تذكير العبيد بنعمة التوحيد
خالد علي أبا الخيل
1436/11/28 - 2015/09/12 16:25PM
تذكير العبيد بنعمة التوحيد
التاريخ: الجمعة: 15/ 10 /1436 هـ
أبدأ بالحمد مستعينًا
وأحمده سبحانه وأشكره
وأستعينه على نيل الرضى
وبعد إني باليقين أشهد
بالحق مألوه سوى الرحمن
***
***
***
***
*** راض به مدبرًا معينًا
ومن مساوي عملي أستغفره
وأستمد لطفه فيما قضى
شهادة الإخلاص ألا يعبد
من جلّ عن عيب وعن نقصان
عباد الله: اتقوا الله جل وعلا حق تقواه، فمن اتقى الله وقاه، ومن اتقى الله كفاه، ومن اتقى الله منحه رضاه.
أيها الإخوة المسلمون: حديثي إليكم في هذه اللحظات وهذه الدقائق المعدوادت، إليكم حديثًا عظيمًا عن أمر مهم جدًا –أيها الإخوة المسلمون-، وهو ما يتعلق بعبادتنا لربنا عز وجل، وهو توحيده سبحانه، وإفراده بالعبادة، فإليكم العناصر التالية، تلك عشرة كاملة:
أولى تلك العناصر –أيها الإخوة المباركون-: نعمة التوحيد. نعمة التوحيد نعمة عظيمة، ومنه كبيرة، ولهذا ربنا عز وجل قال في كتابه: (يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُل لاَّ تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلامَكُم بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلإِيمَانِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ) (الحجرات: 17)، وقال سبحانه: (قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُواْ هُوَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ) (يونس: 58).
بأي لسان أشكر الله إنه
حباني بالإسلام فضلًا ونعمة
وبالنعمة العظمى اعتقاد ابن حنبل
***
***
*** لذو نعمة عظمى أعجزت كل شاكر
علي وبالقرآن نور البصائر
عليها اعتقادي يوم تبلى السرائرِ
فله الحمد على هذه النعمة العظيمة، وهذه المنة الكبيرة، نعمة لا إله إلا الله محمد رسول الله، ولهذا ربنا عز وجل أكمل لنا هذا الدين، وأتمه لنا، وأكرمنا به، وجعلنا من أهله، (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِيناً) (المائدة: 3).
أيها الإخوة المسلمون: احمدوا الله جل وعلا أن جعلكم مسلمين، وأن جعلكم من أهل لا إله إلا الله، فما أنعم الله عز وجل على العباد نعمة أعظم من أن عرفهم لا إله إلا الله.
مر رجل على رجل قد توالت عليه الأمراض والأسقام والأوجاع، ولكنه يحمد الله بلسانه، ويشكر الله عز وجل بقلبه وفؤاده، وقال:
حمدت الله إذ هداني
فيذكره لساني كل وقت
***
*** إلى الإسلام والدين الحنيف
ويعرفه فؤادي باللطيف
إخوة الإسلام: نعمة التوحيد نعمة عظيمة، ومنة كبيرة، حبانا الله لها، وجعلنا الله عز وجل من أهلها، كم أناس غيرنا يعبدون غير الله؟ ويدعون غير الله، ويسألون غير الله، ويستغيثون بغير الله، ويطلبون المدد من غير الله، وأنت تعبد إلهًا واحدًا فردًا صمدًا، لا إله إلا هو سبحانه عما يشركون.
أيها الإخوة: إليكم هذه البشرى العظيمة: خرج النبي عليه الصلاة والسلام ذات يوم على حلقة في المسجد، فقال: (ما أجلسكم؟)، فقالوا: جلسنا نحمد الله على نعمة الإسلام. قال: (آلله ما أجلسكم إلا ذاك؟)، قالوا: والله ما أجلسنا إلا ذاك. قال: (أما إني لم أستحلفكم تهمة لكم، ولكن أتاني جبريل فأخبرني أن الله يباهي بكم الملائكة)، جعلني الله وإياكم في هذه اللحظات ممن يباهي بهم ملائكته.
والعنصر الثاني –أيها الإخوة-: تعريف التوحيد. التوحيد –عباد الله- هو إفراد الله بالعبادة، هو أن تجعل الله عز وجل واحدًا في عبادتك، وفي طاعتك، وفي قربتك، هو أن تفرده بأفعاله سبحانه وبحمده، وأن تفرده بأسمائه وصفاته، (وَاعْبُدُواْ اللَّهَ وَلاَ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئاً) (النساء: 36)، (وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَداً) (الجن: 18).
