ المسجلة قرابة (600) ساعة-علما أن كثيرا من الدروس لم تسجل-، والكتب التي شرحها كثيرة جدا ومتنوعة في جميع الفنون، وقد ذكرنا الكتب التي شرحها الشيخ بتوسع في الترجمة المفردة للشيخ-يسر الله نشرها-.
وهذا من أسباب عدم تأليف الشيخ علما أنَّ للشيخ بعض الكتابات القليلة مثل: «رسالة في حديث جابر في الجمع بين أدعية الاستفتاح»، «رسالة في تضعيف حديث أبي هريرة:إذا سجد أحدكم فلا يبرك كما يبرك البعير»-وكلاهما لم يطبع بعد-، وقد قدم الشيخ لأكثر من عشرين كتابا وقد جمعت هذه المقدمات وسوف تطبع قريبا-إن شاء الله تعالى-.
- «تنوع معارف الشيخ العلمية»:
فالشيخ له مشاركات جيدة في جميع الفنون وخاصة الأنساب القديمة والمعاصرة، ومن جالس الشيخ بان له ذلك.
- «العناية بالدليل من الكتاب والسنة، ودقة الاستنباط منهما» :
قلما يورد الشيخ مسألة إلاّ ويعتني بذكر دليلها من الكتاب والسنة ويبين وجه الدلالة.
- «مجالس الشيخ مجالس علم وذكر لا يتطرق فيها للدنيا إلاّ نادرا» :
قلما تخلو مجالس الشيخ من قراءة وذكر وفائدة، فالشيخ في سفره وحضره لا بدّ من مصاحبة كتب تقرأ عليه، وقد سافرتُ مع الشيخ مرات عديدة وفي جميع هذه الأسفار كنا نقرأ ونبحث ونراجع وربما أخذنا معنا حاسوبا ليسهل لنا عملية البحث والمراجعة وتحرير المسائل.
المحور الثاني: لمحات من منهج الشيخ العملي
وقد عرفتُ عن الشيخ في هذا المحور أمورا منها:
- « قيام الليل »:
من خلال ملازمتي للشيخ سفرا وحضرا لم أره ترك قيام الليل، ولذا كان شيخنا يحب الانفراد في مكان خاص في السفر فإذا كنا في منزل فالشيخ يحب أن يكون في غرفة خاصة لا يراه أحدٌ، وإذا كنا في مخيم فهو يحب أن يكون في خيمة منعزلة، يَعرفُ هذا من سيرة الشيخ من سافر معه.
ولا يخفى أهمية قيام الليل وفضله، ونصوص الكتاب والسنة في هذا الباب كثيرة، فينبغي لطالب العالم العمل بالعلم وقيام ما تيسر من الليل.
قَالَ ابنُ مفلح:«باتَ عند الإمام أحمد رجلٌ فَوَضع عنده ماء، قالَ الرجلُ: فلم أقمْ بالليل، ولم أستعمل الماء، فلمَّا أصبحتُ قال لي: لِمَ لا تستعمل الماء؟ فاستحييتُ وسكتُ، فقالَ: سبحان الله! سبحان الله! ما سمعتَ بصاحب حديثٍ لا يقوم بالليل.وجرت هذه القصة معه لرجلٍ آخر فقال: أنا مسافر، قالَ: وإن كنت مسافراً حَجَّ مسروقٌ فما نام إلاّ ساجداً، قال الشيخ تقيّ الدين: فيه أنه يكره لأهل العلم ترك قيام الليل، وإن كانوا مسافرين» الآداب الشرعية (2/169)..
ومن لطائف ما مرّ علىّ في هذا قول إبراهيم بن محمد بن رزق : لما ولي حفص بن غياث القضاء بالكوفة قال لهم أبو يوسف: اكسروا دفترا لتكتبوا فيه نوادر قضاياه فمرت قضاياه وأحكامه كالقدح، فقالوا لأبي يوسف: أما ترى؟! قال: ما أصنع بقيام الليل!! - يريد أن الله وفقه بصلاة الليل في الحكم. تاريخ بغداد )8/194)
- « كثرة الحج » :
الشيخ ملازمٌ للحج منذ أن عرفته ، ولم أره ترك الحج إلاّ نادرا ولظرف شديد، ومن سيرته في ذلك:
- أنه يحج مع خواص تلاميذه في الغالب أمثال: الشيخ خالد السويح-وله مكانة خاصة عند الشيخ-، والشيخ: عبدالله الدهيشي، والشيخ: عبد المجيد الوهيبي، والشيخ:خالد العقيل، والشيخ:عبد المجيد العجلان، والشيخ:نائل النائل وغيرهم.
-والشيخ لا يحج إلاّ من نفقته الخاصة، ويحرص على التمتع ، فهو يميل إلى وجوب التمتع لمن لم يسق الهدي.
-ومن سيرة الشيخ أنه يذهب قبل يوم التروية بعشرة أيام وذلك من أجل الدعوة إلى الله وبيان عقيدة التوحيد والتحذير من الشرك مستغلا وجود الحجيج وفراغهم كل ذلك محتسبا الأجر والمثوبة من الله.
