تذكير المسلمين بالحفاظ على هذا الدين
خالد علي أبا الخيل
1437/08/16 - 2016/05/23 10:00AM
تذكير المسلمين بالحفاظ على هذا الدين
التاريخ: الجمعة: 13/ شعبان /1437 هـ
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الذي منَّ علينا بالكتاب والسنة، وجعلنا خير أمة، أحمده سبحانه على فضله وكرمه ومنّه، وأشهد أن لا إله إلا الله، عصم من شاء بالكتاب والسنة، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، جعل التمسك بالكتاب والسنة عصمة من الأهواء والبدع والفتنة، ورفعة لهذه الأمة، صلى الله عليه، وعلى آله وصحبه، وعلى التابعين المتمسكين بالكتاب و السنة.
أما بعد.،
فـ{اتَّقُواْ اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ} [آل عمران: 102].
إخوة الكتاب والسنة: في خضم المتغيرات، وتوالي الفتن والمحن المتلاطمات، وانتشار الحضارات، وتتبع الرخص وتمييع الدين، ومسلك الفرق الضالة، والأهواء المنحرفة، والبدع المنجرفة، والأفكار التائهة، والتحزبات المقيتة، في وقتٍ تكلمت الرويبضة، وذهبت الأمانة، وقلّت الديانة، (يصبح الرجل مؤمنًا، ويمسي كافرًا، ويمسي مؤمنًا، ويصبح كافرًا، يبيع دينه بعرض من الدنيا)، كما صح عن الرسول المصطفى، فتن تلاحق الإنسان في كل زمان ومكان، وأين وقع وكان، فتن ولجت البيوت، ودخلت الجيوب، وحلّت الديار، وانتشرت في الفيافي والقفار، فتن تدع الحليم حيرانًا، والعاقل مندهش الأذهان، في هذه الأحوال، والتواصلات الاجتماعية، والشبكات العنكبوتية، والمواقع والمنتديات المتنوعة.
في هذا –إخوة الإسلام-: الإنسان لا يأمن على دينه طرفة عين، وقلبه يتقلب كالريشة من الهواء، فليس على المرء أغلى من دينه الذي شرعه الله له، وأتمه وأكمله، ورضيه لهذا الأمة، صالح مصلح، ناجح مفلح، وليس على المرء أعظم من رأس الدين، كرأس مالك، ألست تحافظ عليه؟، تحافظ عليه من نقصه، أليس رأس مالك ودنياك ودراهمك تبذل قصارى جهدك في الحفاظ عليه؟ وحُق لك، فالشريعة نهت عن إضاعة المال، وإذا كانت نهت عن إضاعة المال فمن باب أولى إضاعة الدين، والتساهل بدين رب العالمين.
الدين رأس المال فاستمسك به
***
فضياعه من أعظم الخسرانِ
ومن تعظيم الله تعظيم شرع الله، وبقدر حبك لله، يكون تعظيمك لأوامر الله، {وَمَن يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ عِندَ رَبِّهِ } [الحج: 30]، وهو عنوان حياة القلوب، وصلاح العيوب، {وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ } [الحج: 32]، وبعض الناس لا يبالي بتدنيس دينه، والتنازلات عن مبادئه، والتخلي عن قيمه وأخلاقه، والتساهل في أوامره ونواهيه وآدابه.