هو أن تعبد الله مخلصًا له الدين، ولهذا أمر الله جميع العالمين بعبادة رب العالمين، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) (البقرة: 21)، بل خلقنا الله لها، وأوجدنا لها، وأحيانا لها، وأماتنا عليها، (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ (56) مَا أُرِيدُ مِنْهُم مِّن رِّزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَن يُطْعِمُونِ (57) إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ) (الذاريات: 56- 58)، فالتوحيد –أيها الإخوة- هو أن تسلم لله عز وجل بقلبك وقالبك، بقلبك وجوارحك، (وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ) (الزمر: 54)، (قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ) (الأنعام: 162).
والتوحيد –عباد الله- واجب على هذه الأمة، ولا يصح إسلام عبد حتى يكون موحدًا لله عز وجل، مفردًا ربه عز وجل بالعبادة، كما قال الله جل وعلا: (وَمَا أُمِرُوا إِلاَّ لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ) (البينة: 5)، ولهذا خلقنا لعبادته سبحانه وبحمده.
في الصحيحين من حديث معاذ –رضي الله عنه- لما كان رديفًا على حمار معه عليه الصلاة والسلام، قال: (يا معاذ: أتدري ما حق الله على العباد؟)، قلت: الله ورسوله أعلم. قال: (حق الله على العباد أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئًا)، فلهذا يجب علينا أن نعبد الله جل وعلا، وأن نفرده بالعبادة.
ولهذا –أيها الإخوة يأتي العنصر الرابع: وهو فضل التوحيد. وذلك كما قال الله جل وعلا: (الَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُواْ إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ أُوْلَئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُم مُّهْتَدُونَ) (الأنعام: 82)، فضائل التوحيد لا تعد ولا تحصى، في الصحيحين من حديث عبادة بن الصامت: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من شهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا رسول الله، وأن عيسى عبد الله ورسوله، وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه، والجنة حق، والنار حق، أدخله الله الجنة على ما كان من العمل)، وفيهما من حديث عِتبان بن مالك: (إن الله حرم على النار من قال: لا إله إلا الله)، وفي صحيح مسلم: (من مات وهو يعلم أنه لا إله إلا الله دخل الجنة)، وعند الإمام أحمد: (من كان آخر كلامه من الدنيا لا إله إلا الله دخل الجنة).
فلهذا –عباد الله-: فضل التوحيد عظيم، وأجره كريم، من رب كريم، فلهذا فضائله عظيمة كبيرة لا تعد ولا تحصى، ولو لم يكن من فضله إلا أن العبد لا يخلد في النار لكفى بذلك فائدة وفضلًا وأجرًا من الله جل وعلا.
ويأتي تحقيق التوحيد –أيها الأحبة- في العنصر الخامس: وذلك أن تحقيق التوحيد هو تخليصه وتصفيته من شوائب الشرك والبدع والمعاصي، كما قال الله جل وعلا: (وَالَّذِينَ هُم بِرَبِّهِمْ لا يُشْرِكُونَ) (المؤمنون: 59)، وكما قال جل وعلا: (وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَداً) (الجن: 18)، وكما قال جل وعلا: (وَاعْبُدُواْ اللَّهَ وَلاَ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئاً) (النساء: 36)، فيفرد المرء ربه بالعبادة تحقيقًا وتصفية من شوائب البدع والمعاصي والشرك الأكبر والأصغر، فهذا هو تحقيقه –أيها الأحبة-.
فعلينا أن نقوي علاقتنا بربنا، وأن نصفي قلوبنا لربنا، وألا نجعل قلوبنا تلتفت إلى غير الله، ولهذا يقول الله جل في علاه: (أنا أغنى الشركاء عن الشرك، من أشرك معي فيه غيري تركته وشركه)، وقال النبي لأصحابه عليه الصلاة والسلام: (أخوف ما أخاف عليكم الشرك الأصغر، يقوم الرجل فيصلي فيزين صلاته من نظر رجل إليه).
إذن: علق قلبك بالله في كل أمورك وأحوالك، (قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (162) لاَ شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَاْ أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ) (الأنعام: 162، 163)، علق قلبك بالذي بيده الضر، والذي بيده النفع، يعطي ويمنع، يخفض ويرفع، يعز من يشاء، ويذل من يشاء، سبحانه وبحمده، ولهذا –أيها الإخوة-:
إذا انقطعت أطماع عبد عن الورى
فأصبح حرًا عزة وقناعة
وإن علقت بالعبد أطماع نفسه
فلا ترج إلا الله في الخطب وحده
***
***
***
*** تعلق بالرب الكريم رجاؤه
على وجهه أنواره وضياؤه
تباعد ما يرجوا وطال عناؤه
ولو صح في خل الصفاء صفاؤه
فليتك تحلو والحياة مريرة
وليت الذي بيني وبينك عامر
إذا صح منك الود فالكل هين
***
***
*** وليتك ترضى والأنام غضاب
وبيني وبين الناس خراب
وكل الذي فوق التراب تراب
أسأل الله الكريم رب العرش العظيم أن يرزقنا تحقيق لا إله إلا الله، وأن يجعلنا من أهل لا إله إلا الله، وأن يحيينا ويميتنا على لا إله إلا الله.
