تذكير العقلاء بشؤم ظلم النساء
الشيخ محمد بن حسن القاضي
تذكير العقلاء بشؤم ظلم النساء خطبة في المسجد الغربي بمدينة معبر 26 صفر 1446هـ
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمد عبده ورسوله.
{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُون} [سورة آل عمران:102].
{يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} [سورة النساء:1]. {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيدًا (70) يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا (71) } [سورة الأحزاب:70-71].
أما بعد:
اعلموا أنَّ خير الكلام كلام الله، وخير الهدى هدى محمد صلى عليه وعلى آله وصحبه وسلم, وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
أما بعد معاشر المسلمين! عنوان هذه الخطبة، تذكير العقلاء بالشؤم ظلم النساء، تعلمون أيها الناس أن الله عز وجل قد حرم الظلم على نفسه وذاته المقدسة، روى الإمام مسلم من حديث أبي ذر الغفاري رضي الله عنه، أن الرسول عليه الصلاة والسلام قال: قال الله في الحديث القدسي: «يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرما فلا تظالموا» هذا الحديث أصل كبير في باب تحريم الظلم، وكذلك أيضا جاء من حديث أبي أمامة رضي الله عنه، قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم، في خطبة الوداع يقول: «إن الله قد أعطى كل ذي حق حقه» فالله أعطى الحقوق، وفرض الحقوق، وبين الحقوق سبحانه وتعالى، وحرم على العباد الظلم، وأمرهم بالعدل، وبإيفاء الحقوق، وإيتاء الحقوق.
ألا وإن من الظلم الواسع، والظلم المنتشر، والظلم القبيح، ظلم النساء؛ وذلك لضعف النساء؛ ولهذا قال الرسول عليه الصلاة والسلام: «إني أحرج عليكم حق الضعيفين المرأة والطفل» فالمرأة ضعيفة ولهذا يغلبها من يغلبها من الناس ممن لا يخاف الله، وممن لا يراقب الله عز وجل، وصور الظلم للنساء كثيرة ولا نستطيع حصرها في هذا المقام، وإنما نشير في هذا المقام إلى بعض صور الظلم للنساء.
الصورة الأولى ظلم النساء في أخذ الميراث، وهذا من الظلم الواسع، والظلم المنتشر جدا يقول رب العالمين في كتابه الكريم: {لِّلرِّجَالِ نَصيِبٌ مِّمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ وَلِلنِّسَاء نَصِيبٌ مِّمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيبًا مَّفْرُوضًا} [سورة النساء:7] ويقول الله في كتابه الكريم: {يُوصِيكُمُ اللّهُ فِي أَوْلاَدِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ} [سورة النساء:11] هذه الآية من أمهات آيات الأحكام وهي أصل في باب الفرائض، قال الإمام السيوطي رحمه الله تعالى، هذه الآية أصل في باب الفرائض، وهكذا قوله تعالى {لِّلرِّجَالِ نَصيِبٌ مِّمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ وَلِلنِّسَاء نَصِيبٌ مِّمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيبًا مَّفْرُوضًا} [سورة النساء:7] هذه الآية أصل في المواريث، قاله السيوطي رحمه الله، وقال الإمام الشوكاني رحمه الله تعالى، ذكر الله النساء منفصلات ومستقلات عن الرجال، فقال:{ وَلِلنِّسَاء نَصِيبٌ مِّمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ} [سورة النساء:7]وذلك ليبين أصالة حقهن في الميراث، فلم يقل الله، للرجال وللنساء نصيب، بل ذكر النساء على وجه الاستقلال وهذا من باب التأكيد على أصالة حقهن وعلى عِظم حقهن في الميراث، والآية الأخرى التي هي قوله تعالى: {يُوصِيكُمُ اللّهُ فِي أَوْلاَدِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ} [سورة النساء:11] قال الإمام المفسر الكبير ابن العربي رحمه الله تعالى، هذه الآية عمدة في الأحكام ومن أمهات الآيات، وذكر هذا الكلام ونقله القرطبي، والخازن، وهكذا الشوكاني، وصديق حسن خان وغيرهم رحمهم الله تعالى، وقد ذكر المفسرون أن أهل الجاهلية كانوا لا يورثون النساء، وكان أهل الجاهلية يقولون: إنما المال لمن حمل سلاح وخاض الحروب، فكانوا لا يورثون النساء، وقد ذكر أكثر من واحد وثلاثين مفسرا هذا الكلام أي أن أهل الجاهلية لم يكونوا يورثون النساء.
