-تذكير العبيد- بصدقة الفطر والعيد

خالد علي أبا الخيل
1437/09/27 - 2016/07/02 19:59PM
-تذكير العبيد- بصدقة الفطر والعيد
التاريخ: الجمعة: 9/ محرم /1437 هـ
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله على حسن الختام، وعلى نعمة الصيام والقيام، وأشهد أن لا إله الله، شرع لعباده مواسم مع مواسم للغنائم والاغتنام، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، حث على صلاة العيد وصدقة الفطر من الطعام، صلى الله عليه، وعلى آله وأصحابه الكرام.
أما بعد.،
أمة الإسلام: اتقوا الملك العلام، تدخلوا الجنة بسلام.
عباد الله: شرع في ختام شهركم عبادتين عظيمتين، وشعيرتين ظاهرتين، عبادة تطهير ونقاء، وعبادة فرحة وهناء وبهاء، وانظروا إلى سر العلاقة بينهما في تمام شهر الصيام، شكر لله على التمام، وتطهير من النقص والتقصير والآثام، وتعقبها فرحة بتمام الصوم، وقبول الله، وسرور وحبور، لعلكم عرفتموها، هما صدقة الفطر وصلاة العيد، فاسمعوا جيدًا ما يتعلق فيهما باختصار وإيجاز، جعلني الله وإياكم ممن بهذا الشهر فاز، وللعتق من النار حاز، فزكاة الفطر واجبة على الصغير والكبير، والذكر والأنثى، والحر والعبد، والعاقل وغير العاقل من المسلمين، فيلاحظ –أيها الإخوة- من كان عنده معتوه أو مجنون أو أيتام فيخرجها عنهم من يعولهم، أو وليهم، أو من أموالهم إن كان لهم أموال، أو كان وصيًا على أشخاص، أو وكيلًا عنهم فيخرها عنهم، ويدخل في ذلك تذكير العمال والخدم والسائقين، وأما الحمل فلا تجب عليه، فالزكاة زكاة بدن لا زكاة مال، وكذا يلاحظ المسلم فالكافر كالوثني، والقبوري، واليهودي، والنصراني، ومن لا يصلي لا يخرج عنهم، فمن كان عنده عمال كفار، أو خادم أو خادمة كافرة لا يخرج عنهم؛ لأن الإسلام شرط في العبادة، ولأن الزكاة طهرة والكافر ليس أهل للتطهير إلا بالإسلام، {إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ}[التوبة: 28]، وأما إن سألتم عن نوعها، فهو كما في الصحيح: (صاع من بر، أو صاع من تمر، أو صاع من زبيب، أو صاع من أقط، أو ما يقوم مقامهما من قوط البلد وطعامه)، ولكل بلد قوطه وطعامه، كالأرز مثلًا، والأفضل إخراج ما جاءت به السنة إن وجد من يقبله ويأكله، لا من يعطيه البهائم ويتلفه، فإذا وجد من يقبل التمر أو البر مثلًا، فهو أفضل وأقرب للسنة وأجرًا، ولهذا كان ابن عمر يخرجها تمرًا، ولا يشترط لها الصوم، فالكبير والصغير وكذا النفساء لو استغرقت رمضان كله، وكذا المجنون والمريض والمسافر يجب عليهم إخراجها وإن لم يصوموا أو لم يتمكنوا من الصيام، ويخرجها الفقير كما يخرجها الغني، إذا كان عنده ما يتصدق به ويفضل عن قوطه، فبعض الفقراء يأخذ ولا يخرج، وإذا كان عنده وجب عليه أن يخرج، وأما إن سألتم عن مقدار صاعها، فهو كيلوان وربع، وبعضهم يزيد إلى ثلاث كيلوات، والواجب ا لتقيد بالنص حسب الإمكان، ولا يضاف إلى الصدقة شيء آخر، كالإدام، والفواكه، والخضروات، والدراهم، فالواجب العمل بالمفروض فقط.