- « طول الصلاة وحسنها »:
الشيخ - وفقه الله - طويل الصلاة ، نادر الحركة، يحرص على تطبيق جميع السنن الواردة في الصلاة، ومنها جلسة الاستراحة وغيرها، والحق أني إذا رأيتُ صلاة الشيخ تذكرت الإمام شعبة بن الحجاج، الذي قال عنه أبو قَطَن: ما رأيتُ شعبةَ ركع قط إلا ظننت أنه قد نسي ، ولا سَجَدَ إلا ظننت أنه قد نسى. حلية الأولياء (7/145)، تذكرة الحفاظ (1/193).
- « لزوم المسجد عصر الجمعة تحريا لساعة الاستجابة » :
من سنين والشيخ لا يفارق المسجد عصر الجمعة تحريا لساعة الاستجابة، وهو في ذلك بين دعاء، وقراءة قرآن أو مدارسة علم و تصفح كتاب.
- « الاعتكاف في المسجد في العشر الأواخر من رمضان » :
لا أعلم الشيخ من سنين ترك هذه السنة، ويعتكف معه بعض تلاميذه المقربين، وللشيخ اجتهاد عظيم في هذه العشر فهو بين قراءة قرآن وذكر ودعاء وبكاء.
- « البكاء من خشية الله » :
كثيرا ما رأيتُ الشيخ يبكي في أحوال مختلفة ومناسبات متعددة، في يوم عرفته رأيتُه، وعند ذكر أحوال المسلمين وذلهم وهوانهم وتسلط الأعداء عليهم، وفي المواعظ، وقد حدثني أخي الشيخ خالد السويح أنّ الشيخ رتبت له محاضرة فلما بدأ أحد الأخوة بالتقديم للمحاضرة –وكان هذا الأخ واعظا من الدرجة الأولى-بكلمات فيها تذكير ووعظ بكى الشيخ بكاء شديدا، ولم يلق تلك المحاضرة!.
- « رفع اليدين يوم عرفة من زوال الشمس إلى غروبها » :
وقد حججتُ مع شيخنا مرات عديدة فرأيته يرفع يديه من زوال الشمس إلى غروبها لا ينزل يديه إلاّ إلى ما لا بدَّ منه من شرب ماء أو قضاء حاجة، ولا أعلم أحدا يفعل هذا في هذه الأزمنة، والله أعلم.
وفي حديث أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ قال: كُنْتُ رَدِيفَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِعَرَفَاتٍ فَرَفَعَ يَدَيْهِ يَدْعُو فَمَالَتْ بِهِ نَاقَتُهُ فَسَقَطَ خِطَامُهَا فَتَنَاوَلَ الْخِطَامَ بِإِحْدَى يَدَيْهِ وَهُوَ رَافِعٌ يَدَهُ الْأُخْرَى.أخرجه النسائي وأحمد وصححه ابن خزيمة وبوَّب عليه بقوله:« باب رفع اليدين في الدعاء عند الوقوف بعرفة وإباحة رفع إحدى اليدين إذا احتاج الراكب إلى حفظ العنان أو الخطام بإحدى اليدين ». صحيح ابن خزيمة (4/258).
وأذكرُ أنَّ سائلا –سائل مال-جاء إلى الشيخ يسأله في يوم عرفة فغضب عليه الشيخ وكاد أن يبكي وهو يقول له: في مثل هذا اليوم ، وهذا المكان تسأل غير الله؟! وأخذ ينصحه ويوجهه، وقد ذكرني هذا الموقف موقفا مشابها لهذا وقع للفضيل بن عياض قال بشر بن الحارث: رأى فضيل بن عياض رجلا يسأل في الموقف فقال له: أفي هذا الموضع تسأل غير الله عز وجل؟!. تاريخ مدينة دمشق (48/401(
- « العناية بتطبيق السنن في كل شيء »:
وعناية الشيخ بتطبيق السنن عظيمة وفي كل شيء: في لباسه، وفي أكله وشربه، وفي مشيه..وغير ذلك.
- « العناية بأخبار المسلمين وتتبعها ومساعدتهم قدر المستطاع » :
للشيخ عناية كبيرة بأخبار المسلمين في أنحاء العالم ، ويحرص على لقي العلماء منهم والسؤال عن أحوالهم وأحوال المسلمين، ويزور الشيخ في منزله كثير من العلماء وطلبة العلم من بلدان شتى.
- « العناية بمجالسة العلماء والاستفادة منهم » :
وقد كان الشيخ يكثر من زيارة العلماء وأذكر أنّ الشيخ كان يكثر من زيارة الشيخ:عبدالرزاق عفيفي رحمه الله، والشيخ:إسماعيل الأنصاري رحمه الله ، والشيخ:عبد الله بن قعود-شفاه الله- وغيرهم.
ولا يزال الشيخ يقرأ على الشيخ: عبدالله بن عقيل في الفقه، والشيخ د.حسن حفظي في اللغة وعلومها.