الخطبة الثانية:
الحمد لله على إحسانه، والشكر له على فضله وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له سبحانه، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين.
عرفنا –عباد الله- حكم التوحيد وفضله وتحقيقه.
بقي علينا أن ندعوا الناس إليه، وأن نأمر الناس بذلك له، كما قال الله جل وعلا: (قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَاْ وَمَنِ اتَّبَعَنِي) (يوسف: 108)، فيجب علينا أن ندعوا الناس إلى لا إله إلا الله، وأن نرغبهم في فضل لا إله إلا الله، وأن نعلمهم معنى لا إله إلا الله، حتى يعبدوا الله على بصيرة، ولهذا: في الصحيحين من حديث ابن عباس: أن النبي صلى الله عليه وسلم لما بعث معاذًا إلى اليمن قال: (إنك تأتي قومًا من أهل الكتاب، فليكن أول ما تدعوهم إليه شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا رسول الله، فإن هم أطاعوك لذلك فأعلمهم أن الله افترض عليهم خمس صلوات في اليوم والليلة...)، الحديث متفق عليه، وفيهما من حديث سهل بن سعد الساعدي: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال يوم خيبر: (لأعطين الراية غدًا رجلًا يحب الله ورسوله، ويحبه الله ورسوله)، فوقعت على علي بن أبي طالب –رضي الله عنه-، فأعطاه الراية وقال: (انفذ على رسلك، وأخبرهم بما يجب عليهم من حق الله تعالى)، فيجب علينا –عباد الله- أيًا كان موطننا ومكاننا وعملنا وتجارتنا أو وظائف حكوماتنا أو غير ذلك، أن ندعوا الناس إلى لا إله إلا الله، وأن نعلمهم هذه النعمة العظيمة.
ولهذا –أيها الإخوة-: هذا عنوان السعادة، وعنوان الفلاح والريادة، (وَالْعَصْرِ (1) إِنَّ الإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ (2) إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ) (العصر: 1- 3)، يوصي بعضهم بعضًا بهذه النعمة العظيمة، والتمسك بهذه الملة الكبيرة، ولهذا لما امتنّ الله على نبيه قال: (وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ) (الضحى: 11)، قيل: حدث بلا إله إلا الله. وقال سبحانه: (وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً) (لقمان: 20)، قيل: أسبغ عليكم نعمه ظاهرة وباطنة بلا إله إلا الله. فلنكن دعاة إلى الله؛ لأن هذا هو منهج عباد الله، من أنبيائه، ورسله، وأوليائه، وعباده الصالحين.
ثم –أيها الأحبة- من تلكم العناصر: أن التوحيد أول الواجبات.
أول واجب على العبيد
إذ هو من كل الأوامر أعظم
***
*** معرفة الرحمن بالتوحيد
وهو نوعان أيا من يفهم
التوحيد –أيها الأحبة- أوجب من الصلاة والزكاة والصيام والحج، في الحديث السابق: (فإن هم أطاعوك لذلك): أي عرفوا لا إله إلا الله، وتمسكوا بلا إله إلا الله، (فأعلمهم أن الله افترض عليهم خمس صلوات)، فدل على أنهم إذا لم يعملوا، ولم يقبلوا، ولم ينقادوا إلى هذه الكلمة، فلا تخبرهم بالصلاة، ولا بالزكاة، ولا بالحج، إذ كل شيء ينفع مع التوحيد، وبدون التوحيد فإنه لا ينفع عمل، (وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَّنثُوراً) (الفرقان: 23)، (لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ) (الزمر: 65)، (وَلَوْ أَشْرَكُواْ لَحَبِطَ عَنْهُم مَّا كَانُواْ يَعْمَلُونَ) (الأنعام: 88).
أيها الإخوة المسلمون: أول ما يقرع سمعك في كلام ربك أتدري ما هو؟ هو الأمر بالتوحيد، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) (البقرة: 21)؛ إذ التوحيد هو دعوة الأنبياء والمرسلين، من أولهم إلى آخرهم، (وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولاً أَنِ اعْبُدُواْ اللَّهَ وَاجْتَنِبُواْ الطَّاغُوتَ) (النحل: 36)، (وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ إِلاَّ نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ أَنَا فَاعْبُدُونِ) (الأنبياء: 25).