ما بال دينك ترضى أن تدسنه
*** وثوب جسمك محفوظ من الدنس
ترجو النجاة ولم تسلك مسالكها
*** إن السفينة لا تجري على اليبسِ
والبعض –إخوة التوحيد، وفقكم الله لكل قول سديد-: يرقع دينه، ويبحث عن المخارج، ويطلب المطالع، هذا سنة، وهذا ليس بواجب، وهذا مكروه، وهذا فيه خلاف، وهذا رخصة، فتجد نقاشات في المسلمات، ومحاورات في الثوابت والتقعيدات، ناهيك عن الفرعيات والعبادات، ولهذا تجد أصحاب الشهوات يميلون إلى الرخص ميلًا، والتنازلات، وليُعلم أن المحافظة على المستحبات حفاظ على الواجبات، والمحافظة على ترك المكروهات حفاظ على ترك المحرمات، والتساهل بالسنن يورث التساهل بالواجب والفرض، والتساهل بالمكروه يجرك إلى فعل الحرام، وعلى ساحة الواقع، تجد التنازل على مسائل الولاء والبراء، والتساهل بصلاة الجامعة مع الجماعة، وقيادة المرأة للسيارة، والأخذ من اللحية، والرشوة تسمى: أتعاب ومعاونة، والسرقة شجاعة، وأكل الحرام حيلة، والخيانة أمانة، والتساهل بالوظيفة؛ لأن له حقًا من بيت مال المسلين، وهذا من حقه، والكذب وسيلة، والغيبة والنميمة مصلحة، والخلوة بالمرأة بدون محرم حاجة، والسفر بدون محرم للمرأة ضرورة، والتلاعب بالوظائف الحكومية؛ لأن المسؤول يعلم، وهكذا في سلسلة تلك الأمور.
نرقع دنيانا بتمزيق ديننا
***
فلا ديننا يبقى ولا ما نرقع
ما بال كثير من الناس، لا يبالي من أين أخذ تعاليم دينه؟ ومن أين استقى أفكاره؟ ومن أين تعلم أحكامه؟ بل لا يبالي من أين أخذ عقيدته ومبدأه؟ يسمع لكل إنسان، ويدخل المواقع بدون حسبان، ويفتح المقاطع دون مراقبة وحذر، ما دامت دنياه له سالمة، وأحواله له قائمة، فيذهب دينه أو ينقص وهو لا يشعر، وقد قال محمد بن سيرين -عليه رحمة رب العالمين- كلمة لها روح ورياحين: أن هذا العلم دين، فانظروا عمن تأخذون دينكم. انظر من تقرأ له، انظر من تستفتيه، انظر من تشاوره، انظر من تعلم على يديه، فدينك رأس أمرك، وكما أنك تنظر في دنياك إلى الأجود والأعلى، وإلى الغالي والأقوى، فانظر إلى دينك ورضا العلي الأعلى، فخسارة الدين خسارة فادحة، وتعاسة قادحة، تهدم البيوت، وتفكك الأسر، وتنشر الفوضى، وتزعزع الأمن، وتفرق المجتمعات، وتحل الويلات، وتنزل المصائب والعوائق والأزمات، بدون الدين لا شيء، وبالدين كل شيء.
وكل كسر فإن الله يجبره
*** وما لكسر قناة الدين جبران
بقيام الدين وتعاليمه وآدابه، سعادة الدنيا والآخرة، وإذا أردنا معرفة الميزان في حب الدين والتمسك بالإيمان، فانظر هل نقص ديناك مثل آُخراك؟ والعكس بالعكس، ما بالنا إذا نقصت دنيانا زمجرنا، وغضبنا، وسببنا، وغردنا، واستبحنا أعراضنا، وحلت دماؤنا، وإذا نقصت ديننا سكتنا وتقاعسنا حتى ولا في دعائنا نصرنا، ووكلنا الأمر إلى غيرنا، سبحان الله، {بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا} [الأعلى: 16].