- « عفة اللسان وعدم الخوض في تصنيف الناس وأعراضهم والنصح في ذلك » :
تقدم أنَّ مجالس الشيخ مجالس علم وذكر لا يتطرق فيها للدنيا إلاّ نادرا، وكذلك لا يسمح الشيخ لأحد أن يتكلم في شخص في غيبته أبدا، وترى الكراهية والغضب في وجه الشيخ إذا فعل أحد ذلك.
وأذكرُ أنَّ شخصا ذكر عند الشيخ مسألةً قالها أحد طلبة العلم، فقال أحد الحاضرين: هذه سمعنا منك يا شيخ قبل أن يُعرف فلان ، فربما استفادها منك، فكره الشيخُ كلامه وقال –ما محصله- إنّ العلم رحم بين أهله، ولا ينبغي لطالب العلم أن يعود نفسه هذه الأخلاق ، فينسب لنفسه المسائل والاختيارات، ويتهم الناس بأنهم سرقوا أفكاره وأقواله ، وذكر أنَّ السلف رضوان الله عليهم يأتون بالمسائل العظيمة والفوائد النفيسة ولا يريدون أن تنسب إليهم خوفا على أنفسهم من الرياء والسمعة فكانوا من ذلك برآء لشدة إخلاصهم ومراقبتهم لربهم في أعمالهم وذكر قول الشافعي المشهور :« وددت أن الناس تعلموا هذا العلم ولا ينسب إلى شيء منه أبدا فأوجر عليه ولا يحمدوني »، ثم بين أن القبول من الله وأنّ الله إذا أحب عبدا أوقع حبه في قلوب الناس كما في الحديث المشهور...إلى آخر ما قال الشيخ ، وبين ونصح جزاه الله خيرا.
وكلام الشيخ هذا ذكرني بمقولة جميلة قالها أحد الفضلاء وهي :« إننا نحن (نحتكر) أفكارنا وعقائدنا، ونغضب حين ينتحلها الآخرون لأنفسهم، ونجتهد في توكيد نسبتها إلينا، وعدوان الآخرين عليها ! إننا إنما نصنع ذلك كله، حين لا يكون إيماننا بهذه الأفكار والعقائد كبيراً، حين لا تكون منبثقة من أعماقنا كما لو كانت بغير إرادة منا حين لا تكون هي ذاتها أحب إلينا من ذواتنا ! إن الفرح الصافي هو الثمرة الطبيعية لأن نرى أفكارنا وعقائدنا ملكاً للآخرين، ونحن بعد أحياء. إن مجرد تصورنا لها أنها ستصبح ـ ولو بعد مفارقتنا لوجه الأرض ـ زاداً للآخرين ورياً، ليكفي لأن تفيض قلوبنا بالرضى والسعادة والاطمئنان ! (التجار) وحدهم هم الذين يحرصون على (العلامات التجارية) لبضائعهم كي لا يستغلها الآخرون ويسلبوهم حقهم من الربح، أما المفكرون وأصحاب العقائد فكل سعادتهم في أن يتقاسم الناس أفكارهم وعقائدهم ويؤمنوا بها إلى حد أن ينسبوها لأنفسهم لا إلى أصحابها الأولين ! ».
- « التجول في المدن والقرى للدعوة ونشر الخير ونفع المسلمين »:
وقد خصص الشيخ سيارة خاصة للدعوة ونشر لخير وإلقاء الدروس في المدن والقرى وقد مرّ الشيخ على غالب مدن المملكة للدعوة، وله في كل مدينة تلاميذ ومحبون يتشوقون إلى لقائه والاستفادة منه، والشيخ لم يسافر قط خارج السعودية ؛ لأنه لا يملك جوازا بسبب الصورة.
- « الكرم والبذل على قدر الاستطاعة ».
- « الحرص على المداومة على الأعمال الصالحة ».
- « تواضع الشيخ الجم، وحسن أخلاقه، وسلامة صدره ».
هذه بعض اللمحات العامة والسريعة عن منهج الشيخ العلمي والعلمي مما سنح لي في هذا المقام،ونشطتُ لذكره وبيانه، وهذا «ما عرفته عن شيخي المحدث عبد الله السعد» ولعل الله أن ييسر مقاما أتوسع فيه أكثر ليستفيد طالب العلم من سير العلماء وطلبة العلم المعاصرين ويعرف لهم منزلتهم وقدرهم.
نسأل الله عز وجل بمنه وكرمه أن يحفظ شيخنا وأن يمد في عمره على عمل صالح، وأن يثبته على دينه، وأن يحفظه من فتنة القول والعمل، وأن يجنبه الحساد والوشاة وأهل الشر والفساد، وأن يصبره على ما أصابه من بلاء لا يكاد يسلم منه داع للحق!، وأن يعظم أجره، وأن يغفر له ولوالديه ولأهله ولجميع المسلمين.
[/align]
السؤال:
هل لك أن تحدثنا عن بعض الجوانب التي عرفتها عن الشيخ عبدالله السعد حفظه الله؟
الجواب:
أما ما يتعلق بشيخنا المحدث أبي عبد الرحمن عبد الله بن عبد الرحمن السعد فقد كتبتُ مع بعض الزملاء المقربين من الشيخ ترجمة موسعة عن الشيخ تحدثنا فيها عن سيرته الذاتية والعلمية والعملية، وسوف تطبع هذه الترجمة في مقدمة سلسلة آثار الشيخ عبد الله السعد-إن شاء الله تعالى-.