عباد الله: إذا عرفنا ذلك فيجب علينا أن نخاف أن يسلبنا الله عز وجل هذه النعمة، وأن يأخذها منا ونحن لا نشعر، ولهذا –عباد الله- العلماء الراسخون في العلم، المؤمنون بالله حق الإيمان كانوا يقولون: (رَبَّنَا لاَ تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنتَ الْوَهَّابُ) (آل عمران: 8).
والله ما خوفي الذنوب فإنها
لكنما أخشى انسلاخ القلب من
ورضى بآراء الرجال وخرصها
***
***
*** لعلى سبيل العفو والغفران
تحكيم هذا الوحي والقرآن
لا ذاك كان بمنة الرحمن
فلنحرص –عباد الله- على أن نثبت إيماننا وإسلامنا، وعقيدتنا وتوحيدنا، بالعمل به، وبالعمل بشعائره، ومشاعره وآدابه وأخلاقه، ولهذا كان النبي صلى الله عليه وسلم يخاف على سادات الصحابة الشرك بالله عز وجل، كما قال لهم: (أخوف ما أخاف عليكم الشرك الأصغر)، بل نبينا إبراهيم عليه الصلاة والسلام كان يدعو الله: (وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَن نَّعْبُدَ الأَصْنَامَ) (إبراهيم: 35).
إذن: يجب علينا أن نخاف أن يسلبنا الله هذه النعمة، بل يجب علينا أن نحمد الله بألسنتنا، وأن نعترف بها في قرارة أنفسنا، وأن نُعمل جوارحنا لها، (لَئِن شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ) (إبراهيم: 7).
ثم –عباد الله- توضيح التوحيد –أيها الأحبة- في قول لا إله إلا الله، لا إله: نافيًا جميع ما يُعبد من دون الله، إلا الله: مثبتًا العبادة لله وحده، فالتوحيد –أيها الأحبة- هو بالنفي والإثبات، في كلمة لا إله إلا الله، فإذا قلت: لا إله. فأنت تنفي جميع ما يُعبد من دون الله، كائنًا من كان، من نبي أو ولي، أو صالح أو طالح، أو رطب أو يابس، أو كائن من كان، وإذا قلت: إلا الله. فإنك تثبت العبادة لله، فلا تصرفها إلا له، (فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَداً) (الكهف: 110)، فالتوحيد نفي وإثبات، لا إله: نافيًا جميع ما يُعبد من دون الله، إلا الله: مثبتًا العبادة لله وحده، فالنفي وحده لا يسمى توحيدًا، والإثبات وحده لا يسمى توحيدًا.
وآخر العناصر، وتلكم العنصر العاشر: وهو آثار التوحيد. آثار التوحيد –أيها الأحبة- كثيرة، وجليلة، وعظيمة، وهل من نعمة إلا وهي تحت راية لا إله إلا الله، وتحت هذه النعمة العظيمة؟.
فتدبر القرآن إن رمت الهدى
*** فالعلم تحت تدبر القرآن
من تلكم الآثار: انشراح الصدور. (فَمَن يُرِدِ اللَّهُ أَن يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلاَمِ) (الأنعام: 125).
ومنها: الأمن، والأمان، والاستقرار. (الَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُواْ إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ أُوْلَئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُم مُّهْتَدُونَ) (الأنعام: 82).
ومن الآثار: الرفعة في الدنيا والآخرة. (يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ) (المجادلة: 11).
ومن تلكم الآثار: دفع الله عن العبد. (إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا) (الحج: 38).
وكذلك –أيها الأحبة-: الراحة النفسية، والطمأنينة الجسمية والقلبية. (الَّذِينَ آمَنُواْ وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللَّهِ أَلاَ بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ) (الرعد: 28).
وكذلكم من الآثار: السعادة الأبدية. وقد قال شيخ الإسلام ابن تيمية كلمة جميلة عظيمة: من أراد السعادة الأبدية فليزم عتبة العبودية. (مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً) (النحل: 97).
ومن تلكم الثمار والآثار: دخول الجنة والنجاة من النار. (فَمَن زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ) (آل عمران: 185).
ومن ذلكم: النور في الحياة وبعد الممات. (أَوَ مَن كَانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ) (الأنعام: 122).
وكذلكم –أيها الأحبة-: الأجور العظيمة على الأعمال القليلة. إذ التوحيد يصح معه كل شيء، (إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ) (المجادلة: 10).
هذه –عباد الله- عناصر مختصرات، وكلمات وجيزات، أسأل الله عز وجل أن يرفع بها الحسنات، ويكفر بها السيئات، وكما جمعني وإياكم في هذا المكان المبارك الطاهر، أن يجمعنا في دار كرامته، إخوانًا على سرر متقابلين.
والله أعلم.