مالي أرى الناس والدنيا مولية
***
وكل جمع عليها سوف ينتثرُ
لا يشعرون إذا ما دينهم نقصوا
*** يومًا وإن نقصت دنياهم شعِروا
فأكثر هم الواحد، طعامه وشرابه، وعمله ووظيفته، ونجاحه وتخرجه، أما صلاته وعقيدته، وبره وصلته، وأمره ونهيه، وقيمه وأخلاقه، وعفافه وستره، {بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا (16) وَالآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى} [الأعلى: 16، 17]، فلا هم ولا غم، فالهم المشترك للدنيا ونسيان الأخرى، دين رضيه الله لنفسه وأتمه وأكمله لجنه وإنسه، أفلا نرضاه لأنفسنا، أفلا نرضاه لحياتنا، أفلا نرضاه لأمتنا، أفلا يكون أسوتنا وقدوتنا، وطريقنا ومنهجنا، نوحد به صفنا، ونجمع به شملنا، ونستعز ونفخر به في حياتنا، ونرفع به شامتنا، {وَلاَ تَهِنُوا وَلاَ تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ} [آل عمران: 139]، ولشدة العناية، والحفاظ والرعاية، أمرنا سبحانه، {فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ} [الزخرف: 43]، والموحى منه الواجب، ومنه المستحب، وأعظم واجب يجب التمسك به، والحفاظ عليه التوحيد والعقيدة، { فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِن بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَىَ} [البقرة: 256]، والتمسك بهذا الدين سبب للحفظ من البدع والكفر والضلال، فقد قال صادق المقال: (إني تارك فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا، كتاب الله)، إنه التمسك بعقديته وتوحيده، وعبادته ومعاملته في أخلاقه وآدابه، في أوامره ونواهيه، {وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ} [القلم: 4]، ولاحظ وجه المبالغة لشدة التمسك والمقاومة، {وَالَّذِينَ يُمَسِّكُونَ بِالْكِتَابِ} [الأعراف: 170]، فبقدر التمسك يحصل الخير والأمن والتنسك، وبقدر الترك يحصل ضد ذلك والهُلك.
أيها المسلمون: حافظوا على دينكم، كما تحافظون على أجسامكم، حافظوا على دينكم، كما تحافظون على حياتكم، حافظوا على دينكم، كما تحافظون على دراهمكم، حافظوا على دينكم، كما تحافظون على دنياكم.
إذا أبقت الدنيا على المرء دينه
***
فما فاته منها فليس بضائر
إذ الحياة بدون دين تكون لا شيء، بدون الدين يهون المرء على رب العالمين.
ومن رضي الحياة بغير دين
***
فقد جعل الفناء لها قرينًا
وكل مصيبة دونه فهي هيّنة، وكل رزية دونه فهي سهلة، إذ هو أصعب المصائب، وتركه أجل المعائب.
وكل كسر فإن الله يجبره
*** وما لكسر قناة الدين جبران
وفي الحديث: (اللهم: لا تجعل مصيبتنا في ديننا)، بل جاء الدعاء لهذا الدين على كل حالة وحين، ففي الدعاء المأثور، اللهم: احفظنا بالإسلام قائمين، واحفظنا بالإسلام قاعدين، واحفظنا بالإسلام مضطجعين، بل مما يدل على الآكدية للحفاظ على هذه الملة سؤاله سبحانه في صباح الإنسان ومسائه، اللهم: إني أعوذ بك من الكفر والفقر وعذاب القبر، إذ بدونه لا أنساب ولا أحساب، ولا فخر ولا [حُجّاب]، وبه رفعة رب الأرباب، والمؤمن يرفع رأسه فوق السحاب.
لعمرك ما الإنسان إلا بدينه
*** فلا تترك التقوى اتكالًا على النسب
لقد رفع الإسلام سلمان فارسٍ
*** ووضع الشرك النسيب أبا لهب
قال سبحانه: {فَلا أَنسَابَ بَيْنَهُمْ} [المؤمنون: 101].
الخطبة الثانية:
الحمد لله على نعمة الإسلام، والصلاة والسلام على سيد الأنام.
إخوة الإسلام: الدين محفوظ، متين مضبوط، دين إن حفظناه حُفظنا، وإن ضيعناه هلكنا، وأَهلكنا، فمن حفظه ساد، ومن ضيعه سقط وباد، فليس لأشخاص وجنسيات، وأفراد وشخصيات، وأفكار وحزبيات، {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} [الحجر: 9]، خسر والله من ابتغى غيره، وأضاع نفسه من ضيع أمره، وسفه نفسه من طلب سواه، قال جلا في علاه: {وَمَن يَرْغَبُ عَن مِّلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلاَّ مَن سَفِهَ نَفْسَهُ} [البقرة: 130].