وأما وقت إخراجها: فهو قبل الصلاة من يوم العيد، أو ليلة العيد، وهذا هو الأفضل لمن تمكن من ذلك، أو كان الفقير بجواره أو قريبًا منه، ويجوز إخراجها قبل العيد بيوم أو يومين، كالثامن والعشرين، والتاسع والعشرين، ومن لم يتمكن من إخراجها قبل صلاة العيد لعذر، كمرض، أو نسيان، أو جهل، أو وصيّ عليها فنسيها، أو نسيها في سيارته، فيخرجها ولو بعد العيد، مقبولة بإذن الله، وأما إن تعمد عدم إخراجها يوم العيد قبل الصلاة، فهو كما قال عليه الصلاة والسلام: (من أداها قبل الصلاة فهي زكاة مقبولة، ومن أداها بعد الصلاة فهي صدقة من الصدقات)، وتخرج طعامًا، ولا تخرج دراهم؛ لأنه خلاف المنصوص عليه، ولله في شرعه أسرار وأحكام، قال أبو داود: قيل للإمام أحمد وأنا أسمع: يعطي دراهم؟. قال: أخاف أن لا يجزئه خلاف سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم. وهذا الأقرب للسنة، والأحوط للعبادة، وهو اختيار الشيخين المعاصرين: ابن باز، وابن عثيمين، وغيرهما من المحققين –عليهم رحمة رب العالمين-، ولا تنظر بنظرك القاصر إلى الصاع، وإنما انظر قدر العمل والإتباع.
ومن تخرج عنه؟: تخرج عن من تلزمه المرء نفقته، كالزوجة والولد ونحوهما، وإن استطاعوا أن يخرجوها عن أنفسهم فهو أولى، وإن كانوا في البيت جميعًا؛ لأنهم هم المخاطبون بها، وهذا الأصل في العبادة، أن يأتي الإنسان بها بنفسه ومن ماله، وهذا الأفضل والأكمل، وكذا الخادمة والسائق في البيت تخرجها عن نفسها، وإن أخرجها من هي عنده، فلا بأس بشرط إخبارها.
ومن فوائد إخراج كل إنسان عن نفسه، كالولد والزوجة: تعويدهم وتعليمهم، ومما ينبغي أن يعلم، لو أخرجتها عنهم، يجب إخبارهم، وإعلامهم، وإن حصل رؤيتها لهم لتنطبع تلك الشعيرة، وترسخ تلك العبادة، فلا أقل من أن يروها، ويعلموا قدرها وحكمها وأسرارها، وعلى الإنسان التأكد من مستحقها وآخذها، فليست عادة سنوية، أو مرتب سنويًا عائديًا، فبعض الناس يتساهل عن البحث الدقيق، ويعجز عن البحث عن الفقير المستحق، فيعطيها من هب ودب، أو جلس على أبواب المحلات التجارية، والطرقات الرسمية، أو يحابى قريبًا لا يستحقها، فالزكاة ليست عبئًا وحملًا ثقيلًا، تريد أن تضعه عن كاهلك، وإنما هي عبادة لا عادة، وإن كانت صاعًا من طعام، فإن كان القريب محتاجًا مستحقًا فهو أفضل من غيره، فهي صدقة وصلة والأقربون أولى بالمعروف.
ولا يجوز إخراج رديء الطعام، ورديء الأرز، والتمر مثلًا؛ لأن الله طيب لا يقبل إلا طيبًا، {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَنفِقُواْ مِن طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُم مِّنَ الأَرْضِ وَلاَ تَيَمَّمُواْ الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنفِقُونَ وَلَسْتُم بِآخِذِيهِ إِلاَّ أَن تُغْمِضُواْ فِيهِ} [البقرة: 267]، فالمرء لا يرضى أن يدفع له الرديء لو دفع له، وربما رماه، فكيف يرضاه لله؟!، والبعض ينظر إلى حالة الفقير، فيقول: هذا المحتاج يأخذ كل شيء، أو أي شيء تعطيه يأخذه. وهذا ظلم، فأنت تعامل الله، لا تعامل خلق الله، فالأجود الأفضل، والمتوسط يقبل واحذر الرديء، ولهذا تجد البعض يبحث عن الرخيص والردي بيد أنه في ولائم العيد يختار الجيد الهني، وهي بحمد الله في زمننا هذا دراهم معدودة، ويجوز إذا قبضها الفقير أن يتصرف فيها كيف شاء، أكلًا، أو بيعًا، أو صدقة عن نفسه وأهله، أو إخراجًا، أو إهداءً، أو صرفًا فهي ملكه، ولا يجوز للمعطي أن يشترط على المعطى شروط كأكلها وعدم بيعها، بل إذا ملكها فله التصرف فيها.