ولعلي أذكر هنا ما لم يذكر في الترجمة الآنفة الذكر، وقبل ذلك أنبه على أمور:
الأوَّل: أنَّ شيخنا-حفظه الله وبارك في عمره- كاره للترجمة له ولكن مع إلحاح بعض المحبين وبيان أن الترجمة لن تحمل غلوا ولا إطراء، بل يذكر فيها ما يفيد طالب العلم علما وعملاً على غرار منهج المحدثين في التراجم والسير استجاب الشيخ جزاه الله خيرا فكُتبت الترجمة السابقة بالشرط المذكور.
الثاني:أنّ ما أذكره هنا عن شيخنا هو نتاج معرفتي بالشيخ وصحبتي له منذ صغري، لازمته فيها أوقاتا طويلة سفرا وحضرا، وربما نقلت بعض أخبار الشيخ عن زملائي المقربين من الشيخ مثل الشيخ:سامي بن محمد بن جاد الله-المشرف على دار المحدث- وغيره.
الثالث: أني لن أذكر التفصيلات العلمية واختيارات الشيخ فليس هذا موضع ذكرها، ثمَّ هي مبثوثة في هذا الملتقى الطيب المبارك «ملتقى أهل الحديث»، والمقصود هنا ذكر منهج الشيخ العام وأصول هذا المنهج حسب ما تبين لي.
وقد رأيتُ أن يكون الكلام عن شيخنا من خلال محورين:
الأوَّل: لمحات من منهج الشيخ العلمي.
الثاني: لمحات من منهج الشيخ العملي.
الأوَّل: لمحات من منهج الشيخ العلمي
من منهج الشيخ:
- « ربط طالب العلم بالمصادر الأصلية في كل فن »:
من ذلك أن شيخنا يعتني كثيرا بالمصادر الأصلية في كل فن، ومنه علم الحديث وفروعه، فقد ربى طلابه على ذلك من البداية مما جعل عندهم معرفة كبيرة بكتب المتقدمين وكيفية التعامل معها، والحرص على تحصيلها، وفهم ألفاظ مؤلفيها ومصطلحاتهم ، ومن هذه الكتب: كتاب «العلل» لعلي بن المديني، وكتب ابن معين، وأحمد، والبخاري، ومسلم وغيرهم كثير.
وهذه العناية جعلت بعض الناس يظن أنّ الشيخ لا يعبأ بكتب الأئمة المتأخرين، وهذا خطأ كبير على الشيخ، فالشيخ يحث على الاستفادة من هذه وتلك، ولكنه ينزل كلاً منزلته.
وقد صرّح الشيخ بهذا المعنى فقال في كلامٍ له :« ولا يظن أنني عندما أدعوا إلى السير على طريقة الأئمة المتقدمين في علم أصول الحديث أنني أدعوا إلى عدم الأخذ بكلام من تأخر من أهل العلم والاستفادة منهم ، هذا لم أقل به ولا يقول به عاقل ، ومع الأسف ظن بعض الإخوان هذا ، ثم عندما ظن هذا الظن السئ وتخيل بعقله هذا الرأي الفاسد أخذ يرد بسذاجة واضحة على هذا القول حتى إنه عندما أراد أن يؤيد رأيه ضرب مثلاً بأبي الفداء ابن كثير وأتى بمثال يبين فيه أن ابن كثير يستطيع أن ينقد الأخبار ويبين العلل التي تقدح في صحه الحديث . فيا سبحان الله ! هل هذا الإمام الجليل ، والحافظ الكبير يحتاج إلأى أن تأتي بمثال حتى يشهد له بالعلم بالحديث ومؤلفاته كلها تشهد بعلو كعبه في هذا العلم وتمكنه من صناعة الحديث حتى كأن السنة بين عينيه ، حتى أن طالب العلم ليعجب من هذا العالم الجليل عندما يسوق الأخبار من كتب الحديث بأسانيدها ثم يؤلف بينها ويتشبه في هذا بمسلم ابن الحجاج وأبي عبد الرحمن النسائي هذا مع الكلام على أسانيدها ونقد متونها وهو رحمه الله تعالى من البارعين في نقد المتون ، حتى أنه عندما يتكلم في باب من أبواب العلم يغنيك عن الرجوع إلى كتب كثير كما فعل عندما ساق حجة الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم منذ خروجه من المدينة إلأى مكة إلى رجوعه ، ويأخذك العجب من استحضاره وقوة علمه وجلالة فضله ، وهذا جزء يسير من كتابه النفيس ( البداية والنهاية ) الذي ذكر فيه بدء الخليفة إلى قصص الأنبياء عليهم الصلاة والسلام إلى الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم إلى زمنه يسزق النصوص من كتاب الله ومن السنة النبوية ومما جاء من الصحابة والتابعين وهلم جرا . وتفسيره النفيس الذي أتى فيه بالعجب وفسر فيه القرآن بالقرآن ، وبالسنة والآثار التي جاءت عن الصحابة والتابعين . فمن أنكر علم هذا الفاضل إما أن يكون إنساناً غاية في البلادة أو ممن أعمى الله بصره وبصيرته ، فلا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم
» انتهى كلام الشيخ
والشيخ كذلك إنما ينتقد من يغرق في المباحث النظرية ويغرق معه طلابه في أمور لا ثمرة لها إنما هي مباحث انتقلت إلى علم الحديث من كتب الأصوليين الذين يولعون بالحدود والتعريفات الجامعة المانعة، وقد شرح الشيخُ عددا من كتب علوم الحديث المتأخرة مثل كتاب «الاقتراح» لابن دقيق العيد، وكتاب «الموقظة » للذهبي، وكتاب «شرح علل الترمذي » لابن رجب، وكتاب «نخبة الفكر» لابن حجر.