وإن امرؤ ابتاع دنيا بدينه
***
لمنقلب منها بصفقة خاسرِ
الحفاظ على هذا الدين حفظٍ للضروريات الخمس: العرض، والمال، والنفس، والعقل، والدين.
ديننا –أيها المسلمون-: دين متين، مؤصل ومقعد من رب العالمين، قال رب العالمين: {لا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِّنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ} [فصلت: 42]، الدين مبني على قواعد كبرى، ومصالح عظمى، وثوابت مثلى، يأمر بالمصالح والمنافع، وينهى عن القبائح والتقاطع، يقلص المفاسد، ويدعو إلى الأعلى والمنافع والفوائد.
الدين مبني على المصالح
*** في جلبها والدرء للقبائح
فإن تزاحم عدد المصالح
*** يقدم الأعلى من المصالح
وضده تزاحم المفاسد
*** يرتكب الأدنى من المفاسد
بقدر التمسك به، والتواصي فيه، والعرض عليه، يوصل إلى الهدى ويدعو له، { إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يِهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ} [الإسراء: 9]، لا تستقيم دول ولا مجتمعات، ولا أفراد وأسر وبيوتات إلا به، فهو أجلّ موجود، وأعظم مفقود.
وفي الحلم والإسلام للمرء وازع
*** وفي ترك طاعات الفؤاد المتيم
بصائر رشد للفتى مستبينة
*** وأخلاق صدق عُلَّم بالتعلم
حافظوا –أيها المسلمون-: على ثوابتكم، وعقيدتكم، وأصولكم، احذروا التنصل من هذا الدين، والتخلي عن قيمه والخلق المشين، فهو أعظم وازع، وأكبر زاجر ورادع.
وإني لتنهاني خلائق أربع
*** عن الفحش فيها للكريم روادع
حياء وإسلام وشيب وعفة
*** وما المرء إلا ما حَبَته الطبائعُ
بعض الناس لخسارته وحرمانه، اشترى الضلالة بهداية ربه، وباع دينه ببخسٍ دراهم معدودة، وعن سيد الأمة: (يبيع دينه بعرضٍ من الدنيا).
عجبت لمبتاع الضلالة بالهدى
***
والمشتري دنياه بالدين أعجب
وأعجب من هذين من باع دينه
***
بدنيا سواه فهو من ذين أخيب
خذوا –رحمكم الله- بوصية رسول الله: (عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين، عضوا عليها بالنواجذ).
تمسك بحبل الله واتبع الهدى
***
ولا تكُ بدعيًا لعلك تفلح
ودن بكتاب الله والسنن التي
***
أتت عن رسول الله تنجو وتربح
وأخيرًا: الحمد لله على نعمة الإسلام، وبعثة سيد الأنام.
لو تمسكنا بديننا، وعقيدتنا، ومعاملاتنا، وأخلاقنا كما جاء به ديننا، لسلمت لنا دنيانا، وحفظنا الله من شر أعدائنا، بل لو تمسكنا به، وحافظنا عليه، كما نحافظ على دنيانا، لسلمت لنا أولانا وأخرانا.
وبالسنة الغراء كن متمسكاً
*** هي العروة الوثقى التي ليس تنفصم
تمسك بها مسك البخيل بماله
*** وعضّ عليها بالنواجد تسلمُ
ودع عنك ما قد أحدث الناس بعدها *** فمرتع هـاتيك الحوادث أوخـمُ
(إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليمًا).
يا من عرفت محمدًا بكماله
*** وجلاله وخصاله وجماله
املأ مكانك والزمانَ مصليًا
*** ومسلمًا دومًا عليه وآله
والله أعلم.