التاريخ: الجمعة: 15/ 10 /1436 هـ
أبدأ بالحمد مستعينًا
وأحمده سبحانه وأشكره
وأستعينه على نيل الرضى
وبعد إني باليقين أشهد
بالحق مألوه سوى الرحمن
***
***
***
***
*** راض به مدبرًا معينًا
ومن مساوي عملي أستغفره
وأستمد لطفه فيما قضى
شهادة الإخلاص ألا يعبد
من جلّ عن عيب وعن نقصان
عباد الله: اتقوا الله جل وعلا حق تقواه، فمن اتقى الله وقاه، ومن اتقى الله كفاه، ومن اتقى الله منحه رضاه.
أيها الإخوة المسلمون: حديثي إليكم في هذه اللحظات وهذه الدقائق المعدوادت، إليكم حديثًا عظيمًا عن أمر مهم جدًا –أيها الإخوة المسلمون-، وهو ما يتعلق بعبادتنا لربنا عز وجل، وهو توحيده سبحانه، وإفراده بالعبادة، فإليكم العناصر التالية، تلك عشرة كاملة:
أولى تلك العناصر –أيها الإخوة المباركون-: نعمة التوحيد. نعمة التوحيد نعمة عظيمة، ومنه كبيرة، ولهذا ربنا عز وجل قال في كتابه: (يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُل لاَّ تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلامَكُم بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلإِيمَانِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ) (الحجرات: 17)، وقال سبحانه: (قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُواْ هُوَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ) (يونس: 58).
بأي لسان أشكر الله إنه
حباني بالإسلام فضلًا ونعمة
وبالنعمة العظمى اعتقاد ابن حنبل
***
***
*** لذو نعمة عظمى أعجزت كل شاكر
علي وبالقرآن نور البصائر
عليها اعتقادي يوم تبلى السرائرِ
فله الحمد على هذه النعمة العظيمة، وهذه المنة الكبيرة، نعمة لا إله إلا الله محمد رسول الله، ولهذا ربنا عز وجل أكمل لنا هذا الدين، وأتمه لنا، وأكرمنا به، وجعلنا من أهله، (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِيناً) (المائدة: 3).
أيها الإخوة المسلمون: احمدوا الله جل وعلا أن جعلكم مسلمين، وأن جعلكم من أهل لا إله إلا الله، فما أنعم الله عز وجل على العباد نعمة أعظم من أن عرفهم لا إله إلا الله.
مر رجل على رجل قد توالت عليه الأمراض والأسقام والأوجاع، ولكنه يحمد الله بلسانه، ويشكر الله عز وجل بقلبه وفؤاده، وقال:
حمدت الله إذ هداني
فيذكره لساني كل وقت
***
*** إلى الإسلام والدين الحنيف
ويعرفه فؤادي باللطيف
إخوة الإسلام: نعمة التوحيد نعمة عظيمة، ومنة كبيرة، حبانا الله لها، وجعلنا الله عز وجل من أهلها، كم أناس غيرنا يعبدون غير الله؟ ويدعون غير الله، ويسألون غير الله، ويستغيثون بغير الله، ويطلبون المدد من غير الله، وأنت تعبد إلهًا واحدًا فردًا صمدًا، لا إله إلا هو سبحانه عما يشركون.
أيها الإخوة: إليكم هذه البشرى العظيمة: خرج النبي عليه الصلاة والسلام ذات يوم على حلقة في المسجد، فقال: (ما أجلسكم؟)، فقالوا: جلسنا نحمد الله على نعمة الإسلام. قال: (آلله ما أجلسكم إلا ذاك؟)، قالوا: والله ما أجلسنا إلا ذاك. قال: (أما إني لم أستحلفكم تهمة لكم، ولكن أتاني جبريل فأخبرني أن الله يباهي بكم الملائكة)، جعلني الله وإياكم في هذه اللحظات ممن يباهي بهم ملائكته.
والعنصر الثاني –أيها الإخوة-: تعريف التوحيد. التوحيد –عباد الله- هو إفراد الله بالعبادة، هو أن تجعل الله عز وجل واحدًا في عبادتك، وفي طاعتك، وفي قربتك، هو أن تفرده بأفعاله سبحانه وبحمده، وأن تفرده بأسمائه وصفاته، (وَاعْبُدُواْ اللَّهَ وَلاَ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئاً) (النساء: 36)، (وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَداً) (الجن: 18).
هو أن تعبد الله مخلصًا له الدين، ولهذا أمر الله جميع العالمين بعبادة رب العالمين، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) (البقرة: 21)، بل خلقنا الله لها، وأوجدنا لها، وأحيانا لها، وأماتنا عليها، (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ (56) مَا أُرِيدُ مِنْهُم مِّن رِّزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَن يُطْعِمُونِ (57) إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ) (الذاريات: 56- 58)، فالتوحيد –أيها الإخوة- هو أن تسلم لله عز وجل بقلبك وقالبك، بقلبك وجوارحك، (وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ) (الزمر: 54)، (قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ) (الأنعام: 162).