هذا وليعلم: أنه يجوز للفقير المسكين لتوكيل صاحب الصدقة في قبرها، فيقول لصاحب الصدقة المعطي: أنت وكيلي فيما تعطيني، أو يعطي لفلان من صدقة الفطر. وفي هذا توسعة لمن ضاق عليه الوقت من نسيان أو نحوه، أن يتصل عليه هاتفيًا ويخبره ليوكله، ولا بد من التوكيل، فلو قبضها عنه بدون توكيل، أو نوى المتصدق فقط، أو علم أنه يستحقها فقط، فلا يجزئ إلا بعد علم صاحبها، (إنما الأعمال بالنيات)، وكذا من كان بعيدًا عن أهله، وقال: أخرجوها عني، أو سوف أخرجها عنكم. لكن لا تصرف إلا في وقتها المحدد، ومثله ما يقوم به المستودعات الخيرية، جزاهم الله خيرًا على بذلهم، وجهودهم، وحرصهم، وعونهم لإخوانهم، فهم وكلاء بالإخراج، هذا ويجوز أن يعطى الجماعة ما يلزم الواحد، وكذا العكس، فمن عنده مثلًا خمس فطر، يجوز دفعها لفقير واحد، ومن عنده واحدة، يجوز دفعها لخمس فقراء، ويراعى في ذلك المصلحة والمنفعة، ولا تعطى إلا المساكين على الصحيح من قول العلماء، كما اختاره شيخ الإسلام وابن القيم؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (طعمة للمساكين)، فمصرفها واحد، وهو المسكين.
وأما عن حكمتها: فمنها تطير الصائم من النقص والتقصير والخلل والصيام، واللغو والرفس، وما حصل من عثرات الصيام، وخطرات النظر والكلام، وطعمة للمساكين، سد جوعتهم، وإغنائهم، وإخراجهم، وإفراحهم، وإدخال السرور عليهم، وشكرًا لرب العالمين على إتمام الصوم وإكماله، وإنهائه، {وَلِتُكَبِّرُواْ اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} [البقرة: 185].
هذا وبعض الناس يستحقر زكاة الفطر ويتلفظ، وما ينفع الفقير صاع رزًا أو برًا، أو عنده ما يأكله ويشربه، أو ما تؤثر فيه، أو ما يغنيه، هذا اليسير، أو لن يأكله يوم العيد، أو نحو ذلك من العبارات، وهذا نوع اعتراض على التشريع، {لَن يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلا دِمَاؤُهَا وَلَكِن يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنكُمْ} [الحج: 37]، فهذه عبادة عظموها وجودوها في نفوسكم، وأولادكم، وبلادكم، {وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ} [الحج: 32].
وليس لها ذكر عند إخراجها، أو دعاء معين عند إعطائها، والأصل أن تدفع في المكان الذي أنت فيه، وإن دعت الحاجة إلى نقلها، جاز نقلها، فهذه عشرون مسألة، جعلني وإياكم في أعلى منزلة.