التاريخ: الجمعة: 13/ شعبان /1437 هـ
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الذي منَّ علينا بالكتاب والسنة، وجعلنا خير أمة، أحمده سبحانه على فضله وكرمه ومنّه، وأشهد أن لا إله إلا الله، عصم من شاء بالكتاب والسنة، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، جعل التمسك بالكتاب والسنة عصمة من الأهواء والبدع والفتنة، ورفعة لهذه الأمة، صلى الله عليه، وعلى آله وصحبه، وعلى التابعين المتمسكين بالكتاب و السنة.
أما بعد.،
فـ{اتَّقُواْ اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ} [آل عمران: 102].
إخوة الكتاب والسنة: في خضم المتغيرات، وتوالي الفتن والمحن المتلاطمات، وانتشار الحضارات، وتتبع الرخص وتمييع الدين، ومسلك الفرق الضالة، والأهواء المنحرفة، والبدع المنجرفة، والأفكار التائهة، والتحزبات المقيتة، في وقتٍ تكلمت الرويبضة، وذهبت الأمانة، وقلّت الديانة، (يصبح الرجل مؤمنًا، ويمسي كافرًا، ويمسي مؤمنًا، ويصبح كافرًا، يبيع دينه بعرض من الدنيا)، كما صح عن الرسول المصطفى، فتن تلاحق الإنسان في كل زمان ومكان، وأين وقع وكان، فتن ولجت البيوت، ودخلت الجيوب، وحلّت الديار، وانتشرت في الفيافي والقفار، فتن تدع الحليم حيرانًا، والعاقل مندهش الأذهان، في هذه الأحوال، والتواصلات الاجتماعية، والشبكات العنكبوتية، والمواقع والمنتديات المتنوعة.
في هذا –إخوة الإسلام-: الإنسان لا يأمن على دينه طرفة عين، وقلبه يتقلب كالريشة من الهواء، فليس على المرء أغلى من دينه الذي شرعه الله له، وأتمه وأكمله، ورضيه لهذا الأمة، صالح مصلح، ناجح مفلح، وليس على المرء أعظم من رأس الدين، كرأس مالك، ألست تحافظ عليه؟، تحافظ عليه من نقصه، أليس رأس مالك ودنياك ودراهمك تبذل قصارى جهدك في الحفاظ عليه؟ وحُق لك، فالشريعة نهت عن إضاعة المال، وإذا كانت نهت عن إضاعة المال فمن باب أولى إضاعة الدين، والتساهل بدين رب العالمين.
الدين رأس المال فاستمسك به
***
فضياعه من أعظم الخسرانِ
ومن تعظيم الله تعظيم شرع الله، وبقدر حبك لله، يكون تعظيمك لأوامر الله، {وَمَن يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ عِندَ رَبِّهِ } [الحج: 30]، وهو عنوان حياة القلوب، وصلاح العيوب، {وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ } [الحج: 32]، وبعض الناس لا يبالي بتدنيس دينه، والتنازلات عن مبادئه، والتخلي عن قيمه وأخلاقه، والتساهل في أوامره ونواهيه وآدابه.