والتوحيد –عباد الله- واجب على هذه الأمة، ولا يصح إسلام عبد حتى يكون موحدًا لله عز وجل، مفردًا ربه عز وجل بالعبادة، كما قال الله جل وعلا: (وَمَا أُمِرُوا إِلاَّ لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ) (البينة: 5)، ولهذا خلقنا لعبادته سبحانه وبحمده.
في الصحيحين من حديث معاذ –رضي الله عنه- لما كان رديفًا على حمار معه عليه الصلاة والسلام، قال: (يا معاذ: أتدري ما حق الله على العباد؟)، قلت: الله ورسوله أعلم. قال: (حق الله على العباد أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئًا)، فلهذا يجب علينا أن نعبد الله جل وعلا، وأن نفرده بالعبادة.
ولهذا –أيها الإخوة يأتي العنصر الرابع: وهو فضل التوحيد. وذلك كما قال الله جل وعلا: (الَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُواْ إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ أُوْلَئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُم مُّهْتَدُونَ) (الأنعام: 82)، فضائل التوحيد لا تعد ولا تحصى، في الصحيحين من حديث عبادة بن الصامت: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من شهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا رسول الله، وأن عيسى عبد الله ورسوله، وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه، والجنة حق، والنار حق، أدخله الله الجنة على ما كان من العمل)، وفيهما من حديث عِتبان بن مالك: (إن الله حرم على النار من قال: لا إله إلا الله)، وفي صحيح مسلم: (من مات وهو يعلم أنه لا إله إلا الله دخل الجنة)، وعند الإمام أحمد: (من كان آخر كلامه من الدنيا لا إله إلا الله دخل الجنة).
فلهذا –عباد الله-: فضل التوحيد عظيم، وأجره كريم، من رب كريم، فلهذا فضائله عظيمة كبيرة لا تعد ولا تحصى، ولو لم يكن من فضله إلا أن العبد لا يخلد في النار لكفى بذلك فائدة وفضلًا وأجرًا من الله جل وعلا.
ويأتي تحقيق التوحيد –أيها الأحبة- في العنصر الخامس: وذلك أن تحقيق التوحيد هو تخليصه وتصفيته من شوائب الشرك والبدع والمعاصي، كما قال الله جل وعلا: (وَالَّذِينَ هُم بِرَبِّهِمْ لا يُشْرِكُونَ) (المؤمنون: 59)، وكما قال جل وعلا: (وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَداً) (الجن: 18)، وكما قال جل وعلا: (وَاعْبُدُواْ اللَّهَ وَلاَ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئاً) (النساء: 36)، فيفرد المرء ربه بالعبادة تحقيقًا وتصفية من شوائب البدع والمعاصي والشرك الأكبر والأصغر، فهذا هو تحقيقه –أيها الأحبة-.
فعلينا أن نقوي علاقتنا بربنا، وأن نصفي قلوبنا لربنا، وألا نجعل قلوبنا تلتفت إلى غير الله، ولهذا يقول الله جل في علاه: (أنا أغنى الشركاء عن الشرك، من أشرك معي فيه غيري تركته وشركه)، وقال النبي لأصحابه عليه الصلاة والسلام: (أخوف ما أخاف عليكم الشرك الأصغر، يقوم الرجل فيصلي فيزين صلاته من نظر رجل إليه).
إذن: علق قلبك بالله في كل أمورك وأحوالك، (قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (162) لاَ شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَاْ أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ) (الأنعام: 162، 163)، علق قلبك بالذي بيده الضر، والذي بيده النفع، يعطي ويمنع، يخفض ويرفع، يعز من يشاء، ويذل من يشاء، سبحانه وبحمده، ولهذا –أيها الإخوة-:
إذا انقطعت أطماع عبد عن الورى
فأصبح حرًا عزة وقناعة
وإن علقت بالعبد أطماع نفسه
فلا ترج إلا الله في الخطب وحده
***
***
***
*** تعلق بالرب الكريم رجاؤه
على وجهه أنواره وضياؤه
تباعد ما يرجوا وطال عناؤه
ولو صح في خل الصفاء صفاؤه
فليتك تحلو والحياة مريرة
وليت الذي بيني وبينك عامر
إذا صح منك الود فالكل هين
***
***
*** وليتك ترضى والأنام غضاب
وبيني وبين الناس خراب
وكل الذي فوق التراب تراب
أسأل الله الكريم رب العرش العظيم أن يرزقنا تحقيق لا إله إلا الله، وأن يجعلنا من أهل لا إله إلا الله، وأن يحيينا ويميتنا على لا إله إلا الله.