معاشر المسلمين! سمعتم شيئا من كتاب الله في هذا الباب، ننتقل إلى ما جاء في السنة المطهرة في هذا الباب، فقد روى الإمام الترمذي وغيره من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما، قال جاءت امرأة سعد بن الربيع ببنتيها من سعد إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله هاتان ابنتا سعد بن الربيع قتل أبوهما معك شهيداً في سبيل الله في يوم أحد وإن عمهما أخذ ما لهما وإنهما لا ينكحان إلا ولهما مال، فقال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم: «يقضي الله في ذلك فأنزل الله آية المواريث، فدعا رسول الله عليه الصلاة والسلام عمهما وقال له: أعط ابنتي سعد الثلثين، وأعط أمهما الثمن، وما بقي فهو لك» هذا الحديث أصل في توريث النساء، وهكذا جاء من حديث جابر في الصحيحين أنه قال: مرضت فقلت يا رسول الله إني ذو مال وليس لي من يرثني- أي من الذكور- فأنزل الله عز وجل آية الكلالة: {يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلاَلَةِ} [سورة النساء:176] الآية إلى آخرها، وكان لجابر رضي الله عنه تسع أخوات، فهذه الآية نزلت في ميراث الأخوات، إذاً يتنبه لهذا الأمر.
ألا وانظروا إلى ما في كتاب الله عز وجل من التأكيد العظيم على ميراث النساء، فإنه قال عندما ذكر ميراث النساء، قال سبحانه وتعالى: ﴿نصيباً مفروضا﴾ أي واجبا، وحتما لازماً مقطوعاً به لا يمكن أن يؤخر، ولا أن يتنازل عنه، فهو حق فرضه الله، وأيضا في بداية آية المواريث قال الله: ﴿يوصيكم الله﴾ فجعل هذا وصيته سبحانه وتعالى، وقال في آخر آية المواريث: ﴿فريضة من والله والله عليم حكيم﴾ وقال أيضا: ﴿وصية من الله﴾ هذا كله من باب التأكيد على عِظم حق النساء في الميراث وأنه ليس من باب الإكرام والتفضل، بل هذا حق لازم، وحتمٌ واجب فرضه الله عز وجل، فينبغي أن يعتنى بهذا الأمر.
وانظروا إلى ما جاء في كتاب الله عز وجل في التهديد والوعيد لمن لم يعطي النساء حقوقهن من الميراث، بعد أن ذكر الله عز وجل آيات المواريث قال بعدها:{تِلْكَ حُدُودُ اللّهِ وَمَن يُطِعِ اللّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيم (13) وَمَن يَعْصِ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُّهِين (14) } [سورة النساء:13-14] انظروا إلى قوله ﴿وله عذاب مهين﴾ أي أن الله يهينه، وانظروا إلى هذه اللطيفة، قال الله ﴿وله عذاب مهين﴾ ولم يقل عذاب أليم؛ وذلك لأن هذا الصنف أهان هذه المرأة الضعيفة المسكينة وأخذ ميراثها من باب الإهانة لها، ومن باب الإحتقار لها، ولأنها ما بيدها شيء ولا تستطيع الذهاب والمطالبة بحقها، وربما هددها إلى غير ذلك، فهي ضعيفة فلهذا ظلمها وأهانها؛ فأهانه الله، كفى بهذا تهديدا، وكفى بهذا وعيدا، ألا فليتق الله كل مسلم في هذه المسألة العظيمة.
ألا وإن صور ظلم النساء في باب الميراث صور كثيرة وأشكال متعددة، من ذلك ما يفعله بعض الناس من أنه يكتب وصية ويختم بها عمره، أعوذ بالله، ويختم بها عمره بوصية جائرة ظالمة يمنع البنات من الميراث، أو أن بعضهم يعمل حيلة أخرى وهي أنه يجعل وقفاً على الذكور من ذريته هذا أيضا من الحيل التي جاءت الشريعة الإسلامية بإبطالها.