ما بال دينك ترضى أن تدسنه
*** وثوب جسمك محفوظ من الدنس
ترجو النجاة ولم تسلك مسالكها
*** إن السفينة لا تجري على اليبسِ
والبعض –إخوة التوحيد، وفقكم الله لكل قول سديد-: يرقع دينه، ويبحث عن المخارج، ويطلب المطالع، هذا سنة، وهذا ليس بواجب، وهذا مكروه، وهذا فيه خلاف، وهذا رخصة، فتجد نقاشات في المسلمات، ومحاورات في الثوابت والتقعيدات، ناهيك عن الفرعيات والعبادات، ولهذا تجد أصحاب الشهوات يميلون إلى الرخص ميلًا، والتنازلات، وليُعلم أن المحافظة على المستحبات حفاظ على الواجبات، والمحافظة على ترك المكروهات حفاظ على ترك المحرمات، والتساهل بالسنن يورث التساهل بالواجب والفرض، والتساهل بالمكروه يجرك إلى فعل الحرام، وعلى ساحة الواقع، تجد التنازل على مسائل الولاء والبراء، والتساهل بصلاة الجامعة مع الجماعة، وقيادة المرأة للسيارة، والأخذ من اللحية، والرشوة تسمى: أتعاب ومعاونة، والسرقة شجاعة، وأكل الحرام حيلة، والخيانة أمانة، والتساهل بالوظيفة؛ لأن له حقًا من بيت مال المسلين، وهذا من حقه، والكذب وسيلة، والغيبة والنميمة مصلحة، والخلوة بالمرأة بدون محرم حاجة، والسفر بدون محرم للمرأة ضرورة، والتلاعب بالوظائف الحكومية؛ لأن المسؤول يعلم، وهكذا في سلسلة تلك الأمور.
نرقع دنيانا بتمزيق ديننا
***
فلا ديننا يبقى ولا ما نرقع
ما بال كثير من الناس، لا يبالي من أين أخذ تعاليم دينه؟ ومن أين استقى أفكاره؟ ومن أين تعلم أحكامه؟ بل لا يبالي من أين أخذ عقيدته ومبدأه؟ يسمع لكل إنسان، ويدخل المواقع بدون حسبان، ويفتح المقاطع دون مراقبة وحذر، ما دامت دنياه له سالمة، وأحواله له قائمة، فيذهب دينه أو ينقص وهو لا يشعر، وقد قال محمد بن سيرين -عليه رحمة رب العالمين- كلمة لها روح ورياحين: أن هذا العلم دين، فانظروا عمن تأخذون دينكم. انظر من تقرأ له، انظر من تستفتيه، انظر من تشاوره، انظر من تعلم على يديه، فدينك رأس أمرك، وكما أنك تنظر في دنياك إلى الأجود والأعلى، وإلى الغالي والأقوى، فانظر إلى دينك ورضا العلي الأعلى، فخسارة الدين خسارة فادحة، وتعاسة قادحة، تهدم البيوت، وتفكك الأسر، وتنشر الفوضى، وتزعزع الأمن، وتفرق المجتمعات، وتحل الويلات، وتنزل المصائب والعوائق والأزمات، بدون الدين لا شيء، وبالدين كل شيء.
وكل كسر فإن الله يجبره
*** وما لكسر قناة الدين جبران
بقيام الدين وتعاليمه وآدابه، سعادة الدنيا والآخرة، وإذا أردنا معرفة الميزان في حب الدين والتمسك بالإيمان، فانظر هل نقص ديناك مثل آُخراك؟ والعكس بالعكس، ما بالنا إذا نقصت دنيانا زمجرنا، وغضبنا، وسببنا، وغردنا، واستبحنا أعراضنا، وحلت دماؤنا، وإذا نقصت ديننا سكتنا وتقاعسنا حتى ولا في دعائنا نصرنا، ووكلنا الأمر إلى غيرنا، سبحان الله، {بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا} [الأعلى: 16].