- « العناية بالتطبيق العملي مع النظري »:
من ذلك أن الشيخ يوصي دائما بدراسة علم الحديث من خلال دراسة موطأ الإمام مالك بن أنس، فيعرف بحال الإسناد والمتن والمصطلحات التي تدور عليهما، وسبب اختيار الشيخ للموطأ قلة رجاله من جهة وثقتهم من جهة أخرى، وكذلك غالب رجال الموطأ ممن يدور عليهم الاسناد مما ينمي في طالب العلم مهارة معرفة مخارج الأسانيد وعلل الأخبار..وغير ذلك من الفوائد.
ومن تطبيقات هذا الجانب أني مع بعض الزملاء نقرأ على الشيخ كتاب «تهذيب التهذيب» ترجمة ترجمة قراءة مدارسة وتحقيق وبحث فنقرأ الترجمة أولا ثم نتوسع في النظر في كتب الرجال المتقدمة والمتأخرة ، وربما تتبعنا أحاديث الراوي التي استنكرت عليه مما ذكره العقيلي أو ابن عدي و غيرهما، ثم بعد بحث واسع يملي الشيخ خلاصة الكلام على ذلك الراوي.
- « العناية بالتقسيمات والتقعيد من غير تكلف»:
من تأمل منهج الشيخ رأى عنايته بالتقسيمات والتقعيد سواء في علم العقيدة أو الحديث أو الفقه، وللشيخ دروس عديدة في تقعيد علم علل الحديث، وعلم الرجال، وغير ذلك مما هو مبثوث في دروس الشيخ ومحاضراته.
- « تنمية ملكة الاستقراء والتتبع»:
الشيخ كثيرا ما ينصح بتتبع أحاديث الرواة والتأكد من سلامتها، ويطبق ذلك عمليا كما هو بين في كتابات الشيخ ودروسه، وكذلك يطلب أحيانا من بعض طلابه تتبع ألفاظ بعض الأئمة ومصطلحاتهم، وكان لهذا أكبر الأثر في تعليم هؤلاء الطلاب وتمرينهم.
- « استفادة الشيخ من تحريرات الحافظ ابن رجب والعلامة المعلمي»:
كثيرا ما يحث الشيخ على الاستفادة من كتب الحافظ ابن رجب خاصة كتابه «شرح علل الترمذي» والعلامة المعلمي خاصة كتابه «التنكيل ».
- « العناية بكتب شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم، وكتب أئمة الدعوة »:
كثيرا ما يوصي الشيخ طلاب العلم بقراءة كتب شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم، وكتب أئمة الدعوة، خاصة لمن أراد معرفة العقيدة الصحيحة وما يناقضها.
- « البدء بالأهم فالمهم، وترتيب الأولويات، وعدم الاشتغال بالوسيلة عن الغاية »:
ينبه الشيخ على هذه المسألة في كثير من دروسه، ويبين أنّ الاسناد وسيلة فلا ينبغي أن يشتغل به عن الغاية وهي معرفة الصحيح من الضعيف، والتفقه في النصوص والاستنباط منها.
وكثيرا ما نبه الشيخ طلاب العلم على الاهتمام بالعقيدة وتعلمها والعناية بذلك، وإنزال المسائل العلمية منزلتها بدون إفراط ولا تفريط.
- « قوة حفظ الشيخ وسرعة استحضاره للنصوص والشواهد »:
وأذكر أني عدة مرات أراجع بعض الأحاديث وأطيل البحث فيها وعللها ثم أخرج بخلاصة معينة عن هذا الحديث وربما تكون هذه الخلاصة عندي دقيقة و ما إنْ ألقى شيخنا وأذكر له الحديث إلاّ ويقول –بعفوية ودون تكلف- الراجح في هذا الحديث كذا وكذا؟؟! نفس الخلاصة التي خرجت بها بعد بحث طويل!.
وهذا الموقف لم يقع مرة ولا مرتين ولا ثلاثا...بل أكثر من ذلك! ، وأكاد أجزم أنّ كثيرا من الأخوان ممن يعرف الشيخ وقع لهم مثل ذلك..ربما مرات..ودروس الشيخ المسجلة تدل على ذلك.