وكذلك أيضا من الناس من إذا حضرته الوفاة كتب وصية للذكور من ذريته لماذا يا فلان، قال: هؤلاء اعتنوا بي وعالجوني ووقفوا معي إلى غير ذلك، والقصد من ذلك حرمان البنات من الميراث.
وهكذا أيضا من صور ظلم النساء في باب الميراث ما يفعله بعض الناس من الإحسان إلى أخواته أو نحو ذلك فترة ومدة، ثم يقول لهن سجلوا لي ها أنا أعطيكم وها أنا أفعل وأنتم لستم بحاجة إليها سجلوا لي بذلك، فأخذها بحيلة وبطريقة وبأخرى، لا يجوز له ذلك، إذا كان يحسن إليهن فجزاه الله خيرا، وهذا من حقوقهن ومن الواجبات عليه أن يحسن إلى أخواته، أما أن يعمل شيئا من هذا من باب أنه يتوصل إلى أخذ حقهن من الميراث، فهذه حيل والشريعة الإسلامية جاءت بإبطال الحيل.
وكذلك أيضا من صور ظلم النساء في باب الميراث، أن بعض الناس يأتي إلى القاضي، أو الأمين الشرعي عند القسمة، فيجعل للنساء الأماكن الرديئة والأراضي التي ليست ذات قيمة وليست ذات شأن، وكم من حيل وكم من لفات يعملها من لا يخاف الله، ولا يراقب الله، ولا يقف عند حدود الله عز وجل، فصور ظلم النساء في باب الميراث أكثر من أن تحصر، فليتق الله كل مسلم ومسلمة في هذا الأمر، وليراقب الله عز وجل، وليتق الله القضاة والأمناء
الذين يكتبون، والذين يقسمون التركات بين المسلمين، احذر أيها القاضي واحذر أيها الأمين الشرعي أن تحتال على دين الله من أجل شيء من المال تعطاه من قبل فلان وفلان، ما سينفعك هؤلاء عندما تقف بين يدي الله عز وجل، ويوم أن تصير مطالباً في ذلك اليوم لأنك لم تحكم بالعدل، ولم تقسم بالحق، إذا كان الذكور من الورثة أصحاب حيل فليكن القضاة والأمناء الشرعيين على إدراك لهذه الأمور، وعلى سير على ما يريد الله، لا أن يذهب القاضي يمنة ويسره من أجل شيء من المال، راقب الله عز وجل، واعلم أنك موقوف ومسئول أمام الله، وستشهد عليك يدك التي كتبت بها في ذلك اليوم.
أستغفر الله إنه هو الغفور الرحيم
*الخطبة الثانية*
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه، أما بعد:
صور ظلم النساء في باب الميراث كثيرة جدا، وما أكثر ما تنزل العقوبات الشديدة من الله على من كان هذا حاله.
كذلك أيضا من صور ظلم النساء أخذ المهر، وهذا من الأمور المنتشرة، الله يقول في كتابه الكريم:{وَآتُواْ النَّسَاء صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً فَإِن طِبْنَ لَكُمْ عَن شَيْءٍ مِّنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَّرِيئًا} [سورة النساء:4] هذه الآية أصل في استحقاق المرأة للمهر، وهكذا يقول الله في كتابه الكريم:{وَإِنْ أَرَدتُّمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَّكَانَ زَوْجٍ وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنطَارًا فَلاَ تَأْخُذُواْ مِنْهُ شَيْئًا أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتَاناً وَإِثْماً مُّبِينا (20) وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ وَأَخَذْنَ مِنكُم مِّيثَاقًا غَلِيظًا (21) } [سورة النساء:20-21] فالمهر للنساء، لا يجوز للأب