مالي أرى الناس والدنيا مولية
***
وكل جمع عليها سوف ينتثرُ
لا يشعرون إذا ما دينهم نقصوا
*** يومًا وإن نقصت دنياهم شعِروا
فأكثر هم الواحد، طعامه وشرابه، وعمله ووظيفته، ونجاحه وتخرجه، أما صلاته وعقيدته، وبره وصلته، وأمره ونهيه، وقيمه وأخلاقه، وعفافه وستره، {بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا (16) وَالآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى} [الأعلى: 16، 17]، فلا هم ولا غم، فالهم المشترك للدنيا ونسيان الأخرى، دين رضيه الله لنفسه وأتمه وأكمله لجنه وإنسه، أفلا نرضاه لأنفسنا، أفلا نرضاه لحياتنا، أفلا نرضاه لأمتنا، أفلا يكون أسوتنا وقدوتنا، وطريقنا ومنهجنا، نوحد به صفنا، ونجمع به شملنا، ونستعز ونفخر به في حياتنا، ونرفع به شامتنا، {وَلاَ تَهِنُوا وَلاَ تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ} [آل عمران: 139]، ولشدة العناية، والحفاظ والرعاية، أمرنا سبحانه، {فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ} [الزخرف: 43]، والموحى منه الواجب، ومنه المستحب، وأعظم واجب يجب التمسك به، والحفاظ عليه التوحيد والعقيدة، { فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِن بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَىَ} [البقرة: 256]، والتمسك بهذا الدين سبب للحفظ من البدع والكفر والضلال، فقد قال صادق المقال: (إني تارك فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا، كتاب الله)، إنه التمسك بعقديته وتوحيده، وعبادته ومعاملته في أخلاقه وآدابه، في أوامره ونواهيه، {وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ} [القلم: 4]، ولاحظ وجه المبالغة لشدة التمسك والمقاومة، {وَالَّذِينَ يُمَسِّكُونَ بِالْكِتَابِ} [الأعراف: 170]، فبقدر التمسك يحصل الخير والأمن والتنسك، وبقدر الترك يحصل ضد ذلك والهُلك.
أيها المسلمون: حافظوا على دينكم، كما تحافظون على أجسامكم، حافظوا على دينكم، كما تحافظون على حياتكم، حافظوا على دينكم، كما تحافظون على دراهمكم، حافظوا على دينكم، كما تحافظون على دنياكم.
إذا أبقت الدنيا على المرء دينه
***
فما فاته منها فليس بضائر
إذ الحياة بدون دين تكون لا شيء، بدون الدين يهون المرء على رب العالمين.
ومن رضي الحياة بغير دين
***
فقد جعل الفناء لها قرينًا
وكل مصيبة دونه فهي هيّنة، وكل رزية دونه فهي سهلة، إذ هو أصعب المصائب، وتركه أجل المعائب.
وكل كسر فإن الله يجبره
*** وما لكسر قناة الدين جبران
وفي الحديث: (اللهم: لا تجعل مصيبتنا في ديننا)، بل جاء الدعاء لهذا الدين على كل حالة وحين، ففي الدعاء المأثور، اللهم: احفظنا بالإسلام قائمين، واحفظنا بالإسلام قاعدين، واحفظنا بالإسلام مضطجعين، بل مما يدل على الآكدية للحفاظ على هذه الملة سؤاله سبحانه في صباح الإنسان ومسائه، اللهم: إني أعوذ بك من الكفر والفقر وعذاب القبر، إذ بدونه لا أنساب ولا أحساب، ولا فخر ولا [حُجّاب]، وبه رفعة رب الأرباب، والمؤمن يرفع رأسه فوق السحاب.
لعمرك ما الإنسان إلا بدينه
*** فلا تترك التقوى اتكالًا على النسب
لقد رفع الإسلام سلمان فارسٍ
*** ووضع الشرك النسيب أبا لهب
قال سبحانه: {فَلا أَنسَابَ بَيْنَهُمْ} [المؤمنون: 101].
الخطبة الثانية:
الحمد لله على نعمة الإسلام، والصلاة والسلام على سيد الأنام.
إخوة الإسلام: الدين محفوظ، متين مضبوط، دين إن حفظناه حُفظنا، وإن ضيعناه هلكنا، وأَهلكنا، فمن حفظه ساد، ومن ضيعه سقط وباد، فليس لأشخاص وجنسيات، وأفراد وشخصيات، وأفكار وحزبيات، {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} [الحجر: 9]، خسر والله من ابتغى غيره، وأضاع نفسه من ضيع أمره، وسفه نفسه من طلب سواه، قال جلا في علاه: {وَمَن يَرْغَبُ عَن مِّلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلاَّ مَن سَفِهَ نَفْسَهُ} [البقرة: 130].