- « محبة الشيخ للتعليم وإلقاء الدروس وانصرافه عن التأليف»:
شيخنا عنده جلد كبير في تعليم الناس وإلقاء الدروس والكلمات والمحاضرات بل لا يكاد يمر عليه يوم إلاّ وله درس أو كلمة أو محاضرة أو لقاء علمي، وقد بلغت دروس الشيخ المسجلة قرابة (600) ساعة-علما أن كثيرا من الدروس لم تسجل-، والكتب التي شرحها كثيرة جدا ومتنوعة في جميع الفنون، وقد ذكرنا الكتب التي شرحها الشيخ بتوسع في الترجمة المفردة للشيخ-يسر الله نشرها-.
وهذا من أسباب عدم تأليف الشيخ علما أنَّ للشيخ بعض الكتابات القليلة مثل: «رسالة في حديث جابر في الجمع بين أدعية الاستفتاح»، «رسالة في تضعيف حديث أبي هريرة:إذا سجد أحدكم فلا يبرك كما يبرك البعير»-وكلاهما لم يطبع بعد-، وقد قدم الشيخ لأكثر من عشرين كتابا وقد جمعت هذه المقدمات وسوف تطبع قريبا-إن شاء الله تعالى-.
- «تنوع معارف الشيخ العلمية»:
فالشيخ له مشاركات جيدة في جميع الفنون وخاصة الأنساب القديمة والمعاصرة، ومن جالس الشيخ بان له ذلك.
- «العناية بالدليل من الكتاب والسنة، ودقة الاستنباط منهما» :
قلما يورد الشيخ مسألة إلاّ ويعتني بذكر دليلها من الكتاب والسنة ويبين وجه الدلالة.
- «مجالس الشيخ مجالس علم وذكر لا يتطرق فيها للدنيا إلاّ نادرا» :
قلما تخلو مجالس الشيخ من قراءة وذكر وفائدة، فالشيخ في سفره وحضره لا بدّ من مصاحبة كتب تقرأ عليه، وقد سافرتُ مع الشيخ مرات عديدة وفي جميع هذه الأسفار كنا نقرأ ونبحث ونراجع وربما أخذنا معنا حاسوبا ليسهل لنا عملية البحث والمراجعة وتحرير المسائل.
المحور الثاني: لمحات من منهج الشيخ العملي
وقد عرفتُ عن الشيخ في هذا المحور أمورا منها:
- « قيام الليل »:
من خلال ملازمتي للشيخ سفرا وحضرا لم أره ترك قيام الليل، ولذا كان شيخنا يحب الانفراد في مكان خاص في السفر فإذا كنا في منزل فالشيخ يحب أن يكون في غرفة خاصة لا يراه أحدٌ، وإذا كنا في مخيم فهو يحب أن يكون في خيمة منعزلة، يَعرفُ هذا من سيرة الشيخ من سافر معه.
ولا يخفى أهمية قيام الليل وفضله، ونصوص الكتاب والسنة في هذا الباب كثيرة، فينبغي لطالب العالم العمل بالعلم وقيام ما تيسر من الليل.
قَالَ ابنُ مفلح:«باتَ عند الإمام أحمد رجلٌ فَوَضع عنده ماء، قالَ الرجلُ: فلم أقمْ بالليل، ولم أستعمل الماء، فلمَّا أصبحتُ قال لي: لِمَ لا تستعمل الماء؟ فاستحييتُ وسكتُ، فقالَ: سبحان الله! سبحان الله! ما سمعتَ بصاحب حديثٍ لا يقوم بالليل.وجرت هذه القصة معه لرجلٍ آخر فقال: أنا مسافر، قالَ: وإن كنت مسافراً حَجَّ مسروقٌ فما نام إلاّ ساجداً، قال الشيخ تقيّ الدين: فيه أنه يكره لأهل العلم ترك قيام الليل، وإن كانوا مسافرين» الآداب الشرعية (2/169)..
ومن لطائف ما مرّ علىّ في هذا قول إبراهيم بن محمد بن رزق : لما ولي حفص بن غياث القضاء بالكوفة قال لهم أبو يوسف: اكسروا دفترا لتكتبوا فيه نوادر قضاياه فمرت قضاياه وأحكامه كالقدح، فقالوا لأبي يوسف: أما ترى؟! قال: ما أصنع بقيام الليل!! - يريد أن الله وفقه بصلاة الليل في الحكم. تاريخ بغداد )8/194)
- « كثرة الحج » :
الشيخ ملازمٌ للحج منذ أن عرفته ، ولم أره ترك الحج إلاّ نادرا ولظرف شديد، ومن سيرته في ذلك:
- أنه يحج مع خواص تلاميذه في الغالب أمثال: الشيخ خالد السويح-وله مكانة خاصة عند الشيخ-، والشيخ: عبدالله الدهيشي، والشيخ: عبد المجيد الوهيبي، والشيخ:خالد العقيل، والشيخ:عبد المجيد العجلان، والشيخ:نائل النائل وغيرهم.
-والشيخ لا يحج إلاّ من نفقته الخاصة، ويحرص على التمتع ، فهو يميل إلى وجوب التمتع لمن لم يسق الهدي.
