تذوق حلاوة احتساب الأجر رمضان نموذجاً

تذوق حلاوة احتساب الأجر .

الخطبة الأولى

الْحَمْدُ لِلَّهِ نَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا، وَسَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْهُ فَلَا هَادِيَ لَهُ، إِنَّ أَصْدَقَ الْحَدِيثِ كِتَابُ اللَّهِ، وَأَحْسَنَ الْهَدْيِ هَدْيُ مُحَمَّدٍ، وَشَرُّ الْأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا، وَكُلُّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ وَكُلُّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ، وَكُلُّ ضَلَالَةٍ فِي النَّارِ» أَمَّا بَعْدُ :

فقد روى الإمام البخاري في صحيحه صحيح البخاري  كتاب : الصوم.  | باب من صام رمضان إيمانا واحتسابا.

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنِ  النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «مَنْ صَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ، وَمَنْ قَامَ لَيْلَةَ القَدْرِ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ ، " مَنْ قَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ " صحيح البخاري (3/ 45)

فما معنى إيمانا واحتسابا ؟

قال الإمام النووي: معنى إيماناً: تصديقاً بأنه حق مقتصد فضيلته، ومعنى احتساباً، أنه يريد الله تعالى لا يقصد رؤية الناس ولا غير ذلك مما يخالف الإخلاص". اهـ.

ونقف مع قوله احتسابا...

معاشر الإخوة إن الاحتساب للأجر يحول حياتك إلى سعادة وانشراح ورضا وتلذذ بالطاعات بل تلذذ بالصبر على الأذى والمصائب فيذوق حلاوة الرضا والأنس بالله ..

وقد جاءت أحاديث صحيح تؤكد معنى احتساب الأجر حتى في الأمو العادية من نوم ومطعم وجماع ونفقة .

قال معاذ بن جبل رضي الله عنه حين سئل عن قيامه بالقرآن " أَنَامُ أَوَّلَ اللَّيْلِ، فَأَقُومُ وَقَدْ قَضَيْتُ جُزْئِي مِنَ النَّوْمِ، فَأَقْرَأُ مَا كَتَبَ اللَّهُ لِي، فَأَحْتَسِبُ نَوْمَتِي كَمَا أَحْتَسِبُ قَوْمَتِي" صحيح البخاري (5/ 161)

وقال  ﷺ  " إِذَا أَنْفَقَ الرَّجُلُ عَلَى أَهْلِهِ يَحْتَسِبُهَا فَهُوَ لَهُ صَدَقَةٌ ". صحيح البخاري (1/ 20)

وقال  ﷺ  "إِنَّكَ أَنْ تَدَعَ وَرَثَتَكَ أَغْنِيَاءَ خَيْرٌ مِنْ أَنْ تَدَعَهُمْ عَالَةً يَتَكَفَّفُونَ النَّاسَ فِي أَيْدِيهِمْ، وَإِنَّكَ مَهْمَا أَنْفَقْتَ مِنْ نَفَقَةٍ فَإِنَّهَا صَدَقَةٌ، حَتَّى اللُّقْمَةُ الَّتِي تَرْفَعُهَا إِلَى فِي امْرَأَتِكَ ". صحيح البخاري (2/ 81)

وقال  ﷺ  "إِنَّ بِكُلِّ تَسْبِيحَةٍ صَدَقَةً، وَبِكُلِّ تَحْمِيدَةٍ صَدَقَةً، وَفِي بُضْعِ أَحَدِكُمْ صَدَقَةً ". قَالَ : قَالُوا : يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَيَأْتِي أَحَدُنَا شَهْوَتَهُ يَكُونُ لَهُ فِيهَا أَجْرٌ ؟ قَالَ : " أَرَأَيْتُمْ لَوْ وَضَعَهَا فِي الْحَرَامِ، أَكَانَ عَلَيْهِ فِيهَا وِزْرٌ ؟ وَكَذَلِكَ إِذَا وَضَعَهَا فِي الْحَلَالِ كَانَ لَهُ فِيهَا أَجْرٌ ". صحيح مسلم (2/ 697)

وقال في العبادات

وقال  ﷺ  " ثَلَاثٌ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ، وَرَمَضَانُ إِلَى رَمَضَانَ، فَهَذَا صِيَامُ الدَّهْرِ كُلِّهِ، صِيَامُ يَوْمِ عَرَفَةَ أَحْتَسِبُ عَلَى اللَّهِ أَنْ يُكَفِّرَ السَّنَةَ الَّتِي قَبْلَهُ، وَالسَّنَةَ الَّتِي بَعْدَهُ، وَصِيَامُ يَوْمِ عَاشُورَاءَ أَحْتَسِبُ عَلَى اللَّهِ أَنْ يُكَفِّرَ السَّنَةَ الَّتِي قَبْلَهُ ". صحيح مسلم (2/ 818)

وقال  ﷺ  «مَنِ اتَّبَعَ جَنَازَةَ مُسْلِمٍ، إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا، وَكَانَ مَعَهُ حَتَّى يُصَلَّى عَلَيْهَا وَيَفْرُغَ مِنْ دَفْنِهَا، فَإِنَّهُ يَرْجِعُ مِنَ الأَجْرِ بِقِيرَاطَيْنِ، كُلُّ قِيرَاطٍ مِثْلُ أُحُدٍ، وَمَنْ صَلَّى عَلَيْهَا ثُمَّ رَجَعَ قَبْلَ أَنْ تُدْفَنَ، فَإِنَّهُ يَرْجِعُ بِقِيرَاطٍ» صحيح البخاري (1/ 18)