وإن امرؤ ابتاع دنيا بدينه
***
لمنقلب منها بصفقة خاسرِ
الحفاظ على هذا الدين حفظٍ للضروريات الخمس: العرض، والمال، والنفس، والعقل، والدين.
ديننا –أيها المسلمون-: دين متين، مؤصل ومقعد من رب العالمين، قال رب العالمين: {لا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِّنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ} [فصلت: 42]، الدين مبني على قواعد كبرى، ومصالح عظمى، وثوابت مثلى، يأمر بالمصالح والمنافع، وينهى عن القبائح والتقاطع، يقلص المفاسد، ويدعو إلى الأعلى والمنافع والفوائد.
الدين مبني على المصالح
*** في جلبها والدرء للقبائح
فإن تزاحم عدد المصالح
*** يقدم الأعلى من المصالح
وضده تزاحم المفاسد
*** يرتكب الأدنى من المفاسد
بقدر التمسك به، والتواصي فيه، والعرض عليه، يوصل إلى الهدى ويدعو له، { إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يِهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ} [الإسراء: 9]، لا تستقيم دول ولا مجتمعات، ولا أفراد وأسر وبيوتات إلا به، فهو أجلّ موجود، وأعظم مفقود.
وفي الحلم والإسلام للمرء وازع
*** وفي ترك طاعات الفؤاد المتيم
بصائر رشد للفتى مستبينة
*** وأخلاق صدق عُلَّم بالتعلم
حافظوا –أيها المسلمون-: على ثوابتكم، وعقيدتكم، وأصولكم، احذروا التنصل من هذا الدين، والتخلي عن قيمه والخلق المشين، فهو أعظم وازع، وأكبر زاجر ورادع.
وإني لتنهاني خلائق أربع
*** عن الفحش فيها للكريم روادع
حياء وإسلام وشيب وعفة
*** وما المرء إلا ما حَبَته الطبائعُ
بعض الناس لخسارته وحرمانه، اشترى الضلالة بهداية ربه، وباع دينه ببخسٍ دراهم معدودة، وعن سيد الأمة: (يبيع دينه بعرضٍ من الدنيا).
عجبت لمبتاع الضلالة بالهدى
***
والمشتري دنياه بالدين أعجب
وأعجب من هذين من باع دينه
***
بدنيا سواه فهو من ذين أخيب
خذوا –رحمكم الله- بوصية رسول الله: (عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين، عضوا عليها بالنواجذ).
تمسك بحبل الله واتبع الهدى
***
ولا تكُ بدعيًا لعلك تفلح
ودن بكتاب الله والسنن التي
***
أتت عن رسول الله تنجو وتربح
وأخيرًا: الحمد لله على نعمة الإسلام، وبعثة سيد الأنام.
لو تمسكنا بديننا، وعقيدتنا، ومعاملاتنا، وأخلاقنا كما جاء به ديننا، لسلمت لنا دنيانا، وحفظنا الله من شر أعدائنا، بل لو تمسكنا به، وحافظنا عليه، كما نحافظ على دنيانا، لسلمت لنا أولانا وأخرانا.
وبالسنة الغراء كن متمسكاً
*** هي العروة الوثقى التي ليس تنفصم
تمسك بها مسك البخيل بماله
*** وعضّ عليها بالنواجد تسلمُ
ودع عنك ما قد أحدث الناس بعدها *** فمرتع هـاتيك الحوادث أوخـمُ
(إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليمًا).
يا من عرفت محمدًا بكماله
*** وجلاله وخصاله وجماله
املأ مكانك والزمانَ مصليًا
*** ومسلمًا دومًا عليه وآله
والله أعلم.
شبيب القحطاني
عضو نشطجزاك الله خيرا
خطبة مهمة وكلام عظيم في ما يهم عموم المسلمين
تعديل التعليق