-ومن سيرة الشيخ أنه يذهب قبل يوم التروية بعشرة أيام وذلك من أجل الدعوة إلى الله وبيان عقيدة التوحيد والتحذير من الشرك مستغلا وجود الحجيج وفراغهم كل ذلك محتسبا الأجر والمثوبة من الله.
- « طول الصلاة وحسنها »:
الشيخ - وفقه الله - طويل الصلاة ، نادر الحركة، يحرص على تطبيق جميع السنن الواردة في الصلاة، ومنها جلسة الاستراحة وغيرها، والحق أني إذا رأيتُ صلاة الشيخ تذكرت الإمام شعبة بن الحجاج، الذي قال عنه أبو قَطَن: ما رأيتُ شعبةَ ركع قط إلا ظننت أنه قد نسي ، ولا سَجَدَ إلا ظننت أنه قد نسى. حلية الأولياء (7/145)، تذكرة الحفاظ (1/193).
- « لزوم المسجد عصر الجمعة تحريا لساعة الاستجابة » :
من سنين والشيخ لا يفارق المسجد عصر الجمعة تحريا لساعة الاستجابة، وهو في ذلك بين دعاء، وقراءة قرآن أو مدارسة علم و تصفح كتاب.
- « الاعتكاف في المسجد في العشر الأواخر من رمضان » :
لا أعلم الشيخ من سنين ترك هذه السنة، ويعتكف معه بعض تلاميذه المقربين، وللشيخ اجتهاد عظيم في هذه العشر فهو بين قراءة قرآن وذكر ودعاء وبكاء.
- « البكاء من خشية الله » :
كثيرا ما رأيتُ الشيخ يبكي في أحوال مختلفة ومناسبات متعددة، في يوم عرفته رأيتُه، وعند ذكر أحوال المسلمين وذلهم وهوانهم وتسلط الأعداء عليهم، وفي المواعظ، وقد حدثني أخي الشيخ خالد السويح أنّ الشيخ رتبت له محاضرة فلما بدأ أحد الأخوة بالتقديم للمحاضرة –وكان هذا الأخ واعظا من الدرجة الأولى-بكلمات فيها تذكير ووعظ بكى الشيخ بكاء شديدا، ولم يلق تلك المحاضرة!.
- « رفع اليدين يوم عرفة من زوال الشمس إلى غروبها » :
وقد حججتُ مع شيخنا مرات عديدة فرأيته يرفع يديه من زوال الشمس إلى غروبها لا ينزل يديه إلاّ إلى ما لا بدَّ منه من شرب ماء أو قضاء حاجة، ولا أعلم أحدا يفعل هذا في هذه الأزمنة، والله أعلم.
وفي حديث أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ قال: كُنْتُ رَدِيفَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِعَرَفَاتٍ فَرَفَعَ يَدَيْهِ يَدْعُو فَمَالَتْ بِهِ نَاقَتُهُ فَسَقَطَ خِطَامُهَا فَتَنَاوَلَ الْخِطَامَ بِإِحْدَى يَدَيْهِ وَهُوَ رَافِعٌ يَدَهُ الْأُخْرَى.أخرجه النسائي وأحمد وصححه ابن خزيمة وبوَّب عليه بقوله:« باب رفع اليدين في الدعاء عند الوقوف بعرفة وإباحة رفع إحدى اليدين إذا احتاج الراكب إلى حفظ العنان أو الخطام بإحدى اليدين ». صحيح ابن خزيمة (4/258).
وأذكرُ أنَّ سائلا –سائل مال-جاء إلى الشيخ يسأله في يوم عرفة فغضب عليه الشيخ وكاد أن يبكي وهو يقول له: في مثل هذا اليوم ، وهذا المكان تسأل غير الله؟! وأخذ ينصحه ويوجهه، وقد ذكرني هذا الموقف موقفا مشابها لهذا وقع للفضيل بن عياض قال بشر بن الحارث: رأى فضيل بن عياض رجلا يسأل في الموقف فقال له: أفي هذا الموضع تسأل غير الله عز وجل؟!. تاريخ مدينة دمشق (48/401(
- « العناية بتطبيق السنن في كل شيء »:
وعناية الشيخ بتطبيق السنن عظيمة وفي كل شيء: في لباسه، وفي أكله وشربه، وفي مشيه..وغير ذلك.
- « العناية بأخبار المسلمين وتتبعها ومساعدتهم قدر المستطاع » :
للشيخ عناية كبيرة بأخبار المسلمين في أنحاء العالم ، ويحرص على لقي العلماء منهم والسؤال عن أحوالهم وأحوال المسلمين، ويزور الشيخ في منزله كثير من العلماء وطلبة العلم من بلدان شتى.
- « العناية بمجالسة العلماء والاستفادة منهم » :
وقد كان الشيخ يكثر من زيارة العلماء وأذكر أنّ الشيخ كان يكثر من زيارة الشيخ:عبدالرزاق عفيفي رحمه الله، والشيخ:إسماعيل الأنصاري رحمه الله ، والشيخ:عبد الله بن قعود-شفاه الله- وغيرهم.