أن يأخذ المهر، بل يأخذ المهر من أجل تجهيز المرأة، ومن أجل شراء ما تحتاج إليه المرأة في عرسها، أما أنه يأخذه ويزفها إلى بيت زوجها بدون أن يشتري لها ما يلزم فهذا لا يجوز، وهذا من الظلم الشنيع عياذاً بالله، نعم يجوز للأب أن يأخذ شيئاً بقدر الحاجة، وهذا ذكره العلماء للأب أما غيره فلا، فإذا كان الوالي على المرأة عند زواجها أخوها أو عمها فلا يجوز له أن يتصرف في مالها إلا بإذنها وبرضاها، هذا شرع الله وهذا دين الله عز وجل، فالمهر حق للمرأة، مما يدل على ذلك ما جاء في البخاري ومسلم من حديث عقبة بن عامر رضي الله عنه، أن الرسول عليه الصلاة والسلام قال: «إن أحق الشروط أن توفوا بهما ما استحللتم به الفروج» فهذا حق لها، وكذلك أيضا جاء عند الحاكم بسند حسنه الألباني من حديث ابن عمر رضي الله عنهما، أن الرسول عليه الصلاة والسلام قال: «إن أعظم الذنوب عند الله رجل تزوج بامرأة وجعل لها مهرا ثم ذهب بمهرها وتركها» وهذا يحصل من بعض الأزواج الذين لا يخافون الله عز وجل، فالظلم في باب المهر للنساء من جهتين الجهة الأولى من باب أهلها كأبيها وأخيها وعمها ونحو ذلك، والقسم الثاني من باب الزوج، فبعض الأزواج ربما يتزوج ويكتب سنداً بمبلغ كذا وكذا، فإذا جاءت عنده لعب على عقلها وذهب بمهرها الذي قد كتبه وضيع هذا المهر، هذا لا يجوز، وكذلك أيضا بعضهم إذا تزوج وصارت زوجته عنده يبدأ بعد ذلك بأخذ مالها، وأخذ ذهبها شيئا فشيئا، أعطيني كذا ويأخذ هذا ويأخذ هذا، والنساء رحيمات وربما يتودد لها يتلطف معها بكلام فتضعف وإذا بها تعطيه أخرصها، تعطيه خاتمها، تعطيه ذهبها، وربما ما تأتي سنة إلا وقد كمل لها، وقد ذهب بمهرها، وربما بعد ذلك ركلها وطلقها، ألا يخاف الله عز وجل، هذا حق مفروض للنساء لا يجوز أن يؤخذ إلا بطيب منها، قال الله:{فَإِن طِبْنَ لَكُمْ عَن شَيْءٍ مِّنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَّرِيئًا} [سورة النساء:4] لكن تطيب بحق وحقيقة ليس من باب الإكراه والإرغام والتزلف لها، أو الوعد، بعضهم يأخذ المهر، أو يأخذ الذهب على أنه سيعيده ووعد وكذا وبعد ذلك ذهب لا شاهد ولا مشهود، وهكذا تضيع الحقوق عياذاً بالله.
وكذلك أيضا من صور ظلم النساء إكراههن على الزواج ممن لا يرغبن، فبعض الناس إذا أحب شخصاً زوجه ابنته، أو زوجه أخته البنت قد تكون غير موافقة، فيقول لها لا تسودي بوجهي، ماذا سيقول الناس عني، وإذا به عن طريق الإرغام والإكرام يزوج هذه البنت وتصير هذه البنت بين نارين فلا هي مرتاحة مع زوجها، ولا هي بالتي تستطيع الفراق، إن أرادت أن تفارق يرفض والدها أو يرفض وليها، فتبقى رهينة لهذا الزوج الذي لا ترغب فيه ولا تحبه، وربما أدى ذلك إلى الإنتحار، وكم من قصص في هذا المجال، من نساء انتحرن بسبب هذا، ألا يتقي الله أولياء الأمور في هذه المسألة، أنت إذا أحببت شخصاً فلك ذلك، لكن أن تكره ابنتك على الزواج أو أختك على الزواج هذا ليس لك، المرأة تستأذن في الزواج كما أخبر النبي عليه الصلاة والسلام، فإن وافقت فذاك وإن رفضت فهذا حقها، لا ترغَم ولا تكره.