الخطبة الثانية:
الحمد لله على توفيقه وامتنانه، اشكره سبحانه على إتمام الصوم وكماله، وأما فرحة العيد فهي فرحة تتلاشى أمامها المكدرات، وتزول المنغصات، فرحة تعلو الوجوه والحياة، تغمر الصغار قبل الكبار، فلا ننسى نشرها وبثها، ليصحبها الابتسامة، والبشاشة، وطلاقة الوجه، ونسيان الماضي، والتغاضي عن الهفوات والزلات، فعلينا تبادل التهاني، والدعاء بالقبول، والفرح والسرور، والصلة والصدقة، والسلام والمودة، والتزاور والتراحم، والتواصل والتلاحم، وإزالة الشحناء والبغضاء، والهجر والتقاطع، هذا ويتأكد تأكدًا شديدًا الخروج لصلاة العيد، فيستحب للرجال والنساء والرجال والأطفال، ومما يلاحظ على البعض السهر ليلة العيد، ومن ثمَّ النوم عن صلاة العيد، فهل هذا من شكر المنعم، وإتباع الحسنة والمغنم؟!، ولم يثبت في إحياء ليلة العيد حديث، فهي كغيرها من الليالي، ولا بأس بالسهر والفرح المباح، والأنس والارتياح، ويسن للجميع الاغتسال، كغسل الجنابة، صغارًا وكبارًا، رجالًا ونساءً، ولبس أحسن الثياب، وأجمل اللباس، والتطيب بأجود الطيب للرجال خاصة، ويسن لمن خرج لصلاة العيد أن يأكل قبل خروجه تمرات، يأكلهن وترًا، أي ثلاثًا، أو خمسًا، أو سبعًا، ويتأكد حمد الله وشكره وتكبيره، {وَلِتُكْمِلُواْ الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُواْ اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} [البقرة: 185]، ومن ذلك التكبير، والجهر به، وإعلانه، وصفته لا حد لله، الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر، الله أكبر ولله الحمد، مبتدئًا منذ إعلان العيد، ويتأكد قبل صلاة العيد حتى يخرج الإمام لفعل ابن عمر –رضي الله عنهما-.
ومن السنة –إخوة الكتاب والسنة-: مخالفة الطريق، فإذا جئت من طريق ترجع من آخر، سواء راجلًا أم كنت راكبًا على سيارة، ويحرم صوم العيد لما فيه من الفرح والشكر، والأكل والحمد، ولهذا سن فتح نهاره بإعلان الإفطار، وأكل التمر، امتثالًا يعلنها المسلم إمساكًا للصيام، وإفطارًا وقت الإفطار، طاعة وانقيادًا للواحد القهار، وما أجمل المسلمين حينما تراهم على موائدهم وولائهم الكبار منهم والصغار، متحلقين حامدين، ولربهم شاكرين، فاحذروا الإسراف والتبذير، وعظموا هذا الرب اللطيف الخبير.
هذا وما يفعله بعض الناس في الأحياء من تبادل وجبة الطعام في الحي، من الشعائر الإسلامية، كما أشار إلى ذلك ابن تيمية، فتقوى الأواصر والمحبة والتواصل والزيارة، وهذا ما كان معهودًا في الزمان السابق، هذا والتهنئة بالعيد من فيها آثار سلفية، فينبغي تبادل التهاني لكن لا يكون قبل العيد، فبعض الناس شرع في الرسائل عبر الرسائل النصية أو الواتس للتهاني من الآن، وهذا تقدم على الحال والمآل، والواجب وقتها بعد صلاة العيد للشعور بهذه الفرحة، وهذه الشعيرة، واحذروا التهاني المحرمة والاكتفاء بها، خصوصًا الأقارب القريبين برسالة، فالأقارب يجب صلتهم، والذهاب إليهم، ولا يكتفى برسالة إلا من كان بعيدًا، أو صديقًا، ولكلًا أيضًا خلته، وما تعارف عليه المرء في بلده، فالمباشرة والمشاهدة لها أثرها وترابطها وصلتها، {وَإِذَا حُيِّيْتُم بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّواْ بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا} [النساء: 86]، فلتكن فرحتنا تهانينا، وإدخال السرور على أقاربنا وأحبابنا وأصدقائنا، ومن لهم حق علينا، من رموز عيدنا، وأصول جمعنا.
هذا وحصنوا ظنكم بربكم بقبول أعمالكم، واحمدوا الله عز وجل بما أنعم عليكم من القيام والصيام والدعاء، والصلاة، فاشكروه على هذه النعم العظيمة، وواصلوا الطاعة بالطاعة، واحذروا التقصير والمعصية والإضاعة، أسأل الله عز وجل أن يجعلني وإياكم من عباده المقبولين.
والله أعلم.
المشاهدات 1042 | التعليقات 0