ولا يزال الشيخ يقرأ على الشيخ: عبدالله بن عقيل في الفقه، والشيخ د.حسن حفظي في اللغة وعلومها.
- « عفة اللسان وعدم الخوض في تصنيف الناس وأعراضهم والنصح في ذلك » :
تقدم أنَّ مجالس الشيخ مجالس علم وذكر لا يتطرق فيها للدنيا إلاّ نادرا، وكذلك لا يسمح الشيخ لأحد أن يتكلم في شخص في غيبته أبدا، وترى الكراهية والغضب في وجه الشيخ إذا فعل أحد ذلك.
وأذكرُ أنَّ شخصا ذكر عند الشيخ مسألةً قالها أحد طلبة العلم، فقال أحد الحاضرين: هذه سمعنا منك يا شيخ قبل أن يُعرف فلان ، فربما استفادها منك، فكره الشيخُ كلامه وقال –ما محصله- إنّ العلم رحم بين أهله، ولا ينبغي لطالب العلم أن يعود نفسه هذه الأخلاق ، فينسب لنفسه المسائل والاختيارات، ويتهم الناس بأنهم سرقوا أفكاره وأقواله ، وذكر أنَّ السلف رضوان الله عليهم يأتون بالمسائل العظيمة والفوائد النفيسة ولا يريدون أن تنسب إليهم خوفا على أنفسهم من الرياء والسمعة فكانوا من ذلك برآء لشدة إخلاصهم ومراقبتهم لربهم في أعمالهم وذكر قول الشافعي المشهور :« وددت أن الناس تعلموا هذا العلم ولا ينسب إلى شيء منه أبدا فأوجر عليه ولا يحمدوني »، ثم بين أن القبول من الله وأنّ الله إذا أحب عبدا أوقع حبه في قلوب الناس كما في الحديث المشهور...إلى آخر ما قال الشيخ ، وبين ونصح جزاه الله خيرا.
وكلام الشيخ هذا ذكرني بمقولة جميلة قالها أحد الفضلاء وهي :« إننا نحن (نحتكر) أفكارنا وعقائدنا، ونغضب حين ينتحلها الآخرون لأنفسهم، ونجتهد في توكيد نسبتها إلينا، وعدوان الآخرين عليها ! إننا إنما نصنع ذلك كله، حين لا يكون إيماننا بهذه الأفكار والعقائد كبيراً، حين لا تكون منبثقة من أعماقنا كما لو كانت بغير إرادة منا حين لا تكون هي ذاتها أحب إلينا من ذواتنا ! إن الفرح الصافي هو الثمرة الطبيعية لأن نرى أفكارنا وعقائدنا ملكاً للآخرين، ونحن بعد أحياء. إن مجرد تصورنا لها أنها ستصبح ـ ولو بعد مفارقتنا لوجه الأرض ـ زاداً للآخرين ورياً، ليكفي لأن تفيض قلوبنا بالرضى والسعادة والاطمئنان ! (التجار) وحدهم هم الذين يحرصون على (العلامات التجارية) لبضائعهم كي لا يستغلها الآخرون ويسلبوهم حقهم من الربح، أما المفكرون وأصحاب العقائد فكل سعادتهم في أن يتقاسم الناس أفكارهم وعقائدهم ويؤمنوا بها إلى حد أن ينسبوها لأنفسهم لا إلى أصحابها الأولين ! ».
- « التجول في المدن والقرى للدعوة ونشر الخير ونفع المسلمين »:
وقد خصص الشيخ سيارة خاصة للدعوة ونشر لخير وإلقاء الدروس في المدن والقرى وقد مرّ الشيخ على غالب مدن المملكة للدعوة، وله في كل مدينة تلاميذ ومحبون يتشوقون إلى لقائه والاستفادة منه، والشيخ لم يسافر قط خارج السعودية ؛ لأنه لا يملك جوازا بسبب الصورة.
- « الكرم والبذل على قدر الاستطاعة ».
- « الحرص على المداومة على الأعمال الصالحة ».
- « تواضع الشيخ الجم، وحسن أخلاقه، وسلامة صدره ».
هذه بعض اللمحات العامة والسريعة عن منهج الشيخ العلمي والعلمي مما سنح لي في هذا المقام،ونشطتُ لذكره وبيانه، وهذا «ما عرفته عن شيخي المحدث عبد الله السعد» ولعل الله أن ييسر مقاما أتوسع فيه أكثر ليستفيد طالب العلم من سير العلماء وطلبة العلم المعاصرين ويعرف لهم منزلتهم وقدرهم.
نسأل الله عز وجل بمنه وكرمه أن يحفظ شيخنا وأن يمد في عمره على عمل صالح، وأن يثبته على دينه، وأن يحفظه من فتنة القول والعمل، وأن يجنبه الحساد والوشاة وأهل الشر والفساد، وأن يصبره على ما أصابه من بلاء لا يكاد يسلم منه داع للحق!، وأن يعظم أجره، وأن يغفر له ولوالديه ولأهله ولجميع المسلمين.
[/align]