هكذا من صور ظلم النساء في هذا الأمر زواج البدل أو الزقار كما يسمى، فبعض الناس يزوج أخته لشخص، ويتزوج بأخت هذا الشخص، أو يزوج ابنته لشخص، ويتزوج بنت هذا الشخص، وتصير بعد ذلك كأنهن على ريموت واحد، إذا تطلقت هذه تطلقت تلك، إذا حنقت هذه حنقت تلك، إذا أعطى هذه لا بد أن تعطى هذه، ما هكذا تكون الحياة الزوجية ولا هكذا تستقر الحياة الزوجية، المطلوب أن نكون عقلاء وأن نكون على مستوى عال من الفهم والإدراك لهذه القضايا، لا يجوز زواج الزقار أو البدل خصوصا إذا كان بدون مهر فهذا اقبح وأشنع، وإذا كان عن طريق المهر فليكن على شروط وضوابط، منها أنه ليس لهذه علاقة بهذه، إن أصلح الله شأن ابنتك مع هذا الرجل فالحمد لله، وإن قدر الله أنها ما صلحت معه ليس لك علاقة بهذا، وهكذا تكون الأمور مضبوطة ولا تكن همجية، لكن أكثر من يسير على هذا الزواج الذي هو زواج البدل أنها تتفرق أسرتين، وتتدمر أسرتين بسبب خلاف نشب بين إحداهما، إذاً المطلوب البعد عن هذا، وكم من امرأة انتحرت بسبب هذا وكم تأتينا من قصص وأخبار في هذا المجال، فليتق الله أولياء الأمور سواء الأباء أو الإخوان يبتعدون عما يعقب الضير، المرأة مسؤولية وأمانة، ليس هكذا تزوجها أينما تريد وكيفما تريد، بل القضية لابد أن يصار فيها على الضوابط الشرعية والآداب المرعية.
وكذلك أيضا: من صور ظلم النساء، إمساكها ضرارا، يقول الله في كتابه الكريم: {وَلاَ تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَارًا لَّتَعْتَدُواْ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ فَقَدْ ظَلَمَ} [سورة البقرة:231] احذر أن تكون ظالما، بعض الناس ما يحب امرأته، ما أعجبته، ما ارتاح لها، فيبقيها من باب الضِّرار، ومن باب الأذية لها، والإهانة لها، حتى تفتدي نفسها وحتى تدفع المهر، هذا لا ينبغي ولا يصلح أن يمسكها من باب الضِّرار، ومن باب الظلم لها، المؤمن لا يكون هكذا، الرسول عليه الصلاة والسلام يقول: «لا يفرك مؤمن مؤمنة إن كره منها خلقاً رضي منها آخر» والله يقول:{فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ} [سورة البقرة:229] إذاً يتنبه لهذا الأمر.
ومن صور ظلم النساء أخذ أولاد الرجل المطلق لزوجته منها قبل أن تنكح، جاء من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده رضي الله عنهم، أن مرأة جاءت إلى الرسول عليه الصلاة والسلام فقالت: يا رسول الله إن ابني هذا كان بطني له وعاء، وثديي له سقاء، وحجري له حواء، وإن أباه طلقني وأراد أن ينتزعه مني، فقال الرسول عليه الصلاة والسلام: «أنت أحق به ما لم تنكحي» فالمرأة المطلقة أحق بطفلها إذا توفرت الشروط وانتفت الموانع، وبسطها يطول وقد طال المقام.
أسأل الله بمنه وكرمه، وفضله وإحسانه، أن يوفقنا لما يحب ويرضى، وأن يأخذ بنواصينا للبر والتقوى، اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، ودمر أعداء الدين، واجعل هذا البلد آمنا مطمئنا وسائر بلاد المسلمين، اللهم احفظ يمن الإيمان والحكمة، ونجنا من كل ضائقة وفتنة، اللهم رحماك بأهل اليمن، اللهم ادفع الضر عن المتضررين، اللهم كن لإخواننا المتضررين من كثرة الأمطار والسيول يا رب العالمين، اللهم كن لإخواننا المتضررين من السيول في تهامة، وفي ملحان، وفي المحويت وفي كل مكان يا رب العالمين، اللهم رحماك بهم، اللهم اربط على قلوبهم، اللهم صبرهم، اللهم ارحم موتاهم، اللهم تقبلهم عندك، اللهم اعصم على قلوب أوليائهم واخلف لهم بخير في العاجل والآجل يا أكرم الأكرمين.
اللهم احفظنا بالإسلام قائمين، وقاعدين، وراقدين، وأقم الصلاة.
المرفقات
1727606975_تذكير العقلاء بشؤم ظلم النساء خطبة في المسجد الغربي بمدينة معبر 26 صفر 1446هـ.pdf