الخطبة الثانية:
الحمد لله على إحسانه، والشكر له على فضله وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له سبحانه، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين.
عرفنا –عباد الله- حكم التوحيد وفضله وتحقيقه.
بقي علينا أن ندعوا الناس إليه، وأن نأمر الناس بذلك له، كما قال الله جل وعلا: (قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَاْ وَمَنِ اتَّبَعَنِي) (يوسف: 108)، فيجب علينا أن ندعوا الناس إلى لا إله إلا الله، وأن نرغبهم في فضل لا إله إلا الله، وأن نعلمهم معنى لا إله إلا الله، حتى يعبدوا الله على بصيرة، ولهذا: في الصحيحين من حديث ابن عباس: أن النبي صلى الله عليه وسلم لما بعث معاذًا إلى اليمن قال: (إنك تأتي قومًا من أهل الكتاب، فليكن أول ما تدعوهم إليه شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا رسول الله، فإن هم أطاعوك لذلك فأعلمهم أن الله افترض عليهم خمس صلوات في اليوم والليلة...)، الحديث متفق عليه، وفيهما من حديث سهل بن سعد الساعدي: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال يوم خيبر: (لأعطين الراية غدًا رجلًا يحب الله ورسوله، ويحبه الله ورسوله)، فوقعت على علي بن أبي طالب –رضي الله عنه-، فأعطاه الراية وقال: (انفذ على رسلك، وأخبرهم بما يجب عليهم من حق الله تعالى)، فيجب علينا –عباد الله- أيًا كان موطننا ومكاننا وعملنا وتجارتنا أو وظائف حكوماتنا أو غير ذلك، أن ندعوا الناس إلى لا إله إلا الله، وأن نعلمهم هذه النعمة العظيمة.
ولهذا –أيها الإخوة-: هذا عنوان السعادة، وعنوان الفلاح والريادة، (وَالْعَصْرِ (1) إِنَّ الإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ (2) إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ) (العصر: 1- 3)، يوصي بعضهم بعضًا بهذه النعمة العظيمة، والتمسك بهذه الملة الكبيرة، ولهذا لما امتنّ الله على نبيه قال: (وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ) (الضحى: 11)، قيل: حدث بلا إله إلا الله. وقال سبحانه: (وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً) (لقمان: 20)، قيل: أسبغ عليكم نعمه ظاهرة وباطنة بلا إله إلا الله. فلنكن دعاة إلى الله؛ لأن هذا هو منهج عباد الله، من أنبيائه، ورسله، وأوليائه، وعباده الصالحين.
ثم –أيها الأحبة- من تلكم العناصر: أن التوحيد أول الواجبات.
أول واجب على العبيد
إذ هو من كل الأوامر أعظم
***
*** معرفة الرحمن بالتوحيد
وهو نوعان أيا من يفهم
التوحيد –أيها الأحبة- أوجب من الصلاة والزكاة والصيام والحج، في الحديث السابق: (فإن هم أطاعوك لذلك): أي عرفوا لا إله إلا الله، وتمسكوا بلا إله إلا الله، (فأعلمهم أن الله افترض عليهم خمس صلوات)، فدل على أنهم إذا لم يعملوا، ولم يقبلوا، ولم ينقادوا إلى هذه الكلمة، فلا تخبرهم بالصلاة، ولا بالزكاة، ولا بالحج، إذ كل شيء ينفع مع التوحيد، وبدون التوحيد فإنه لا ينفع عمل، (وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَّنثُوراً) (الفرقان: 23)، (لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ) (الزمر: 65)، (وَلَوْ أَشْرَكُواْ لَحَبِطَ عَنْهُم مَّا كَانُواْ يَعْمَلُونَ) (الأنعام: 88).
أيها الإخوة المسلمون: أول ما يقرع سمعك في كلام ربك أتدري ما هو؟ هو الأمر بالتوحيد، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) (البقرة: 21)؛ إذ التوحيد هو دعوة الأنبياء والمرسلين، من أولهم إلى آخرهم، (وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولاً أَنِ اعْبُدُواْ اللَّهَ وَاجْتَنِبُواْ الطَّاغُوتَ) (النحل: 36)، (وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ إِلاَّ نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ أَنَا فَاعْبُدُونِ) (الأنبياء: 25).
عباد الله: إذا عرفنا ذلك فيجب علينا أن نخاف أن يسلبنا الله عز وجل هذه النعمة، وأن يأخذها منا ونحن لا نشعر، ولهذا –عباد الله- العلماء الراسخون في العلم، المؤمنون بالله حق الإيمان كانوا يقولون: (رَبَّنَا لاَ تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنتَ الْوَهَّابُ) (آل عمران: 8).