وفي احتساب الصبر على المصائب

 ارسل ﷺ  لابنته  حين توفي ابنها  : يُقْرِئُ السَّلاَمَ، وَيَقُولُ: «إِنَّ لِلَّهِ مَا أَخَذَ، وَلَهُ مَا أَعْطَى، وَكُلٌّ عِنْدَهُ بِأَجَلٍ مُسَمًّى، فَلْتَصْبِرْ، وَلْتَحْتَسِبْ» صحيح البخاري (2/ 79)

وقال  ﷺ  «مَنْ مَاتَ لَهُ ثَلَاثَةٌ مِنَ الْوَلَدِ، فَاحْتَسَبَهُمْ، دَخَلَ الْجَنَّةَ» ، قَالَ: قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ: وَاثْنَانِ؟ قَالَ مسند أحمد مخرجا (22/ 190): «وَاثْنَانِ» ، قَالَ مَحْمُودٌ: فَقُلْتُ لِجَابِرٍ: أَرَاكُمْ لَوْ قُلْتُمْ وَاحِدًا، لَقَالَ: وَاحِدٌ، قَالَ: «وَأَنَا وَاللَّهِ أَظُنُّ ذَاكَ»

قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :  " إِذَا أَصَابَتْ أَحَدَكُمْ مُصِيبَةٌ فَلْيَقُلْ : إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ، اللَّهُمَّ عِنْدَكَ أَحْتَسِبُ مُصِيبَتِي، فَآجِرْنِي فِيهَا، وَأَبْدِلْ لِي بِهَا خَيْرًا مِنْهَا ". مسند أحمد مخرجا (26/ 260)

ولفظ  مسلم " مَا مِنْ مُسْلِمٍ تُصِيبُهُ مُصِيبَةٌ، فَيَقُولُ مَا أَمَرَهُ اللهُ: {إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ} اللهُمَّ أْجُرْنِي فِي مُصِيبَتِي، وَأَخْلِفْ لِي خَيْرًا مِنْهَا، إِلَّا أَخْلَفَ اللهُ لَهُ خَيْرًا مِنْهَا "، صحيح مسلم (2/ 631)

وقال  ﷺ  "  مَنْ أَذْهَبْتُ حَبِيبَتَيْهِ، فَصَبَرَ وَاحْتَسَبَ، لَمْ أَرْضَ لَهُ بِثَوَابٍ دُونَ الْجَنَّةِ " مسند أحمد مخرجا (13/ 39)

ففي جملة هذه الأحاديث نجد النص على أن يحتسب المسلم فيما يعمل من عمل أو يصيبه من مصائب  .

أقول ما تسمعون واستغفر الله لي ولك فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم

) الخطبة الثانية (

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف المرسلين وعلى من اتبع هداه إلى يوم الدين أما بعد :

فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُبَشِّرُ أَصْحَابَهُ: «قَدْ جَاءَكُمْ رَمَضَانُ، شَهْرٌ مُبَارَكٌ، افْتَرَضَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ صِيَامَهُ، تُفْتَحُ فِيهِ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ، وَتُغْلَقُ فِيهِ أَبْوَابُ الْجَحِيمِ، وَتُغَلُّ فِيهِ الشَّيَاطِينُ، فِيهِ لَيْلَةٌ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ، مَنْ حُرِمَ خَيْرَهَا فَقَدْ حُرِمَ» مسند أحمد مخرجا (14/ 541)

فهذا شهر الخير قد أقبل فما هي عزيمتك على الرشد فيه ؟

إن الله قد بين الحكمة من فرضه فقال {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [البقرة: 183]

وقال  ﷺ  "  وَرَغِمَ أَنْفُ رَجُلٍ دَخَلَ عَلَيْهِ رَمَضَانُ فَانْسَلَخَ قَبْلَ أَنْ يُغْفَرَ لَهُ " مسند أحمد مخرجا (12/ 421)

فماذا عزمت عليه أخي المسلم ؟! من الاجتهاد والاقبال على العبادات !!

قال  ﷺ «مَنْ لَمْ يَدَعْ قَوْلَ الزُّورِ وَالعَمَلَ بِهِ، فَلَيْسَ لِلَّهِ حَاجَةٌ فِي أَنْ يَدَعَ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ» صحيح البخاري (3/ 26)

وكيف ستكون ليالي رمضان معك هذا العام هل ستقطها لعباً ولهواُ وفي النهار نوم وكسل ومآكل ومشارب ومتابعة للمسلسلات !

إنه شهر القرآن !

{شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ } [البقرة: 185]

فنافس في تلاوته والانقطاع معه

وفي الحديث الصحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى بأصحابه في رمضان من الليل فما انصرف قالو: لَوْ نَفَّلْتَنَا بَقِيَّةَ لَيْلَتِنَا هَذِهِ، فَقَالَ: «إِنَّهُ مَنْ قَامَ مَعَ الْإِمَامِ حَتَّى يَنْصَرِفَ، كُتِبَ لَهُ قِيَامُ لَيْلَةٍ». السنن الكبرى للنسائي (2/ 114)

اللهم حبب إلينا الإيمان وزينه في قلوبنا وكره إلينا الكفر والفسوق والعصيان واجعلنا من الراشدين

اللهم بلغنا رمضان ونحن في صحة وعافية وأمن وأمان ووفقنا فيه إلى صالح الأعمال وتقبله منا يا أرحم الراحمين

عباد الله صلوا على البشير النذير كما أمركم ربكم {إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا } [الأحزاب: 56]

اللهم صل وسلم على عبدك محمد وعلى من اتبع هداه إلى يوم الدين

{ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (90) وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ وَلَا تَنْقُضُوا الْأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلًا إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ} [النحل: 90، 91]

تمت الخطبة 21 شعبان 1443