والله ما خوفي الذنوب فإنها
لكنما أخشى انسلاخ القلب من
ورضى بآراء الرجال وخرصها
***
***
*** لعلى سبيل العفو والغفران
تحكيم هذا الوحي والقرآن
لا ذاك كان بمنة الرحمن
فلنحرص –عباد الله- على أن نثبت إيماننا وإسلامنا، وعقيدتنا وتوحيدنا، بالعمل به، وبالعمل بشعائره، ومشاعره وآدابه وأخلاقه، ولهذا كان النبي صلى الله عليه وسلم يخاف على سادات الصحابة الشرك بالله عز وجل، كما قال لهم: (أخوف ما أخاف عليكم الشرك الأصغر)، بل نبينا إبراهيم عليه الصلاة والسلام كان يدعو الله: (وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَن نَّعْبُدَ الأَصْنَامَ) (إبراهيم: 35).
إذن: يجب علينا أن نخاف أن يسلبنا الله هذه النعمة، بل يجب علينا أن نحمد الله بألسنتنا، وأن نعترف بها في قرارة أنفسنا، وأن نُعمل جوارحنا لها، (لَئِن شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ) (إبراهيم: 7).
ثم –عباد الله- توضيح التوحيد –أيها الأحبة- في قول لا إله إلا الله، لا إله: نافيًا جميع ما يُعبد من دون الله، إلا الله: مثبتًا العبادة لله وحده، فالتوحيد –أيها الأحبة- هو بالنفي والإثبات، في كلمة لا إله إلا الله، فإذا قلت: لا إله. فأنت تنفي جميع ما يُعبد من دون الله، كائنًا من كان، من نبي أو ولي، أو صالح أو طالح، أو رطب أو يابس، أو كائن من كان، وإذا قلت: إلا الله. فإنك تثبت العبادة لله، فلا تصرفها إلا له، (فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَداً) (الكهف: 110)، فالتوحيد نفي وإثبات، لا إله: نافيًا جميع ما يُعبد من دون الله، إلا الله: مثبتًا العبادة لله وحده، فالنفي وحده لا يسمى توحيدًا، والإثبات وحده لا يسمى توحيدًا.
وآخر العناصر، وتلكم العنصر العاشر: وهو آثار التوحيد. آثار التوحيد –أيها الأحبة- كثيرة، وجليلة، وعظيمة، وهل من نعمة إلا وهي تحت راية لا إله إلا الله، وتحت هذه النعمة العظيمة؟.
فتدبر القرآن إن رمت الهدى
*** فالعلم تحت تدبر القرآن
من تلكم الآثار: انشراح الصدور. (فَمَن يُرِدِ اللَّهُ أَن يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلاَمِ) (الأنعام: 125).
ومنها: الأمن، والأمان، والاستقرار. (الَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُواْ إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ أُوْلَئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُم مُّهْتَدُونَ) (الأنعام: 82).
ومن الآثار: الرفعة في الدنيا والآخرة. (يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ) (المجادلة: 11).
ومن تلكم الآثار: دفع الله عن العبد. (إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا) (الحج: 38).
وكذلك –أيها الأحبة-: الراحة النفسية، والطمأنينة الجسمية والقلبية. (الَّذِينَ آمَنُواْ وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللَّهِ أَلاَ بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ) (الرعد: 28).
وكذلكم من الآثار: السعادة الأبدية. وقد قال شيخ الإسلام ابن تيمية كلمة جميلة عظيمة: من أراد السعادة الأبدية فليزم عتبة العبودية. (مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً) (النحل: 97).
ومن تلكم الثمار والآثار: دخول الجنة والنجاة من النار. (فَمَن زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ) (آل عمران: 185).
ومن ذلكم: النور في الحياة وبعد الممات. (أَوَ مَن كَانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ) (الأنعام: 122).
وكذلكم –أيها الأحبة-: الأجور العظيمة على الأعمال القليلة. إذ التوحيد يصح معه كل شيء، (إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ) (المجادلة: 10).
هذه –عباد الله- عناصر مختصرات، وكلمات وجيزات، أسأل الله عز وجل أن يرفع بها الحسنات، ويكفر بها السيئات، وكما جمعني وإياكم في هذا المكان المبارك الطاهر، أن يجمعنا في دار كرامته، إخوانًا على سرر متقابلين.
والله أعلم.
المرفقات
خطبة تذكير العبيد بنعمة التوحيد - للشيخ خالد بن علي أبا الخيل.doc
خطبة تذكير العبيد بنعمة التوحيد - للشيخ خالد بن علي أبا الخيل.doc